fbpx

برلمان الـ10% من الشعب التونسي يمنع دخول الصحافة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أنّ هذا البرلمان لن يختلف عن النسخ التي سبقته في الرداءة، ولكن مع فرق وحيد، هو أنّ النسخ السابقة على رغم فشلها في تحقيق أهداف الثورة، كان يحافظ على حدّ أدنى من احترام الصحافة وحق النفاذ إلى المعلومة، والشفافية والتفاعل مع المجتمع المدني، وخضوع للمساءلة والرقابة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فتح مجلس نوّاب الشعب في تونس أبوابه، بعد عام وثمانية أشهر، لكن هذه المرة فُتِح للنوّاب المنتخبين حديثاً فقط، بعدما مُنع الصحافيون ومختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية- باستثناء الإعلام الحكومي- من تغطية اليوم الأول في الدورة البرلمانية الجديدة، وسط غياب أي معلومة أو جهة توضح أسباب المنع، وتجاهل المسؤولين في تونس وتضارب المعطيات، ليتم بعدها أداء القَسَم من النواب الجدد الذين انتخبوا إبراهيم بودربالة -عميد المحامين السابق- رئيساً لمجلس نواب الشعب.

برلمان وسلطة جديدان تابعان لسعيّد

يأتي هذا البرلمان بعد انتخابات تشريعية تعدّ نسبة المشاركة فيها الأقل، لا فقط في تاريخ تونس وإنّما في العالم أجمع، إذ لم تتجاوز عتبة الـ10 في المئة، ويبدو أنّ سعيد راضٍ تماماً عن النتيجة، التي تعكس غياب شعبية البرلمان الجديد، الذي لا يمثل خطراً على سلطته،  فقد أدت سياسات سعيد الى ضرب أي إمكان لتأسيس كتل نيابية تنسق في ما بينها، والى تشتّت المجلس، يتجلى هذا بشكل أكثر وضوحاً في تصريح سعيّد خلال زيارته مقرّ جريدة “لابراس” الحكومية: “ليعلم هؤلاء النواب أنهم تحت رقابة الشعب التونسي، وما يحصل اليوم مع عدد من النواب في تكوين الكتل، أمر (تاريخيّ)، ولن يكون البرلمان كما السابق، والتشريعات يجب أن تعبر عن الإرادة العامة، لا عن إرادة بعض الجهات التي ما زالت تحن إلى العشرية الماضية وإلى البرلمان الماضي”.

ترأس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، عميد المحامين منذ عام 2019 حتى العام الماضي، المحامي والحقوقي الذي تنكّر لتاريخه النضالي الذي يمتدّ على مدار عقود وانخرط في مشروع قيس سعيّد، حيث دعم بودربالة الرئيس خلال مواجهته مع القضاء والمجلس الأعلى للقضاء، وشارك في اللجنة المسؤولة عن صياغة مسودة الدستور، التي لم تتم المصادقة عليها.

 وقف بودربالة أمام الانتقادات التي وُجّهت الى سعيّد خلال اعتقال نور الدين البحيري العام الماضي، واستغل عمادة المحامين لضرب المحامين المعارضين لسعيّد ورفض التضامن معهم -بغض النظر عن مدى جديّة التهم الموجّهة إليهم- ولقاء خدماته، ترشّح بودربالة لانتخابات المجلس النيابي الجديد، وأعلن قبل ترشّحه بأنه سيكون رئيس البرلمان المقبل!.

 تمّ الأمر كما قال بودربالة، وبعد انتخابه رئيساً للبرلمان في جلسة مُنع الصحافيون من دخولها، تماهى بودربالة مع ما سبق وعبّر عنه سعيّد، والتقط سريعاً رسالة الأخير السابقة بخصوص الكتل النيابية ، وقال في تصريحه الأول  لوسائل إعلام محلية، إن “المسألة ستكون من أنظار لجنة النظام الداخلي وستكون محل بحث وتدقيق”، معبراً في الوقت ذاته عن عدم اعتقاده بأن اختيار تنظيم الكتل سيكون الخيار الأمثل. وأضاف، “نحن كتلة واحدة نعمل لرفع التحدي ليكون المجلس محل رضا الشعب التونسي”.

