fbpx

محلات أبو باسم في دمشق: الرغبة في “الموت” بين البضائع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اللافت في ظل هذا الانهيار هو استمرار الإعلانات، هي موجودة في الشوارع لكن تغيب عنها الأسعار، تنافسها وسائل التواصل الاجتماعي، لا التلفزيون بسبب غياب الكهرباء لفترات طويلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما زال انهيار الاقتصاد/ التضخم/ النهب الذي تمر به سوريا حديث العهد، مع ذلك اكتسب على إثره من يعيشون في سلام نسبي، عادات جديدة ما زالت تثير الدهشة والحسرة، كأن تتحول الليرة السورية إلى أضحوكة، وتُستبدل المحفظة بكيس أو جوارب، أو حقيبة يد لاحتواء “الألفات”، التي إن ملأت ما يحتويها، لا تتجاوز قيمتها الـ20 أو 30 دولاراً.

تلاشى دور (الجزدان -portefeuille)، علامة “الرجولة” وسطوة المال، ولم تعد حقيبة اليد النسائية تكفي لأكداس الأموال، فالتضخم  جعل أسعار بعض السلع تصل إلى “الملايين”، تلك التي كانت منذ عقد ونيف، تساوي مبالغ طائلة، تكفي اثنان منها أحياناً، أي مليونين، لشراء منزل وسيارة في إحدى ضواحي العاصمة.

خلق الانهيار الاقتصادي بالتوازي مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، أساليب جديدة للتسويق والربح، كمشاهدة الإعلانات مقابل بدل لا يتجاوز الدولار الواحد، أو تلك الصرعة التي تورط بها “مشاهير” سوريا، عبر تطبيق “ستارزلي”،  الذي يتيح للمستخدم إرسال فيديو  تهنئة أو معايدة أو سلام مخصص لشخص ما كهديّة، مقابل دفع مبلغ مالي يتراوح بين الـ30 والـ300 يورو، بحسب النجم وشهرته. 

الإعلانات رغم الانهيار

اللافت في ظل هذا الانهيار هو استمرار الإعلانات، هي موجودة في الشوارع  لكن تغيب عنها الأسعار، تنافسها وسائل التواصل الاجتماعي، لا التلفزيون بسبب غياب الكهرباء لفترات طويلة. وهنا المفارقة، غياب السعر يهدد مفهوم الإعلان، الذي يُلخّص ببساطة، “ادفع كذا من المال، كي تنال السلعة الفلانيّة، وتمتع بنمط الحياة الذي تعدك به”.

 غياب السعر يُهدد الوعد، خصوصاً في ظل التضخم، إذ يمكن التكهن بمقدار المبلغ الذي يحمله الشخص، بناء على حجم المحفظة بيده، لم يعد تحسس جيبه العلامة المتفق عليها لمعرفة كمية النقود التي يمتلكها الشخص، بل حجم المحفظة أو وزنها.

الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي أقل غموضاً، إما يوضع السعر بوضوح، أو يُطلب ممن يريد الشراء “التواصل على الخاص”، مع كلمات تسعى إلى جذب المتصفح، “أسعار منافسة”، “تحطيم أسعار”، “أسعار نارية”، صفات تُستخدم للإحالة إلى (السعر) بوصفه ليس محط جدل، لأنه “مثالي” ومختلف ولا يماثله أي “سعر” آخر، هي تقنيات إعلانيّة بدائيّة، لكن جميعها، لا تلتقط الخراب والتضخم، المُعلن يأخذ موقفاً محايداً، لا يراعي جمهوره، ما يهم هو السلعة وسعرها فقط.

ضمن عالم وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً المنتشرة في سوريا، يظهر أمامنا “أبو باسم”، رجل لن نتكهن بعمره، يبيع الثياب، “رجالي، نسائي، ولادي”، ويمتلك بحسب صفحته على “فيسبوك” 9 محلات، تتركز غالبيتها في دمشق وريفها، ويضع طبعاً أسعار القطع. وتحوي صفحته صوراً للبضائع وأحياناً لعارضات، وقد أعلن راهناً عن توافر خدمة التوصيل عبر صفحته التي تحوي 242 ألف معجب، و364 ألف متابع إلى لحظة كتابة هذا المقال، فالرقم دائما الى ازدياد.

