fbpx

“الله موجود وقادر”… السيسي يرتجل خطابه في “يوم الشهيد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كلام السيسي “الملغوم” أحياناً يستدعي بالضرورة العودة إلى الوراء قليلاً، والاستعانة بما ذكره مسؤولون مصريون سابقون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يستعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لعام انتخابي بذخيرة بدأ التفكك والتآكل يستنزفانها، ولأنه يصعب استبدالها كلها في ظل أزمة اقتصادية حادة، وانتهاء صلاحية دعوى “مكافحة الإرهاب”، فهو مجبر على استخدام أجزاء منها مع التركيز على تحسينها بعناصر كانت مضمرة وبات إظهارها مطلوباً، إنما بوتيرة أبطأ وبزخم حذر.

سردية السيسي دائرية، بثلاثة عناصر أساسية: مطاردة 25 يناير 2011؛ فمصر يومها “عرت كتفها وكشفت ظهرها“، وهجاء حكامها السابقين، بصورة ضمنية؛ لأن البلد “شبه دولة“، ولأنها “فقيرة جداً”، والاستبداد بالكلام “اسمعوا كلامي أنا بس“. هذه السردية ظهر تفككها بصورة واضحة في كلمات السيسي في يوم الشهيد (9 آذار/ مارس الحالي). 

وكعهده، لم يقارب، مطلقاً، أي إشارة إلى المناسبة التي يخطب بها، وهي مقتل الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، على الضفة الغربية لقناة السويس عام 1969، جراء قصف مدفعي إسرائيلي، أثناء متابعته الميدانية للافتتاحية الأولى لحرب الاستنزاف مع العدو الإسرائيلي الذي كان يحتل سيناء.

في البداية، أظهر السيسي حيرته بين قراءة الكلمة المكتوبة وبين التعبير عن مشاعره وأحاسيسه بـ”عفوية”، فاختار الثانية ولم يقرأ كلمة واحدة مما أُعد مسبقاً. فماذا تخبرنا مشاعره وأحاسيسه؟

أولاً: يناقض السيسي نفسه بنفسه. فهو على مدار 10 سنوات يقول إن المصريين الذين ثاروا على نظام  حسني مبارك عام 2011 كانوا سبباً في تعاظم خطورة العنف “الجهادي” المسلح في سيناء، وفي مضي إثيوبيا في بناء سد النهضة، وتفاقم أزمة مصر الاقتصادية، لكنه في “يوم الشهيد” صوب نحو كل دعواه السابقة فأصابها في مقتل؛ فذكر أن  الوضع الأمني في سيناء كان “خطراً” منذ عام 2002 على الأقل، وأن الدولة كانت عاجزة عن مواجهة هذا الخطر حتى عام 2011.

وهذا ويا للغرابة يعني أنه لولا ثورة المصريين لما وجد الجيش سبيلاً لمحاولة التملص من قيود معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية.

ثانياً: أنه إذ أصبح رئيساً لـ”شبه دولة” (حزيران/ يونيو 2014) فإنه قادها نحو تفكيك هذا “الشبه” بصورة بالغة الفداحة، مقتفياً أسوأ سياسات سابقيه، متجنباً النظر إلى لمحات من إجابياتهم؛ إذا وجدت.

ثالثاً: أن كلام السيسي “الملغوم” أحياناً يستدعي بالضرورة العودة إلى الوراء قليلاً، والاستعانة بما ذكره مسئولون مصريون سابقون عن المعاهدة؛ مع التركيز على المواد المتعلقة بترتيبات الأمن في سيناء، وتقيمهم لسياسات جمال عبد الناصر والسادات، التي تنطبق بصورة مدهشة على سياسات السيسي الأكثر كارثية، بحكم فارق الزمن وظروف العصر والتطور، على الأقل.

يستعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لعام انتخابي بذخيرة بدأ التفكك والتآكل يستنزفانها، ولأنه يصعب استبدالها كلها في ظل أزمة اقتصادية حادة، وانتهاء صلاحية دعوى “مكافحة الإرهاب”.

