fbpx

أنا بعين من أُحب: لماذا نخاف من اللاجنسيين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أسطورة الرجل الشبق قائمة، وهذا ما يفسر استغراب الكثيرين من وجود رجال لا جنسيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُقال إن الحُب قطيعة مع الحاضر، لكن الكارثة التي شهدتها المنطقة وكم المآسي منعانا من إدراك ما يحصل، فالحاضر ليس متماسكاً، والماضي مهدد بالتلاشي، الأرض تميل من تحتنا، حتى إن يوم 14 شباط/ فبراير (عيد الحب) مرّ هكذا من دون أثر، فمن “يُحب” بينما الأرض تتشقّق؟

نكتب عن الحبّ لأن لا ملكية عليه سوى صاحبه، لا بنك، ولا حزب، ولا ميليشيا ولا كارثة قادرة على أن تصادره، ولا حتى الوباء منع القبل، ولا هجرة تمنع شبق الحبيب على الشاشة، أو في المخيلة.

تتصفح أمل أحمد (اسم وهمي) هاتفها المحمول لتقرأ رسالة من والدتها: “في عريس مناسب يا ريت تشوفيه”، تفكر في إجابة جديدة غير تلك التي أرسلتها آخر مرة، تبحث عن أسلوب جديد للرفض، المرضي لها، وغير المرضي لأسرتها.

لا ترفض أمل الزواج بسبب خوفها من الارتباط  أو تهرباً من المسؤولية كحال بعض السيدات، بل لأنها واحدة من فئة خفيّة من “اللاجنسيين”، أولئك الذي لا يعرف المحيطون بهم عنهم الكثير، أو ربما يعرفون ولكنهم يرفضون الاعتراف بالأمر، أو بوجود أفراد ينتمون الى هذه الفئة.

تعني اللاجنسية غياب الانجذاب الجنسي نحو أيٍّ من الجنسين، إذ لا يتصرف اللاجنسي أو اللاجنسيّة بناءً على انجذابه نحو الآخرين، ونادراً ما يشعر/تشعر بانجذاب جنسي وإن حصل فتحت ظروف معينة.

لم تعد هذه الفئة “غريبة” عن المجتمع الدولي والدوريات الطبية والنفسيّة،  إلا أن المصادر التي تتحدث عنها عربياً قليلة، وربما منعدمة، لا يوجد سوى مؤلف واحد بقلم آلاء ياسين طه، الناشطة العراقية الشابة التي أعلنت  عن توجهها اللاجنسي عبر منصة “تيديكس بغداد” عام 2018، وتحدثت عن الرفض المجتمعي لهذه الفئة، وقلة التوعية والتعريف بها.

بدأت أمل تصنيف نفسها كلا جنسيّة منذ المراهقة، حسب تصريحها لـ”درج” وعقبت: “تمثل المراهقة فترة الاستكشاف الطبيعية لأي فتاة، كنت أقابل زميلاتي في المدرسة اللاتي يتكلمن عن الجنس ومتعته، كما يتحدثن أيضاً عن العادة السرية، لكني لم أستمتع بتلك المناقشات، أو حتى لمجرد تخيل أني أمارس الجنس مع شريك آخر”.

ظنت أمل التي شبّت في تونس، أن أزمة تواجهها، فكيف لسيدة أن ترفض الجنس!، مقابل صديقات يحكين تجارب مشوّقة عن هذا الموضوع، فقررت خوض التجربة الأولى، وهنا تعقب: “كأي فتاة، قررت الدخول في علاقة جنسية للتجربة، الأمر كان مقززاً بالنسبة إلي، حاولت مرة واثنتين وفشلت، كان كل لقاء  ينتهي بمشاعر عدم رغبة، تصاحبها أعراض اختناق تصل حد القيء”.

رافق الإحساس بـ”المشكلة” أمل لفترة طويلة، ولازمها إحساس بجلد الذات، إذ لم ترَ نفسها كالأخريات، وبقي الأمر كذلك حتى تخرجت في الجامعة، وتزوجت بطريقة تقليدية من رجل رشّحته الأسرة، لكن الشعور ذاته تكرر: “عدم رغبة، اختناق، نفور”، ما حوّل  الزيجة التي استمرت عاماً ونصف عام إلى كابوس يومي، فكلما حاول زوجها الاقتراب منها، ترفض أو ينتهي الأمر بأن يُجبرها على ممارسة الجنس.

