fbpx

قيس سعيّد… الحرب على الصحافة التونسيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاتهام السابق الذي أطلقه سعيد ضد الصحافة التونسيّة وما تلاه من ممارسات لتقييد الحريات، يكشف تناقضاً صارخاً، فالصحافة ذاتها التي هاجمها، كان لها الدور الأكبر في انتشار مقولاته ورواجها وبلوغه سدّة الحكم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن في 10 كانون الثاني/ يناير عام 2022، وكغالبية لقاءاته، بدأ يُحاضر ويقدم الدروس والمواعظ ويرمي الاتهامات بشكل ضبابي وغامض، لكن خلافاً للخطب المعهودة التي تبثها صفحة الرئاسة على “فيسبوك”؛ وسيلة التواصل الوحيدة بين سعيّد مع الشعب، وجّه الرئيس في هذا اللقاء الاتهام الى الصحافة التونسية، وهاجمها قائلاً: “الحرية في تونس يعتبرونها عملية ثلب وشتم وقذف عن طريق وسائل الإعلام”.

الاتهام السابق الذي أطلقه سعيد ضد الصحافة التونسيّة وما تلاه من ممارسات لتقييد الحريات، يكشف تناقضاً صارخاً، فالصحافة ذاتها التي هاجمها، كان لها الدور الأكبر في انتشار مقولاته ورواجها وبلوغه سدّة الحكم. 

كان سعيد قبل 2019، أي قبل وصوله الى الحكم، ضيفاً دائم الحضور على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، إذ ظهر بداية الثورة على شاشات التلفزيون يقدم حلولاً ومقترحات متنوعة، ومقيّماً للوضع السياسي والمآزق الدستورية التي تعيشها الديمقراطية الفتية، جمود ملامح وجهه وحديثه بالعربية الفصحى إضافة إلى عدم انتمائه الى أي حزب سياسي، ونقده الوضع  القائم وجميع الأطراف السياسية، خلق هالة من الكاريزما والغرابة حوله، أدت إلى انبهار فئات واسعة من الشباب به، الذين التفّوا حوله، ليصل إلى منصب الرئيس، ما زعزع المشهد السياسي، وغير الكثير من طروحاته، من بينها علاقته بالإعلام. 

من ضيف دائم إلى خطر داهم

كانت مقابلة متميزة، رفض حينها أخذ مكافأة أو بدل أتعاب لحضوره، ورفض بدل تكاليف التنقل، استضفته ثلاث مرّات خلال نشرة الأخبار التي كانت تبثها “قناة التاسعة” (تلفزيون خاص في تونس)، سعيّد ودود، متواضع ومرن للغاية في تعامله مع الصحافيين. هكذا تصف الصحافية التونسية التي فضلت عدم ذكر اسمها، تفاصيل المقابلة التي جمعتها بقيس سعيد سنة 2015، على رغم أنها كانت في بداية مسيرتها الصحافية، إلا أن أستاذ القانون الدستوري كان منفتحاً بشكل إيجابي للغاية أمام الصحافيين في تونس، بشهادة الكثير من الصحافيين/ات الذين واللاتي حاوروا سعيّد، إذ أجمعوا على أنه كان متفاعلاً للغاية مع الإعلام والصحافة.

 فترت علاقة سعيّد والصحافة منتصف عام 2019، حين قرر الترشح للرئاسة، ورفض الحضور أمام الكاميرات للحديث عن برنامجه الانتخابي، باستثناء حواره المرجعي الذي نُشر في جريدة “المغرب”، إذ  بدأ سعيد يرى في الإعلام وسيطاً بينه وبين الشعب، ما يمثل حجر عثرة أمام مشروعه، فتخلى عن الحضور الإعلامي بشكل شبه نهائي، وأعلن أنه سيخوض حملة تفسيرية بدل الحملة الانتخابية، وازدادت حدة هذه القطيعة مع وسائل الإعلام بشكل أكبر بعد فوزه في الانتخابات، باستثناء مقابلة يتيمة، أجراها مع التلفزة الوطنية (التلفزيون الحكومي) لمناسبة 100 يوم من وصوله الحكم، وبعدها لم يقم سعيد بأي مقابلات صحافية مطوّلة.

