fbpx

في اللاذقيّة… أسماء الأسد تسجّل أسماء المنكوبين دون مساعدتهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وعدت “منظمة العرين” الأطباء بتعويضات خاصة من مكتب السيدة الأولى، وبعد مرور شهر ونصف الشهر على الزلزال لم يصل أي مبلغ إضافي للأطباء المناوبين أو الذين يعملون ضمن حالة الطوارئ جراء الزلزال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحرّكت الجمعيات الخيرية والأهالي مباشرةً في مدينة اللاذقية لإغاثة المنكوبين، ومحاولة إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، منذ اليوم الأول للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط/ فبراير. قام الأهالي في الأيام الثلاثة الأولى بمحاولة نشل الناجين بأيديهم، إذ لم تُرسل الجهات المسؤولة سيارات مختصة أو آليات لرفع الأنقاض، ما اضطر الأهالي لاستخدام سيارات خاصة حصلوا عليها من شركات خاصة لإزالة الرُكام. لجأ الأهالي أيضاً إلى الجمعيات الخيرية وإلى النشطاء غير الرسميين للحصول على مازوت لتشغيل الآليات التي استأجروها من أموالهم الخاصة.

لم تحظَ منطقة الرمل الجنوبي أو الرمل الفلسطيني بأي مساعدة جدية باستثناء ما قدمه أهالي المدينة،  إذ فتحت كنيسة الموارنة في منطقة سوق التجار  بعد ثلاث ساعات من الزلزال أبوابها للأهالي الذين تصدعت بيوتهم، وتبعتها  كنيسة اللاتين (كنيسة قلب يسوع الأقدس) التي فتحت صالاتها وغرفها أيضاً، فسارع النظام إلى فتح المدارس والجوامع لإيواء الناس.

انطلقت “مؤسسة العرين” التي تُديرها أسماء الأسد منذ اليوم الأول نحو المستشفيات لكتابة أسماء المتضررين، “احتل” موظفو المؤسسة أبواب المستشفيات، وأكدوا للمصابين تكفلهم بمعالجة جروحهم وتلبية احتياجاتهم مهما كلف الأمر، وأكدوا أن العمليات الجراحية إن طُلبت لن تُكلف الأهالي شيئاً، وأن كُل شيء على نفقة مكتب السيدة الأولى، وترددت في الأرجاء عبارة “السيدة الأولى معكم…”.

يُذكر أن مؤسسة العرين الخيرية تأسست عام 2020 واحتلت مكاتب مؤسسة البستان التابعة لرامي مخلوف منذ عام 1999، وهي جزء من استراتيجيّة اسماء الأسد لمصادرة أملاك مخلوف، واحتكار قضية المصابين والجرحى في الجيش السوريّ، فـ”العرين” مسؤولة عن توزيع المساعدات وصرف المنح الماليّة للقوات الرديفة.

 يمكن القول إن “مؤسسة العرين الخيرية” هي جناح الأسد الإنساني الخاص بالمصابين والمتضررين سواء من المعارك أو الكوارث الطبيعيّة، لكن وعود “السيدة الأولى” عقب الزلزال طاولت الأطباء في المستشفى الوطني في اللاذقية ومستشفى تشرين الجامعي، فبحسب الطبيبة نهاد (اسم مستعار لأسباب أمنية) في مستشفى تشرين الجامعي، وعدتهم “العرين” في الأيام الثلاثة الأولى، بأن وجبات طعام خاصة  من خارج المستشفى ستصل إليهم يومياً، إنما لم يصلهم شيء، ويوم وصل الرئيس وزوجته إلى مدينة اللاذقية أُجبر الأطباء على تناول وجبة من مطعم خاص،  تحت حجة أنها مُرسلة  بشكل خاص وشخصيّ من الرئيس وزوجته.

تقول نهاد إن موظفي العرين جمعوا الأطباء عنوة، من ضمنهم المناوبون في قسم الإسعاف، ليأكلوا مما قدمه السيد الرئيس وزوجته، وترددت عبارة: “وجباتكم من المعلم ومرتو معقول ما تاكلوها؟”، تصف نهاد أيضاً كيف تم تحذير الأطباء من التململ من رداءة الطعام على مدى الأيام السابقة، ما يشي بأن الوجبات أرسلتْ سابقاً، لكنها لم تصل إلى الأطباء.

