fbpx

هل باتت القطيعة الإماراتية- السعودية وشيكة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وصول الخلاف السعودي- الإماراتي إلى درجة اضطرت الرياض إلى نفي حدوثه، موقتاً، قبل أن تصرح به، ثم التشكيك في ما اعتبرته “مبالغة” بخصوص حجم هذه الخلافات، يؤشر إلى وجود ملفات باتت في لحظة خصومة ونزاع، وربما قطيعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تصاعد الخلافات السعودية- الإماراتية لا سيما في مسألة اليمن وإنتاج النفط، والذي كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال“، جدد النقاش حول كواليس العلاقة بين الدولتين، لا سيما في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم. وهي خلافات لم ينفع النفي الرسمي في تبديد أخبارها و”شائعاتها”، إذ يسهل ربطها ببعض الوقائع التي تشي بها، حد التأكيد في بعض الأحيان.

فمثلاً غاب ولي العهد السعودي عن قمة لقادة الشرق الأوسط عقدت في أبوظبي في كانون الثاني/ يناير الماضي، برغم حضور حكام الأردن ومصر وقطر وغيرهم. قبلها، لم يحضر كبار قادة الإمارات العربية المتحدة قمة صينية عربية رفيعة المستوى عقدت في الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

وصول الخلاف السعودي- الإماراتي إلى درجة اضطرت الرياض إلى نفي حدوثه، موقتاً، قبل أن تصرح به، ثم التشكيك في ما اعتبرته “مبالغة” بخصوص حجم هذه الخلافات، يؤشر إلى وجود ملفات باتت في لحظة خصومة ونزاع، وربما قطيعة.

تفاقم ملفات الطاقة أو بالأحرى خطط خفض إنتاج النفط التي اعتمدها الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى الحرب اليمنية، وانتقال الشركات الأجنبية الاستثمارية من أبو ظبي إلى الرياض، التناقضات ومساحات التنافس المحتدمة في ظل قيادة بن سلمان ومحمد بن زايد (رئيس دولة الإمارات وحاكم أبو ظبي)، كلها نقاط يبدو أنها أجّجت الخلافات بين الصديقتين الخليجيتين.

الخليج الذي اعتاد في إدارة خلافاته على الوساطات من خلال أطراف خليجية وازنة، لم يعد كما في السابق في ظل قيادة الجيل الجديد. فالتحولات الجيوسياسية العنيفة في المنطقة والعالم التي تقع تحت تأثيراتها ممالك الخليج، راهناً، تجعل كل طرف يتحرك في هامش بعيد ومنعزل عن منطق الشراكة التقليدية، التي تفقد فعاليتها وتماسكها تبعاً للتهديد المباشر الذي يشكله كل طرف على الآخر تجاه الأدوار المركزية التي يؤديها. 

ولا تعد الأخبار المتواترة، أو بالأحرى التسريبات، بشأن احتمال خروج الإمارات من منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، أمراً جديداً أو مباغتاً. التقرير الأميركي الذي كشف عن وجود نقاشات في دوائر حكومية رسمية في أبو ظبي بهذا الشأن، سبقته محطات متباينة من الخلاف بين بن سلمان وبن زايد، فالأول دشن صفقة مع روسيا بشأن اتفاق إنتاج النفط والذي وصفته أبو ظبي بأنّه “غير عادل”، بل وضغطت مراراً باتجاه مضاعفة الانتاج من 0.6 مليون برميل يومياً إلى 3.8 مليون برميل، بدعوى أنّ النسبة المقررة (3.17 مليون)، عام 2018، لا تتوافق مع طاقتها الإنتاجية الواقعية.

وكان مشهد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وهو يقطع حديث الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، على هامش قمة قادة مجموعة السبع في ألمانيا، أحد تجليات هذه الأزمة. وقد كشف ماكرون مضمون مكالمته مع بن زايد حول سياسات السعودية النفطية.

وذكر ماكرون للرئيس الأميركي أنّ بن زايد “قال لي شيئين: أنا في أقصى أقصى حد. هذا ما ادعاه”. كما أبلغه أنّ الرئيس الإماراتي قال إنّ السعوديين لديهم قدرة محدودة على زيادة إنتاج النفط.

وأضاف ماكرون: “بإمكان السعوديين أن يزيدوا إنتاجهم قليلاً، بمقدار يصل إلى 150 (ألف برميل من النفط يومياً) أو أكثر قليلاً، لن يملكوا طاقات إنتاجية ضخمة قبل 6 أشهر”.

ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أنّ أبو ظبي تواصل نقاشات داخلية للخروج من منظمة البلدان المصدرة للبترول، بما يعكس الخلافات المتنامية مع الرياض، وبالتالي، ستكون “خطوة تجعل الإمارات حرة في زيادة معدلات إنتاجها من النفط وعدم التقيد بقرارات أوبك وحصص الإنتاج للدول الأعضاء”.

وعرجت الصحيفة الأميركية على الأزمة اليمنية، باعتبارها ضمن نقاط الخلاف التي تسببت في اتساع الخصومة بين البلدين. فالرياض تواصل تهميش دور أبو ظبي وإضعاف “المجلس الانتقالي الجنوبي”، كما هو الحال في محافظة شبوة الجنوبية التي خضعت لسيطرة “ألوية العمالقة” المدعومة من الإمارات قبل عام. في المقابل، تسعى أبو ظبي إلى تعزيز مصالحها الحيوية والاستراتيجية في اليمن والمتمثلة في تأمين نفوذها على الممرات والموانئ البحرية في خليج عدن وباب المندب، لتفادي احتمال حصول مفاوضات وتسويات بين الحوثي والرياض، تنعكس سلباً على تموضعاتها السياسية والميدانية، ويجعل موقفها في الأزمة هشاً. 

ووفق مسؤولين إماراتين تحدثوا لـ”وول ستريت جورنال”، فإنّ مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، زار السعودية أكثر من مرة محاولاً لقاء الأمير السعودي، محمد بن سلمان، لكن من دون جدوى، وهو ما قد يعكس عمق الأزمة. 

وبرغم امتناع السعودية كما الإمارات عن التصريح بأيّ ردود فعل بعد تقرير الصحيفة الأميركية، إلا أنّ التغريدات على “تويتر” شهدت صراعاً محموماً بين الطرفين، وقد ظهر وسم في السعودية “السعودية تؤدب حثالة الإمارات”. واضطر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بعد ذلك إلى التعليق على التقرير الأميركي، وقال إنّ الخلافات “مبالغة في الدراما” و”تستند إلى مصادر لم تسمها” من دون أن تفهم “مدى عمق العلاقة” بين الدولتين.

وتابع: “لدينا شراكة قوية للغاية مع الإمارات العربية المتحدة”، نافياً التقارير التي تتحدث عن خلافات بسبب المنافسة الاقتصادية.

وذكر وزير الخارجية السعودي أنّ أسعار النفط كانت ستنهار في حال لم تتخذ مجموعة أوبك+ قراراً بعدم زيادة الإنتاج.

ومن بين محطات الخلاف العلنية والصريحة، توجيه السعودية قبل عامين، إنذاراً للشركات الأجنبية بنقل فروعها الإقليمية الرئيسية من أبو ظبي إلى الرياض، بحلول عام 2024، حتى لا تتوقف التعاقدات الحكومية معها. وهذا التهديد الذي لم يخل من مغريات سعودية، منها الإعفاءات الضريبية لنصف قرن، يعد ضمن خطط بن سلمان للتنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على عوائد النفط، وحتماً نجم عنه الاحتكاك الخشن بمكانة الإمارات كمركز مالي وتجاري وإقليمي في الشرق الأوسط.

وكان غياب بن زايد عن قمة الصين في الرياض مؤشراً لوجود خلاف مرشح للتوسع، نهاية العام الماضي، الأمر الذي تكرر مع غياب بن سلمان عن قمة أبو ظبي التي حضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد وآخرون، مطلع العام.

انتقال الشركات الأجنبية إلى الرياض، والتي بلغت نحو 44 شركة عالمية، يمكن اعتباره أبعد من مجرد منافسة مع الإمارات، بل عملية تفكيك للروابط والتكتلات الاقتصادية التي تمنح الأخيرة مركزيتها التجارية ونفوذها الإقليمي. وغرد المدير السابق لدائرة دبي المالية ناصر الشيخ: “لا أرى السعودية بحاجة لقرار كهذا لتعارضه مع مبدأ السوق الخليجي الموحد، خصوصا وأنها بمخططها التنموي الضخم ستكون تلقائياً لاعباً إقليمياً رئيساً جاذباً للشركات والأفراد”.

وفي تغريدة أخرى قال: “التجارب العالمية والتاريخ أثبتا أن الجذب القسري غير مستدام والأجدى هو الارتقاء بالبيئة كما أعلنت المملكة”.

غير أنّ نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان، وفي سلسلة تغريدات عبر “تويتر“، هوّن من تأثير القرار على الإمارات، وقال إنه “يضر بدول خليجية أخرى أضعف اقتصاديا بكثير من الإمارات”، موضحاً أن “مسار دبي التجاري ليس محدوداً بالمنطقة الخليجية ولكن حركة تجارتها عالمية”.

