fbpx

“سعودي أيدول”… محاولة جديدة للتمويه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من تابع البرنامج منذ بدايته حتى نهايته، يُخيَّل إليه أن الدولة التي تحتضن البرنامج تضاهي دول الغرب في مستوى الحريات الفردية والرخاء، بل يتساءل المرء كيف يُعقل أن هذا البلد الذي اضطهد النساء تاريخياً ومنع أبسط الحقوق السياسية والفردية، هو نفسه ينتج الآن برنامجاً غنائياً بهذا الانفتاح؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 “الحمدلله على نعمة السعودية”… قالت المغنية الإماراتية المعروفة أحلام، خلال احتفالات يوم التأسيس السعودي في 22 شباط/ فبراير في برنامج “سعودي أيدول”. 

تكرِّر أحلام مديحها للسعودية طوال حلقات البرنامج الشهير الذي تبثه قناة MBC، وهي ليست وحدها، فغالباً ما يتكرر مثل هذا المديح على ألسنة المتسابقين أو النجوم المشاركين، لكن أكثر مديح لفت انتباهي هو شكر أحد المتسابقين بشكل مباشر “خادم الحرمين الشريفين وولي عهده محمد بن سلمان”، إذ قال “نشكرهما لأنهما سمحا لنا بأن نغني في بلدنا بهذا الشرف على مسارح سعودية”. 

من تابع “سعودي أيدول” سيلاحظ رسائل المديح والغزل التي ترد في كل حلقة تقريباً على لسان أعضاء لجنة التحكيم والمشاركين والمشاركات، حتى بدا الأمر لازمة مفتعلة.

فبين حلقات مخصصة لمديح نهج السعودية الجديد في تمكين النساء، وحلقات مخصصة للتسويق لأماكن سياحية في السعودية، تابعت البرنامج وأنا في حيرة، أهذا برنامج موسيقي عن الغناء السعودي أم برنامج تسويقي للنظام الحاكم؟

وبرنامج “سعودي أيدول“، في نسخته السعودية من برنامج المواهب العالمي الضخم “أيدول”، بموسمه الأول في السعودية، والذي بدأ في شهر كانون الأول/ ديسمبر وانتهى في 15 آذار/ مارس، يُعتبر واحداً من آخر المساهمات الحديثة في سلسلة الفعاليات التسويقية – الترفيهية السعودية. 

من تابع البرنامج منذ بدايته حتى نهايته، يُخيَّل إليه أن الدولة التي تحتضن البرنامج تضاهي دول الغرب في مستوى الحريات الفردية والرخاء، بل يتساءل المرء كيف يُعقل أن هذا البلد الذي اضطهد النساء تاريخياً ومنع أبسط الحقوق السياسية والفردية، هو نفسه ينتج الآن برنامجاً غنائياً بهذا الانفتاح؟  

فيما تشاهد البرنامج، قد تنسى أنك في حضرة بلاد لا تتوقف فيها حملات القمع والتضييق على الحريات، قد تشك في أن هذه البلاد هي نفسها التي تسجن ناشطات سعوديات بأحكام تصل إلى 27 و40 عاماً، بسبب دعمهن حقوق النساء، إضافة إلى اعتقال المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنع السفر للمفرج عنهم بقرار من السلطات السعودية.

هدف البرنامج الرئيسي كان تسليط الضوء على الفن الغنائي السعودي، وقد حاول أن ينقل صورة إيجابية جداً عن السعودية وفنها الغنائي. ولكن ذلك ظهر بشكل تسويقي تجاري بحت. كنت أشاهد البرنامج وأفكّر، ماذا عن العباية السوداء التي صدّرتها السعودية للنساء في اليمن وعُمان وغيرهما من البلدان؟ ففي البرنامج ظهرت مشاركات سعوديات بملابس ملونة، مكشوفة الأكتاف، ضيقة عند الخصر، مع وجود بعض المشاركات المحجبات. وقد تفنن المشاركون الشباب بالملابس الغربية من بدلات فخمة، من دون أن يغيب الزي السعودي تماماً، إنما بدا حضوره خافتاً.

لم يمر في خيالي أبداً أنني سأرى برنامجاً غنائياً بهذا الشكل في السعودية المعروفة بتشددها ونظامها القمعي. ما لم يكن في الحسبان صار حقيقة بفضل حملة تبييض وتلميع سجل السعودية المشين في انتهاكات حقوق الإنسان. تعمل السعودية بلا كلل منذ بداية تنصيب الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017، على التمويه على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي اقترفتها المملكة في الداخل وفي اليمن، لا سيما مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا عام 2018. 

صحيح أن الثلاثيني بن سلمان قاد تغييرات اقتصادية جذرية في المملكة من المتوقع أن تساهم في نهضة اقتصادية مهولة، ولكن هذا لا ينفي حقيقة المجهود الجبار الذي تقوم به السعودية لتحسين سمعتها عن طريق عمل ممنهج وحملة إعلامية واسعة تُصدر من خلالها فكرة رئيسية، وهي أن السعودية أصبحت دولة متحررة. وليس برنامج “سعودي أيدول” سوى واحد من سلسلة فعاليات ونشاطات ومشاريع رفيعة المستوى نظمتها المملكة وموّلتها. 

قفزت السعودية في فترة قصيرة من رائدة في التشدد الديني الى حاضنة للترفيه والفن. من فتح دور سينما، واحتفالات بـ”الهالوين” بملابس تنكرية، واحتفالات رأس السنة الميلادية، الى استضافة نجوم ومشاهير عالميين كجاستين بيبر وكريستيانو رونالدو، وغيرها من الأمور، آخرها احتمال أن تكون السعودية الراعي الرسمي لبطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات.

لكن يظل السؤال، هل السعودية المتحررة هذه تقبل بإصلاحات سياسية تسمح مثلاً بالديمقراطية؟ الحقيقة هي أن النظام السعودي خلف البهرجة الخداعة لا يزال يعطي فتات الحقوق في الداخل، ناهيك بتجاهله التام دعوات المساءلة في جرائم الحرب التي اقترفتها السعودية في اليمن. ولا يزال هذا النظام يضطهد النساء. في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في يوم المرأة العالمي في 8 آذار، تذكرنا المنظمة بأن الإصلاحات في نظام الأحوال الشخصية، التي زعمت السعودية في العام الماضي عندما أصدرتها، بأنها ستكون خطوة نحو المساواة، في الحقيقة لم تكن سوى حلقة جديدة في التمييز ضد النساء. يشير التقرير الى أنَّ “نظام الأحوال الشخصية السعودي، الذي اعتُمد قبل عام في 8 آذار 2022، ووصفته السلطات بأنه إصلاح كبير، يديم نظام وصاية الرجل، ويقنن التمييز ضد المرأة في معظم جوانب الحياة الأسرية”. وسط ماكينة التبييض والبروباغندا السعودية، للأسف، لا يزال الواقع الحقوقي في البلد مأساوياً.