fbpx

أن يهتزّ الخصرُ رقصاً في الملعب… لا عدواً وراء الكرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرقص على المرج الأخضر وسط حماسة اللاعبين والجمهور، يعيدنا الى كرة القدم بوصفها شكلاً من أشكال الاستعراض، هي مسرحيّة من دون نص مسبق إن صح التعبير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تمتلئ منصات الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي بتسجيلات من نوع “أشهر رقصات لاعبي كرة القدم”، “أشهر رقصات الاحتفال”، وغيرهما من التسجيلات التي ترصد أساليب احتفال اللاعبين بتحقيق الأهداف، ليتحوّل الأمر إلى “تريند” يكرره المعجبون، ويعيدون إنتاجها احتفاءً وتقليداً لنجومهم المفضّلين.

الرقص على المرج الأخضر وسط حماسة اللاعبين والجمهور، يعيدنا الى كرة القدم بوصفها شكلاً من أشكال الاستعراض، هي مسرحيّة من دون نص مسبق إن صح التعبير، وسردها يسخر من مفهوم المؤلف نفسه، هي صراع ضمن زمان ومكان محدّدين، تُستعرض فيه المهارة الشخصية والجماعيّة في سبيل الفوز.

ما يهمّنا بدقة لا يتعلق باللعب ذاته، بل بلحظات الخروج عن “النص” أو أداء اللعب، ونقصد احتفالات اللاعبين بعد تسجيل الهدف، سواء كنا نتحدث عن الرقصات الفرديّة (رقصة كل من اللاعبين الإنكليزيين لينغارد وستوريدج) أو الرقصات مع أفراد الفريق (يؤدي منتخب جنوب أفريقيا رقصة Tshabalala بعد كل هدف)، إذ تعكس كل واحدة من هذه الرقصات الحميّة الوطنيّة والاحتفاء بالهويّة، بل إنها تتجاوز في بعض الأحيان الرقص، نحو محاكاة لطقس ديني، كما يفعل محمد صلاح وغيره من اللاعبين الذين يركعون على أرض الملعب بعد تسجيل هدف.

الاحتفال بالهدف هو محاولة نقل تجربة عاطفية من اللاعب إلى الآخرين، وازدادت أهميته مع ظهور البث المباشر، ليبدو معناه “أنا سجلت، انظروا إلي، لقد فعلت ذلك من أجلكم”.  سواء كان هؤلاء الآخرون لاعبي الفريق نفسه، أو الجمهور، وأحياناً الفريق الخصم، تتحوّل الرقصة إلى احتفال بـ”الانتصار” و “المهارة” أمام أعين الفريق الآخر المغتاظ، لكن الـ”فيفا” حذرة، وتمنع إغاظة الفريق المهزوم، كون ذلك مخالفة للروح الرياضيّة.

الأبحاث المتعلّقة بسؤال الرقص، لا تخلو من التنميط،  إذ يفترض بعضها أن اللاعبين ذوي الأصول اللاتينية يحتفلون بـإشارات دينية أكثر من نظرائهم من باقي القارات، أما الأفريقيون فهم أكثر صراخاً واستعراضاً لطاقات الجسد، بينما الأوروبيون فهم فردانيون أكثر، ويتبنى بعضهم ما يسمى (Power pause) أو استعراض القوة من خلال وضعيات الجسد، ليتحول زمن ما بعد تسجيل الهدف إلى فرصة للوقوف أمام الكاميرا والاستعداد للقطة المناسبة، والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش مشهور بهذا النوع من “الوقفات” كونه يدرك أن الكاميرات تلاحقه في كلّ لحظة.

فيفا تحذّر من الرقص

لا تحبّذ “فيفا” (الاتحاد الدولي لكرة القدم) أشكال الاحتفال الصاخبة، إذ أصدرت عام 1982 إرشادات تنص على “أن الانفعالات الكثيفة من الكثير من اللاعبين في وقت واحد التي تتضمن التقبيل والاحتضان، يجب أن يتم منعها في الملعب”، بحجة أنها محاولة غير شرعية لاستفزاز الخصوم. بالطبع، لم ينجح الاقتراح، وأجبرت “فيفا” على التراجع عن القرار عام 1996، والسماح بالاحتفالات من دون وضع قوانين محددة، مع إضافة تحذير”بعدم تشجيع الاحتفالات المصمّمة للرقص”. 

السؤال، لماذا الرقص تحديداً؟.

الرقص كأسلوب للأداء يختلف عن كرة القدم (المنافسة مع الآخر)، فهو لا يحوي تنافساً، وعلى رغم محاولة البعض ربط كرة القدم اللاتينية بالرقص على مستوى الأداء، كوصف المنتخب البرازيلي براقصي السامبا، لكن الأمر لا يتجاوز التشبيه من دون وجود منطق دقيق يحكم هذه المقارنة.

