fbpx

العلاقات الإيرانية- الخليجية بعد الاتفاق الثلاثي… لملمة الرهانات الخاسرة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعد الشق الاقتصادي والتجاري هو الأبرز في الاتفاق الثلاثي. وسيكون عملية التفاف جديدة كغيرها مما تقوم به طهران مع بكين وفنزويلا وكوريا الشمالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحركات خارجية لافتة بين إيران ودول الخليج تؤشر إلى خرق في الوضع الإقليمي المتأزم. هذه المسارات الجديدة، التي تصفها طهران بأنّها “تغييرات جيوسياسية” محتملة، تبعاً للاتفاق الثلاثي بين الصين وإيران والسعودية، لا تعد اصطفافاً سياسياً وديبلوماسياً نهائياً.

كما لا يمكن اعتبار النتائج الأخيرة، مقاربة جديدة تتخلى فيها طهران عن عقل “الثورة” في مقابل “الدولة” في إدارتها السياسية الإقليمية والخارجية، بينما تدور في الكواليس تسوية لملفات معقدة منها الأزمة اليمنية، وتأمين ممرات الملاحة الدولية، إذ سبق أن تحدث الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بشأن مبادرة أمن الطاقة وتدفق النفط في مضيق هرمز، عام 2019، بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

فضلاً عن الحرب في سوريا بكل معضلاتها، وتبايناتها، بداية من مناطق النظام، ووكلائه الروس والإيرانيين، مروراً بالمعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا والمدعومة من تركيا، وحتى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية المدعومة من أميركا.

ومثلما تؤدي بكين دوراً جديداً كقوة ديبلوماسية، مختبرة رهانات مختلفة، فإنّ هذا الاستثمار الجديد للديبلوماسية الصينية يعزز فرص مبادرة “الحزام والطريق” التي تحتاج إلى بيئة إقليمية آمنة في هذه الدوائر الخليجية. وتمتد هذه الاستفادة القصوى لإيران (وربما الصين في حال فرض عقوبات عليها بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية) التي ستنعطف بعيداً من العقوبات الأوروبية والأميركية، وتراكم آلية لشراكة تجارية استراتيجية في أفريقيا وشرق آسيا.

لكن أيّ تغييرات جيوسياسية ممكنة يمكن أن تجري على تخوم هذه الملفات الملغمة، والتي تباعد بين مصالح إيران والخليج، بل تضع كل منهما عند نقطة تصعيد جديدة ومحتملة. هي، ربما، لحظة تهدئة أو تفاهم موقت وتكتيكي تماثل المصالحة الخليجية، في قمة العلا، والتي قادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانخرطت فيها بدرجة أقل مصر والإمارات دونما حل نهائي للقضايا الخلافية، إنما تم تعليقها أو تخفيف حدتها. 

تحركات خارجية لافتة بين إيران ودول الخليج تؤشر إلى خرق في الوضع الإقليمي المتأزم.

حكاية “تودد” قديمة؟

من بين مؤشرات التقارب، تلك التحركات التي يقوم بها أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، نحو الإمارات والعراق. فضلاً عن الأخبار المتواترة بشأن توجيه السعودية دعوة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة.

وغرد مساعد الشؤون السياسية لمكتب الرئيس الإيراني محمد جمشيدي أنّ “الملك السعودي دعا في رسالة الرئيس الإيراني إلى زيارة المملكة ورحب بالاتفاق بين البلدين الشقيقين وطالب بتعزيز العلاقات بينهما” مضيفاً أنّ رئيسي “رحب بهذه الدعوة وأكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون”.

يمكن القول إنّ ميل السعودية الحاد للتقارب مع إيران، قد بدأ مع نهايات عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب (2017-2021)، ووصول جو بايدن إلى الحكم. فالأخير بدأت إدارته تسعى لتخفيض المساعدات العسكرية للرياض وأبو ظبي، المستخدمة في حرب اليمن، فضلاً عن شطب تصنيف الحوثيين من على قوائم الإرهاب.

وبالتزامن مع تولي ابراهيم رئيسي رئاسة الجمهورية الإيرانية (آب/ أغسطس 2021)،  انبعثت شروط التقارب بين الرياض وطهران، مع مخالفة (رئيسي) مقاربة سلفه روحاني في الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة، لا سيّما مع المتغيرات الجديدة. وبينما حاول الإصلاحيون أن تكون علاقاتهم مع القوى الكبرى على مسافة لا تصل إلى حدود القطيعة، فإنّ الدعم الإيراني لروسيا في حرب كييف، فاقم عزلة إيران الديبلوماسية. ناهيك بموجة الاحتجاجات غير المسبوقة بعد مقتل مهسا أميني. 