اللعب بين “البضائع”

عكس أساليب الإعلان التقليديّة، يروج أبو باسم (اسمه الحقيقي سامر جبري) لمحلاته وبضائعه بنفسه، أي يظهر بنفسه عبر مقاطع فيديو قصيرة، داعياً الناس إلى شراء البضائع، التي نراها مكدسة أمامه، يمزق ما يغلفها مردداً أسعارها، مخرباً الترتيب التقليدي، ورامياً أحياناً بنفسه بين أكوامها. يحاول أبو باسم “الانتحار” مراراً في عدد من الفيديوات، رامياً نفسه فوق البضائع، السبب، هو رغبته بتجديد “العرض”، أي تحطيم الأسعار، والتحطيم هنا ليس بمجازي، هو يرمي بنفسه فعلاً فوق البضائع أمام ترجي من حوله ومن يعملون معه أن “يطيل باله”، لكنه مُصرّ، ما يفعله يحاكي الانتحار في بلد اقتصاده منهار كلياً.

يتكرر أداء التخريب وتمزيق مغلفات الثياب في فيديوات “أبو باسم”، فما يفعله لا يقبله عقل (من وجهة نظره)، يردد الأسعار التي لا تُعتبر مقبولة أو رخيصة بالمقارنة مع زمن “الما قبل” ومع منافسيه، وهنا يمكن فهم جماليات الحطام المبتذلة التي يحاكيها أبو باسم، لا شيء قائم على حاله، الترتيب وعرض البضائع بأناقة شأن لا يفيد، هو يخاطب المستهلكين مباشرة، أنظروا ما أفعل بنفسي لأجلكم، أمزق وأخرب لأجلكم، كي تشتروا. يستعرض البضائع ويرميها، هذه بـ120 ألفاً، وهذه بـ30 ألفاً، وتلك بـ60 ألفاً، لا يهم الترتيب، ولا أناقة العرض، ما يحصل لا يقبله عقل ولا يمكن الإعلان عنه بصورة تقليديّة.

غياب السعر يهدد مفهوم الإعلان، الذي يُلخّص ببساطة، “ادفع كذا من المال، كي تنال السلعة الفلانيّة، وتمتع بنمط الحياة الذي تعدك به”.

هناك نوع من اللعب الطفولي في فيديوات الإعلان الهاوية، اللعب الذي ينصاع لرغبة دفينة بأن ترمي بنفسك فوق كومة قماش، أن تتسبب بوقوع هرم من المعلبات، نحن هنا أمام التخريب للمبتدئين. اللافت، أن أبو باسم لا يحاول أن يقدم ثياباً بجودة عالية أو مختلفة عما هو موجود في السوق، فنقطة القوة في إعلاناته هي السعر، والسعر فقط. والأهم، الوفرة، هناك دوماً الكثير من البضائع، هو لا يستعرض أمامنا قطعة واحدة، بل يقدم جبلاً منها، لا يخاطب المستهلك المتفرد الذي يبحث عن تجربة متميزة، بل ذاك محدود الدخل، المتواضع، من لا متعة له سوى السقوط على جبل من الجاكيتات الصوفية الرخيصة.

الأدوار التمثيليّة

هناك عناصر من “التمثيل” والمحاكاة في فيديوات أبو باسم، يستعيد شخصيات من مسلسلات شعبية والبيئة الشامية، وأحياناً يخترع سيناريوات من عقله، يتحرر من الإعلان التقليدي نحو الهاوي، ويخترع حكايات يؤدي أدوارها رجال، تتمحور حول مفارقات كعقاب من يرفع الأسعار، وذنب من يحاول خفضها، إذ نراه في أحد التسجيلات سجيناً مع عمّاله، والتهمة “رفع الأسعار”، ليستعيد هنا في “المعتقل” الزمن الذي كان فيه “ملكاً” في السوق، في أحيان أخرى هو ضابط ألقى القبض على أحدهم بسبب رفعه الأسعار.

