fbpx

مسيحيو لبنان: من ميشال شيحا إلى رياض سلامة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك جهد لتهميش موقع رئيس الجمهورية في لبنان، وهو امتداد لتهميش موقع المسيحيين فيه، لكن أيضاً ضعف حساسية الحداثيين المسيحيين حيال ظواهر مثل رياض سلامة وجمعية المصارف، أظهر أن الطاقة “الثقافية” للمسيحيين يمكن أن توظف لحماية مرابين وفاسدين،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في لبنان، وتبعاً للمؤشر الطائفي الذي يحكم كل شيء، يشعر المرء بأن المسيحيين، بقواهم وكتلهم في مجلس النواب محقون في أن يشعروا بأن تسيير مؤسسات الحكم قبل انتخاب رئيس للجمهورية هو إمعان في التهميش، لا لموقع الرئيس فحسب، إنما لموقعهم في المعادلة المذهبية. والقوى المسيحية المتنافرة والمتنازعة إذ عطلت بالأمس جلسة اللجان النيابية، إنما فعلت ذلك مدفوعة بمشاعر ما قبل انقساماتها، أي تلك التي تشتغل على وقع إمعان الطوائف غير المسيحية في تهميش المسيحيين بكل وظائفهم، وهذا لعمري كارثة الكوارث علينا نحن اللبنانيين عموماً، وليس المسيحيين وحسب. ذاك أن ما سيتبقى لنا بعد ذواء وظائف المسيحيين لا يزيد عن علي حسن خليل ووفيق صفا، وفي أحسن الأحوال عدنان طرابلسي.

لا يعني هذا الكلام التعويل على جبران باسيل وسمير جعجع، وطبعاً لا ينطوي على تعويل على رياض سلامة، ذاك أن هؤلاء هم جزء من حقبة “التعريب” التي تعرض لها مسيحيو لبنان، بل ينطوي على تعويل على ما تبقى خارج “التعريب” وهو في حالة المسيحيين موجود على نحو أوضح من غيرهم من الجماعات، ويمكن رصده في أنماط العيش وفي الحضور اليومي، وفي المناطق والأصوات.

نعم هناك جهد بذل ويبذل لتهميش موقع رئيس الجمهورية في لبنان، وهو امتداد لتهميش موقع المسيحيين فيه، والطامة الكبرى أن قوى مسيحية كبرى لعبت أدواراً في هذا الجهد. تجيير “التيار الوطني الحر” (العونيين) حضوره لمصلحة حزب الله، من جهة، وطرفية “القوات اللبنانية” من جهة أخرى، لعبا أدواراً مساعدة في تحويل المسيحيين إلى قوة ملحقة. لكن أيضاً ضعف حساسية الحداثيين المسيحيين حيال ظواهر مثل رياض سلامة وجمعية المصارف، أظهر أن الطاقة “الثقافية” للمسيحيين يمكن أن توظف لحماية مرابين وفاسدين، وهذا ما لم يمثله الأسلاف، ويصح التشبيه هنا بأننا انتقلنا من زمن ميشال شيحا إلى زمن رياض سلامة.

هل يمكن رد ما آلت إليه أوضاع المسيحيين إلى تخلي الغرب عنهم، فيما وجد الشيعة من يعوض يتمهم التاريخي في لبنان، وواصل السنة “شراكاتهم العربية” عبر رفيق الحريري حتى عام 2005، وصولاً إلى المصير البائس لنجله سعد؟ قد يصح هذا الافتراض وقد لا يصح، لكن الحقيقة الأكيدة أنه يجري كظم مساحة المسيحيين “الثقافية” في سياق كظم مساحتهم الطائفية والسياسية. والمحزن في هذه الحقيقة أن النموذج الذي انتجوه على هامش تجربتهم السياسية يجري “استئجاره” ليخدم بعيداً عن لبنان. قبل العام 2005 وظفه الراحل رفيق الحريري في ماكينته الإعمارية والاستثمارية، واليوم يتم إلحاقه في مشاريع نيوم في السعودية ومنافساتها الإماراتية والقطرية، وصولاً إلى شرم الشيخ.   

المأزق هو مأزق المسيحيين بالدرجة الأولى، لكنه أيضاً مأزق ما يمثلونه من معان. واليوم تجري وقائع فعلاً مؤلمة على هذا الصعيد، فما باليد حيلة أمام مراوغين من أمثال نبيه بري ونجيب ميقاتي، وأمام حقيقة ثقيلة تتمثل في أن “حزب الله” هو القوة التي صنعت لجبران باسيل كتلته النيابية المسيحية. وليس أمام سمير جعجع والحال هذه إلا أن ينضم إلى جهود جبران باسيل الاستغاثية. وبينما يعطل المسيحيون جهود التمديد لمدير عام الأمن العام عباس إبراهيم، يكتشفون أنهم أسدوا بذلك خدمة لرئيس مجلس النواب الذي لا يرغب فيه من جهة، وثانياً له ولـ”حزب الله” عبر تمهيدهم الطريق لشيعي إلى حاكمية مصرف لبنان عندما يشغر المنصب بعد نهاية ولاية رياض سلامة، ذاك أن حلول مسيحي محل عباس إبراهيم يمهد لحلول شيعي محل سلامة!

هذا جزء من مشاهد السيرك المذهبي والطائفي اللبناني، إلا أنه سيرك غير تبادلي في ظل الوهن المسيحي المستفحل منذ اتفاق الطائف والمتعاظم اليوم. فالشيعة طائفة صاعدة صعوداً صاروخياً، والسنة، وعلى رغم خسائرهم وتداعي زعاماتهم، طائفة مستقرة ومطمئنة إلى غلبتها الديموغرافية والاجتماعية، ووحدنا نحن والمسيحيين في فم الحوت.