استعارة الرقص احتفالاً يفعّل لحظة مفعمة بالتستسرون واستعراض القوّة، وكأن اللاعبين “مقاتلون” يتنافسون على فرض سطوتهم، ما يخلق تنافراً بين أداءين مختلفين، الأول، هو اللعب المحكوم بالأخلاق الرياضية واستعراض المهارة والأخوة، والثاني راقص، نتاج هزيمة الخصم والتفوق عليه ثم تكليل ذلك بتوجيه الإهانة إليه، والاعتزاز بـ”أنا” اللاعب و “نحن” الفريق.

شهد مونديال قطر 2022 مواجهات بين بعض اللاعبين وبعض مسؤولي “فيفا”، إذ هاجم روي كين لاعبي المنتخب البرازيلي ومدربه بعد رقصهم، إثر تسجيل هدف على منتخب كوريا الجنوبية، واصفاً ما حصل  بـ”برنامج رقص وليس مباراة”، وعلّق بأن ما حصل “قلة احترام واستفزاز للخصم”. سبقت هذا الجدل الأزمة التي افتعلها اللاعب البرازيلي فينيسيوس، عندما رقص إثر تسجيله هدفاً في الدوري الإسباني،  وعلق بيدرو برافو، رئيس جمعية وكلاء اللاعبين في إسبانيا، قائلاً  إن على فينيسيوس “التوقف عن التصرف كالقرد”.

أسطورة الرقصة التي قتلت لاعباً

عام 1938، وبعد احتلال ألمانيا النمسا، أقامت الحكومة النازية مباراة ودية تجمع منتخبي ألمانيا والأوستمارك، كان الهدف آنذاك مباراة استعراضية أخيرة قبل دمج الفريقين. حينها كان الفريق النمساوي يُسمّى بفريق المعجزات، نجمُه “رجل الورق” ماتياس ساندلار، الذي لقّب بذلك نتيجة ضآلة بنيته العضلية، والذي كان سيعتزل بعد هذه المباراة.

لعب ساندلار ضمن نادي “فيينا نمسا” المملوك للبرجوازية اليهودية، وكان ذا شعبية واسعة بين العامة والمثقفين الذين كانوا يرتادون المقاهي في فيينا، لتي كان لها نفوذ واسع على عالم الفن وكرة القدم. 

كان ساندلار جليساً مُخلصاً في المقاهي، يتمتع بأفكار تكتيكية ورؤية قوية داخل الملعب، قال عنه الشاعر ألفريد  بأنه “يمتلك أدمغة داخل قدميه”. كما كان نجماً لإعلانات الساعات ومشتقات الألبان، وعلى رغم شعبيته لم يكن معارضاً صريحاً للنازية، لكنه لم يخفِ ميوله الاشتراكية. وكانت علاقاته مع اليهود قوية بحكم ناديه، كما أنه اشترى مقهى من رجل يهودي بمبلغ جيد بعد صدور قرار من النازيين باستملاك أموال اليهود، وبقي “متعاطفاً” مع اليهود ولم يعلق ملصقات للنازية داخل المقهى.

 كان “السيناريو” في المباراة الاستعراضية التي دُعي إليها ساندلار، هو التعادل، ويقول من حضر المباراة، إن الأخير أضاع فرصاً سهلة جداً في الشوط الأول، لكنه سجل هدفاً في الشوط الثاني، وذهب للاحتفال أمام القادة النازيين لوحده، ورقص أمامهم، بعدها بسبعة أشهر عُثر عليه ميتاً بجانب صديقته. أوضح تقرير الطب الشرعيّ  أنه مات نتيجة التسمّم بغاز أول أكسيد الكربون، وأكدت وثائقيات بسيطة في ما بعد تورّط النازيين بمقتله بعد رقصته. 

أصبح ساندلار رمزاً وطنياً، وكُتبت قصائد كثيرة فيه، وعلى رغم ذلك وبالعودة إلى المستندات والوثائق، لم يكن هنالك دليل على جريمة قتل، إذ كان جيرانه يشتكون قبل أيام من تسرّب أنابيب الغاز، لكن رقصته  أصبحت وعاء للقصائد النمساوية عن التحرر، وانتشرت أسطورتين، الأولى مفادها أن ساندلار انتحر تحدياً للنازية، الثانية تفترض أن النازيين قتلوه بسبب رقصة في الملعب.

مارادونا مُطيّع الوقت والحماسة

في عام 1989، وخلال مباراة نصف نهائي كأس الكؤوس الأوروبية بين نابولي وبايرن ميونخ على مدرج الأولومبيكوس، سُجلت رقصة تاريخية أخرى، إذ تمايل مارادونا أثناء الإحماء قبل المباراة على أنغام أغنية “الحياة هي الحياة”. 

