fbpx

هل تردع أحكام الإعدام قتلة النساء في مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتفق النسويات بخصوص رفض عقوبة الإعدام، كونها تخلق مناخاً للانتقام، فمن يُقتل في السجن، سيسعى أقاربه في الخارج الى الانتقام، ما يعني وقوع ضحايا جدد، ليبتعد الأمر من الردع، وندخل في دائرة من انتهاك الحياة، تقسّم المتورطين إلى ضحايا وجناة أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصدر القضاء المصري، 3 أحكام إعدام بحق 3 متهمين قتلوا سيدات رفضن الارتباط بهم، في 4 جرائم قتل وقعت ما بين حزيران /يونيو وتشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، أما المتهم الرابع فقتل نفسه بسلاح الجريمة نفسه بعد الواقعة، وفقاً لبيان أصدرته وزارة الداخلية المصرية.

لم تكن الجرائم الأربع السابقة الوحيدة في تلك الفترة، لكنها أخذت شكلاً مختلفاً عبر منصات السوشيال ميديا، وبات يتحدث عنها الجميع، كونها أشعلت جدل حقوق النساء باختيار شركائهن، وحقهن في الرفض أيضاً، لكنها لا تعني أن مصر لا تحوي جرائم ضحيتها نساء قُتلن داخل الأسرة، إما من الأب أو الزوج أو الأخ وغيرها، جرائم لا تأخذ صدى كبيراً عبر السوشيال ميديا، إذ  أشار المجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن عام 2020 شهد تعرض 5 ملايين امرأة للعنف على يد الزوج أو الخطيب.

تفتح الأحكام السابقة السؤال التالي، هل يمكن لعقوبة الإعدام أن توقف  قتل النساء، أم أن دائرة العنف مستمرة ولن تتوقف، في ظل مناداة مؤسسات حقوقية بوقف العمل بتلك العقوبة؟.

 رصدنا أشهر المواقع الإلكترونية والصحف المصرية، لنكتشف وقوع 12 جريمة قتل بحق النساء في شهر كانون الثاني/ يناير، ارتكب هذه الجرائم رجال من داخل الأسرة وخارجها، الرقم هذا لا يحيل إلى “كلّ” الجرائم المشابهة، بل فقط تلك التي نالت صدى خارج السياق المحليّ، فهناك الكثير من المعوقات أمام نشر معلومات عن جرائم كهذه سواء كنا نتحدث عن محاولات الأسرة لتغطية الشأن، أو تقصير القضاء في رصد تفاصيل الجريمة بدقة.

ترفض المؤسسات الحقوقية عقوبة الإعدام، ولا ترى أنها رادع لوقف الجريمة، وتتفق النسويات مع هذا الطرح،  فتغليظ العقوبة لن يوقف قتل النساء، إذ تقول  انتصار السعيد، رئيسة مؤسسة القاهرة للقانون والتنمية، في تصريحات لـ”درج”، إن عقوبة الإعدام جدلية، كونها أولاً لا تشكل رادعاً للمجرمين، ناهيك بانتهاكها القوانين الدولية وحقوق الإنسان، ومصر واحدة من الدول القليلة التي ما زالت تطبقها، وتضيف :”عند النظر الى قضايا قتل السيدات في مصر، وعلى رغم صدور أحكام الإعدام، لم تتوقف الجرائم، بل نستمر في دائرة مفرغة، سيدات يُقتلن في مقابل أحكام إعدام من دون تحقيق ردع حقيقي لوقف قتل النساء”.

أصدر القضاء المصري، 3 أحكام إعدام بحق 3 متهمين قتلوا سيدات رفضن الارتباط بهم، في 4 جرائم قتل وقعت ما بين حزيران /يونيو وتشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، أما المتهم الرابع فقتل نفسه بسلاح الجريمة نفسه بعد الواقعة.

تعاقب المحاكم المصرية بالإعدام على جرائم متعددة، وأجاز القانون المصري عقوبة الإعدام بخصوص 105 جرائم نصّ عليها عدد من التشريعات المصرية مثل قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، وقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954، وحتى قانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960. 

تواجه عقوبة الإعدام فى مصر إشكاليات كثيرة وفقاً لمؤسسات حقوقية، منها تطبيقها على طيف واسع من الجرائم لا فقط الجرائم الخطيرة، كما أن المتهمين غالباً ما يتم انتهاك حقهم فى الحصول على محاكمة عادلة، وهي الضمانات التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية، بخاصة في القضايا التي يمكن الحكم فيها بالإعدام.

تتفق مع السعيد، آية منير، مديرة ومؤسسة مبادرة “سوبر وومن”، المعنية بحقوق النساء، فتقول لـ”درج”:  “جرائم الإعدام موجودة طول الوقت، وقتل الستات موجود طول الوقت، لكن احنا محتاجين نرجع لورا شوية قبل منوصل لقتل الستات، والعنف اللي بتتعرض له، واللي بتتحمل هي سبب حدوثه، لو بصينا لضرب النساء مثلا، بنلاقي إن الخطاب واللي بيكون لسان حال الدولة نفسها، بنلاقي برامج التليفزيون بتناقش جريمة تعنيف وضرب بين مؤيد ومعارض، وأحيانا يتم تحميل الضحية السبب وإنها اللي وصلت الراجل للنوع ده من العنف”.

ترى منير أن العنف ضد النساء يبدأ منذ ولادتهن، ومن هنا يجب أن نبدأ بتغيير لغة التخاطب التي توجِّه اللوم الى السيدات، تتابع “لازم قبل منوصل للقتل تقول إن مفيش مبرر للعنف ضد الستات، احنا مش عاوزين نفضل نعاقب عن الحدث ونشدد عقوبات عليه، احنا عاوزين نوصل لمنع الحدث نفسه”.

