fbpx

لا أسوأ من التوريث السياسي في لبنان إلا إلغاؤه… أحياناً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لسنا طارئين جدداً على التوريث السياسي، الذي تكمن أصوله في التراكيب العائلية والطائفية. لكن أسوأ الأسوأ، أن التوريث عندنا تم اختياره شعبياً، وعبر انتخابات نيابية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صار لعن نظام التوريث السياسي في لبنان أشبه بتحصيل الحاصل، أو الكلام البديهي. فكثيراً ما تُقال، وما نقول نحن أنفسنا، عبارات من نوع: “السياسيون عندنا ما زالوا يورّثون أبناءهم على رغم أننا في القرن الحادي والعشرين”. 

وهذا مهين فعلاً للبنانيين، ومهين بما فيه الكفاية. فالتوريث، بغض النظر عن زمنه، يفترض فوارق جوهرية بين مراتب الحكام ومراتب الرعايا، ويجعل الأخيرين أقل حقاً بالسياسة من الأولين. وبالطبع، فهذا إخلال صريح بالفلسفتين الجمهورية والديمقراطية، وعودة إلى مبدأ “الحق المقدس للملوك”، فضلاً عن كونه يعطل الحَراك الجيلي وتجدد النُخب، ومن ثم مبدأ تداول السلطة.

هذا كله معروف ومتّفق عليه. والأسوأ منه أننا لسنا طارئين جدداً على التوريث السياسي، الذي تكمن أصوله في التراكيب العائلية والطائفية. لكن أسوأ الأسوأ، أن التوريث عندنا تم اختياره شعبياً، وعبر انتخابات نيابية. فهو إذاً ليس مفروضاً بالقوة كاختيار بشار الأسد في العام 2000 وريثاً لأبيه حافظ.

وقد نستطيع القول إن نظام التوريث عندنا بات للأسف أصيلاً وعريقاً: فأخيراً، ذكّرنا المؤرخ اللبناني منذر جابر في كتابه الجديد “يوسف بك الزين من جبل عامل إلى الجنوب اللبناني”، بأن وجود أكثر من نائب من البيت نفسه لم يكن استثناء على القاعدة. واستشهد جابر بقول الرئيس بشارة الخوري: “إن بعض أعضاء مجلس الشيوخ ما كانوا إلا أخوة وأبناء عم وذوي قربى لأعضاء المجلس النيابي”، كما استعاد ما كتبه الصحافي اسكندر رياشي حول الموضوع نفسه، بما يدل على وظيفة انتهازية ومدروسة كان يؤديها توزّع الأدوار السياسية والحزبية بين أبناء البيت الواحد. فيقول رياشي: “أن يكون مثلاً أسعد بك حيدر عضواً في المؤتمر السوري، وأن يكون نجله ابراهيم بك حيدر عضواً في اللجنة الاستشارية بلبنان، وبالطريقة نفسها كان مثلاً يوسف نمور عضواً في المؤتمر السوري، وكان شقيقه موسى بك نمور متربعاً عند الفرنسيين ببيروت، وعاملاً لهم في البقاع. وكان محمد سيد حمادة سيد الهرمل، عضواً في المؤتمر السوري، وكان حفيده صبري بك حمادة يتدبر أموره مع الفرنسيين. وجاء الإنكليز باسكندر بك عمون على ظهر طرّاد، عاملاً سياسياً لهم في لبنان… وجاء الفرنسيون بأخيه داود بك عمون عاملاً سياسياً لهم، وقس على ذلك”.

لن يكون دقيقاً اعتبار أن الوارثين أسوأ من الآباء والأجداد الموروثين، لأنّ نظام التوريث اللبناني استقرّ على درجة من الرداءة لن تتغير كثيراً

مع هذا، لا بد من ملاحظة تدعو إلى كثير من الاكتئاب: فليس أبشع من النظام التوريثي إلا التغلب عليه بالطريقة التي عرفناها في لبنان. هنا نضرب مثلين عن الطائفتين المارونية والشيعية اللتين تغلبتا فعلاً، في سياق الحرب الأهلية المديدة، على نظاميهما التوريثيين. فعند الموارنة، حلت “القوات اللبنانية” وقادتها (سمير جعجع وجورج عدوان)، ومن بعدها العونيون و”التيار الوطني الحر” (ميشال عون وجبران باسيل) محل القادة الموارنة التقليديين من بشارة الخوري إلى ريمون إده، ومن كميل شمعون وفؤاد شهاب إلى بيار الجميل. وإذا كان الأخير هو جسر الانتقال من “التقليديين” إلى “الجدد”، فإن الانحسار الراهن لحزب الكتائب ولآل الجميل يقطع بأن التغلب على نظام التوريث قد نجح واكتمل. أما عند الشيعة، فحلت “حركة أمل” (نبيه بري)، ومن بعدها “حزب الله” (حسن نصر الله) محل القيادات التقليدية للشيعة (آل الأسعد والزين والخليل وعسيران في الجنوب، وصبري حمادة وآل حيدر في البقاع). وكحال الكتائب عند الموارنة، تبدو حال الصدرية عند الشيعة، نسبة إلى موسى الصدر الذي كان هو أيضاً جسر الانتقال من “التقليديين” إلى “الجدد” في طائفته.

لكن، سيكون من الصعب جداً أن يقال إن هؤلاء “الجدد” الذين كسروا التوريث، يشكلون نقلة إلى الأمام. فهم، على العكس تماماً، أخطر من التقليديين، وأشد تطرفاً في طائفيتهم، كما يتمتعون بأخلاق أكثر استبداداً من أخلاق التقليديين في ممارسة سلطتهم على رعاياهم. 

ومن جهة أخرى، لن يكون دقيقاً اعتبار أن الوارثين أسوأ من الآباء والأجداد الموروثين، لأنّ نظام التوريث اللبناني استقرّ على درجة من الرداءة لن تتغير كثيراً. فسامي الجميل ليس بالضرورة أسوأ من أبيه أمين وجده بيار، ولا تيمور جنبلاط أسوأ من أبيه وليد وجده كمال، ولا طوني فرنجية أسوأ من أبيه سليمان وجد أبيه سليمان الأول، ولا تمام سلام أسوأ من أبيه صائب وجده أبو علي وهكذا دواليك.   

ولتقريب الصورة، لا بأس بالمقارنة مع تجربة قديمة انكسر فيها النظام التوريثي، لكنه انكسر نحو الأفضل، وهي ما شهده جبل لبنان في أواخر القرن التاسع عشر، عندما انهار نظام العائلات المقاطعجية لصالح رموز الطبقة الوسطى الجديدة التي رعت نشأة لبنان الكبير وعبرت عن مسار ديمقراطي وشعبي في بيئة الجبل المسيحي. فآنذاك، أتى انكسار الوراثة ترجمة لمستجدات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، على عكس ما شهدناه في العقود الأخيرة من انكسار للنظام التوريثي عند الموارنة والشيعة بقوة البندقية والحرب فحسب.

لهذا، تبدو بعض الإدانات، الجامدة أو المتسرعة، لنظام التوريث كأنها مجرد وعظ سهل لا يخاطب صلب الموضوع إلا عَرَضاً.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.