السيسي، الفلوس، الإنجاز

إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، الذي استقال قبل أيام من زيارة السادات إلى القدس (19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977)، رفضا لها، قدم في كتابه “التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط” نقداً لسياسات عبد الناصر، منها ما هو متصل بالسيسي بروابط وثيقة، فذكر أن “عبد الناصر كان يخشى تماماً وجود جيش قوي، حيث كان يتوقع أنه قد لا يستطيع السيطرة عليه. ونتيجة لهذا شجع وجود منافسات داخلية، وأنشأ عدة مراكز للقوى داخل القوات المسلحة، وربما ساعد هذا عبد الناصر على البقاء في السلطة…وكانت النتيجة بحلول عام 1967 أن أصبح الجيش المصري مؤسسة سياسية، بدلاً من أن يكون آلة حرب محترفة”.

يكره السيسي السياسة والمشتغلين بها، ويحب “الفلوس”، لذلك نراه قبل وبعد “يوم الشهيد” بأيام، يتابع “أنشطة” اقتصادية، نعرف منها أن الجيش المصري مؤسسة اقتصادية، وأن شركاءه الرئيسيين المدنيين غالبيتهم العظمى من أقارب وأنسباء وأصدقاء المسؤولين التنفيذيين، عسكريين ومدنيين. هذا ما يظهر من التفاصيل القليلة لاجتماعين للسيسي بحثا تطوير الموانئ البحرية ومدينة دمياط للأثاث.

أما عن السادات فيذكر، فهمي، انطباعاته عن أول لقاء له به (نيسان/ أبريل 1973): “لقد كان في الواقع لا يثق فيمن حوله بل لا يعطيهم حق قدرهم. وبدا أيضا أنه ليست لديه أية أفكار واضحة عن السياسات طويلة المدى، بل كان يميل إلى أن يحيا يوما بيوم أو لحظة إلى لحظة، حيث يتعامل مع المشاكل كل على حدة بمجرد ظهور كل منها.. وأصابني بعض القلق لما قد يحدث لمصر إذا استمر السادات على هذا المنهج”.

تحدث السيسي مرات عن “الثقة”، لكنه تحدث طويلاً عن “الإنجاز”، مبرراً لتحويل الجيش إلى مؤسسة اقتصادية، بروابط عائلية وثيقة مع امتدادها “المدني”. وبقدر ما يمكن أن تصلح “أحكام وانطباعات” الوزيرين عن ناصر والسادات كمؤشر إلى التجربة الشخصية والظروف السياسية التي خبراها فإنها تمثل توطئة مناسبة لفهم المصدر الذي ينهل منه السيسي حين يخاطب مرؤوسيه، ومن ورائهم “شعبه”: انتو مش فاهمين حاجة، أنا بس، أو حين يكرر التأكيد أنه لا يسمع لمستشاريه دائماً، أو حين يمنع الحديث عن تيران وصنافير.

محمد عبد الغني الجمسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية، الذي كان المفاوض العسكري الرئيسي في اتفاقيتي فض الاشتباك الأول (1974)، والثاني (1975)، وهما المقدمة المنطقية لما وصلت إليه الإدارة السياسية المتهاونة التي أساءت استخدام النصر العسكري المتأرجح في 6 أكتوبر 1973، يقدم في كتابه (حرب 6 أكتوبر) نقداً قاسياً للترتيبات الأمنية الخاصة في سيناء في المعاهدة، وهو نقد وجهه مباشرة إلى الوفد العسكري الإسرائيلي، برئاسة عزرا ويزمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، في مباحثات اللجنة العسكرية المصرية- الإسرائيلية في جناكليس (غرب الإسكندرية) في كانون الأول/ ديسمبر 1977. “نوايا إسرائيل (كانت) تهدف (إلى) ترك الجزء الأكبر من سيناء دون قوات عسكرية.. وحرمان قواتنا الجوية من استخدام مطارات سيناء”.