وتكبدت إيران خسائر نفطية تقدر بنحو 150 مليار دولار بسبب العقوبات الأميركية. وبالتالي، كانت الحاجة ملحة إلى انفراجة سياسية واقتصادية.

وإلى جانب رغبة الرياض إنهاء الحرب اليمنية التي كبدتها خسائر تتجاوز مئة مليار دولار، فقد تضاعفت الضغوط إثر إنهاء جو بايدن الدعم العسكري للعمليات الهجومية التي تنفذها الإمارات والسعودية باليمن، ومنها مبيعات الأسلحة. فيما ألح رئيسي، في المقابل، على الانفتاح على دول الخليج، لإضعاف مهمة إسرائيل الساعية إلى تشكيل تحالف ضدها وضرب مشروعها النووي.

وتضاف إلى ذلك، شكوك المملكة المتنامية بخصوص التزام واشنطن بأمنها. وزاد من مخاوفها سحب إدارة بايدن عدد كبير من الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ (باتريوت). 

فيما رفضت أميركا عدة مرات طلباً سعودياً لدعم برنامج نووي سلمي مقابل التطبيع مع إسرائيل. كما كان تصريح ترامب بعد الهجوم الحوثي على منشآت أرامكو النفطية، نهاية 2019، باعثاً آخر لهذه الشكوك والمخاوف. وقال ترامب: “هذا هجوم على السعودية وليس على الولايات المتحدة”.  

وتكاد لا تختلف هذه التقديرات عن ما ذكرته التقارير الصحافية الغربية والأميركية بخصوص أهداف التقارب الإيراني الخليجي، وكذا إعادة العلاقات الديبلوماسية بين طهران والرياض، والتي تبرز مقاربة براغماتية لإنهاء الأوضاع التي أمسّت مهددة لاستقرار الأنظمة. وتقول بلومبيرغ إنّ الاتفاق الثلاثي يهدف إلى تأمين “رؤية ولي العهد، محمد بن سلمان، والتي تقدر بمليارات الدولارات”.

وفي حين لمّح التقرير الأميركي إلى الطلب السعودي المتكرر للولايات المتحدة، بأنّ تحصل على دعم واشنطن في تطوير برنامح نووي سلمي ومدني، والحصول على ضمانات تتصل بإمدادات السلاح مستقبلاً، ومن ثم، تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإنّ وساطة بكين، في كافة الأحوال، لا يمكن اعتبارها استدارة سعودية لواشنطن. 

فالرياض قد أبلغت الإدارة الأميركية بجهود الصين وترتيبات الاتفاق الثلاثي، وذلك بحسب مسؤولين أميركيين تحدثا إلى موقع “أكسيوس“. بل إنّ الأطراف السعودية المنخرطة في المحادثات مع الإيرانيين كانوا “مترددين في البداية من الاتفاق مع إيران، اتصلوا بالبيت الأبيض قبل يوم من الإعلان عن الصفقة، وقالوا إنّهم على وشك التوصل إلى اتفاق”.

وقال المسؤولان الأميركيان إنّ “السعوديين وافقوا على احتمال إعادة فتح سفارة في طهران في غضون شهرين. وهذه لا تعتبر معاهدة سلام بقدر ما هي عودة إلى الوضع السابق قبل عام 2016”.

وتابعا للموقع الأميركي أنّ “إدارة بايدن لا ترى مشكلة مع محاولة الصينيين تهدئة التوترات بين السعودية وإيران طالما أنّها لا تتعلق بالتعاون العسكري أو التكنولوجي”.

شراكة تجارية… وأكثر

نقلت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية عن المحلل السياسي الإيراني، سعيد ليلاز، قوله إنّ من بين أولويات أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في الإمارات، إنهاء الحرب في اليمن، وتسهيل عمليات تحويل العملات الأجنبية لطهران، الأمر الذي تعيقه العقوبات الأميركية. 

وتؤكد صحيفة “نور نيوز” الإيرانية أنّ شمخاني يرافقه “كبار المسؤولين الاقتصاديين والمصرفيين والأمنيين” في زيارته إلى أبو ظبي وبغداد. كما لمّحت الصحيفة البريطانية إلى أنّ النظام الإيراني استعان بالمؤسسات والشركات والمراكز الاستثمارية التجارية في الإمارات ضمن حيلها المتعددة للخروج من ضائقة العقوبات.

