fbpx

خالد البلشي نقيباً للصحافيين في مصر: الأمل باستعادة الحقوق المهدورة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كانت نقابة الصحافيين في مصر مبنى صامتاً لا يعبر عما يعيشه الصحافيون، ولكن الأمر تغير قليلاً الآن، فالنقيب الجديد، خالد البلشي، “واحد مننا”، كما يقال، كان وما زال الشخص الأول الذي يمكنك اللجوء إليه عند القبض على صحافي أو معارض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في التاسعة مساء، انهالت الرسائل على تطبيق “واتساب”، أجلتُ رؤيتها لانشغالي مع ابنتي، ومع تكرار التنبيهات، فتحت هاتفي لأجد عشرات الرسائل التي تحوي جملة واحدة،  “خالد البلشي كسب”. ظننت للوهلة الأولى أنها مؤشرات أولية، ومع إعلان النتيجة سيفوز المرشح المنافس، إذ لا يمكن أن تترك الدولة التي سيطرت على النقابة، شخصاً معارضاً آمن بالثورة ومبادئها، يتولى منصب نقيب الصحافيين.

واصلت اللعب مع ابنتي، وفي الخلفية تدور مشاهد عملي الصحافي، مشوار بدأته بحلم وبدأ يتلاشى، بدأ الحلم بالالتحاق بالنقابة ظناًً بأنها مصدر الأمان والحماية، ولم أتمكن من الانتساب إليها،  قطع هذا التفكير رسائل أخرى، لكنها تلك المرة بعنوان جديد “رسمياً خالد البلشي نقيباً للصحافيين”، دخلت لتصفّح المواقع الإخبارية  للتأكد من الرسائل وأجد الخبر صحيح، أعود الى الرسائل مجدداً، والتي كانت مزيجاً من رسائل صوتية لزغاريد ودموع من زملاء، وشعارات منها “فعلناها”.

خالد البلشي صحافي ومدافع عن حقوق الإنسان، ترأس الكثير من المواقع، منها موقع “كانب” الذي حُجب بعد فترة قليلة من إطلاقه، ويترأس حالياً موقع “درب” المحجوب أيضاً، هو واحد من الذين حمّلهم النظام مسؤولية أزمة اقتحام النقابة في عهد النقيب الأسبق يحيى قلاش، حين اقتحمت قوات الأمن مقر النقابة في 2016، للمرة الأولى في تاريخها، لإلقاء القبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، على خلفية مواقفهما المعارضة من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

سبق أن ترأس البلشي لجنة الحريات في نقابة الصحافيين، في الفترة من 2013 حتى 2017، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، استدعته النيابة العامة للتحقيق معه في بلاغات تقدّم بها مجهولون يتهمونه فيها بـ”نشر أخبار كاذبة على حسابه، وحساب الموقع على فيسبوك”. دارت البلاغات حول تقارير صحافية نشرها الموقع عن الانتخابات البرلمانية عام  2020، ومنها تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن المرحلة الأولى من الانتخابات، وتقارير أخرى خاصة بأوضاع سجناء الرأي.

تخرجت في الجامعة عام 2007، بعد دراسة الصحافة والإعلام، والتحقت بالتدريب المجاني بعدد من الصحف التي تصدر من المحافظات، حتى قامت الثورة لتفتح مجالاً جديداً، ومعها ظهرت صحف ومواقع إلكترونية، كانت تبحث عن مراسلين بالمحافظات لتغطية الأخبار، فتجدّد الحلم وراسلت عشرات المواقع والصحف، ليأتي الرد من أحدها: “مرحباً بك كمراسلة لمحافظة الدقهلية تحت التدريب”.

القادم أصعب، والمعركة بدأت، لكنها بصيص أمل لنا.

فرحة عارمة غمرت قلبي بنصف العبارة الأول، سأكون صحافية في واحدة من الصحف الصادرة من القاهرة، سيُكتب اسمي على أخبار تخصّ محافظتي، سيقرأها أبي وأفراد أسرتي وأصدقائي، كانت التغطية الأولى عن محاكمة قتلة شهداء كانون الثاني/ يناير بالدقهلية، لم أنس ذلك اليوم، وقف في محيط المحكمة الكثير من الصحافيين ممن كنت أقرأ أسماءهم في الصحف الكبرى، ومصورون بكاميرات احترافية، لم أصدق نفسي حينها أنني أقف وسط هؤلاء أحمل هاتفي المحمول البسيط، وورقة وقلم لأدون  ما يجري أمام المحكمة، فدخول القاعة متاح فقط لمن يحملون الكارنيه/ بطاقة الصحافة، أما أنا فما زلت تحت التدريب.