 تعامُل سعيد مع الإعلام خلق مناخاً لرواج الإشاعات والأخبار المزيفة، وجعل من تقصّي المعلومات أمراً صعباً للغاية، وباتت المعلومات الرسمية المتعلقة بنشاط رئاسة الجمهورية من لقاءات مع وفود أجنبية، تأتي من صفحات السفارات الأجنبية أو جهات أخرى. 

انتشرت نهاية كانون الثاني/ يناير عام 2021، إشاعة محاولة اغتيال قيس سعيد باستخدام ظرف مسموم، لم تعلق رئاسة الجمهورية التونسية أو مديرة الديوان نادية عكاشة حينها على الخبر، حتى أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية، أن مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الجزائري مع قيس سعيد للاطمئنان على وضعه بعد نبأ محاولة تسميمه، هكذا باتت الصحافة التونسية تتحصل على أخبار ونشاطات مؤسسة الرئاسة التونسية من وكالات وصفحات أجنبية، بينما تكتفي المؤسسات الحكومية مثل التلفزة الوطنية أو وكالة “تونس أفريقيا” للأنباء، بنقل الأخبار من دون أي تعليق عليها، ما يوضح هامش الحرية الضئيل التي وصلت إليه هذه المؤسسات.

يقول سعيد الزواري، الصحافي والمحلل السياسي، في حديث مع “درج”: “إن نظرة الرئيس قيس سعيّد للصحافة والصحافيين لم تتغير منذ بداية حملته الانتخابية وحتى وصوله الحكم، إذ خاض حملة انتخابية بعيدة نسبياً من وسائل الإعلام، كونه يتبنى منطق التواصل المباشر مع الشعب، بالتالي لا يحتاج وسيط بينه وبين الشعب، فألغى أي دور للصحافة والصحافيين، ومذاك تنقل وسائل الإعلام المعلومة عن قصر قرطاج أو عن الرئيس نفسه، ولا تسعى الى البحث لتكون هي مصدر المعلومة”.

باتت الصحافة التونسية تواجه “الخطر الداهم”، إذ تراجع تصنيفها بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فبعدما كانت في المرتبة 73 عام 2021 تراجعت بنحو عشرين نقطة في التصنيف لتصبح في المرتبة 94 خلال العام الماضي

تضييق ورقابة على الصحافيين

بعد أيام من إعلان قيس سعيد عن “إجراءاته” في 25 تموز/ يوليو 2021، حاولت وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية إجراء مقابلات مع سعيّد أو بعض المسؤولين، وتكدست طلبات إجراء مقابلة من دون أي ردّ، وحدهم فريق صحيفة “نيويورك تايمز” استطاعوا لقاء الرئيس، ولم يُسمح لهم بطرح أي سؤال، إذ قالت فيفيان يي، الصحافية في “نيويورك تايمز” إنها تلقت محاضرة عن دستور الولايات المتحدة من رئيس تونس، الذي تعهد بالحفاظ على حرية الصحافة، إلا أنه لم يسمح لها بطرح سؤال واحد.

بات وضع الصحافة يتأزم تدريجياً، إذ هُددت معايير الجودة والمهنيّة نظراً الى عدم توافر المعلومات وإغلاق سبل محاورة المسؤولين، وتضييق هامش الحرية، يعود ذلك أساساً إلى عدم تعاطي الرئيس والسلطة مع الصحافة بصفة مباشرة، وإلغاء العمل الصحافي وحصر دور الصحافي في نقل المعلومة لا غير.

بدأ سعيّد يلجم وسائل الإعلام بوتيرة متسارعة منذ اليوم الأول لـ”الإجراءات” التي تبناها، إذ أُغلق مكتب قناة “الجزيرة” في تونس،  وبعدها  أقال سعيد المدير العام للتلفزيون الرسمي، وعيّن بدلاً منه عواطف الدالي التي ساهمت في تحويل مؤسسة تلفزية عمومية إلى مؤسسة ناطقة باسم رئيس الجمهورية فقط، وإقصاء المعارضين من الحضور في البرامج السياسية.

أوقف أيضاً الصحافي عامر عيّاد والنائب السابق عبد اللطيف العلوي، وتمت ومحاكمتهما أمام القضاء العسكري على خلفية تصريحات في برنامج تلفزيوني، كما أحيلت الصحافية شهرزاد عكاشة إلى المجلس الجناحي بتهمة نشر أخبار من شأنها تعكير النظام العام والمسّ بالأمن القومي.

