fbpx

دار إماراتية تحذف فصلاً مترجماً عن الجنس… مقصّ الرقابة مجدداً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل التدخلات الرقابية تقتصر على دار “كلمة”؟ طبعاً لا، فهو أمر مألوف في الكثير من الترجمات إلى العربية على مر السنوات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مذبحة للكلمة على يد دار نشر كلمة الإماراتية”، لم يجد المترجم سمير جريس، وصفاً أقل قسوة ليشرح شعوره عندما فوجئ بحذف 640 كلمة، أي ما يعادل فصلاً كاملاً من ترجمته لكتاب “فهرس بعض الخسارات” ليوديت شالانسكي، وهو من أبرز إصدارات الأعوام الأخيرة في ألمانيا، والذي وصلت ترجمته الإنكليزية إلى جائزة “مان بوكر” البريطانيّة.

 يصف جريس الكتاب بأنه “نموذج لفن المقالة الأدبية في أرفع صورة”، أما عن الجزء المحذوف، فهو فصل بعنوان “دائرة في الغابة” حول موضوع الجنس والأعضاء الجنسية لدى المرأة، المكتوب بحسب جريس “بأسلوب علمي يكاد يكون جافاً، لا علاقة له بالإثارة لا من قريب ولا من بعيد”، وبالطبع تم الحذف من دون الرجوع إلى الكاتبة أو المترجم.

سمير جريس، وهو من أهم المترجمين في الوطن العربي عن اللغة الألمانية، وصاحب مشروع في الترجمة الأدبية، يمثل جسراً قوياً بين الثقافتين العربية والألمانية، وقد فاز العام الماضي بجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، عما أنجزه طيلة 40 عاماً، إذ ترجم نحو 40 كتاباً، كان آخرها “فهرس بعض الخسارات” ليوديت شالانسكي، والذي يعتبره “أفضل ترجماته”.

أثار إعلانه ردود فعل واسعة، تذكرنا بأنها ليست الواقعة الأولى للدار نفسها، فعام 2021 أعلن المترجم أحمد فاروق، أن ثمة تدخلات في ترجمته لرواية “مجد متأخر”، للكاتب النمساوي الشهير أرتور شنيتسلر، الصادرة عن “مشروع كلمة للترجمة”، لـ”دواع أخلاقية مزعومة”، على رغم أن عقد الترجمة ينص على التزام المترجم بالأمانة ودقة المعنى، كما أن الغلاف الداخلي للكتاب يحتوي Disclaimer، أو العبارة القائلة إن المؤسسة المذكورة غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره.

هل التدخلات الرقابية تقتصر على دار “كلمة”؟ طبعاً لا، فهو أمر مألوف في  الكثير من الترجمات إلى العربية على مر السنوات. لكن ربما تكون هذه من المرات القليلة التي يخرج فيه المترجم معلناً صراحةً عن امتعاضه بسبب ما تعرّض له، واصفاً ما حصل بـ”مذبحة”. وإعلان كهذا قد يعني أن تقاطعه دور نشر عدة، بخاصة العربية والخليجية.

أثار إعلان سمير جريس عبر صفحته على “فيسبوك”، موجة من التعليقات التي يحكي فيها المترجمون عما حدث لكتبهم أو مع كتب مترجمة قرأوها، كحذف “سلسلة أعلام المعرفية” لفصلٍ كامل من كتاب “الوجودية”، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، لأنه لا يتوافق مع أهداف الدار، الشأن الذي  ذُكر في هامش الترجمة.

وعلّق مترجم آخر بأن ناشراً في دولة خليجية، أخبره أن وكيلة كاتبة أميركية سألته قبل منحه حقوق الترجمة “كم صفحة ستحذفون من الرواية؟”، على رغم أن الرواية تُرجمت وصدرت كاملةً من دون حذف، إلا أن التعليق يوضح أن سمعة الحذف تشكل جزءاً من هوية النشر في العالم العربي في الخارج. كما نشر بعض القراء صوراً لكتب أعلن مترجموها صراحةً أنهم من قاموا بدور الرقيب.