ساعات طويلة جلستها أمام المحكمة على الرصيف، حاولت التعرف إلى صحافية انضمت الى المهنة حديثاً أيضاً، انتظرنا سوياً الحكم بتأجيل الجلسة، كانت تحمل لابتوب ترسل الخبر سريعاً للموقع، أما أنا فأسرعت الى المنزل لإرسال الخبر والصور عبر جهاز الكمبيوتر، ثم أرسلت عقبها رسالة لمدير قسم المحافظات بأن هذا هو الخبر الأول، لم أتحرك من أمام الشاشة، مع كل دقيقة تمر كنت أنقر نقرة جديدة بالموقع أنتظر نزول الخبر ومعه اسمي، وبعد ما يقرب من ساعة نشر الخبر، وفوقه هبة أنيس – الدقهلية.

حصلت على راتبي الأول من الجريدة بعد مرور 3 أشهر من التدريب، 350 جنيهاً أطلق عليها حينها مكافأة. بقيت أعمل  بنظام المكافأة، وكبر حلمي خطوة جديدة بعد حصولي على كارنيه من الجريدة يساعدني في التغطيات الصحافية، ومع زيادة الأحداث بتلك الفترة، وانفتاح المجال، كانت الصحف والمواقع الأخرى تطلب مراسلين، لأصبح مراسلة لأكثر من موقع، منها من يمنحني مكافأة شهرية، ومنها من يكتفي بنشر اسمي في صفحات الجريدة. 

تخيلت أن الحلم اكتمل لكنه اصطدم بمحطة جديدة، ذهبت لتغطية أحد الاعتصامات في واحد من المصانع الكبرى، تخيلت أن الكارنيه الذي أحمله سيمكنني من ذلك، ولكني منعت من الدخول لأن الكارنيه غير مدون به أنني صحافية نقابية، وبإمكان أي جريدة إصداره لأي شخص، فليس دليلاً كافياً على أنني صحافية، إذاً كيف يمكن الوصول الى تلك النقابة؟.

النشر في الصحف لا يعني أن النقابة ستعترف بي، هناك طريق طويل يحتاج الى التعيين ثم التقديم من الجريدة أو الصحيفة المعيّنة بها، لم أكن استثناء، إذ إن هناك الآلاف مثلي من الصحافيين، الذين يعملون ليل نهار من دون مواعيد محددة، كنا مُتاحين طوال الوقت تحسباً لأي حدث طارئ، كتفجير مديرية أمن الدقهلية، تلك الليلة التي لم ننم فيها، لتغطية الحدث ولقاء المصابين وأقارب الضحايا، والوصول الى المسؤولين، لا أنكر أن مديري أشاد بي حينها، وزاد المكافأة الشهرية أيضاً.

واصلت العمل حتى 2016 كمراسلة لصحف ومواقع إلكترونية، اكتسب خبرة ومهارات جديدة، كما اكتسبت اسماً داخل محافظتي يعرفني به الجميع ممن يتعاملون مع الصحافيين، في العام ذاته انتقلت للعيش في القاهرة، تزوجت وأنجبت طفلة، فابتعدت من العمل لعامين كي أبقى معها، وحين كبرت قليلاً، وأصبح بإمكاني تركها بحضانة أو برفقة والدها، عدت مجدداً للبحث عن الحلم الجديد.

نحن آلاف الصحافيين غير النقابيين الذين يمكنهم العودة والمطالبة ببطاقة صحافية، وأجور عادلة ونصوص واضحة تحمي من الفصل التعسفي، وربما قوانين تتيح مناخاً مناسباً للنشر والتعبير، من دون الخوف من الوقوع في دائرة نشر الأخبار الكاذبة.

عملت بداية عام 2018 كمحررة ديسك في واحدة من الصحف الكبرى المستقلة، لكنها موالية للنظام، راودني الأمر مجدداً، هل يمكنني الالتحاق بالنقابة من خلال الجريدة الكبرى؟ هل سيساعدني أرشيفي الصحافي السابق مع خبراتي؟! لكن الأمر لا يتعلق بالأرشيف أو الخبرات فقط، بل بتزكية المديرين أيضاً، والتي لم أحظَ بها، ربما لأن آرائي السياسية لم تكن متوافقة معهم، أو لأنني لم أتمكن من توسيع دائرة معارفي.

 تخلت عني الجريدة بعد عام وشهرين، ربما للأسباب السابقة، أو للسبب المعلن، وهو الفلترة وتقليل الرواتب، لأعود مجدداً صحافية غير معترف بها، أحمل عشرات الكارنيهات التي لا ترضي المسؤولين.