النقطة الرئيسية في مباحثات جناكليس كانت كما عنون الجمسي ما كتبه “تمركز القوات المصرية في سيناء” في حال التوصل إلى معاهدة سلام، وفي سياق حديث الجمسي تبرز تفصيلة دالة، ستضم إلى تفصيلة أخرى سترد لاحقا، فيذكر الجمسي الأتي: “قلت: إن توزيع وتمركز قواتنا في مرحلة السلام سيختلفان، بحيث ستكون لنا قوات في العريش كما سيكون لنا طيران يعمل من مطارات سيناء. وهنا كانت المفاجأة. قال ويزمان: (عليَّ أن أذكرك أن السادات وعد بيغن بعدم نقل قوات من الجيش المصري إلى شرق ممري متلا والجدي). كانت دهشتي كبيرة وصدمتي أكبر عندما سمعت من ويزمان عن هذا الوعد الذي لم يخطرني به مسبقاً الرئيس الراحل قبل بدء المفاوضات. لم يكن في استطاعتي إنكار الوعد الذي قيل إن السادات أعطاه لهم في القدس، كما لم يكن من المستساغ أن أبين أني لست على علم بوعد قطعه رئيس الدولة- باسم مصر- عن هذا الموضوع العسكري الهام”.

التفصيلة الآخرى يوردها، محمد إبراهيم كامل (وزير الخارجية التالي لإسماعيل فهمي)، والذي قدم استقالته هو الآخر قبل يوم واحد من توقيع اتفاقية كامب ديفيد في واشنطن (17 أيلول/ سبتمبر 1978). في كتابه “السلام الضائع في كامب ديفيد” يذكر كامل، أنه سأل السادات: “ما هو الاتفاق الذي سنوقع عليه؟”، فأجابه: “سأوقع على أي شيء يقترحه الرئيس الأمريكي كارتر دون أن أقرأه”.

قبل ذكر تعقيب، كامل، من المفيد استحضار أجواء موضوع تيران وصنافير، وتذكر اتفاقية إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة (الخرطوم، 2015)، والتركيز على فقرة “والله والله لن نقوم بأي ضرر“. 

بعدها يأتي تعقيب، كامل، على ما ذكره السادات، الذي يمكن اعتباره المنبع الذي يغرف منه السيسي كلماته ومواقفه: “لم أعد أفهم شيئا مما يدور في عقله أو من تصرفاته وتقلباته غير المتوقعة، وقلت لنفسي بأن مثل هذا الشخص لو كان رب عائلة صغيرة لسارعت بالحجر عليه فما البال وهو رئيس مصر يتحكم في مصائر أربعين مليونا من البشر..هل هو بهذه البلاهة أم هل أصابه الجنون، ولماذا يتحول إلى عبد ذليل في حضرة كارتر يتلقى تعليماته كأنه موظف عنده، ولماذا..؟..المشكلة ليست في الموقف الإسرائيلي المتشدد ولا في الخنوع الأمريكي لإسرائيل، وإنما المشكلة الحقيقية في الرئيس السادات نفسه،..، وقد حرت تماما في تفسير مراميه وسلوكه وتصرفاته غير المفهومة وانتهى تفكيري إلى أنه إما يكون في حالة انهيار تام سلبه إرادته، أو أن تكون التكنولوجيا الأمريكية قد نجحت في السيطرة عليه وتوجيهه مغناطيسيا، وإما أن يكون قد أصيب بالجنون والعمى معا أو- وهو الاحتمال الأكثر إيلاما- أن يكون قد قبل أن يلعب دور كويسلنج في منطقة الشرق الأوسط واختار- ويعلم الله منذ متى- أن يكون عامل الولايات المتحدة في الانحراف بمصر نحو الانضمام إلى حلف استراتيجي أمريكي إسرائيلي مصري.. أنا لا أستطيع أن أفهم هذا الرجل، هل هو ساذج أحمق أم هو خائن لنفسه قبل أن يخون قضيته؟”.

وكويسلنج: ضابط وسياسي نرويجي ترأس اسميا حكومة النرويج بعد أن احتلت ألمانيا النازية بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، وتعاون مع المحتل.

طالب، كامل، السادات بعدم التوقيع على الاتفاقية، فكان رده: “إنك تتكلم لأنك لا تعرف شيئا عن أحوال مصر الداخلية، لقد ترك لي عبد الناصر تركة مثقلة بالهموم والمشاكل، وأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء وكل مرافق البلد منهارة ولن تستطيع مصر أن تخرج من أحوالها المتردية إلا إذا حصلت على السلام وكرست كل مواردها للتنمية وعندئذ ستكون مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم”.