انتهت العلاقة بين أمل وزوجها لعدم استطاعتها ممارسة الجنس معه، فقررت بعدها البحث عما تختبره، لمعرفة إن كان الشأن طبيعياً أو لا، لم تجد شيئاً مكتوباً بالعربية، وإنما بالإنكليزية، وصفت ما تشعر به خلال سطور، واكتشفت داخلياً  أنها لا جنسية، لتبدأ بعدها رحلة اكتشاف عالم تنتمي إليه من دون أن تعرفه.

كان الأمر سيمرّ من دون عقبات، لو تخيلنا أنه بإمكان الشخص اللاجنسي أن يعتزل ممارسة الجنس مع الآخر، ليتحول الأمر إلى صراع في سبيل الاعتراف الاجتماعي فقط، لكن العقبة التي تواجه أمل أنها لا جنسية رومانسية، أي أنها تريد الوقوع في الحب، لكن من دون تلامس حميمي.

فئة تسعى إلى الظهور

أقرّت شبكة الظهور والتعريف باللاجنسية AVEN، عام 2010 علم اللاجنسية، ليكون حاضراً ضمن مسيرات الفخر بالمثلية في سان فرانسيسكو، واتُّفق على أن تكون ألوانه: الأسود، الرمادي، الأبيض والبنفسجي.

يرمز الأسود إلى اللاجنسي، الذي قد يكوّن علاقاتٍ رومانسية، أو عاطفية، من دون انجذاب جنسي، بينما يرمز الرمادي إلى اللاجنسيين الرماديين، وإلى النصف جنسيين، الواقعين بين الجنسية واللاجنسية. أي قد يبني الشخص اللاجنسي الرمادي انجذاباً جنسياً نحو الآخر، نادراً وحسب ظروف معينة. أما النصف جنسيّين، فهم الذين بإمكانهم اختبار شعور الانجذاب الجنسي بعد تكوين رابطة عاطفية قوية مع شخصٍ ما، وبالنسبة إلى اللون الأبيض، فهو يمثل الحلفاء الجنسيين الداعمين للاجنسيين. وأخيراً البنفسجي الذي يرمز إلى المجتمع.

العقبة الثانية التي واجهتها أمل كانت مع الأهل والأصدقاء، تقول: “بعد الطلاق حكيت لأمي وأختي شعوري، وصفوني بالجنون أو المرض النفسي، بجانب أوصاف عدة تخلو جميعها من الاعتراف بي”، قررت أمل بعدها عدم التحدث معهما مجدداً حول هذا الأمر، الذي اعتبروه نوعاً من أنواع الجنون، وقررت الخروج من البلدة التي تحاصرها بطلبات الزواج وضغوط الأهل، وسافرت إلى دولة أوروبيّة.

تغلبت أمل على عدم اعتراف الأهل بالبعد عنهم، لكنها لم تتغلب على إحساسها بالفقد العاطفي “أحتاج الى الحب، والدخول في علاقة رومانسية مع طرف آخر، يبادلني مشاعر رومانسية، يعبر عنها بالكلام والتعبيرات، ومن الممكن أن يعبر عنها بالقُبل والحضن، من دون إقامة علاقة جنسية”، وتضيف أن طرق التعبير عن الحب لديها تتمثل في أفعال صغيرة ومرهفة، كإشعال شموع في جو رومانسي، ومشاهدة فيلم مع مشروب دافئ.

تقابل أمل يومياً، في العمل والشارع، أشخاصاً يتوددون إليها  ويتقربون منها، الأمر ذاته عبر الفضاء الإلكتروني، يبدأ الحديث بكلمات لطيفة ليصل السؤال الجنسي، فتقرر الانسحاب “ده كمان بيسوي أزمة، لأنه اللي قدامي بياخد الأمر على إنه إهانة أو رفض لشخصه، وما بيفهم إحساسي ومشاعري”.

الجنس مختلف عن الرومانسيّة

يمكن القول إن إقامة العلاقات من أصعب التحديات التي يمر بها اللاجنسيون، إذ تواجه آية علي من العراق الشعور نفسه، إذ تقول في لقاء مع “درج”:  “يتطلب الوضع الكثير من التضحيات، الكثير من التواصل، والكثير من الحب أيضاً، لأن الحب لا يعني الجنس، من الممكن أن تُبنى علاقات حميمية ورومانسية من دونه”.