الاعتراف من نقابة الصحافيين لا يعني حماية لأعضائه، فماذا لو كنت أحمل كارنيه نقابة الصحافيين، هل كانت ستتدخل النقابة لوقف فصلي التعسفي؟ هل ستحميني عند القبض عليّ وتوجيه تهم نشر أخبار كاذبة؟ تتضح الإجابة في التقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية، التي رصدت ووثقت منذ كانون الثاني وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2022، 171 حالة انتهاك بحق الصحافيين، أبرزها القبض على 15 صحافياً وإعلامياً (أُطلق سراح البعض منهم بعد فترة من الحبس)، وحجب 15 موقعاً إلكترونياً، والتعدي بالضرب على 13 زميلاً، فيما تعرض 19 صحافياً للفصل، بينما لا يزال مصير واحد من الزملاء مجهولاً.

55 انتهاكاً وقع بحق الصحافيين في العام 2022، كانت الجهة المعتدية فيها المؤسسات الصحافية، كأكثر الجهات انتهاكاً لحقوق الصحافيين. وفي المرتبة الثانية الجهات الحكومية بـ28 انتهاكاً، ثم المدنيين بـ25 انتهاكاً. وفي المرتبة الرابعة الجهات الأمنية بـ21 انتهاكاً، تلتها الجهات الرياضية بـ12 انتهاكاً، ثمانية منها صدرت من رئيس نادي الزمالك.

يواجه الصحافيون المحبوسون اتهامات ببث ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، على رغم اختلاف القضايا المحبوسين على ذمتها.

 بعد تركي العمل، أو ترك العمل لي بتعبير أدق، دخل عدد قليل من الزملاء الذين كانوا يعملون معي النقابة، وما زال الباقون بانتظار دورهم،  لكنهم لا ينتظرون كارنيه/ بطاقة صحافيّة تعطي صاحبها وجاهة اجتماعية فقط، بل حماية حقيقية، تحدث عنها عدد من المرشحين لرئاسة النقابة في برامجهم الانتخابية، ينتظر الصحافيون الحماية حين القبض عليهم، أو فصلهم تعسفياً، وغيرها من الانتهاكات.

رحب عدد من المواقع بمساهمات مني، منها مواقع قليلة داخل مصر لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، لكنها محجوبة من الدولة، ومواقع أخرى خارج مصر تسعى الى نشر قصص حقيقة تحمل وجهتي النظر، تطلق عليها الدولة مواقع معارضة، وبالتالي المنشور بها لا ينال رضا المسؤولين، لا لأنه يحتوي أخباراً كاذبة، بل لاحتوائه كل الأصوات، الإيجابية والسلبية، من بين تلك المواقع، “درب”، الذي يترأس تحريره النقيب الجديد، عندما تتصفح المواقع تجد أخباراً لا تُنشر بمواقع أخرى صديقة للدولة، مثل القبض على الصحافيين والحقوقيين والناشطين، وحملات ومطالبات للإفراج عنهم، الى جانب تغطيات لاعتصامات عمالية بسبب تأخر الرواتب أو الفصل التعسفي، لا يمكن تصفح الموقع كونه محجوباً كغيره من عشرات المواقع، ويعالج العاملون الأمر بنشر النصوص والمواد عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتصل الى القراء.

بعد ما يقرب من 11 عاماً من عملي كصحافية، لم أكن مهتمة بانتخابات التجديد النصفي للنقابة، أو من سيصبح النقيب، لأن الأسماء تختلف والواقع لا يتغير، حتى تحولت النقابة الى مبنى صامت لا يعبر عما يعيشه الصحافيون، ولكن يبدو أن الأمر تغير قليلاً الآن، فالنقيب “واحد مننا”، كما يقال، كان وما زال الشخص الأول الذي يمكنك اللجوء إليه عند القبض على صحافي أو معارض، وأيضاً عند تعرض أحدنا لانتهاك حقوقه، لا يفرق بين من يحمل الكارنيه ومن لا يحمله، يسارع الى مساعدتنا جميعاً، بما يستطيع، والآن، أصبح شخصاً يمتلك بعض الأدوات.

أعلم أن القادم قد يكون أصعب، والمعركة، إن جاز وأطلقنا عليها وصف معركة، قد بدأت، ولكنها تمثل بصيص أمل لنا، آلاف من الصحافيين غير النقابيين يمكنهم العودة والمطالبة مجدداً بكارنيه/ بطاقة صحافية، وأجور عادلة ونصوص واضحة تحمي من الفصل التعسفي، وربما قوانين تتيح مناخاً مناسباً للنشر والتعبير، من دون الخوف من الوقوع في دائرة نشر الأخبار الكاذبة.

 سيدي النقيب وأعضاء المجلس، هل يمكنكم مساعدتنا  أنا وآلاف غيري من الزملاء؟ هل يمكنكم حمايتنا وفتح المجال لنتمكن جميعاً من النشر بأسمائنا الحقيقية، عندما نقرر الحديث عن أمر ربما يغضب المسؤولين في الدولة، ولا نكتفي بنشر البيانات الصادرة عنهم فقط، هل هناك فرصة لاستعادة دور النقابة الحقيقي؟.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.