صرّح القيادي في حركة الشعب -المساندة للرئيس سعيّد- والنائب بدر الدين القمودي لـ “درج”، أنه قبل كل شيء، تجب الإشارة الى أن الدستور ينص على وجود كتل نيابية، ولا يمكن عملياً الحديث عن نشاط برلماني من دون كتل، وأضاف “نحن كنوّاب، ننتظر المصادقة على النظام الداخلي لنعرف حجم الكتل  وكيفية اشتغالها، وعلى ضوء هذا، نعمل على تشكيل كتلة وطنية وازنة منفتحة على النواب المستقلين، تلتقي على أرضية مشتركة تشكل بوصلة لعملها خلال العهدة البرلمانية”.

لماذا تمّ منع بثّ الجلسة؟

منذ عام 2012، تبثّ مداولات المجلس الوطني التأسيسي، ولاحقاً مجلس نوّاب الشعب، مباشرة عبر التلفزيون الرسمي، وكان بإمكان الصحافة ووسائل الإعلام، الأجنبية أو المحليّة، وكذلك مكوّنات المجتمع المدني، حضور الجلسات واللجان والاطلاع على مسودات المشاريع.

كان حضور الإعلام والمجتمع المدني وثيقًا ودورياً في مجلس نوّاب الشعب، لكن يبدو أن هذا لن يكون متاحاً حالياً إذا استمرت هذه السياسة التواصلية التي تقتصر فقط على الإعلام الحكومي، وسط حملات تخوين وتشويه لكامل المنظمات والجمعيات في تونس. وصرّحت فاطمة المسدي، النائبة في مجلس النواب الجديد والمساندة لقرارات سعيّد، بأنّ قرار منع وسائل إعلام محلية ومراسلي وسائل الإعلام الأجنبية صدر عن عدد من النواب، وهي من بينهم، وذلك في اجتماع قبل انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية، بهدف “تجنّب البلبلة وربّما نقل صورة لا تليق بالبرلمان”.

 يرى أنصار الرئيس، أن الصحافة هي المسؤولة عن نقل صورة لا تليق بالبرلمان، فيما يتجاهلون أن هذه النسخة من البرلمان هي الأقل تمثيلًا للنساء منذ 13 سنة، وبنسبة مشاركة في الانتخابات هي الأقل في التاريخ، رافقتها مقاطعة سياسية كبرى من الأحزاب وشغور عدد من الدوائر، إذ ينطلق عمل البرلمان الجديد بنصاب منقوص، مقداره 7 نواب لدوائر انتخابية بالخارج -ومنها دائرة الدول العربية- التي لم يتقدم لها أي مترشح، بسبب العزوف الذي عرفته الانتخابات التشريعية. 

ينفي القمودي لـ”درج”، علم نواب الشعب في غالبيتهم بقرار منع الصحافيين من مواكبة فعاليات البرلمان، إذ سبق أن استنكر هذا القرار الذي يتعارض مع مبدأ حرية الإعلام من جهة، وشفافية العمل البرلماني من جهة أخرى. يقول، “نحن كبرلمانيين، نؤمن بضرورة نقل أنشطتنا إلى الرأي العام حتى يكون من انتخبنا على بينة بما يحدث داخل قبة المجلس، وليس لدينا ما نخفيه -كما أشارت النائبة فاطمة المسدّي- حتى نمنع الإعلام من نشاطه، ونحمل الجهة التي تقف وراء هذا القرار مسؤولية تداعياته ،وندعو الى عودة الإعلام الى سابق نشاطه كما عهدناه في الماضي”.

يوضح عبد الخالق الأزرق، صحافي تم منعه من الدخول الى البرلمان، في حديثه لـ “درج”، أنه إلى الآن، ما من جهة صرّحت بأنها منعت دخول الصحافيين، يضيف “اكتفى الأمن بالقول إنّه تلقى تعليمات عليا وهو ينفذّها، وبغض النظر عن الجهة التي منعت الصحافيين، سواء وزارة الداخلية أو رئاسة الجمهورية، فهذا يهددّ حرية الصحافة وحق النفاذ الى المعلومة ويضرب العمل الصحافي، وهو مؤشر مقلق، لأن السلطة التنفيذية تمارس نفوذها بالمنع على سلطة تشريعية، وهو البرلمان، ما يبين مدى هشاشة هذا البرلمان و تبعيته للسلطة التنفيذية، وعدم قدرته حتى على ترك الصحافيين يمارسون واجبهم المهني”.

