fbpx

ملاحظات أساسية في مراجعة تجربة الثورة السورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد 12 عاماً من الصراع العنيف والمدمر والكارثي، بات السوريون إزاء واقع مختلف، من أهم سماته أن تلك التجربة، المديدة والمؤلمة والباهظة، لم تولّد طبقة سياسية قد تشكل منبراً قيادياً لهم، ولا كيانات سياسية هم أحوج إليها وهذا إخفاق كبير للنخب السورية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 

يستحق الشعب السوري، بعد 12 عاماً من ثورته أو انتفاضته أو تمرّده على النظام، نوعاً من مراجعة جدية وعميقة وشاملة لتلك التجربة، بمساراتها المتنوعة والمعقدة، وبالتضحيات والبطولات المبذولة فيها، وأيضاً بمآلاتها المأساوية والكارثية على واقع الشعب السوري، وعلى رؤيته لذاته ولإجماعاته الوطنية، وهي المراجعة التي لم تحصل من الفصائل السياسية والعسكرية التي تصدرت تلك التجربة وتحكمت بها، للتهرب من مسؤوليتها عما حصل. 

منذ البداية، كانت ثمة رؤى سياسية، متسرّعة وقاصرة وخاطئة، تأسّست عليها تلك التجربة، بحيث أخذتها إلى ما آلت إليه، يتركز أهمها في ثلاث:

أولاً، حتمية سقوط النظام وانتصار الثورة، علماً أن هذا اعتقاد إيماني ورغبوي، لا علاقة له بالمنطق والواقع والتجارب التاريخية، لأن ذلك يفترض أن ينبثق من المعطيات المناسبة، التي تتشكّل من موازين القوى، والظروف الدولية والإقليمية المواتية، والقيادة أو الإدارة الملائمة، وذلك كله لم يتوافر ولا في أي لحظة للسوريين منذ 12 عاماً، علماً أن الثورات قد تنتصر وقد تنهزم، كلياً أو جزئياً، كما قد تنحرف أو تدخل في مساومات. 

ثانياً، التوجه نحو حصر الثورة بالعمل المسلّح، الأمر الذي أدى إلى موات، أو تضاؤل البعد الشعبي في تلك التجربة، فاقم من ذلك افتقاد السوريين كيانات سياسية وازنة، وتجربة كفاحية تاريخية، وخوضهم مغامرة العسكرة بطريقة غير مدروسة، ومن دون إمكانات، وبالاعتماد على أطراف خارجية، سرعان ما فرضت أجندتها؛ وفي النتيجة فقد انحسرت تلك التجربة سياسياً وعسكرياً وعلى المستوى الشعبي. 

ثالثاً، التعويل على القوى الخارجية، وتالياً الارتهان لها، إذ باتت لتلك القوى (الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتركيا وبعض دول الخليج) الكلمة الأساس في تشكيل كيانات الثورة السورية، وصوغ خطاباتها، وتحديد مستوى صراعها ضد النظام وأشكاله السياسية والعسكرية في كل مرحلة. ويمكن ملاحظة مخاطر ذلك مع ارتهان المعارضة السورية لتركيا مثلاً، التي أخذتها، في ما بعد، نحو ما يطلبه محور أستانة (مع روسيا وإيران، شريكا النظام في قتل السوريين وتشريدهم)، كما أخذت فصائلها العسكرية إلى أجندتها في قتال قوى كردية في الشمال السوري، وفي ما يمكن أن تأخذها إليه بعد تحوّلها نحو التطبيع مع النظام.

هكذا، فعلى خلفية تلك الإدراكات الحاكمة، دخلت تجربة الثورة السورية في مسارات غير متوقعة، وخضعت لمعادلات لا يمكن لها التحكّم بها، أو تحمّل تبعاتها، يأتي ضمن ذلك، تفلّت النظام من أية قواعد، أو حدود، سياسية أو أخلاقية، في استخدامه القوة العسكرية الغاشمة لفرض سيطرته، في محاولته قتل تطلّع السوريين المشروع الى الحرية والتغيير السياسي. وقد يجدر التذكير هنا، بأنه منذ تموز/ يوليو 2012، مثلاً، بات عدد ضحايا القصف الجوي والمدفعي بين أربعة إلى خمسة آلاف قتيل، كمعدل شهري، علماً أن عددهم كان بين 600 و 800 قتيل في أول ستة أشهر من اندلاع الثورة، أي الأشهر السلمية، حيث لم يكن وقتها لا سلاح ولا مسلحون، وبالطبع لا “داعش” ولا “نصرة”. 

وما فاقم من ذلك الوضع، أن السوريين، منذ البداية، لم يواجهوا النظام وحده، إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة النظام الإيراني، وأذرعه الإقليمية (ميليشيات عراقية وأفغانية و “حزب الله”)، وفي ما بعد في مواجهة القوات الروسية (أيلول/ سبتمبر 2015)، وأيضاً في مواجهة “داعش” و”القاعدة” وأخواتهما، ناهيك باللامبالاة والتلاعبات بهم على الصعيدين الدولي والإقليمي؛ إلى درجة يصحّ معها القول إن ثورة السوريين كانت ربما ستكون في حال أفضل من دون هكذا “حلفاء” أو “أصدقاء”، باتوا يتحكمون بها وبخطاباتها وأشكال عملها.