التركة المثقلة وصلت إلى السيسي، بعدما حل “السلام”، لكن الأمور وصلت إلى “الكارثة” التي يلخصها السيسي.

مشاعر الرئيس

يمكن، الآن، وضع مشاعر وأحاسيس السيسي في يوم الشهيد في سياق متكامل. 

وقع السادات المعاهدة في واشنطن في 26 آذار/ مارس 1979، وفي المذكرة التفسيرية التي قدمها بطرس بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ذكر أنه “وردت ترتيبات الأمن في المادة الرابعة من المعاهدة، والسمات الرئيسية لهذه الترتيبات أنها من ناحية تستهدف توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين على أساس التبادل المتفق عليه، ومن ناحية أخرى فإنها ذات طابع مؤقت؛ إذ تفترض منذ التوقيع على المعاهدة أنها سيعاد النظر فيها بناء على طلب أحد الطرفين بغية الاتفاق على تعديلها الذي سيحتمه تطور العلاقات بينهما بعد إنهاء حالة الحرب وزوال عوامل عدم الثقة وعدم الشعور بالأمن التي نجمت عن الحروب العديدة بينهما”.

وفي بيان مصطفى خليل، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، عن معاهدة السلام؛ الذي ألقاه أمام مجلس الشعب جلسة 5 نيسان 1979، أكد “أن ترتيبات الأمن في سيناء هي ترتيبات مؤقتة”.

إسماعيل فهمي يكرر أن المعاهدة “غير متوازنة فهي تعطي كل المزايا لإسرائيل بينما تدفع مصر الثمن كله… والاتفاق الذي تفاوض عليه السادات يضر بالأمن القومي لمصر… إن كل النصوص التي تتعلق بخلق مناطق منزوعة السلاح وتخفيض عدد القوات في المنطقة الواقعة بين البلدين اقتصر تنفيذها على أرض مصر فحسب تقريباً… وليس هناك من شك في أن المعاهدة تضر سيادة مصر على سيناء ولذا فإن المنطقة فقدت قيمتها الاستراتيجية الحيوية بالنسبة لمصر..ونقل خط دفاعنا الأول في الواقع من حدودنا الدولية إلى قناة السويس”.

ترتيبات الأمن الواردة في الملاحق قسمت سيناء إلى 3 مناطق: 

المنطقة (أ): في سيناء بين قناة السويس وخليج السويس إلى الخط (أ) الذي يمتد من شرق قاطين إلى شرم الشيخ. وهو خط الدفاع الأساسي الاستراتيجي عن مصر من ناحية الشرق. وهذه المنطقة التي يبلغ عرضها حوالي 58 كيلومترا تقريبا تتمركز بها عناصر القوات المسلحة المصرية بقوة لا تزيد على 22 ألف جندي و262 مدفع ميدان ومدفعاً مضاداً للطائرات و480 مركبة قتال مدرعة.

المنطقة (ب): تنحصر ما بين الخط (أ) والخط (ب) الذي يمتد من الشيخ زويد شرق العريش تقريبا إلى أبوعويقيلة، جبل الحلال، طلعة البدن، التميد… هذه المنطقة التي يبلغ عرضها في بعض المناطق 100 كيلومتر تتمركز فيها 4 كتائب من قوات حرس الحدود المصرية بكامل أسلحتها ومعداتهم في حدود أربعة آلاف فرد.

المنطقة (ج): تنحصر المنطقة (ج) ما بين الخط (ب) والحدود المصرية الإسرائيلية (من رفح إلى طابا) والشاطئ الغربي لخليج العقبة حتى شرم الشيخ.

وهذه المنطقة تتمركز بها قوات الشرطة المصرية بكامل تسليحها.

المنطقة (د): وهذه المنطقة داخل الحدود الإسرائيلية وتنحصر ما بين خط الحدود المصرية الإسرائيلية والخط (د) الذي يمتد من شرق رفح إلى إيلات بعرض حوالي 2.3 كيلومتر، وتتمركز فيها قوة إسرائيلية لا تزيد على 4 كتائب مشاة (4 آلاف جندي) بلا دبابات ولا مدفعية ولا صواريخ، عدا الصواريخ الفردية أرض/ جو.

