fbpx

مجتمعات الخوف في الإمارات: قمع وعنصرية بحق العمال والمعارضين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحتجز السلطات الإماراتية آلاف طالبي اللجوء الأفغان منذ أكثر من 15 شهراً في أماكن مكتظة وظروف مزرية من دون أمل في إحراز تقدم في قضاياهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في كتابه “دبي: هشاشة النجاح”، يتعقب الأكاديمي البريطاني المتخصّص بشؤون الشرق الأوسط، كريستوفر ديفيدسون، هوامش المجتمعات غير العلنية والمرئية في الإمارات. ويحفر أسفل طبقات المعمار الهائل والتحديث الضخم في الإمارات، بينما يحاول فهم التقاطعات والتباينات بينها وبين الحقوق السياسية والمدنية وإدارة الحكم. 

هذا الفائض لا يماثله شيء سوى درجة القمع القصوى التي تتخفى وراء الكتل الإسمنتية، وتحافظ عليها تلك البنية التحتية المتطورة، وشبكات المواصلات، وآليات التواصل الحديثة والمتطورة، بينما تستغلها الحكومة وجهازها الشرطي في ممارسات عدوانية، تبدأ بالاعتقالات التعسفية للمعارضين واحتجازهم في أوضاع غير قانونية، ثم تشويه دائم للخصوم السياسيين في الخارج، ولا تنتهي عند هضم حقوق العمالة الأجنبية والعربية.

الكتاب صادر عام 2008، وبعد نحو أربعة أعوام نشر ديفيدسون كتاباً آخر عنونه بـ”ما بعد الشيوخ: الانهيار الوشيك لممالك الخليج”، متأثراً بالربيع العربي الذي اجتاح عواصم عربية عدة، وزلزل الأرض تحت أقدام مشايخ ممالك النفط، يشير الى نقطة مفصلية، وربما، إجرائية، ينقلها عن وثائق الخارجية البريطانية، وتتصل بترحيل قسري لـ”المشاغبين” من عمال ومهنيين وحرفيين في دبي، خلال خمسينات القرن الماضي، وذلك تحت وطأة مخاوف الوجود البريطاني، آنذاك، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، من التحركات المعادية للاستعمار، تحديداً في ظل رواج حركات التحرر الوطني.

هذا التاريخ الذي تخدش بعض الوقائع الحالية أحداثه وقد باعد بينهما الزمن، لا يعكس عصرنة لقمع سابق بقدر ما يكشف عن تجدد شروط العنف ومأسسته، ومن ثم، تطوره على رغم فوائض المال وعوائد النفط والتحديث وطفرات الإنتاج في مختلف القطاعات من الصناعة للإعلام والتكنولوجيا والتعليم، وبدرجات أقل السلاح. ويكاد لا يختلف الأمر عن سوابقه في إمارة دبي، التي تتناقص أعداد السكان المحليين (المواطنين) فيها مقابل تضاعف عدد الأجانب الوافدين والذين يتولون وظائف عديدة.

ووفقاً لبيانات البنك الدولي، بلغ عدد سكان دولة الإمارات قرابة التسعة ملايين نسمة في عام 2021، فيما لا يزال عدد الوافدين المقيمين يفوق عدد المواطنين بنحو سبعة أضعاف. هذا التفاوت السكاني والديمغرافي يصنع متغيرات سياسية كما يشكل ضغوطات موقتة في لحظات الاضطراب والتوتر، سواء اقتصادية أو سياسية. 

ففي التقرير الأخير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الأميركية، قال إنّ السلطات الإماراتية تحتجز تعسفاً ما بين 2,400 إلى 2,700 أفغاني منذ أكثر من 15 شهراً في “مدينة الإمارات الإنسانية”، وهي مركز لوجستي إنساني في أبو ظبي. فيما طالبت بضرورة “الإفراج بشكل عاجل عن المحتجزين تعسفاً وتوفير إجراءات عادلة وفعالة لتحديد وضعهم واحتياجاتهم المتعلقة بالحماية”.

السلطات الإماراتية تحتجز تعسفاً ما بين 2,400 إلى 2,700 أفغاني منذ أكثر من 15 شهراً في “مدينة الإمارات الإنسانية”، وهي مركز لوجستي إنساني في أبو ظبي.

ومع وصول حكام كابل الجدد الى أفغانستان وسيطرة طالبان، 15 آب/ أغسطس 2021، أجلت الولايات المتحدة، و”حلف شمال الأطلسي”، والإمارات، وحكومات أخرى، عشرات آلاف الأفغان إلى مواقع حول العالم. ونقلت حكومة الإمارات آلاف الأفغان على متن رحلات مستأجرة خاصة إلى أبو ظبي، ثم نقلتهم إلى مدينة الإمارات الإنسانية و”مدينة تصميم العمالية”، وهي منشأة سكنية أخرى، بانتظار الانتقال إلى بلدان أخرى، حسبما يوضح التقرير الحقوقي. وفي حين أُعيد توطين الكثيرين لاحقاً في الولايات المتحدة وكندا وأماكن أخرى، كان ما بين 2,400 إلى 2,700 أفغاني لا يزالون محتجزين تعسفاً في الإمارات حتى أوائل كانون الثاني/يناير 2023.