على الصعيد الداخلي، فإن الإدراكات المذكورة أدت إلى انزياح الثورة السورية من كونها حالة صراع على السياسة والسلطة، إلى كونها بمثابة صراع على الوجود والهوية، إذ إن الانفجار الحاصل لم يطاول فقط علاقات النظام بالشعب، وإنما شمل، أيضاً، تضعضع التوافقات المجتمعية، أو تصدّعها، ما شكّل نجاحاً للنظام، وأكسبه عنصر قوة مضافة، في صراعه مع المعارضة، التي لم تدرك مخاطر هذا التحول في إضعاف طابعها كثورة وطنية ديمقراطية، وفي زعزعة الإجماع من حولها، وقد ساهم في ذلك ضعف الصدقية الكفاحية لكيانات المعارضة، وشبهة ارتهانها للخارج، وعدم حيازتها مكانة تمثيلها في المجتمع.

والحال، فإن كل ما تقدم تجلى في إخفاق تجربة المعارضة في ما سمي بـ”المناطق المحررة”، بسبب نزوع الفصائل العسكرية نحو التسلّط، وسعيها الى فرض أيديولوجيتها المغلقة والطائفية، وبحكم تحوّل تلك المناطق إلى بيئات محاصرة، وكحقل رماية للنظام، وكبؤرة لنمو الجماعات المتطرفة، والغريبة بمفاهيمها وسلوكياتها عن مجتمع السوريين (داعش وجبهة النصرة مثالاً). 

في هذا السياق، فإن النظام نجح في سياسته حرق الأرض من تحت “أرجل” الثورة، وتصحيرها، وحرمانها من البيئات الشعبية الحاضنة لها أو المتعاطفة معها، بل وتحويل قطاعات واسعة من السوريين، تُقدر بالملايين، إلى حالة تثقل على الثورة بدل أن تكون حاملاً، أو حاضناً لها، وهو ما تُوّج بحرمانها من عمقها الشعبي، بإزاحة غالبية المجتمع السوري من المشهد، إن مع وجود “طوائف” الخائفين والحائرين والقلقين، أو بحكم استهداف البيئات الشعبية الحاضنة للثورة بالحصار والتقتيل والتدمير والتشريد، كما بحكم احتكار الفصائل العسكرية للمشهد، وكلها أمور لم تنتبه إليها القوى المتصدرة للثورة أو المعارضة.

طبعاً، ثمة ظروف خارجية أدت إلى تآكل الثورة السورية منذ السنوات الأولى، فإضافة إلى التدخل العسكري الروسي والإيراني، هناك تلكؤ من المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته إزاء تحديد مستوى العنف، ووضع حدود للسيطرة عليه، أو إزاء إيجاد حل سياسي للمسألة السورية. ففي هذين الأمرين، تعرضت ثـورة السوريين لانتكاسة خطيرة، وربما إلى نوع من “خيانة”، سواء مع إيحاءات التدخل بمختلف الأشكال، أو مع تغذية الأوهام بشأن “الخطوط الحمر”، من نوع “حلب خط أحمر”، و “الكيماوي خط أحمر”، وصولاً إلى الحديث عن اعتبار النظام غير شرعي، وأن على الأسد أن يتنحى، مروراً بوعود الدعم المادي والتسليحي والسياسي، وهي وعود أو أوهام ساهمت فيها قوى دولية وإقليمية وعربية معروفة. 

المشكلة هنا، أنه على ضوء تلك الوعود والأوهام، رُفع مستوى وتيرة الصراع في سورية، ليس من حيث مقاصده، وإنما من حيث أشكاله ووتائره أو الرؤية التي جعلته يسير على النحو الذي سار عليه، في حين أن السوريين، من دون تلك الأوهام، كان بإمكانهم أن يسيروا على نحو آخر، ربما أكثر تأثيراً وفاعلية، حتى لو كان أطول زمناً، لكن بأثمان وأكلاف وعذابات أقل، هذا بالقياس إلى الأهوال التي اختبروها.

الآن، بعد 12 عاماً من الصراع العنيف والمدمر والكارثي، بات السوريون إزاء واقع مختلف، من أهم سماته أن تلك التجربة، المديدة والمؤلمة والباهظة، لم تولّد طبقة سياسية قد تشكل منبراً قيادياً لهم، ولا كيانات سياسية هم أحوج إليها للتعبير عن ذاتهم السياسية والجمعية، لا سيما أن الوضع بات يسمح بذلك في بلدان اللجوء والشتات، وهذا إخفاق كبير للنخب السورية، مثقفين وسياسيين وأكاديميين ورجال أعمال وطبقة وسطى.

أيضاً، لا يبدو أن ثمة في الأفق ما يؤشر إلى إمكان حسم الصراع السوري، بل ثمة في الأوضاع العربية والإقليمية والدولية ما يؤشر إلى عدم السماح بذلك، أي إبقاء الوضع الراهن، ما يعني شيئين متفارقين، أولهما، إن الصراع في سوريا وعليها قد يمتد لسنوات مقبلة طالما لم يتم التوافق الدولي والإقليمي على الخريطة السياسية لسوريا المقبلة. وثانيهما، أن تقرير الأوضاع في سوريا لم يعد بيد النظام ولا بيد المعارضة، على اختلافاتها، وإنما بيد القوى الخارجية، الدولية والإقليمية. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.