تعد أبو ظبي شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة إلى إيران، يتاخم مكانة الصين المتقدمة دائماً. وقد تم استيراد بضائع بقيمة 13.6 مليار دولار بما يعد 31 بالمئة من كافة الواردات على مدار الأشهر العشرة الأولى من العام الإيراني الذي سينتهي قريباً، وفق الأرقام الرسمية الإيرانية. 

وبحسب الأرقام الصادرة عن الجمارك الإيرانية، ففي الفترة بين عامي 2021 و2022، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 21 ملياراً و400 مليون دولار.

إذاً، الاتفاق الثلاثي له أهمية في الحدّ وليس إنهاء الصراع الذي شهدته المنطقة خلال السنوات الأخيرة. فقد يكون نقطة تحول من المواجهة إلى إدارة المنافسة بين الجانبين على أقل تقدير. إذ إنّ الاتفاق وما قد يتبعه من تفاهمات قد يؤدي إلى حلحلة الصراعات تحديداً التي تجري بالوكالة، وبما يؤدي إلى التضييق على الميليشيات والجماعات المسلحة. ومن ثم، سيكون لهذه التغييرات دور في واقع المنطقة والتفاعل بين القوى الإقليمية الرئيسية.

يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، أن مدى التفاؤل بعودة متينة للعلاقات الديبلوماسية والسياسية في ظل التناقضات القائمة، لا يمكن حسمه. ويردف لـ”درج” أنّ الملف اليمني هو “الاختبار الرئيسي” للاتفاق السعودي- الإيراني. فالسعودية تعطي هذا الملف أولوية قصوى، الذي يعتبر محدداً رئيسياً في مضي الاتفاق قدماً أم إخفاقه وفشله قبل أن يبدأ. 

ويقول أبو القاسم “تنازل الأطراف عن مكتسباتها التي حققتها على مدى سنوات، ربما، ستكون مسألة تحتاج إلى وقت، وتهيئة الأطراف الداخلية المتنازعة لإيجاد صيغة للقبول بالتهدئة، ثم الحوار، وتفعيل العملية السياسية. مع الأخذ في الحسبان التشظي والانقسام الواضحين في صفوف الأطراف المتناحرة وداخل كل طرف”.

ماذا عن سوريا؟

بالنسبة إلى سوريا، لا يرجح أبو القاسم أن توافق المملكة على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية من دون الاتفاق على صيغة مرضية للأطراف داخل سوريا، وبدون تراجع إيران عن الدور السلبي الذي تلعبه في هذه الساحة. ويتابع: “لن يقدم الاتفاق أيّ تنازلات مجانية لإيران”. ويلفت إلى أنّ الاتفاق يكشف عن تحول نوعي في التوجهات الصينية داخل منطقة النفوذ التقليدي لواشنطن. 

فالوساطة الصينية انعطافة مباغتة لسياسات بكين الخارجية إثر التحولات الجيوسياسية المهمة في قمة العالم على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. 

وفي ظل “المنافسة الاستراتيجية” بين الولايات المتحدة والصين، فإنّ الاتفاقية تعتبر مؤشراً على تصاعد التهديد الصيني للمكانة الأمريكية في الساحة الدولية. يقول أبو القاسم.

وبرغم ذلك كله، فإن الاتفاق ينسجم مع التوجهات الأميركية نحو الشرق الأوسط، وفق الباحث المتخصص بالشأن الإيراني. وقد سبق أن دعمت واشنطن جولات التفاهم السعودي الإيراني التمهيدية في العراق وعمان. كذلك يحقق الاتفاق الثلاثي الأهدف الأميركية السياسية والأمنية. فواشنطن لا تزال تثق بأنّها أهم شريك أمني لدول المنطقة، وأنّ القوى الأخرى لا تستطيع ملء هذا الفراغ. 

في المحصلة، يعد الشق الاقتصادي والتجاري هو الأبرز في الاتفاق الثلاثي. وسيكون عملية التفاف جديدة كغيرها مما تقوم به طهران مع بكين وفنزويلا وكوريا الشمالية. وطالما هناك عقوبات، فإنّ الجوانب الاقتصادية للاتفاق ستظل مقيدة بين السعودية وإيران، برغم رعاية بكين للاتفاق، وفق المصدر ذاته. فالرياض، حتماً، لا تستطيع تحدي الولايات المتحدة في هذا النطاق.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.