ما يرضي أمل يُرضي آية، كلاهما تبحثان عن الحب بكلمات أو أفعال من دون ممارسة علاقة جنسية، وكلاهما تواجهان الرفض المجتمعي نفسه، لكن آية لم تصرح لعائلتها بميولها، إذ تصفهم بالمتشددين، “نشأت في أسرة ترفض ولا تعترف بإقامة علاقات جنسية قبل الزواج، كحال الكثير من الأسر في الوطن العربي، لكن الأسرة نفسها لا ترضى برفض المرأة إقامة علاقة مع الزوج، وكأنه حصار على جسد المرأة يتحكم به آخرون”.

الرجال أيضاً… لا جنسيون

تقول الأساطير الجنسية إن الرجل يفكر بشهوته دائماً وفي أي سياق، مهما كان المجتمع الذي يعيش فيه، سواء كان محافظاً أو منفتحاً، أسطورة الرجل الشبق قائمة، وهذا ما يفسر استغراب الكثيرين من وجود رجال لا جنسيين كحالة علاء ناجي الذي يقيم في مصر، والذي اكتشف نفسه أيضاً أثناء المراهقة، إذ يقول: “من أول سن البلوغ والولاد كل واحد بيكتشف نفسه وجسمه، وتبدأ مرحلة التفاخر بإقامة علاقة جنسية مع بنت الجيران أو زميلة في المدرسة، بس بالنسبة لي ما كانش شي شيق زي مكان بتحكي لي”، ويختبر علاء مشاعر الاغتراب ذاتها، والإحساس بوجود مشكلة حين الحديث عن الجنس.

حاول علاء تقليد أصحابه ليصبح مثلهم: “عاوز أحس إني راجل زيهم لأنهم دايما كانوا بيرمزوا للعلاقات الجنسية بأنها رمز للرجولة، بس فعلاً مقدرتش، مش مبسوط، ومش قادر ومش عارف، لحد موصلت جامعة وأنا مش فاهم حاجة، فروحت اكشف عند دكتور، هو نفسه قالي إن أنا بعاني من مشاكل نفسية ومحتاجة تتعالج لأنه معنديش حاجة عضوية تمنعني من ممارسة الجنس”.

غياب الوعي لدى بعض الأطباء بوجود أشخاص لا جنسيين، دفع علاء للتوجه إلى العلاج النفسي، الذي لم يغير في الأمر شيئاً، يعقب قائلاً:  “وقتها عرفت من الدكتور النفسي إن ده ممكن يحصل، ولو لنسبة قليلة من الناس، ومش معنى إن كل أو أغلب الناس بتمارس الجنس إن كلها بتكون مبسوطة، حسيت إني شخص عادي بس مش عايز أعمل حاجة معينة مبيكونش مبسوط فيها”.

انتابت علاء حالة من الرضا بعد زيارة الطبيب النفسي،، لكنها زالت سريعاً حين تحدث مع أصدقائه الذين قابلوه حسب وصفه بـ “حالة من التحفيل والضحك والإهانة من أصحاب قريبين جدا مني، وصل الأمر إنهم قالوا لي إني مش راجل وسموني علا، وده بيوجع أكتر، إنك تحس إنك منبوذ، بالرغم إنك مش طالب حاجة من حد غير إنه يحترم اللي بتحبه واللي مبتحبوش بس”.

وقع علاء في حب صديقة له بالجامعة، كان يرغب في التواصل معها، و”فعلا كلمتها وقلت إني بحبها بس قررت اقول لها من الأول إن أنا مش بنجذب جنسياً، وإني بحبها بطريقة معينة، فهي كمان سخرت مني وقالت لي انت عاوز حب عذري!”.

لم يلتق علاء وأمل وآية، لوجودهم في أماكن مختلفة، لكن تجمعهم واحدة من أشهر مجموعات الـ”فايسبوك”، التي تناقش موضوع اللاجنسيّة، إذ يتقابلون خلالها، يتحدثون، ومنهم من يبحث عن نصفه الآخر، الذي ينجذب إليه من دون جنس.