يقول جريس لـ”درج”: “بعدما تعطّل نشر الكتاب، حاولت مراراً التواصل مع المسؤولين في “كلمة” لمعرفة سبب التأخير. ووجهت رسائل إليهم. لكن كل ما حصلت عليه كان رداً آلياً: وصلتنا رسالتك وسنرد عليك. وإلى الآن، لم يصلني أي رد”، ويعقب: “وبعد ما كتبت على صفحتي ما حدث، لم يحدث بيننا تواصل، ولم يصلني أي رد فعل منهم. وأود هنا أن أؤكد حزني بسبب ما حدث، مشروع كلمة يقدم كتباً مهمة، وبإخراج وطباعة جيدين، لكن التوزيع والتسويق سيئان، إضافة إلى مشكلة الرقابة”.

يشير جريس إلى أن  الكاتبة شالانسكي عرفت ما حدث، ومن جهتها “تواصلت مع دار النشر الألمانية التي تتواصل الآن مع دار كلمة، وننتظر أن نرى ما سينتج من هذا التواصل”. 

وعلى رغم أنه الموقف الأول من هذا النوع، الذي يتعرض له في مسيرته كمترجم، وسبق أن نشرت له دار “ميريت” المصرية ترجمة رواية “عازفة البيانو” لإلفريدي يلينيك الحائزة جائزة نوبل عام 2004، وهي رواية غاية في الجرأة، ولم يتعرض الناشر إلى كلمة في هذه الرواية، إلا أن الأمر مختلف مع المؤسسات الكبرى التابعة للدول”.

“مذبحة للكلمة على يد دار نشر كلمة الإماراتية”، لم يجد المترجم سمير جريس، وصفاً أقل قسوة ليشرح شعوره عندما فوجئ بحذف 640 كلمة، أي ما يعادل فصلاً كاملاً من ترجمته لكتاب “فهرس بعض الخسارات” ليوديت شالانسكي.

“في المقابل، يعمل مترجمون كثر مع دار “كلمة” وغيرها من المشروعات الخليجية، لأنها توفر ظروف عمل جيدة وتدفع مكافأة جيدة حتى بالنسبة إلى مترجم يعيش خارج المنطقة العربية”، يقول جريس، “وفي مقابل هذه المكافأة، يغض كثيرون النظر عن بعض التدخلات، أو عن الكثير منها”.

يلفت المترجم السوري صبحي حديدي، إلى نوع آخر من الرقابة الخفية تمارسها دور النشر، ففضلاً عن “الحظر أو المصادرة أو المنع قبل الطباعة، فللرقابة على الترجمة طرائق أخرى غير مباشرة، بل خافية على نحو ما، يمارسها رقيب من طراز مختلف أيضاً، ولعلها ليست أقلّ أذى لصناعة الكتاب وحركة القراءة، لأنها تتلاعب بالنّص وتحرّف محتواه، في قليل أو كثير؛ ليس انحناء أمام مخاوف رقابية، بل على نحو إرادي وطوعي هذه المرة، من المترجم نفسه الذي يمارس دوراً رقابياً، بالنيابة عن المؤلف، وليس بالتشاور معه بالضرورة، فيستبعد من النصّ كلّ ما يمكن أن يُغضب الرقيب الرسمي، أو يثير مشكلة لدى القارئ العريض؛ والمترجم، في هذه الحال، يمارس المعنى السلبي لمفهوم “الخيانة” المرتبط بالترجمة”.

لذا، فإن هناك مدرسة بين المترجمين العرب ترى الرقابة واجباً، ليس في الحاضر فقط، بل هي مسألة تضرب في جذورها في الماضي، ففي ترجمته كتاب أستاذه غوستاف لوبون، مارس عادل زعيتر الذي يوصف بشيخ المترجمين العرب، الرقابة من خلال حذف عبارات وأوصاف، وكذلك فعل المترجم علي فهمي خشيم- خوفاً على نفسه بحسب وصف إدريس مقبول– فحذف مقاطع من ترجمته لـ”الجحش الذهبي” عن الأصل الإنكليزي مراعاة لأخلاق القراء وأذواقهم في البيئة العربية والإسلامية كما يقول. 