فيما أوضحت جوي شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: “تحتجز السلطات الإماراتية آلاف طالبي اللجوء الأفغان منذ أكثر من 15 شهراً في أماكن مكتظة وظروف مزرية من دون أمل في إحراز تقدم في قضاياهم. بعد تعرضهم لصدمة كبيرة أثناء الفرار من أفغانستان، ها هم يواجهون المزيد من الصدمات الآن بعدما أمضوا أكثر من عام طي النسيان في الإمارات”.

وبحسب شهادات وثقتها المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، فإنّ المحتجزين الأفغان يتعرضون لقيود على حريتهم في التنقل، ونقص الإجراءات العادلة والفعالة لتحديد وضع اللجوء والمسارات الآمنة والقانونية للانتقال إلى بلدان أخرى، ونقص المشورة القانونية الملائمة، والخدمات التعليمية الملائمة للأطفال. 

ويردف: “في غياب الدعم النفسي، يمرّ الكثير من البالغين والأطفال بالاكتئاب وحالات نفسية أخرى. كما تدهورت الظروف المعيشية بشكل كبير، حيث وصف المحتجزون الاكتظاظ، وتدهور البنية التحتية، وانتشار الحشرات”.

وأفاد أحد الأفغان في شهادته: “المخيم يشبه السجن تماماً”. فالمنشأتان السكنيتان حيث يُحتجز الأفغان هما مجمعان سكنيان وافقت الإمارات على تحويلهما إلى منشأة موقتة لإسكان اللاجئين تديرها الحكومة”.

لكن المستشار الرئاسي في دولة الإمارات، أنور قرقاش، عقّب على التقرير الحقوقي عبر حسابه الموثق في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، قائلاً: “دولة الإمارات العربية المتحدة حافظت على التزامها الثابت بمساعدة الأفغان الذين تم إجلاؤهم بالشراكة مع الولايات المتحدة والمنظمات الدولية”.

وقال قرقاش في تغريدته: “في إطار التزامها بدورها الإنساني العالمي، ستواصل الإمارات هذه المساعدة من دون أن تفشل”، لافتاً إلى أنّ “أيّ تقارير خلاف ذلك كاذبة تماماً”.

“المخيم يشبه السجن تماماً”.

سياسات القمع والتخويف والتهجير القسري للعمال الأجانب، بل وإساءة معاملتهم في الإمارات، تبرز، بصورة فجة، في لحظات الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، الأمر الذي يضاعف الشعور بوطأة الضغوط، محلياً وخارجياً، والإلحاح أحياناً على قضايا قيمية وهوياتية ومسائل أخلاقية. حدث هذا، مثلاً، عام 2009، ثم تكرر بالتزامن مع الربيع العربي، وأخيراً مع تفشّي فيروس كورونا.

وقد ألمح ديفيدسون إلى تلك التناقضات التي تعاني الإمارات من آثارها وتداعياتها. يسعى صناع القرار إلى تعميم تصورات باعتبار الإمارات نموذجاً لدولة الرفاه و”الإنسانية” و”السعادة”. غير أنّ هذه الدعاية السياسية تخفق في تحقيق دورها الوظيفي، ولا تبدو قادرة على الصمود طويلاً أمام الحقائق الموثقة التي تتلاشى أمامها الصورة المصنوعة والمتوهمة. وفي الأزمة التي شهدتها الإمارات عام 2009 على خلفية تراجع أسعار النفط عالمياً، باغتت الشرطة الإماراتية المقيمين في دبي برسائل على هواتفهم المحمولة تحثهم على الالتزام بالآداب، ومنع التقبيل في الأماكن العامة.

وتصدر عناوين الصحف الإماراتية خبر ينفي استخدام الكحوليات في المواد الغذائية المقدمة في الفنادق. وعلى رغم صدور نفي مضاد بعد فترة وجيزة ووصف الخبر بـ”سوء فهم”، حسبما يوضح صاحب كتاب “ما بعد الشيوخ: الانهيار الوشيك لممالك الخليج”، إلا أنّ جزءاً من هذه الحملات الأمنية الأخلاقوية يؤشر إلى وجود هاجس قيمي يصعد على تخوم المعضلات الاقتصادية بما يكشف عن ضعف البنى، أو بالأحرى غياب الحوامل المجتمعية، لمعطيات التطور. وبقاء الذهنية التقليدية داخل المجتمع يعكس فراغات هائلة وتصدعات بدرجة التحديث العمراني نفسها.

