fbpx

التطبيع مع النظام السوري بحجة معاداة إيران… كنّا نتمنى أن نصدّق!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حجة استعادة الأسد من حضن إيران، تحتمل تفسيرين، الأول، أنها مجرد غطاء إعلامي لتبرير الهرولة نحو قصر المهاجرين، والثاني أن هناك رهاناً على تحقيقها مستقبلاً وبشكل تدريجي، بحيث تضاف وظيفة ثالثة الى وظيفتي الأسد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حجة العرب بإبعاد الأسد من حضن إيران للتطبيع معه، لا تبدو مقنعة لاعتبارات شتى. أولها أن هذا الرهان قد جُرب سابقاً، إذ خدع ساكن قصر المهاجرين، دولاً خليجية، فكّت العزلة عنه، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبقي منخرطاً في  محور طهران. وثانيها أن الظروف تغيّرت، والحضن الإيراني المراد إبعاد الأسد منه، لم يعد كما كان سابقاً، بمعنى أن وجود نظام الملالي في سوريا، توسّع وتوغّل، الى درجة أن تقارير صحافية تحدثت عن “ضاحية جنوبية”، بجوار منطقة الست زينب في العاصمة دمشق. عدا النفوذ داخل الجيش، وانتشار الميليشيات، وشبكات المخدرات. وهذا الاتساع يجعل من المستحيل على الأسد الانفكاك عن حليفه خصوصاً بعدما تحوّل الأخير إلى شريك يسعى الى الاستحواذ على أكبر حصة من البلد المنهك والمفتت.

أما الاعتبار الثالث، فهو استراتيجية نظام دمشق منذ اندلاع الثورة ضده، والمتمثلة باللعب على الموازين داخل معسكر الحلفاء. تبدى ذلك، بإدارة العلاقة بين موسكو وطهران، قبل أن تدخل الإمارات على الخط، ويصبح هامش اللعب أوسع، بحيث بات الأسد أكثر قدرة على التحرّك بين الأقطاب الثلاثة. صحيح أن علاقة النظام مع كل قطب من هذه الأقطاب، تختلف تبعاً لاعتبارات كثيرة، لكن هذا لا ينعكس تماماً على إمكان القفز بين كل منها، بحيث يصار إلى إرضاء كل طرف، من دون استفزاز الآخر. وعليه، لن يفرّط النظام بسهولة بأحد الأقطاب، التي تشكل له شبكة حماية تضمن استمراره.

من البديهي أن عرب الهرولة صوب التطبيع مع النظام، لا يجهلون الاعتبارات الثلاثة، خصوصاً مع التحول في سياسات هذه الدول، لا سيما المملكة العربية السعودية. فالأخيرة باتت متحفّظة على منح شيكات على بياض للحلفاء، فكيف الحال من يُفترض أنهم خصوم؟ الدعم المشروط بالوظيفة التي تعود بالنفع على سياسة المملكة، هو المعادلة الجديدة في الرياض.

بهذا المعنى، لبّى الأسد ربما من دون أن يدري، بعض الوظائف الخليجية، خصوصاً للمحور الذي توجس من “الربيع العربي”. الوظيفة الأولى، المشاركة في القضاء على مشروع الإسلام السياسي الهادف للوصول إلى السلطات في بلدان عدة، والثانية، المشاركة في تجديد النظام الكلاسيكي العربي بنسخة أخرى، وقوامها “ثورات مضادة” ضد أي تغيير أو تحوّل. وتلبية رأس السلطة في سوريا، لهاتين الوظيفتين، تفسر كذلك تهافت بقية العرب عليه، لا سيما مصر والجزائر وتونس… وكأن العرب والخليجيين يدعونه لأن يكون شريكاً في دفن الربيع العربي، بعدما أثبت جدارة في قتل شعبه وتشريده.

ولم يكن الزلزال المدمر سوى فرصة لتطبيق هذا التصور حيال الأسد. الوفود العربية التي حجت إلى دمشق كانت تنتظر حدثاً كهذا، يعبد لها الطريق، لمكافأة النظام على جهوده ضد الربيع العربي، ومحاولة استعادته كشريك في نظام عربي محافظ سياسياً، تحكم سلوكه الريبة من أي تغيير أو ثورة.

انطلاقاً مما سبق، فإن حجة استعادة الأسد من حضن إيران، تحتمل تفسيرين، الأول، أنها مجرد غطاء إعلامي لتبرير الهرولة نحو قصر المهاجرين، والثاني أن هناك رهاناً على تحقيقها مستقبلاً وبشكل تدريجي، بحيث تضاف وظيفة ثالثة الى وظيفتي الأسد. بالنسبة الى المطبعين معه، يكفي أن يكون رأس النظام حالياً، ابن بار لـ”الثورة المضادة” وكارهاً شرساً للإسلاميين. البقية تأتي لاحقاً، وإن أتت بشكل جزئي، فهذا جيد أيضاً.

غير أن ما يغيب عن بال المطبعين مع الأسد، أنهم يقيسون الأمور في مقاربة العلاقة معه، ببعض نتائج الربيع العربي وليس بأسبابه، أي بالإسلاميين وتهديد استقرار الأنظمة. الاكتفاء بالنتائج وتجاهل الأسباب، يجعلان الأسد ورقة خاسرة،  فالأخير غير قادر على حكم شعب ثار عليه وينتظر محاسبته، ما يعني أن نظامه سيظل مهدداً من المجتمع، حتى لو دعمه الحلفاء وتجاهل الخصوم إسقاطه. أما بخصوص الإسلاميين، فقد أثبتت التجربة في منطقتنا أن قمعهم يمنحهم مظلومية يحسنون توظيفها لاستعادة قوتهم من جديد. فقبل استعادة الأسد من الحضن الإيراني، على العرب أن يقتنعوا بأنه غير جدير بأن يكون جزءاً من نظام الثورات المضادة، الذي يطمح هؤلاء الى إعادة تركيبه، كما أنه لا يصلح كخصم مجدٍ للإسلاميين.

لكن قبل ذلك، يجب أن يقتنعوا بأن استراتيجيتهم في عداء الربيع العربي، كلفتها أغلى بكثير من ثمن التأقلم معه، وتحقيق إصلاحات سياسية. العلاقة مع الأسد ستكون أبرز دليل على هذا الرهان الخاسر، فسوريا المفتّتة الآن، مرشّحة لفوضى عارمة في أقرب فرصة.