وهي مدرسة يرفضها سمير جريس، الذي يشرح رؤيته: “لست رقيباً أخلاقياً على أحد، وعندما أختار عملاً لأترجمه، أو أوافق على عمل عرضه علي ناشر، فيجب أن أترجمه كما هو، أو أرفض ترجمته. من حق القارئ عندما يمسك بكتاب مترجم، أن يطالع أفكار الكاتب كما هي، وليس كما أريد له أن يراها. باختصار، أرفض الرقابة بكل أشكالها، وأعتبر القارئ العربي بالغاً ويستطيع بنفسه أن يختار ما يقرأ ويرفض ما لا يريد. وإذا كان لدي تعليق على ما كتبه الكاتب، فأستطيع أن أفعل ذلك في مقالة منفصلة”.

لكن المسألة نفسها تشغله منذ عام 2008، فبعد ترجمته رواية “عازف البيانو” لإلفريدي يلينيك، والذي كان أول لقاء بينها وبين القارئ العربي، ترجم أستاذه الدكتور مصطفى ماهر عملين لها، وهما “العاشقات” و”المستبعدون”، وهو بحسب وصف جريس “مترجم قدير تعلمت منه كثيراً في كلية الألسن في جامعة عين شمس، وعندما طالعت ترجمة رواية العاشقات، هالني أن يحذف كلمات ويضع بدلاً منها نقاطاً، ثم يكتب في الهامش: في الأصل كلمة مبتذلة”.

من هذا المنطلق، أجرى معه جريس حواراً نُشر على موقع قنطرة في 2008، والذي يبدو كنوع من الاعتراض المهذّب.

يقول جريس، “في الحوار، قال جملة صعقتني، وعندما وضعتها عنواناً للحوار ثارت ثائرته، وغضب مني للغاية، وهي جملة (تحجيب يلينيك)، إذ قال: لو أحضرت السيدة يلينيك إلى القاهرة، لحجبتها أو نقبتها حتى تتواءم مع المجتمع”.

بالطبع، تغيّر عنوان الحوار الذي ذكر فيه عبارة “أنا لا أستخدم لغة مراحيض! والحوار معه كله ينبع من هذه الفكرة: أن يجعل النص ملائماً- وفق رؤيته- للمجتمع الذي ستُقدم فيه الترجمة، أن يشذبه ويهذبه بحسب رؤيته” يقول سمير جريس.

لم يتعرض الكتاب لحذف فصل كامل فقط، بل تعرض أيضاً للتعديلات والرقابة على متنه، يذكر منها سمير جريس على سبيل المثال:

يدور أحد فصول الكتاب عن الشاعرة الإغريقية صافو التي تزين غلاف الطبعة العربية، ويتناول الفصل غزلياتها الشهيرة التي اندثرت كلها تقريباً. في إحدى الفقرات نقرأ لدى شالانسكي:

“لفترة طويلة لم يكن ممكناً اعتبار ما تفعله النساء مع بعضهن البعض جنساً، وبالتالي لم يكن ممكناً وضعه تحت العقوبة إلا إذا كان تقليداً لجماع الرجل مع المرأة. القضيب هو الذي يحدد الفعل الجنسي، وعندما يغيب، فإن الفعل لا يكون سوى فراغ، يبرزه عدمُ وجود علامة تشير إليه، نقطة عمياء، ثغرة، ثقب لا بد من سده مثل العضو الجنسي الأنثوي”.

هذه الفقرة لم تُحذف منها أي كلمة؛ فقط كلمة “القضيب”، أي المقابل للكلمة اللاتينية Phallus، لم ترق للرقيب، وربما اعتبرها فجة، “وخادشة لحياء الأطفال، أقصد القراء، فقرر أن يكتب مكانها: العضو التناسلي للرجل!” يقول سمير.

في فقرة أخرى، نقرأ في النسخة التي طبعتها دار “كلمة” الإماراتية:

“نعلم أن الإغريق القدماء لم يكونوا يقسمون الشهوة بحسب انتماء ممارسها إلى الجنس نفسه أو إلى جنس مغاير. الفيصل كان بالأحرى هو أن يتناسب الدور الجنسي مع الدور الاجتماعي”.