ما تتحدث عنه منير، يبدو واضحاً في جريمة القتل التي أخذت صدى كبيراً في الأشهر الماضية، ونقصد قتل نيرة أشرف، ضحية جامعة المنصورة، التي قُتلت على يد من لن نذكر اسمه على مرأى الناس ومسمعهم في الشارع أمام الجامعة، وأشعلت جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ازدادت حدته بعد الحكم عليه بالإعدام، ووصل الأمر حد ظهور أصوات تدافع عنه، بحجة أن ما دفعه الى القتل هو الحب، وما حصل هو ذنب الضحية لأنها رفضت الارتباط به.

تؤكد انتصار السعيد، أن هناك عقوبات يمكن استخدامها بدلاً من الإعدام، كعقوبة السجن مدى الحياة التي تحقق المحاسبة المطلوبة طبقاً للقانون، خصوصاً أن دائرة العنف التي تتعرض له المرأة طويلة، قبل أن تصل إلى القتل، وتتابع “المهم أن يكون هناك قانون عادل ومنصف للنوع الاجتماعي، يشكل ردعاً قانونياً، مما  يخفف جرائم العنف ضد النساء قبل الوصول القتل، فإذا أوجدنا قانون أحوال شخصية، فهذا سيمنع العنف الأسري ويحمي حقوق النساء في ما يتعلق بالحضانة والطلاق والزواج وغيرها، ووقف ضرب الزوجات، وغيرها من الأحداث التي تسبق قتلهن”.

شاركت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون مع 6 مؤسسات أخرى عام 2022، في وضع مسودة لقانون موحّد لتجريم العنف ضد النساء، يحوي أبواباً عدة تحاول حماية النساء من العنف، وتقترح عقوبات بديلة تحقق الردع المطلوب، ولا تنتهك فكرة الحق بالحياة، كالحبس والسجن المشدّد والمؤبد.

تتفق النسويات بخصوص رفض عقوبة الإعدام، كونها تخلق مناخاً للانتقام، فمن يُقتل في السجن، سيسعى أقاربه في الخارج الى الانتقام، ما يعني وقوع ضحايا جدد، ليبتعد الأمر من الردع، وندخل في دائرة من انتهاك الحياة، تقسّم المتورطين إلى ضحايا وجناة أيضاً.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واحدة من المؤسسات الحقوقية التي تطالب بوقف عقوبة الإعدام، وتصدر تقريراً سنوياً بعدد أحكام الإعدام التي تنفذها السلطات المصرية، إلى جانب مطالبتها بتعليق العمل بعقوبة الإعدام إلى حين فتح نقاش مجتمعي واسع حول التأثير الرادع للعقوبة. 

تشير في  تقريرها بعنوان “أزمة متعمدة”، الذي نشر في  كانون الثاني الماضي، إلى أن مصر خلال الاستعراض الدوري لملفّها الحقوقي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تلقت 28 توصية من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشأن عقوبة الإعدام. 

رفضت الحكومة المصرية 20 توصية تتعلق بالوقف الفوري لاستخدام  هذه العقوبة أو تعليقها تمهيداً لإلغائها، وقبلت بـ8 توصيات تتعلق بالنظر في إعلان وقف تنفيذ بعض الأحكام ومراجعتها، لكن رغم هذه التعهدات، تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر إصداراً لأحكام الإعدام في 2021، لتأتي في المرتبة الثالثة بعد الصين وإيران وفقاً لتقرير نشرته منظمة العفو الدولية.

تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات من دون استثناء، بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ظروفها؛ أو الشعور بالذنب أو البراءة أو الخصائص الأخرى للفرد؛ أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ عملية الإعدام.

ترى هالة دومة، المحامية النسوية، أن عقوبة الإعدام في مصر جدلية، بخاصة أن المجتمع مُشبع بفكرة القصاص، فالتفكير في حكم الإعدام مربك، قد يكون مرضياً لأهل الضحية، لكن غير مرضٍ لأهل الجاني، والأنجع توظيف عقوبة السجن مدى الحياة، خصوصاً أن  دائرة العنف ضد النساء تبدأ قبل الجريمة، بالتالي يجب السعي الى وقف جميع أشكال العنف التي تلحق بالضحية قبل القتل.

التشبع بالقصاص الذي تحدثت عنه دومة، ربما تفسره العبارة التي تضمنتها حيثيات الحكم الصادر عن محكمة جنايات الدقهلية نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي، والقاضي بإعدام قاتل نيرة أشرف، إذ  جاء في الحكم : “تهيب المحكمة بالمشرع أن يتناول بالتعديل المادة الخامسة والستين من قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي المنظمة لتنفيذ عقوبة الإعدام لتجيز إذاعة تنفيذ أحكام الإعدام مصورة على الهواء فقد يكون في ذلك ما يحقق الردع العام الذي لم يتحقق بإذاعة منطوق الأحكام وحده”.

الاعتراف بعدم تحقيق الردع إثر حكم الإعدام، دفع القاضي الى المطالبة ببثّه علانية، ولم يدفعه الأمر الى التفكير في عقوبات بديلة، أو النظر في دساتير دول ألغت بالفعل العمل بها، فقد شهد عدد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام رسمياً، زيادة مطردة، من 48 في عام 1991 إلى 106 في عام 2017، تقول منظمة العفو الدولية،  في تقرير نشرته عام 2021، إن 108 دول في العالم ألغت عقوبة الإعدام في قوانينها. وفي المجموع، ألغى أكثر من ثلثي دول العالم عقوبة الإعدام في قوانينها أو ألغت تطبيقه عملياً.