وعدت “منظمة العرين” الأطباء بتعويضات خاصة من مكتب السيدة الأولى، وبعد مرور شهر ونصف الشهر على الزلزال لم يصل أي مبلغ إضافي للأطباء المناوبين أو الذين يعملون ضمن حالة الطوارئ جراء الزلزال. تقول نهاد :”يُعامل النظام الاطباء الذين يتقاضون راتباً شهرياً أقل من 13 دولاراً وكأنهم يتسولون الطعام، ما أثار حفيظة الأطباء وغضبهم. إذ لم يعد يملك الرئيس أو زوجته أي دلالة وجدانية أو احترام  للمدينة التي نشأ فيها مع أبيه. فقد الأسد كل شيء إلا قواه الأمنية والعسكرية. تلقى معظم الناس العلاج في المستشفيات الحكومية، أما الذين أسعفوا إلى المستشفيات الخاصة فقد تم علاجهم مجاناً. مع ذلك مكرمات السيدة الأولى لم تصل أحداً”.

في جولة في مدينة اللاذقية، أخبرنا الأهالي أن معظم المساعدات أرسلها مغتربون سوريون عبر وسطاء محليين، في ظل فقدان الثقة بأي جمعية خيرية تعمل في سوريا. 

أطفال متروكون للهفة سكان اللاذقيّة

 قابلنا أثناء جولتنا على مستشفيات اللاذقيّة أكثر من 11 طفلاً كانوا تحت وصاية أسماء الأسد، لكن الحقيقة أن المساعدة التي حصلوا عليها كانت عبر جمعيات خيرية، ولم تقدم لهم أسماء الأسد شيئاً، حتى الطعام والمصاريف اليوميّة في المستشفى لم تصل إليهم. 

جمعنا شهادات 7 أطباء من مستشفيات اللاذقية، أكدوا جميعاً  أن مكتب أسماء الأسد دوّن الأسماء فقط ولم يتواصل مع الناس أو يدفع ثمن علبة دواء واحدة، لكننا لم نكتف بشهادة الأطباء، بل زرنا عبر جمعية خيرية في اللاذقية مرضى ومصابين. وأكد هؤلاء حاجتهم إلى مال وثياب، والأهم إلى الأدوية، فمجانيّة العمليات الجراحية في المستشفيات الوطنية، لا تشمل الأدوية التي يحتاجها المرضى، الذي يعتمد كثر منهم على المساعدات وعلى ما يرسله الأقرباء في الخارج.

فقد غسان أهله في الزلزال وبقي له أخواه، إلا أن مأساة الطفل لم تنتهِ هنا، فبعد إصابته بوجهه وجسده، أخبره مكتب أسماء الأسد على الانتقال إلى مستشفى تشرين الجامعي، وحُبس أخوه بعدها ومنع من التواصل مع  أي أحد في المستشفى حيث غسان. استمر الوضع هكذا إلى أن استطاع الأخ التواصل مع جمعيات فاعلة، أما “جمعية العرين” فلم تقدم أي مساعدة. 

بعد جهد استطاع الأطباء الشبان إعادة غسان إلى المستشفى الوطني للعناية به، وخضع لأكثر من عملية مجاناً، أما الأدوية فقد تكفل بها المجتمع الأهلي، فيما لم يقدم مكتب أسماء الأسد ليرة سورية واحدة. 

مؤسسة العرين: “تبييض الوجه” ولصوصيّة على حساب الضحايا  

اختفت عطايا السيدة الأولى في الأسابيع الأولى التي تلت 6 شباط، كما انسحبت مؤسساتها، العرين والأمانة العامة للتنمية، من المستشفيات ومراكز الإيواء، وتركزت جهودهم على الحملات الإعلامية من أجل فك الحصار عن سوريا، إذ أظهرت بعض مقاطع الفيديو موظفي “العرين” يقدمون سلات غذائية وإغاثية في ريف اللاذقية لمتضرري الزلزال، لكن يلاحظ أن التركيز كان على الريف أكثر من المدينة.