باتت الرقابة، إضافة الى الانتقائية في تغطية الأخبار، أمراً مألوفاً في المؤسسات الإعلامية الحكومية، إذ حُذف بيانان اثنان بشأن الأوضاع المزرية والخطيرة في وكالة “تونس إفريقيا” للأنباء، واستجواب صحافيين عاملين بالمؤسسة على خلفية انتقادهم طريقة تسيير الوكالة وشبهات الفساد التي تلاحق المسؤولين فيها خلال شهر آب/ أغسطس 2022. وقبل تلك الحادثة بأشهر، أوقفت السلطات الأمنية خليفة القاسمي، مراسل إذاعة “موزاييك”، إثر اتهامه بنشر تقرير حول تفكيك خلية إرهابية في القيروان، ورفضه الكشف عن مصادره بالتقرير.

 أدانت نقابة الصحافيين بتونس إيقاف القاسمي بموجب قانون مكافحة الإرهاب، معتبرة أن ذلك “فصل جديد لترهيب الصحافيين يُسجّل في عهد منظومة حكم ما بعد 25 تموز/ يوليو. 

نحو نظرية “سعيديّة” في الصحافة

ترافق اعتقال الصحافيين وترهيبهم، مع إشارات سعيد في بعض خطاباته إلى رؤية أو تأويل خاص لحرية الصحافة وحرية التعبير، واختلافهما عن حرية التفكير، مشبهاً الأمر بالمعادلة الموجودة بين الشرعية و المشروعية. وعلى رغم كل التطمينات والمقارنة التي كان يعقدها سعيد بين العشرية الماضية وبين فترة حكمه، لم تختلف طريقته عمن سبقوه في التعامل مع الصحافة، إذ  تحاشى سعيّد تعيين مدراء عامين لمؤسسات الإعلام العمومي، وعيَّن مكلفين بالتسيير، صلاحيتهم محدودة، ولا يحق لهم التفاوض مع مطالب الصحافيين.

 يشير أحد العاملين في وكالة ت”ونس أفريقيا” للأنباء، فضّل عدم ذكر اسمه، الى أن الأوضاع بالوكالة كارثية للغاية، فالمُكلفون بالتسيير بشكل موقت لا يملكون صلاحية التفاوض، ما ساهم في تراكم المطالب، وتبعاً لذلك تراكمت المشاكل المادية والمعنوية، ما ساهم في تردي الأوضاع تدريجيا وتخلّي الإعلام العمومي عن دوره بسبب الإدارة الموقتة.

 أعلن سعيد  منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، عن المرسوم 54 الذي ووجه بمعارضة طيلة السنوات العشر الماضية، ونجح سعيد في ما فشلت فيه غالبية الحكومات، وأصدر المرسوم الذي يهدف حسب قوله، إلى  ضبط الأحكام التي تقي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وزجرها، وتلك المتعلقة بجمع الأدلة الإلكترونية الخاصة بها، ودعم المجهود الدولي في المجال، في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من الجمهورية التونسية. 

تقبع  في هذا القانون فصول تهدد حرية الصحافة، بخاصة الفصل 24 ، والذي يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وغرامة قدرها 50 ألف دينار، كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو  إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً الى الغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.

إثر إصدار المرسوم ودخوله حيّز التنفيذ، اجتمع  سعيّد في  28 كانون الأول/ ديسمبر 2022  مع رئيسة الحكومة ووزراء الدفاع والعدل والداخلية والقيادات الأمنية والعسكريّة، وخوّن سعيد معارضيه واتهمهم بالعمالة، وكتب فصلاً جديداً في القمع والاستبداد، وبات المرسوم 54 شوكة في خاصرة الصحافة التونسية، تهدد أي قلم معارض للسلطة. 

المرسوم 54 أو الردة على حرية الصحافة

لا يهدد المرسوم 54 الصحافة التونسية فقط، بل يمس أي شخصية عامة أو مدوّن أو ناشط سياسي، فبعد دخوله حيز التنفيذ، أحيل الى التحقيق بهاء الدين حمادة، طالب تونسي أنشأ صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي لتوثيق التظاهرات في أحياء تونس الشعبية، كما أحيل حمزة العبيدي، بسبب تدوينة حول تردي الأوضاع الاجتماعية، وكذلك رئيس تحرير موقع ب”يزنس نيوز” بسبب تقييمه أداء نجلاء بودن بعد مرور سنة على تعيينها، وحديثاً أحيل الى التحقيق العياشي الهمامي، الناشط السياسي والوزير السابق. 