اللافت، أن مارادونا لم يقم بهذه الرقصة أثناء المباراة بل قبلها، وقد شاهد هذا “العرض الراقص” مباشرةً  عدد قليل من الجمهور الذين أتوا مبكراً، كما توقف لاعبو الفريق المنافس عن الإحماء لمشاهدته. هذه الرقصة التاريخية يصفها جون سميث، وكيل اللاعبين البريطاني، بأنها تجاوزت الرياضة، إذ كانت أداء يفوق أداء اللعبة، وسُجلت  في التاريخ، بينما نُسيت تفاصيل المباراة التي انتهت بالتعادل، وهنا المفارقة، نحن أمام مارادونا، الذي يحدد توقيت الاستعراض والتصفيق، داخل الملعب أو خارجه، وهنا بالضبط يكمن سحر مارادونا وقدرته على سلب الألباب والأبصار، وإن أردنا المبالغة، فهو ماردٌ للوقت وصانع اللحظات التاريخيّة.

الأسد العجوز الذي نادته الشمس

في عام 1990، أُطلق سراح نيلسون مانديلا بعد 27 عاماً من السجن، واصطفّت الحشود أمام “ماكدونالز” في موسكو، وبيع جدار برلين فتاتاً بعد هدمه، وأقيم مونديال إيطاليا الذي وُصف بأقل مونديال جرأة وجمالاً، لكن  أكثر ما يذكره التاريخ في هذا المونديال، هو رقصة روجر ميلا، لاعب الكاميرون، الملقب بالأسد العجوز.

عاد ميلا عن اعتزاله بعد مكالمة من رئيس الكاميرون، الذي رأى أن المنتخب يحتاج الى لاعب محترف، ولو كان (عجوزاً) ضمن منطق كرة القدم، إذ كان عمر ميلا حينها 38، وانزوى في جزيرة في المحيط الهندي ليؤسس نهاية شاعرية لمسيرته بعيداً من التنافس.

دخل ميلا المباراة بعد الدقيقة خمسين وفي دور ثمن النهائي أمام رومانيا، وسجل هدفين.  وفي احتفاله، ركض إلى زاوية الملعب ليقوم برقصة هز فيها وركيه، رآها الأوروبيون أقرب إلى رقصة ألفيس بريسلي، بينما قال الأفارقة إنها رقصة الماكوسا.

 تأهلت الكاميرون بعدها كأول بلد إفريقي يصل إلى ربع النهائي في التاريخ حينها، يقول ميلا إن الشمس هي التي أرسلته الى الرقص، وما حصل كان غريزياً، إذ كان الملعب مكاناً للاحتفال.

بقيت رقصة ميلا أحفورية تاريخية، طغت على إنجازاته كافة كلاعب كرة قدم. وبعدها بأربع سنوات، روجت شركة “كوكا كولا” لمنتجها بهذه الرقصة. وكانت هذه بداية استخدام الشركات التجارية رقصات اللاعبين، إذ استخدم مطعم “ساب واي” للوجبات السريعة رقصة اللاعب الإنكليزي دانيال ستوريدج للترويج لمنتجاتها، وعموماً كانت رقصة ميلا في مونديال 1990 تمهيداً لرقصات مونديال الولايات المتحدة.

استلهم الأفارقة  من ميلا لاحقاً، إذ ركض اللاعب النيجيري دانيال أكوماشي، بعد تسجيله هدفاً ضد بلغاريا، إلى زاوية الملعب وهزّ خصره، بما يُعرف حالياً  برقصة أكوماشي، والمستمدة من رقصة الشاكوشاكو النيجيرية. وبات الرقص علامة للأفارقة في المونديالات، وتحوّل مونديال جنوب أفريقيا إلى مهرجان للرقص الأفريقي (ديكاليه، ميمس، روزالينا) في المدرجات، كما افتتحت جنوب أفريقيا المونديال الذي استضافته، برقصة لاعبها تشابالا بعد تسجيله هدفاً افتتاحياً.

اقتطع مونديال قطر وقت الاحتفال والإصابات من زمن اللعب، ووصلت مدة الوقت بدل الضائع إلى ربع ساعة أحياناً، وعلى رغم الجدل المشتعل في ما يخص قضايا حقوق العمال والجندر، بقيت قضية الرقص كاحتفال أزمة عالقة غير قابلة للحل، لصعوبة إدانتها سياسياً أو أخلاقياً. ولم تستطع “فيفا” سوى إدانة الاحتفال المفرط وبشكل مجازي القول إن جسد اللاعب ليس للاحتفال، وعندما يصبح جسداً للرقص سيسخر من ذكورية التنافس نفسها، ويغير وضعيته من جسد مقاتل إلى جسد راقص على أرضية الصراع.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!