fbpx

لأنني أخاف من الأمومة…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أخاف من الأمومة، أخاف من الفشل، لأنني لست قديسة ولست ملاكاً، ولستُ مجرّد رحم، أنا كاتبة أيضاً وروائية وصحافية وأحب التسكّع والسفر والرحلات المنفردة، ولا أنوي التخلي عن طموحي ووضع أحلامي على رفٍّ عالٍ لا يمكن أن تصل إليه يدي الصغيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل سنوات من الآن، كان بدهياً بالنسبة إليّ أن أصبح أماً وأن ألد أطفالاً وأرعاهم وأضحي بحياتي من أجلهم. كان هذا طبيعياً وأكثر من عاديّ، أن يأتي يوم وأعتزل فيه أشياء كثيرة “تافهة”، كسهرة يوم الجمعة والطموح المهني والرغبة في التسكّع والتكاسل أيام الآحاد. كان فعل التخلي يمرّ في بالي كأمر بمنتهى البساطة، من أجل مسألة أكثر قدسية، أي الأمومة.

أخذت وقتاً طويلاً جداً قبل أن أسأل نفسي بمنتهى الصراحة، هل حقاً أريد ذلك؟ هل هذا ضروري؟ وماذا يعني ألا أصبح أماً؟ 

لا أدّعي أنني في النهاية توصّلت إلى إجابة نهائية أو حاسمة، لكنني على الأقل منحت نفسي فرصة الاختيار، وأقلعت عن اعتبار الأمومة مجرد جزء من كينونتي، وتوقفت عن تصنيفها كمسألة غريزية محسومة. ربما كان من حسن حظي أن أكتسب وعياً نسوياً وأنثوياً، أتاح لي فرصة التجادل مع نفسي ومع عائلتي وأصدقائي ومع العالم، ومع الأمومة ذاتها.

في عيد الأم، تؤلمني النساء السائرات بلا دراية وبلا خيار إلى مكان واحد، لا مفر منه، الإنجاب والرعاية والامحاء. ويؤلمني أكثر أنهن مجبرات على تحمل كل أعباء الأمومة وتداعياتها بلا دعم أو مساعدة أو سؤال حقيقي غير مجازي، “هل أنا بخير؟”.

الأمهات من حولي لسن بخير عموماً، وجوههن متعبة، مرهقة، وقد اضمحلت أحلام كثيرة على أجسادهن، وبقيت ندوب التخلي، ذلك أنهن لم يحصلن على وقت للنقاش أو لوضع شروطهنّ مقابل الأمومة. نادراً ما قد نجد في صور الأمهات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، وجهاً غير منهك أو جسداً غير مستنزف، وهي مسألة تستحق أن ننظر إليها مرة واحدة، بعيداً من اللون الوردي والزهور والقلوب الحمراء و”الجنة تحت أقدام الأمهات”. هذه الجنة تحتاج إلى من يسقيها ويداريها ويساندها!

نحتاج إلى شركاء لا إلى آباء لأطفالنا… شركاء يعتبرون أنفسهم معنيين في الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال.

تتحول النساء إلى أمهات غالباً، بحيث لا يعدن نساء أو بشراً أبداً، يتحوّلن إلى قديسات ويكون عليهنّ الامتناع عن الهفوات أو الأخطاء والتصرف بطوباوية طوال الوقت. يتحول طموحهن الشخصي إلى نقطة ثانوية في آخر صفحة طويلة من العطاء والواجبات، وتصبح رغباتهن مجرد هراء مكبوت في صدورهن، ولا يبُحن به حتى لأولادهنّ أو لشركائهنّ المفترضين، ذلك أن الأمومة في البلدان التي لا ترى في حقوق النساء أولوية، سرعان ما تصبح انتهاكاً آخر للمرأة ككيان مستقل وحرّ.

لكل ذلك أخاف من الأمومة، أخاف من الفشل، لأنني لست قديسة ولست ملاكاً، ولستُ مجرّد رحم، أنا كاتبة أيضاً وروائية وصحافية وأحب التسكّع والسفر والرحلات المنفردة، وأحب التمتع ببعض الوقت مع نفسي، ولا أنوي التخلي عن طموحي ووضع أحلامي على رفٍّ عالٍ لا يمكن أن تصل إليه يدي الصغيرة. ثمّ، نعم، يداي صغيرتان وأحياناً لا تفيان بالغرض، لا تستطيعان حمل كل شيء، تخونانني وتتعبان حد الرغبة في اعتزال حتى الأعمال الصغيرة، كجلي صحن أو مسح غبار منضدة.

في عشاء صغير مع أمي وأختيّ، بمناسبة عيد الأم، تمنين لي أن أصبح أماً إن كنت أرغب في ذلك. أخبرتهن مازحة أنني أنوي ذلك إن كنّ سيتولّين تربية أطفالي ورعايتهم. لم تكن هذه مزحة كاملة، ذلك أن أكثر ما يخيفني في الأمومة هو ألا أحظى بالرعاية والدعم وألا أجد من يساعدني ويسعفني.

حتى إنني سألت الرجل الذي أحبّه، ماذا قد يفعل إذا سافرتُ مثلاً في رحلة عمل أو ترفيه وتركت أطفالنا معه. فكّر قليلاً ثمّ أكد أنه سيتولى الأمر وأنه سيكون داعماً. أوثّق هذه المحادثة هنا، حتى أذكّره بها لاحقاً في حال قررنا أن نبقى معاً وننجب أطفالاً… قد أحتاج إلى تحفيظ رابط المقالة بعد نشرها، من يدري ماذا يخطر للرجال؟

ما أردت قوله، هو أننا نحتاج إلى شركاء لا إلى آباء لأطفالنا… شركاء يعتبرون أنفسهم معنيين في الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال، شركاء يعرفون تماماً أننا مهما كنّا قويات ورائعات، يحق لنا أن نخطئ وأن نأخذ استراحة ونحني رؤوسنا على كتف تسندنا، كتف شركاء يحبوننا حقاً، يحبوننا أن ننجح وأن نتمتع بحياتنا ونكون سعيدات وحالمات ومجنونات… وأمهات إن كنا نريد ذلك.