fbpx

جدل طائفي يطوّق مصير الطفل المصريّ “شنودة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كلما ناديته باسمه (شنودة) تبعده مشرفة الدار وتقول له (انت مسلم واسمك يوسف مش شنودة)، يحاولون غسل مخه لينساني، الحقيقة التي أكدتها موظفة بالدار حين طلبت رؤيته، إذ قالت لي (احنا عاوزينه ينساكي).

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا عايزة شنودة … مش عايزة أي حاجة تانية، أنت ابني يا شنودة”، بغضب ظاهر عبّرت آمال فكري، والدة الطفل شنودة بالتبني، عن اعتراضها، عقب إصدار محكمة القضاء الإداري قراراً  بعدم الاختصاص في الفصل بخصوص دعوى الأسرة ضد قرار وزيرة التضامن الاجتماعي، إيداع الطفل شنودة في إحدى دور الرعاية، وتغيير ديانته الى الإسلام باعتباره “فاقداً للأهلية”.

 طالبت الدعوى المرفوضة بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليم الطفل لأسرته، ووقف تغيير ديانته واسمه، ما أعاد القضية الى المربع صفر بعد 6 أشهر كاملة من انتزاع الطفل من حضن أسرته، ووضعه في دار للرعاية.

استند القرار إلى النص القانوني الذي يفترض أن أي طفل مجهول النسب هو طفل مسلم، لذلك يتم إيداع الأطفال مجهولي النسب في دور الرعاية، وإصدار شهادات ميلاد بأسماء مسلمة لهم، وهو ما استندت إليه وزارة التضامن في قرارها بنزع الطفل شنودة من والديه بالتبني.

تعود تفاصيل الواقعة حسب نجيب جبرائيل، محامي أسرة شنودة، إلى عام 2018، حينها عُثر على الطفل في إحدى كنائس الزاوية الحمراء في القاهرة،  فاختار كاهن الكنيسة أسرة محرومة من الإنجاب لتبني الطفل طبقاً للشريعة المسيحية التي تبيح التبني، فاختار الزوجان اسم شنودة له، واستصدرا شهادة ميلاد له باعتباره طفلهما.

منح شنودة لأسرته الجديدة السعادة، وقابلته الأسرة بالرعاية والاهتمام، إلا أن السعادة وجدت من ينغّصها، متمثلة بابنة شقيقة الزوج، التي تقدمت ببلاغات عدة ضد الزوجين متهمةً إياهما بتزوير شهادة الميلاد خوفاً على ميراث يحرمها شنودة منه. استجابت النيابة لها وتم التحقيق مع الزوجين، ثم أخلي سبيلهما بعدها لحسن النية وحفظ الشق الجنائي، في المقابل قررت النيابة مخاطبة وزارة التضامن باعتبار الطفل مجهول النسب، التي قررت بدورها انتزاع الطفل ووضعه في دار رعاية، كما خاطبت وزير الداخلية لإصدار شهادة ميلاد للطفل.

مصلحة الطفل الفضلى

تلتزم المحاكم في قضايا الحضانة ضمن القانون المصري، بمبدأ يُعرف باسم “المصلحة الفضلي للطفل”، وتعني أن القرار الأصح هو مصلحة الطفل، حتى وإن خالف النص القانوني.

تجاهلت المنظومة القانونية هذا المبدأ في قضية شنودة، إذ تدهورت حالة الطفل منذ انتزاعه من حضن أسرته حسب والدته بالتبني آمال فكري، التي تؤكد أنهم لم يسمحوا لها برؤيته منذ انتزاعه من حضنها، وتضيف “لم أره إلا مرة واحدة، كان فيها مطفياً وتائهاً”، وتقصد هنا لقاءها الوحيد مع شنودة الذي استمر دقائق عدة في مصلحة الطب الشرعي، أثناء إجراء تحليل البصمة الوراثية.

تصف فكري قسوة اللقاء قائلةً: “رفضوا أني اقابله، ولا مرة سمحت لي مديرة الدار برؤيته حتى من شباك الدار، وحين التقيته  في مصلحة الطب الشرعي كان حوله عدد كبير من الموظفين ومشرفات الدار، ومديرة الدار، ولم يسمحوا لي بالاقتراب منه، وكلما ناديته باسمه (شنودة) تبعده مشرفة الدار وتقول له (انت مسلم واسمك يوسف مش شنودة)، يحاولون غسل مخه لينساني، الحقيقة التي أكدتها موظفة بالدار حين طلبت رؤيته، إذ قالت لي (احنا عاوزينه ينساكي)، شنودة في حالة نفسية سيئة، حين تنظر لعينيه تجده تائهاً غير مدرك لما حوله، كما لو كان مخدراً، بفعل الوضع النفسي السيئ الذي يعانيه”.

تتعجب والدة شنودة من  قرار المحكمة وتقول في تصريح لـ”درج” : “إذا كانت المحكمة غير مختصة، لماذا لم يتم إقرار ذلك من الجلسة الأولى بدلاً من التأجيل المستمر، هل هو تواطؤ ليطول أمد الدعوى، كي تستطيع الدار أن تغسل مخ شنودة لينسى السنوات الأربعة التي عاشها معي، ما هو الأفضل لابني أن يعيش معي كما كان، أم أن يترك في الدار التي تسببت له بأزمة نفسية يخضع بسببها للعلاج النفسي”.

