fbpx

“أنا ماني حاطة حجاب، فيني أطلع؟”… موتُ طفلةٍ كتفصيل صغير أمام الموروث

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في سوريا، يصبح الموت خياراً قد تميل إليه طفلة لم تتجاوز الثالثة عشرة نصرة لحجابها، وتغدو النجاة مقرونة بالاستعباد بالنسبة إلى طفلة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طفلة تستغيث بمنقذ أن يخرجها من تحت الأنقاض قائلة: “عمو طلعني من هون وبصير عندك خدامة”، وأخرى تسأل والدها إن كانت تستطيع الخروج من دون حجاب، هما حكايتان لطفلتين سوريتين في زلزال 6 شباط/ فبراير، تختصران وضع النساء العربيات، وتحكيان الكثير عن حياة الفتيات والنساء. 

شمس موصللي طفلة تبلغ من العمر 13 سنة، حارت في لحظة الموت إن كانت تستطيع الخروج من دون حجاب، لذلك سألت والدها من تحت الأنقاض، “فيني أطلع بلا حجاب؟”. افتخر كثيرون بتصرّف الطفلة، الذي يعكس التزاماً بالدين وطاعة لوالدها، لكنهم تجاهلوا أمراً أساسياً، ما الأهم، الحياة أم الحجاب؟ 

رد الفعل الذي امتدح الطفلة وسلوكها، يشير إلى أن حياة النساء والفتيات بلا أي معنى أو قيمة أمام التقاليد والأفكار الذكورية، ليس في ما يتعلق بالحجاب وحسب، بل بالسلطة الأبوية التي تفرض على الفتاة انتظار موافقة والدها قبل أن تتصرف. علماً أننا نتحدث عن كارثة حصدت أكثر من 50 ألف قتيلٍ!

كانت شمس نائمة مع عائلتها حين حصل الزلزال، أيقظهم والدها ليهربوا من المنزل، تقول شمس: “طلعنا ع الباب واستوعبت أنا أنو مانا حاطين حجابات، رجعت ع الصالون لجيب طقومة صلاة نلبسن”. وحينها تحطم المنزل فوق رؤوس العائلة، وهكذا ببساطة كانت شمس تملك فرصة للنجاة، لكن الموروثات تغلبت على الحياة وعلقت الفتاة تحت الأنقاض، لكن حتى حين أُتيحت لها فرصة نجاة ثانية وتمكنت من الخروج، سألت والدها العالق قريباً منها: “أنا ماني حاطة حجاب فيني أطلع أو لا؟”، ليقول لها: “طلعي الله بسامحك”.

تحملُ هذه القصة الصغيرة الكثير من إشارات الاستفهام، والتي توصلنا الى سؤال أساسي، من الذي ينتصر: حياة الفتاة أم الموروثات؟ النجاة أم الحجاب؟ بدايةً، هناك طفلة عمرها 13 عاماً ترتدي الحجاب، غير مؤهلة بطبيعة الحال للحكم الواعي على الأمور أو حتى لاختيار ارتداء الحجاب من عدمه، لُقنت عن قصد أو من دونه، أن حياتها لا تساوي شيئاً أمام الحجاب، ولو تزلزلت الأرض من تحتها وكادت تفقد حياتها، يجب أن تتوقف للحظة حائرة بين حجابها وحياتها، أما الجزء الآخر فهو توجهها إلى والدها لسؤاله إن كانت تستطيع الخروج من دون حجاب، ما يؤكد عدم وعيها وإدراكها للأمور وعجزها عن اتخاذ قرار، على رغم أن غريزة الحياة يجب أن تكون أقوى في مواقف كهذا.

أن تخشى طفلة والدها أكثر من الموت، أمر يجب التوقف عنده طويلاً، فهل لو قال لها والدها “لا تخرجي”، كانت ستموت ببساطة؟ لا يمكن اتهام الطفلة أو إلقاء اللوم عليها، فهي ببساطة غير قادرة على إطلاق أحكام واعية، ابتداءً من ارتداء الحجاب، وصولاً إلى الخوف من الخروج مكشوفة الرأس، يقول بعض المعلقين إنها طفلة ولن تعي ذلك، وهم هنا يدينون أنفسهم، نعم إنها طفلة، وكما لُقنت أهمية الحجاب كان يجب أن تدرك أهمية حياتها وقيمتها. 

ولسبب ما، تربط جرح رأسها بعدم ارتدائها الحجاب فتقول، “أنا راسي مفجوج لأن ما كنت حاطة ع راسي”، أي أن رأسها مصاب بسبب عدم وضع الحجاب، في الحقيقة لا رابط منطقياً بين الأمرين، سوى أن أفكار تلك الطفلة الصغيرة ذهبت نحو تخيلات غير واقعية، جاءت نتيجة تفخيم الموروث وتفضيله على النجاة.

من جهة أخرى، وفي خضم الكارثة، لم تكن عبارة طفلة عالقة تحت الأنقاض وهي تستغيث بالمنقذ: “طلعني وبصير خدامة عندك”، لتُفسّر على أي نحو، سوى الرغبة في النجاة، لكن الآن وحين ننظر من مسافة أبعد الى هذه الحكاية الصغيرة، نستطيع إدراك فداحتها، وما تحمله من تأويلات، والتي تعكس أنماط التربية وأفكاراً تُغرس عنوة في الفتيات، حتى وصلت طفلة الى مرحلة ساومت فيها على حياتها مقابل أن تصبح خادمة. ما الذي يدفع طفلة لم تتجاوز العاشرة، الى أن تساوم على إنقاذ حياتها وألّا تطلب النجدة ببساطة كما يحدث في أي مكان آخر!

أرادت تلك الطفلة النجاة حقاً، لكن ما تلقته خلال سنواتها القليلة علّمها أن حياتها رخيصة جداً ولا تملك ما تبادله بحياتها سوى نفسها، وهذا ما يدفعنا الى التساؤل، لو كان طفلٌ ذكر في مكانها، هل كان ليقول “طلعني وبصير خدام عندك؟”.

في سوريا، يصبح الموت خياراً قد تميل إليه طفلة لم تتجاوز الثالثة عشرة نصرة لحجابها، وتغدو النجاة مقرونة بالاستعباد بالنسبة إلى طفلة أخرى، عقود من الاستبداد والحروب وتغذية الفكر الذكوري والسلطة الدينية في التفكير، حوّلت أجيالاً إلى أطفالٍ بلا هوية أو قرار، أطفال هائمين في فلك القتل والخوف والموروثات المغلوطة.