يقف بن زايد على النقيض تماماً من سياسات بن سلمان بخصوص خفض الإنتاج كما غيرها، وهو أمر يخضع لتباينات سياسية تتعلق بالدور الوظيفي الذي تؤديه قضايا الطاقة وحساباتها الاستراتيجية. فهي تبدو ورقة ضغط سعودية تجاه واشنطن لأغراض براغماتية مرتبطة بملفات أخرى تخص تأمين الحكم (ملف جمال خاشقجي)، وإنهاء التهديدات المختلفة في اليمن وبرنامج إيران النووي. غير أنّ أبو ظبي تعتمد في زيادة قدراتها الانتاجية على تعزيز دورها الاقتصادي العالمي في الأسواق الخارجية. 

وفيما لا يمكن توقع خروج أبو ظبي من منظمة “أوبك”، باعتبار ذلك خطوة انقلابية ضد الخليج، برمته، فضلاً عن تداعياتها الصعبة عالمياً، والفوضى في أسواق النفط الدولية، وهذا ما لن تتحمله أي دولة في المنطقة والعالم، فإنّ الرياض تصطدم، بشكل عنيف، مع أبو ظبي في اليمن، بينما لا تسعى إلى المناورة أو التهدئة. 

وتتولى الرياض تصفية مصالح حليفها التقليدي بعدة مناطق، تحديداً التي تمثل بدورها جيوباً حيوية واستراتيجية، كما هو الحال في جزيرتي ميون وسقطرى. فتتخوف المملكة من نشاط إماراتي إسرائيلي مشترك إثر تدشين قاعدة جوية عسكرية في جزيرة ميون بمضيق باب المندب. 

هذا فضلاً عما يعنيه الاتفاق الأمني المرتبط بالحدود البحرية بين الإمارات وإيران عام 2019. مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الاتفاق سبقه بشهر واحد في تموز/ يوليو، تخفيض أبو ظبي قواتها باليمن.

وهذا ما يعكس أهداف أبو ظبي التي تختلف عن الرياض في الملف اليمني، بل إنّ مصالح الإمارات وأهدافها تبعث بمخاوف السعودية تجاه انفصال اليمن إلى شطر جنوبي وآخر شمالي، لا سيّما في ظل محاولاتها المحمومة إلى تطويق الساحل الجنوبي والموانئ الدولية (عدن والمخا وشبوة والمكلا وسقطرى) في البحر الأحمر وحتى القرن الأفريقي. 

وتحدث المحلل السياسي السعودي ومؤسس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية- الأميركية، في واشنطن، سلمان الأنصاري، عن وجود رغبات أو إغراءات انفصالية في جنوب اليمن بدعم إماراتي.

وغرد الأنصاري: “خلط الأوراق الذي حدث في #عدن وجنوب #اليمن بلا تنسيق مع قيادة التحالف ما هو والله إلا خيانة صريحة مكتملة الأركان؛ وطعن حقيقي في الظهر؛ وسيخسر خسارة (فادحة جداً) كل من كان وراءه على المدى المتوسط والبعيد. ف #السعودية قد تسامح بحكمتها وعلو شأنها متى رأت ذلك؛ ولكنها (لا تنسى)”.

وخاض الأكاديمي الإماراتي المقرب من دوائر الحكم في أبوظبي عبدالخالق عبدالله، سجالاً على “تويتر” مع الإعلامي السعودي ورئيس تحرير “إندبندنت عربية”، عضوان الأحمري، فوجه الأول سؤالاً للأخير قال فيه: “هو وغيره أكدوا مراراً أنهم يعبرون عن قناعات شخصية ومعظمهم تعرض للمساءلة بسبب ذلك. لكن السؤال هل انت وبقية الزملاء في الطرف الآخر تعبرون عن قناعات شخصية أم وفق توجيهات رسمية؟ ثم ما المانع إن نختلف في قضية الشمال والجنوب دون ان يعني ذلك وجود خلاف واختلاف بين أقوى حليفين في المنطقة؟”.

وغرد الأحمري قائلاً: “عزيزي الدكتور العزيز عبدالخالق عبدالله، لا يوجد شيء اسمه “يعبر عن قناعته الشخصية” حين يتم تكثيف الحديث والتغريد عن الشمال والجنوب اليمني في تزامن عجيب، وبعض من غرّد له منصب رسمي. تخيّل أن رئيس شرطة الرياض يغرد بكثافة عن الوضع في اليمن، ثم نقول يمثل نفسه”.