مستقبل القضية 

يقول نجيب جبرائيل، محامي الأسرة، إن الخطوة المقبلة للدعوى هي الطعن بالحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ويؤكد أن لديه أملاً كبيراً في الحصول على حكم يعيد الطفل الى أحضان الأسرة، كما يشير إلى منفذ آخر، محكمة القضاء الإداري لم تفصل في الدعوى، وهو ما يفتح الباب أمام رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهوري بإعادة الطفل الى أسرته، من دون أن يكون هذا القرار اعتداء على السلطة القضائية.

تشكّل قضية شنودة نقطة ارتكاز لمناقشة قضايا التبني حسب الشريعة المسيحية، لأنها من القضايا المسكوت عنها، مراعاة للمسلمين الذين تحرم شريعتهم التبني، على رغم أن التبني حسب الشريعة المسيحية يتم من دور الأيتام المسيحية ولا علاقة له بالأطفال المسلمين أو حتى مجهولي النسب، كما أن القانون المصري يمنح للمسيحيين حق التبني حسب لائحة 38.

يوجه المحامي سعيد فايز أصابع اللوم إلى الكنيسة، ويقول في تصريحات لـ”درج”: “لم تتدخل الكنيسة  في القضية، ولن تتدخل خشية الحرج، وهو ما اتضح في آخر مسودة حول قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين التي تم حذف باب التبني منها”.

يضيف سعيد فايز: “تلعب الكنيسة بمستقبل شعبها، مستندة الى حب البسطاء لرجال الدين، فالمسؤول عن قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين هو الأنبا بولا، الذي يرفض الطلاق، ويعطل لائحة 38، ويسمح للدولة بحذف باب التبني احتراماً للأزهر والمؤسسة الدينية الإسلامية، مقابل ضمان استمرار وضع الطلاق على ما هو عليه، على رغم المشاكل التي يعانيها شعب الكنيسة نتيجة منع التبني والطلاق”.

يتساءل فايز عن وضع الطفل شنودة ومصلحته أو حتى تقبّله للأديان مستقبلاً سواء الدين المسيحي أو الإسلامي، حين يعلم أن الدين هو من انتزعه من حضن أسرته، ليضعه في دار رعاية، في تجاهل لمستوى دور الرعاية، الذي لا يصلح غالباً لتقديم حياة مستقرة للطفل.

آفاق قانونية أخرى 

يشير فايز إلى حلول قانونية أخرى غير المسار الذي تسلكه القضية، فهناك 3 قرارات إدارية في قضية شنودة، الأول قرار المحامي العام بنزع الطفل من أسرته، والثاني قرار وزارة التضامن بوضع الطفل في دار الرعاية، والثالث قرار وزير الداخلية بتغيير اسم الطفل وديانته وإصدار شهادة ميلاد جديدة له باعتباره مجهول النسب. 

يضيف فايز أن القرار الوحيد الذي يمكن الطعن فيه لأنه غير صحيح قانوناً، هو قرار المحامي العام، والطعن يكون أمام النائب العام أو محكمة الأمور المستعجلة أو غرفة المشورة في محكمة الجنايات. ويعقب، “للأسف، لهذه الطعون مدة قانونية، والخيار الأخير هو تدخل الكنيسة للمطالبة بإعادة التحقيق في الواقعة الأصلية باعتبارها صاحبة المصلحة، لأن الطفل وجد داخلها، وفي هذه الحالة، بإمكان الكنيسة إثبات أن الطفل وجد داخل الكنيسة، وبذلك يصبح طبقاً للشريعة الإسلامية مسيحياً لأن الفقه يقول إن الأطفال مجهولي النسب مسلمون إلا إذا وُجدوا في دار غير المسلمين، وهو ما ينطبق على الكنائس، وبناء على ذلك،  يودع الطفل في دار رعاية مسيحية، ويمكن لأسرته بعدها كفالته حسب قانون الكفالة الحالي”.

يتفق إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف الحريات الدينية  في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مع رأي فايز، ويقسم القضية إلى جزأين، الأول تزوير شهادة الميلاد، والثاني تغيير ديانة الطفل الذي يفترض القانون أنه مسلم بالفطرة، بأن كونه مجهول النسب.

يرى إسحاق أن الجزء الأول حكمت فيه النيابة بحفظ لحسن النية وعدم معرفة الأسرة بالإجراءات القانونية المتبعة في مثل هذه الحالات، أما الشق الثاني فيمكن نفيه لو تدخلت الكنيسة، وقدمت شهوداً حول واقعة إيجاد الطفل داخل الكنيسة، فعلى رغم وفاة الكاهن الذي وجد الطفل، فالأكيد وجود شهود آخرين. يعلق إسحاق: “ما تم إيجاده ليس قلم رصاص، وإنما طفل من لحم ودم، فإذا طلبت الكنيسة إعادة التحقيق وقدمت الشهود أو تسجيل الكاميرات، فإن الشق الثاني للقضية ينتهي، ويصبح الطفل مسيحياً لأنه وُجد في كنيسة، ولا يدخل الكنيسة إلا المسيحيين، ويبقى فقط أن تكفله الأسرة طبقاً للقانون الحالي، أو تنتظر قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين إذا أقر مبدأ التبني للأقباط”.

ما بين خطة محامي الأسرة للطعن في القرار، أو أمنية تدخل رئيس الجمهورية، أو حتى مداخل قانونية كي يعود الطفل الى أسرته، يبقى شنودة وحيداً داخل دار الرعاية، لا يعرف لماذا انتُزع من أسرته التي عاش معها 4 سنوات، ولا يعرف لماذا تناديه مشرفة الدار بـ”يوسف” بدلاً من اسمه الحقيقي “شنودة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.