 شاع بين الناس أيضاً أن المساعدات من الدول الخليجية تحديداً – ستنقذ الشعب السوري لا من الزلزال وحسب، بل أيضاً من الفقر الذي يعيشه، فاندفع الناس بالآلاف نحو مكاتب مؤسسة العرين وغيرها، وبات الزلزال وأضراره حجة دامغة من أجل الحصول على سلة غذائية أو أي مساعدة يمكن بيعها للاستفادة من ثمنها.  الانفتاح الدولي على النظام شجع على هذا أيضاً،  شعر فقراء سوريا بأن طاقة الفرج قد فُتحت لهم، أخبار المساعدات التي وصلت جعلتهم يحلمون بأنهم سيعيشون رخاء بعد سني القهر والفقر.

في جولة في مدينة اللاذقية، أخبرنا الأهالي أن معظم المساعدات أرسلها مغتربون سوريون عبر وسطاء محليين، في ظل فقدان الثقة بأي جمعية خيرية تعمل في سوريا. 

في سياق آخر، أوضح مصدر ميداني على تماس مع الجانبين الروسي والسوري، أن  “الفريق الروسي رفض العمل مع الجانب السوري، واكتفى بجلب عناصر مرافقة من الهلال الأحمر لتسيير التوزيع. هناك لصوصيّة في تصرفات النظام وأزلامه، فمثلاً ذهبت بعض المساعدات إلى مستودعات خاصة ثم خرجت المساعدات بهيئة صناديق طُبع عليها  شعار مؤسسة العرين،  وصلت هذه الصناديق إلى الريف عبر سيارات الهلال الأحمر”.

كشف لنا كبير المترجمين الروسيّ أن  أن سبب التأخر في التوزيع هو عملية إعادة التغليف في مستودعات العرين، كما أن موظفي الهلال الأحمر كلهم، لم ينطلقوا بتوزيع المعونات مباشرةً، بل انتظروا اقتسامها  مع مؤسسة العرين، كان المطلوب إذاً ظهور مؤسسة “العرين” أكثر من أي طرف آخر في عمليات التوزيع والإغاثة.

الجهود الإماراتيّة وخوف الحليف من السرقة

 تحدثنا أيضاً مع سائق من الهلال الأحمر، أخبرنا أن جهات إماراتية رفضت بعد الأسبوع الثاني على الزلزال السماح للنظام بتوزيع المعونات التي قدمتها، واستعانت بعناصر إماراتيين للعمل داخل المدن.

انطلق الوفد الإماراتي حال وصوله نحو المستشفيات التي استقبلت المصابين والجرحى منذ الأسبوع الأول، وحتى فترة قريبة، استمرت رعاية مصابي الزلزال وغيرهم من أصحاب الأمراض المزمنة، كما تكفل الوفد الإماراتي بكل الحالات التي رعاها مكتب أسماء الأسد. 

غطى الإماراتيون أيضاً نقص الأدوية في كل المستشفيات السورية، إذ سجل الإماراتيون عبر الأطباء كل الأدوية اللازمة للعمل الطبي والجراحي داخل المستشفيات وقدموها لها مباشرةً، إذ أكدت لنا طبيبة جرّاحة في المستشفى الوطني في اللاذقية أن أبسط الحاجات الطبية تم طلبها من الوفد الإماراتي.

لم يكتفِ الإماراتيون بالاعتناء بالمرضى في سوريا، بل جلبوا سيارات خاصة بهم ووضعوا المصابين وذويهم أمام خيار الذهاب للإمارات لاستكمال إجراءات العناية والتبني من جمعيات إماراتية خيرية. ووفق مصدرٍ مسؤول داخل مستشفى الوطني، فإن الوفد الإماراتي حين قرأ حاجات المستشفيات السورية شعر بالخديعة، فالنظام لم يُحاصر ولم تشمل العقوبات عليه المستوى الطبي والصحي، لكنه ببساطة لم يعد يتكفل بتأمين حاجة المستشفيات.