بالمقارنة مع الأصل، نجد أن الرقيب قام بـ”إخصاء” الفكرة الأساسية في الفقرة، أي ربط الجنس بالسلطة والخضوع والاستعباد. فهل هذه الفكرة خادشة أيضاً للحياء العام؟ هنا الفقرة كاملة:

“نعلم أن الإغريق القدماء لم يكونوا يقسمون الشهوة بحسب انتماء ممارسها إلى الجنس نفسه أو إلى جنس مغاير. الفيصل كان بالأحرى هو أن يتناسب الدور الجنسي خلال المضاجعة مع الدور الاجتماعي للممارسين، أي أن يكون الرجال البالغون فاعلين، والغلمان والعبيد والنساء سلبيين. هذا التقسيم بين السلطة والخضوع لم يقم على أساس الجنس، بل على الفصل بين هؤلاء الذي يلِجون ويتملكون، وأولئك الذين يولَجون ويُستملَكون”.

حضور خفيّ…

في مصر رصدت الباحثة سارة رمضان، في ورقتها البحثية “حضورٌ خفي … عن ضوابط ورقابة المركز القومي للترجمة“، عدداً كبيراً من التدخلات الرقابية، في آب/ أغسطس 2020، أعلن المركز القومي للترجمة عن آلية جديدة للتقدم بطلبات ترجمة الكتب إلى المكتب الفني للمركز، وذلك ضمن خطة تطوير أداء، كانت قد أعلنت عنها الدكتورة علا عادل، المديرة السابقة للمركز والتي كانت قد تولت إدارة المركز في شباط/ فبراير 2020.

وقد تسبب الإعلان في إثارة مخاوف حول وضع حرية الإبداع والتعبير في مصر، بخاصة بعدما تضمنت المعايير شروطاً رقابية تعلن بوضوح للمرة الأولى عبر منصات المركز الرسمية، وتتعلق بألَّا يتعارض الكِتاب مع الأديان، والقيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف. كما تضمنت المعايير كذلك، شرطَ أن يكون الكتاب حديثاً ولم يمر على نشره أكثر من 5 سنوات، وبحسب بيان المركز، فإن الضوابط جاءت بعد ورود مقترحات ترجمات لكتب تضمَّن محتواها “تطاولاً” على رموز ومؤسسات دينية، وكذا أعمال تروِّج لـ”المثلية والشذوذ والإلحاد”. وهو ما يتنافى مع الحق في التعبير والإبداع الفني المكفولين بنص المادة 76 من الدستور المصري، كما يتنافى مع أهداف المركز، ويعصف بفلسفة الترجمة في حد ذاتها.

لكن بحسب سارة، فعام 2011، أوصى]المركز القومي بحذف فصلين من كتاب الفيلسوف داود روفائيل خشبة “أبو الهول والعنقاء” The Sphinx and the Phoenix، بدعوى أن الثقافة العربية غير مهيأة للفصلين المعنونين: “ما هو الله؟”، و”خواطر نحو نقد الدين”، بقيت الترجمة معطلة في الأدراج، تنتظر قراراً من المركز بنشرها كاملة منذ أيلول/ سبتمبر 2011.

رفض المركز في هذا التوقيت أيضاً، نشر كتاب “أقنعة جنسية… الفن والانحطاط من نفرتيتي إلى إميلي ديكنسون”، تأليف كاميلي باليا، وترجمة ربيع وهبة، نشر الكتاب بعد ذلك عام 2015 في عهد الدكتور أنور مغيث، الذي تولى إدارة المركز مرتين، الأولى في 2014 والثانية في 2015، وامتدت إلى مطلع 2020، غير أن المركز رفض الكتاب مرة أخرى، وأوقفت طباعته في عهد الدكتورة علا عادل، وبعد نفاد الطبعة من السوق، وافقت عادل على إعادة طباعته بعد طلب قُدم بهذا الخصوص، إلا أنها تراجعت من دون توضيح الأسباب.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.