 هناك حكايات نجرؤ  على اعتبارها أنها تحاكي الزمن الذي نعيشه، كما يستفيد أبو باسم من آنية أسلوب التصفح، ليقول إن “العرض” دوماً حالي وآني سريع ولا يمكن تفويته، يصل الأمر حد التهديد بالموت اللُعبيّ، هو نفسه لا يصدق، أيعقل وجود أسعار بهذا الشكل؟ كل هذه الأكوام المستعرضة غير المخبأة، متاحة، وكأنه يكسر صورة “التاجر” التقليدية، ذاك الذي يخفي ما لديه لبيعه لاحقاً، فأبو باسم مكشوف، كل شيء مباح ومستعرض للعين التي تتصفح وتتعاطف مع أبو باسم، الذي يبدو أنه “يخسر” لا في الأسعار وحسب، بل حياته مجازاً بسبب ما يفعله، نحن أمام  لعب خطير لُعبيّ، يهدد رزق أبو باسم بحسب الأدوار التمثيلية التي يؤديها.

الموت بين البضائع

التخريب، الاستعراض، أن يرمي نفسه من أعلى، الحبس والتهديد بالفناء… هذه الأساليب كلها، تعكس رغبة في الموت (إن أردنا أن نتحذلق دولوزياً)، لا بوصفه خلاصاً، بل أداة للرغبة في توظيف أداء الموت كأسلوب للربح، هذه الأكوام كلها من الثياب جاهزة لكم، وإن لم تشتروها، فـ”الموت” مصيري أنا أبو باسم على ما فعلته، على تفريطي بالسعر لأجلــكم. وكأن أبو باسم، ضمن منطقه المحاكاتي، شهيد من نوع ما، يفرد البضائع ويمزق أكياسها مرتكباً خطيئة ما، من دون عقاب. ما يدفعه الى البكاء والغضب، كيف أفعل هذا ولا أموت، كيف “أخفض أسعاري” من دون جزاء من أي أحد، وهنا المفارقة، المستهلكون لا ينقذون أبو باسم إن هم اشتروا، بل من حوله يعيدونه إلى جادة الصواب، أما المستهلكون فما عليهم سوى الإسراع، للاستفادة من “خطئه” هذا، ذاك الذي يستدعي العقاب والموت.

يورّط أبو باسم من يتابعه في فخ الانتهازيّة، عليهم أن “يسارعوا” قبل فوات الأوان، الأسعار تنهار، البضائع جبال تصلح لاستقبال صاحبها المنتحر، والشراء يجب أن يتم، وإلا قد يخطئ أحد المؤدين حول أبو باسم، ويستحيل إنقاذه، قد يتهور، ويعرض كل شيء مجاناً ولا يتمكن من حوله من إيقافه، دافعاً بهم وبنفسه إلى “الموت” جوعاً، لكن هذا كله أداء، يحتمل الهزل والمزاح دوماً.

كلنا جنود

أعدت القناة السوريّة تقريراً برعاية “محلات أبو باسم” أثناء الميلاد عام 2022، نراه فيه يتنكر بزي بابا نويل ويوزع الهدايا، وفي 13 شباط/ فبراير هذا العام، أي بعد أيام من كارثة الزلزال، ظهر أبو باسم على التلفزيون السوري، وقدم تعازيه للضحايا، لكنه أكد أنه ليس جمعية خيرية، بل صلة وصل بين التجار والجمعيات الخيرية، إذ يقوم بالبيع بسعر أقل لمن يريد التبرع  لا للناس العاديين، مؤكداً أنه، ككل واحد في سوريا، جندي في مكان عمله، ويقول: “أنا جندي، أساعد بلدي، وأساعد الناس…”، ويضيف “الله يرحم هالناس، جاء عليها زلازل، جاءت عليها حروب، جاءت عليها مؤامرة كونيّة… وبقيت صامدة بناسها، وجيشها، وقائدها”.

لا توضح الكتابة هنا نبرة أبو باسم، ولا أسلوب ترديده للبلاغة الرسمية، بالنهاية، هو ليس مؤسسة خيرية، أبو باسم مفرط في عقلانيته، الكوارث أمامه تتساوى، وكل ما عليه فعله هو تغيير النموذج الاقتصادي، من البيع للناس العاديين، نحو البيع للمتضررين أو من يحاول معونتهم، البيع واحد، ويبقى السعر هو المسيطر، ذاك الذي إن ارتفع أو انخفض، لا يتلاشى.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.