يستهدف المرسوم “الجميع”، وأصبحت الصحافة التونسية التي تعاني مسبقاً من الهشاشة الاقتصادية وسياق ثقافي وأمني مربك، تواجه مخاوف الاعتقال والملاحقة، إذ لا يخفي محمد ياسين الجلاصي، نقيب الصحافيين في تونس مخاوفه، حيث يؤكد لـ “درج” أن المرسوم 54 سيئ الذكر يهدد حرية الصحافة والتعبير بصفة عامة، ولا يطاول تهديده الصحافيين ووسائل الإعلام فقط، بل يمتد نحو الناشطين والمدونين والمحامين والسياسيين، إذ تمكن ملاحقتهم وتوقيفهم بموجب هذا المرسوم.

يضيف الجلاصي، “الهدف من المرسوم 54 ليس مكافحة الأخبار المزيفة والإشاعات، على العكس تماماً، الهدف هو محاربة حرية التعبير، خصوصاً أن الكثير من الناشطين أُحيلوا الى التحقيق بسبب هذا  المرسوم من دون مبرر، خطورة هذا المرسوم بالذات تكمن في أن السلطة التنفيذية متمثلة في وزيرة العدل، هي التي تفرض التعليمات مباشرة على النيابة العمومية لملاحقة الصحافيين والمدونين وتتبعهم عدلياً وفق المرسوم المذكور في إطار سياسة من التضييق  وخنق الآراء الحرة”.

الابتزاز عنوان التعامل مع الصحافة التونسية

على رغم المقترحات والتوصيات التي وُجهت إلى رئاسة الحكومة أو الجمهورية لتطوير القطاع وسنّ قوانين وتشريعات تحمي الصحافيين وتحافظ على استقلاليتهم، لم تجد نقابة الصحافيين تفاعلًا،  وغالبية الحكومات منذ الثورة تعاملت مع الصحافة بمنطق الغنيمة على أساس المحاباة والولاة، وبرز الإعلام السياسي الفاسد الذي تحكم في مسار الانتخابات وسبر الآراء وتوجيه الناخبين، ولم تسعَ أي سلطة الى الوقوف على المصاعب الاقتصادية والسياسية التي تواجههم، وبات كل صحافي ينتقد السلطة يتعرض للتشويه والثلب.

 يؤكد الزواري أن كل من أمسك السلطة بعد 2011، سعى أولاً  الى إغراء الصحافة أو ضمّها الى جانبه أو تهديدها، لاحظنا هذا في فترة حكم حركة النهضة ثم في فترة حكم حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي ثم أخيراً في هذه الفترة .

تعددت محاولات قيس سعيد لتشويه سمعة الصحافة والصحافيين، آخرها كان عبر التهديد بنشر قائمة أسماء الصحافيين الذين تحصلوا على الهبة البريطانية عام 2017، لم يكشف سعيد عن تلك الأسماء، لكنه اتهم الصحافيين بتلقي أموال مشبوهة من “الخارج” من دون أي دليل. 

باتت الصحافة التونسية تواجه “الخطر الداهم”، إذ تراجع تصنيفها بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فبعدما كانت في المرتبة 73 عام 2021 تراجعت بنحو عشرين نقطة في التصنيف لتصبح في المرتبة 94 خلال العام الماضي، تشير “مراسلون بلا حدود” أيضاً إلى المشاكل الكبرى التي تواجه السلطة الرابعة في تونس وكيف تستخدم الأحزاب السياسية منصات التواصل الاجتماعي بانتظام لإطلاق حملات تضليل وتشويه سمعة الصحافة وخلق مناخ انعدام الثقة والارتباك في أوساط الناخبين. 

