fbpx

لبنان: لصوص التوقيت الصيفي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تكن التفاهة التي تنكبها نبيه بري ونجيب ميقاتي انغماساً في التخلف والرجعية بمفهوميهما الرائجين. الرجلان متمدنان وإن بمدنية مبتذلة كان باسيل لأكثر من عقد شريكهما فيها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كلما تنابذ السياسيون اللبنانيون بفسادهم، أتخيل المتَهم يقول للمتهِم: “يا عزيزي كلنا لصوص”.

 قصة الروائي المصري إحسان عبد القدوس، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي عام 1989، هي الوصف الأكثر دقة في التعبير عن حال السياسيين الفاسدين في لبنان.

   والمرء حين يستغرق في اسم الفيلم، يشعر على الأرجح بنوع من الالتباس اللغوي. هناك سمة أخلاقية (يا عزيزي) تسبق المذمة، أي اللصوصية. وهذا التباس لا يتبدد بخصومات متهافتة تصدر غالباً عن لصوص أعزاء في تكافلهم وتضامنهم، كالسياسيين اللبنانيين. ما يبدده هو شخص مجرد من تبعية هؤلاء، وبعبارة صريحة تقوم على أنقاض لغة متهافتة كالتي ساقها عبد القدوس. “يا لصوص كلكم لصوص” هي ما يليق بهؤلاء.

   واللصوصية بالمفهوم اللبناني مشاع أوسع مما يقتضيه المعنى، فالمال العام ليس وحده من تغرف منه تلك اللصوصية. الأخيرة في حالتها اللبنانية تتبدى سطواً على عقول أتباعها، كما في التفاهة الراهنة عن التوقيتين الشتوي والصيفي.

   في مشهد مبتذل، وكمؤشر عن إدارة السلطة، شاهدنا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يتعمدان تفاهة مقصودة، بالصوت والصورة، عن كيفية إخضاع العقل للسطو. 

  ففي سياق بؤس عميم ولدته سنواتهما في السلطة، أحالنا مشهد “عين التينة” إلى رئيسين ضنينين بنا على ساعة جوع. والمشهد على ما وشى سياقه لم يكن ارتجالياً. كان في أحسن الأحوال استثماراً بعقل غرائزي وبطائفية مستشرية في كل مكان.

   الاستثمار الثاني كان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أكثر من التقط لحظته. 

كلما تنابذ السياسيون اللبنانيون بفسادهم، أتخيل المتَهم يقول للمتهِم: “يا عزيزي كلنا لصوص”.

  كانت اللحظة التي أفضت إلى مشهد “عين التينة” دينية، وفي بلد يقف على شفير الطائفية. وباسيل في لحظة التقاطها أخضعها للمعيار ذاته، وأسعفته أصوات مرجعيات مسيحية مستنكرة. لكن الكثافة الطائفية المسالة والملموسة في الفعل ورد الفعل، لم تردع لصوص العقول من إشهار صكوك براءتهم منها.

   بين المتخلفين والرجعيين وبين المتطورين والمتمدنين، اختار جبران باسيل الأخيرَين، وإن افترضنا أن باسيل قصد في كلامه رئيسي البرلمان والحكومة مجردين من الطائفة، إلا أن مقاربته الملتبسة أفضت إلى تكثيف البعد الطائفي كما لو أن المتخلفين والرجعيين هم المسلمون.

   لا بأس بإدراج كلام باسيل في حسن النية. لكن إدراجاً كهذا يفضي إلى نقاش مع الرجل في مكان آخر.

   لم تكن التفاهة التي تنكبها نبيه بري ونجيب ميقاتي انغماساً في التخلف والرجعية بمفهوميهما الرائجين. الرجلان متمدنان وإن بمدنية مبتذلة كان باسيل لأكثر من عقد شريكهما فيها. 

 وبحسن النية بكلامه، كان يفترض بالمرء أن يطل على باسيل كما لو أنه يقيم جداراً بين بؤس الشرق ورفاهية الغرب كمعيارين حقيقيين. لكن باسيل لم يلبث أن بدد تلك الرؤية وهو يدرج سوريا والعراق وإيران في خطابه، كما لو أن مباشرة التوقيت الصيفي هي الحد الفاصل بين التخلف والتطور، أو بين الرجعية والتمدن.

    إنه جبران باسيل. يلتقط تفاهة رئاستين، ويبني عليها قصوراً من رمال. وعلى توقيتين اثنين لا يزال يستجدي طموحاً سياسياً عابراً للجهات. يُطل على الغرب كمثال للتطور والتمدن، ثم لا يلبث أن يشيح عنه نحو المحور الذي لا يريد الخروج منه، والذي بالمناسبة تسود فيه جمهورية تعيش الراهن بعقلية القرن الهجري الثاني. إنه جبران باسيل الذي جعل من تفاهة ساعة تنكبها نبيه بري ونجيب ميقاتي حدثاً وفرصة قابلة للاستغلال والاستثمار.

كان هذا كله مجرد مشهد أداه أبطال رواية إحسان عبد القدوس، بنسختها اللبنانية شديدة الهراء.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!