ترافقت الكارثة مع الذل أيضاً، إذ كان على الأهالي أن ينتظروا مساعدات خارجية وزيارات من وفود عربية أو أجنبية للحصول على دعم. وانتشرت مشاهد مؤلمة لأطفال يفتعلون الرقص وناس يصطنعون الترحيب، أملاً بسلة غذائية أو غير ذلك من الزائر “الميسور”. 

“حرّاس” الإنسانيّة في مراكز إيواء متهالكة

وضع مكتب العرين موظفيه على أبواب مراكز النزوح، بخاصة  تلك التي استقبلت أكثر من ألف شخص، ففي المدينة الرياضية مثلاً، وُضع حراس لم يترددوا بضرب الناس بحجة “تنظيم” توزيع المساعدات، وحرصوا أن لا يصور أي أحد مراكز النزوح.

وحصلت مجموعة من الشبان والصبايا من المجتمع المحلي على مبلغ مالي من مغترب، لشراء مقصات أظافر ومواد نظافة شخصيّة، لولاها لانتشر الجرب والقمل في أماكن الإيواء التي افتتحها النظام، والتي لا تحوي الكثير منها  حمامات أو ماء نظيف، إذ فاض المجرور في المدينة الرياضيّة منذ اليوم الأول لنزوح الأهالي،  ولم يُخرج النظام الأهالي منه ولم يعالج الأضرار الناجمة إلا بعد مرور ثلاثة أيام. 

روجت مؤسسة العرين عبر مقطع فيديو بعد أيام من الزلزال لجهودها  “الإنسانيّة” بعد فضيحة فيضان المجارير وضرب الناس، علماً أن “العرين” لم تقدم للمتضررين سوى الاحتجاز، ولم يقدم الطعام لهم إلا بعد أربعة أيام من وصولهم إلى المدينة الرياضية. 

رأيت جموع الأطفال والنساء يجلسون في صالات دون أي تدفئة، غرقى بماء المجارير، فيما موظفو العرين يتعاملون معهم كالأسرى، ولولا ضغط المجتمع المحلي وتبرعاته لسكان المنطقة، لترك موظفو العرين الناس في حال أسوأ.

النظام الذي عطّل التزامه بإنقاذ مواطنيه

كل مؤسسات الدولة السورية كانت متكئة على التبرعات الخارجية التي وصلت للمجتمع المحلي، جمعية أصدقاء الفقير في اللاذقية والتي اختصت في إطعام مراكز النزوح عبر التبرعات وجهزت طعاماً لآلاف الناس، شهدت فضيحة حينما أجبرها محافظ اللاذقية على إرسال طعام للوفد الفنزويلي للإغاثة، حتى الوفد اللبناني الذي عَمل في سوريا أُطعم من الجمعيات الخيرية، ولم يتكفل النظام حتى بإطعامهم، إذ لم يُفتح مطعم واحد على حساب الحكومة السورية لاستضافة الوفود الإغاثية.

اختفت أسماء الأسد من الواجهة، مكتبها الذي وعد المتضررين بإنقاذهم ومعونتهم لم يعد يظهر حتى على مستوى الإعلان عن شيء ما، الإمارات العربية المتحدة أخذت كل من تكفلت بهم أسماء التي لم تقدم لهم شيئاً، وظهور أسماء الأسد  الرديء مع الطفلة شام بدا مضحكاً بالنسبة إلى الفرق الإغاثية والطبية في مدينة اللاذقية، فلم يتجاوز تعاطفها أو إنجازاتها سوى الاستعراض السطحي والفارغ، وحتى الذين تكفلت بهم باتوا يكرهونها أكثر، إذ منعت الجمعيات بداية المطاف من مساعدتهم، إلا أن الفرق الطبية العاملة داخل المستشفيات نجحت في إيصال المعونات لهم رغماً عنها.

ينتظر السوريون المساعدات، كل السوريين، لا متضرري الزلزال وحسب، إذ لا يتجاوز راتب أفضل موظف سوري الـ16 دولاراً، فيما قلب أسماء الأسد لم يظهر إلا في الصورة مبتسمة متعاطفة.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!