نور الدين بوطار؛ التهمة خطّ تحريري

“كل يوم يتحدثون في موزاييك كما يشاؤون، ومع ذلك يتحدثون عن الديكتاتورية، عن أيّ ديكتاتورية تتحدثون؟ فليفكّرو جيدّاً ولينظروا إلى الواقع كما هو من دون تحامل ومن دون مسّ من مؤسسات الدولة”، بهذه الكلمات تحدث سعيّد خلال القمة الفرنكوفونية التي انعقدت في تونس نهاية عام 2022، بوضوح وبصريح العبارة عبّر سعيّد عن امتعاضه من “موزاييك”، الإذاعة الأولى في تونس والأكثر انتشاراً، لكن لم يبق امتعاض سعيّد مجردّ حديث، إذ تم اعتقال نور الدين بوطار منتصف شباط/ فبراير ضمن حملة إيقافات شملت سياسيين وقضاة ومعارضين للرئيس، من دون إذن احتفاظ، وتم استجواب بوطار لمدة ستة ساعات حول الخط التحريري للإذاعة وطريقة اختيار الصحافيين ومعايير اختيار الضيوف.

ينددّ خالد درارني، ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال إفريقيا بصرامة لـ”درج”، بخصوص الإجراءات التي يتخذها قيس سعيد منذ 25 تموز/ يوليو، تلك التي لا تخدم حرية التعبير والصحافة في تونس، بل على العكس تماماً، تقيّدها وتعرقلها، ما يشكل تهديداً فعلياً لمكاسب ثورة 2011، وعلى رأسها إعلام حر ومستقل، ويتابع: “اعتقال نور الدين بوطار رسالة عنيفة من السلطات لوسائل الإعلام. رسالةٌ هدفها ترهيب الصحافيين وإخضاعهم، والعودة بهم إلى عهد ديكتاتورية بن علي. من الواجب أن ندين بشدة هذا الانزلاق المعلَن، والذي أصبح مؤكداً بما لا يدع مجالاً للشك. يجب إطلاق سراح نور الدين بوطار على الفور”.

 يضيف درارني، “إن تحويل القوانين القائمة إلى وسيلة لملاحقة الصحافيين يحمل في طياته انحرافاً خطيراً يعيد إلى الأذهان تخبّط الدولة البوليسية في العهد السابق تحت حكم بن علي، ذلك أن هذه الانتهاكات الجديدة التي تطاول حرية الإعلام تؤكد بشدة الحاجة الملحة إلى حماية أفضل لممارسة الصحافة في تونس. يجب أن يسود شعور بالتدخل العاجل عوض اللامبالاة الحالية التي تلف هذه القضية. على مجلس النواب المستقبلي أن يضع حرية الصحافة ضمن أولوياته قبل أن يفوت الأوان وتضيع منجزات ثورة 2011 بالكامل”.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، باتت حرية الصحافة مهددة بشكل جذري، تراجع تصنيف تونس من “منظمة مراسلون بلا حدود”، والتضييق التصاعدي حول حرية التعبير، اضافة إلى تشويه الرئيس للصحافة والإعلام… ذلك كله سيؤدي إلى انتكاسة كبرى في المشهد الإعلامي وتكميم الأفواه والعودة إلى الرأي الواحد، بخاصة بعدما تمت إحالة نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي للتحقيق على خلفية تظاهرة احتجاجية أمام وزارة الداخلية في 18 تموز/ يوليو الماضي، ووجهت إليه تهمة هضم جانب موظّف عمومي وتعطيل التجوّل. 

أوضح الجلاصي أنّه كان موجوداً في مكان الاحتجاج للتغطية الصحافية، ولم يكن مشاركاً فيه. وقال الجلاصي إنّ القضية كانت بناء على شكوى تقدّم بها ثمانية أعوان أمن ضده وضدّ مجموعة من الأشخاص الآخرين، معتبراً أنّها تأتي ضمن استهداف النقابة الوطنية للصحافيين على خلفية مواقفها الأخيرة وانتصارها للحقوق والحريات،  وما حصل مؤشرات جدية  تبشر بعودة الديكتاتورية . 

لا يمكن تجاهل أن المشهد الصحافي والإعلامي في تونس لا يتّسم بالنزاهة المطلقة، نظراً الى نفوذ رجال الأعمال ودور المال السياسي في السيطرة على مؤسسات كثيرة، لكن إلى اليوم يدفع الصحافيون الضريبة الأكبر لنيل استقلاليتهم ودفاعهم عن صحافة حرة ونزيهة، يعبر الجلاصي عن قلقه لـ”درج”، ويعتبر أن هذه السلطة معادية لحرية الصحافة والتعبير، وستتصدى النقابة لكل محاولة للرقابة أو السيطرة على الإعلام.