سعيّد لا يثق بالإعلام

من المرجّح أن تكون رئاسة الجمهورية هي الجهة التي تقف خلف منع الصحافيين من الدخول إلى البرلمان، إذ إن سعيد لا يثق في الإعلام عموماً وفي الصحافة المستقلة والأجنبية خصوصاً، وهو السبب وراء الاكتفاء بالإعلام الحكومي فقط بالتغطية، والذي بات فيه هامش الاستقلالية محدودًا إن لم يكن منعدماً. يتعامل سعيّد مع الإعلام الرسمي على أساس أنّه جهة تتبع له لا سلطة مستقلّة، مثل ما تعامل مع القضاء سابقاً، وسط تداول أنباء حول الرقابة داخل مؤسسة التلفزيون الرسمي. لهذا لا يسعى سعيّد فقط إلى السيطرة وفرض توجهاته على الإعلام الحكومي، بل أيضاً الى ضرب وتقسيم القطاع الإعلامي بين الإعلام العمومي وباقي مؤسسات الإعلام الأخرى. تؤكّد أميرة محمد، نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أنّ هناك محاولة لتفتيت المشهد الإعلامي وتجزئته وضرب التضامن والوحدة داخله.  

وأعلنت نقابة الصحافيين إدانتها الشديدة والمبدئية والمطلقة لهذه السابقة الخطيرة، التي تصادر حقاً مكفولاً في الدستور والتشريعات التونسية، وتضرب الحق في الإعلام والنفاذ إلى المعلومات، وتفتح الباب على مصراعيه أمام سياسات التعتيم وتكميم الأفواه. إضافة إلى ضربها حق الجمهور في الحصول على المعلومة، والذي ناضل من أجله، وتم فرضه بفضل ثورة الحرية والكرامة على أنقاض إعلام حكومي دعائي يرفض التعدد والتنوع، ويسعى الى توجيه الرأي العام بحسب الأهواء والنزعات الفردية والحكومية. والمشهد القمعي المعاد إخراجه اليوم، خطر حقيقي يهدد مكتسبات الثورة والتي أبرزها الديمقراطية،  عبر استهداف الصحافيات والصحافيين وحرية الصحافة،  ومحاولات التحكم في وسائل الإعلام والتضييق عليها، وبالتالي حرمان المواطن حقه في الوصول إلى المعلومات.

 نبيل الحجّي، الأمين العام لـ”التيار الديمقراطي”، أحد أبرز مكوّنات المعارضة في تونس، يقول لـ”درج”: “هذا البرلمان تابع لقيس سعيّد، وليس برلماناً مستقلاً، وهو آخر خطوة في المسار الذي ذهب فيه سعيّد، من حل هيئات دستورية ومؤسسات الدولة، وطبعاً لا نعترف بما ينتجه هذا المسار، بما فيه هذه المسرحية التشريعية. استمدّ قيس سعيّد شرعيّة إجراءات 25 تموز/ يوليو من الفساد والسياحة الحزبية التي كان يعيشها البرلمان السابق، لنجد اليوم التاريخ يعيد نفسه في الممارسات الراهنة”.

يبدو أنّ هذا البرلمان لن يختلف عن النسخ التي سبقته في الرداءة، ولكن مع فرق وحيد، هو أنّ النسخ السابقة على رغم فشلها في تحقيق أهداف الثورة، كان يحافظ على حدّ أدنى من احترام الصحافة وحق النفاذ إلى المعلومة، والشفافية والتفاعل مع المجتمع المدني، وخضوع للمساءلة والرقابة. وفي ما يبدو، يسير هذا البرلمان على خطى سعيّد، نحو إلغاء أي دور للصحافة المستقلة والنقد والرأي الآخر.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!