ديفيدسون يرى أنّ هذه الحملة الأمنية بعثت بتهديدات جمّة على اقتصاد دبي، الذي يعتمد بالأساس على تدفق حركة السياحة. والسياح ونسبتهم سبعة ملايين (وقت صدور الكتاب عام 2012) ينفقون ما يقرب من 1.5 مليار دولار سنوياً. 

إذاً، تتكرر حوادث العنف ضد أطراف كثيرة ومتباينة في الإمارات، تبعاً لتلك العوامل التي تتمتع بثبات. فـ”لا مؤشّرات توحي بأنّ الدولة البوليسية تنوي تليين استراتيجياتها الراهنة”، وفق ديفيدسون، وهو الرأي ذاته الذي رجحته منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقريرها قبل عام، موضحة أنّ “الإصلاحات القانونية الواسعة التي أقرتها الإمارات نهاية عام 2021 لم تُعالج القيود طويلة الأمد والممنهجة على الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين والمقيمين، وإنما فاقمت الوضع الحقوقي”.

وفي آب/ أغسطس العام الماضي، عرجت مجلة “هارفارد انترناشيونال ريفيو” على مجموعة الانتهاكات التي تطوق العمال الأجانب والمهاجرين في الإمارات، مع الإشارة الى نسبة الوافدين التي تقترب من 90 في المئة. ومن بين الانتهاكات، مصادرة جوازات السفر، الترحيل، السجن، ومخالفة قوانين العمل بالعمل لأكثر من ثماني ساعات، وعدم دفع الأجور أو دفعها بشكل غير منتظم، وإرغام العمال على الإقامة في معسكرات مكتظة. فضلاً عن تصفية أي احتجاج أو إضراب بقوة الشرطة كما جرى في الفترة بين عامي 2013 و2020، بالعنف والترحيل.

 وفي تقرير بعنوان “رهائن في الإمارات”، ذكرت المجلة الفصلية إلى جانب الخروقات الحقوقية، التي ترقى إلى “عبودية حديثة”، التواطؤ من هيئات أجنبية، منها شركة المقاولات طراد الفرنسية وجامعة نيويورك ومتحف اللوفر. وعانى العمال من غياب الحماية في تلك المشاريع المختلفة. 

الانتهاكات ضد العمال في الإمارات، تتواصل على أكثر من مستوى، وهم في أفضل الأحوال معرضون للعمل بشكل قسري. تقول “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها عام 2019، “يربط نظام الكفالة العمال المهاجرين بأرباب عملهم. وأولئك الذين يتركون أرباب العمل من دون موافقتهم قبل نهاية العقد قد يواجهون عقوبات بتهمة الهروب، بما في ذلك الغرامات والسجن والترحيل. وسّع قانون عام 2017 نطاق الحماية الأساسية للعمال ليشمل العاملات والعمال في المنازل، لكن الأحكام لا تزال أضعف من تلك الواردة في قانون العمل الوطني في البلاد. تواجه العاملات المنزليات مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك ساعات عمل طويلة، ورواتب غير مدفوعة، واعتداءات بدنية وجنسية”.

وطاولت الاتهامات بالعنصرية الإمارات في معرض إكسبو 2020 على خلفية سوء معاملة العمال الأجانب، وقد تأجل المعرض لعام تقريباً بسبب تفشّي وباء كورونا. 

وبالتزامن مع تداعيات كورونا التي أثرت سلباً في أوضاع العمالة الأجنبية في الإمارات، نفذت الشرطة الإمارات حملة أمنية قمعية تسببت بـ”ترحيل ما لا يقل عن 375 عاملاً أجنبياً أفريقياً، تم اعتقالهم من منازلهم في مداهمات ليلية مروعة”، وفق منظمة العفو الدولية، ثم “اقتيدوا إلى السجن حيث تعرضوا لمعاملة مهينة، وغيرها من الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان، قبل ترحيلهم بشكل جماعي من دون اتباع أي شكل من أشكال الإجراءات القانونية الواجبة”.

ومن بين الإجراءات التعسفية التي نفذتها السلطات الإماراتية لتخفيف حجم العمالة، واستغلال ضعف القوانين في القطاع الخاص تحديداً، “تزوير الشرطة الإماراتية نتائج فحوص تفاعل البوليميراز المتسلسل السلبية بي سي آر (PCR)، لكي يسافروا، وجردتهم من متعلقاتهم، بما في ذلك الوثائق القانونية الأساسية، ومنعتهم من الاتصال بمستشار قانوني”، تقول العفو الدولية.

وذكرت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، “كان هؤلاء العمال الأفارقة يقيمون ويعملون في الإمارات العربية المتحدة بشكل قانوني. وقد تسبب هذا الاستهداف العنصري في إحداث دمار في حياة بعض أشد أفراد المجتمع الإماراتي تهميشاً، فيما تقدم حكومة دولة الإمارات نفسها كدولة نموذجية للتسامح بين الثقافات المتعدّدة أثناء استضافتها معرض دبي إكسبو 2020”. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.