قبل أن يدخل السيسي الدائرة الأمنية النافذة، تم تعديل على الملحق المتعلق بالمنطقة (ج)، طلبت إسرائيل إدخاله، كي تتمكن قوات الشرطة المصرية من ضبط ومراقبة حدود مصر مع قطاع غزة، وذلك قبل انسحابها التلقائي من القطاع، في ما عرف بخطة فك الارتباط (أيلول 2005)، وهو تعديل كان بمثابة استبدال للمهام الأمنية بين إسرائيل ومصر تجاه غزة، فقبلها كانت القوات الإسرائيلية تمسك بالأمن في الحدود.

يمكن الربط بين أمرين: الأول، ما ذكره الجمسي تلخيصا لما قاله للوفد الإسرائيلي في جانكليس: “عارضت بوضوح تقليص حجم قواتنا في منطقة القناة في مرحلة السلام كما عارضت بشدة منع قواتنا من حرية العمل شرق خط المضايق؟ وأبرزت المعنى الحقيقي لذلك أنه “نزع سلاح الجزء الأكبر من سيناء” وهو ما لا يمكن قبوله، كما أن السيادة المصرية على كل أراضينا لا يمكن المساس بها. وقلت إن مجلس الشعب لن يقبل ذلك مهما كان التوضيح الذي يقدم له من رئيس الدولة”.

الثاني، “رجاء” السيسي بألا يتكلم أحد عن موضوع تيران وصنافير “لأنه هناك برلمان سوف يناقش الموضوع..”.

في المرتين تم “تقنين” قرارات السلطة التنفيذية من خلال أعضاء السلطة التشريعية، ومن خلال القضاء “الدستوري” أيضاً في حال تيران وصنافير، وهما السلطتان اللتان صُنعتا على عين السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية، ووفقاً لقوتها وطغيانها، وهو ما يجعل السؤال الأهم في مصر والمتعلق بسيادتها وأمنها مرتبطا بطبيعة النظام السياسي، ومدى تعبيره، فعلا، من مصالح ومواقف الأغلبية الحقيقية، ومدى توفر الحرية الكافية، والمعلومات التي تمكنها من تكوين وعيها وممارسة إرادتها الحرة.

يخبرنا، كمال حسن علي، أنه شارك، بصفته وزيراً للدفاع، في “محادثات بلير هاوس”، في واشنطن (تشرين الأول/ أكتوبر، 1978)، وكان تقييمه أنه “للأسف لم تكن إسرائيل هي مصدر التهديد لمصر. ورغم أنها كانت العدو التقليدي للعرب على مدى ثلاثين عامًا، فقد كان هناك الكثير من الأحقاد التي تحيط بمصر منها الواعي ومنها المتهور كالوضع الذي كان على حدودنا الغربية…(قاصدا المناوشات المسلحة المحدودة بين ليبيا ومصر، وقتها)، ويخبرنا السيسي أنه بعد ثلاثة عقود من السلام أضحت إسرائيل أقرب إلى الحليف، أو على الأقل الشريك، أو بدرجة أخف صديق متفهم.

نزع السيسي الجرس من رقبة 25 يناير وعلقه برقبة مبارك: “خلال 7 سنين (2002- 2009) تشكلت بنية أساسية ضخمة فى شمال سيناء عبارة عن مخازن أسلحة وذخيرة ومفرقعات وأيضا بنية بشرية كبيرة للسيطرة.. قبل عام 2011 ما حصلش تدخل من الجيش والشرطة للتعامل مع الوضع هناك.. طبعا كان فيه ظروف واتفاقيات..الموضوع أن القوات اللى موجودة شرطية محدودة.. وقوات الجيش على خط “أ” بس.. وفضل الموضوع كده”، لكن يبدو أن نظام مبارك عز عليه، فهو جزء منه؛ وإن يكن صغيرا فيه وقتها، فأعاد الجرس سريعا “ظهرت المؤامرة بأبعادها الكاملة في 2011.. والناس مشغولة في الميدان.. كان يتم تخريب تواجد الدولة المصرية هناك والقضاء عليه”.

السيسي ذكر أن اجتماعات 2009 كانت تضمه إلى رئيسه، مراد موافي، مدير المخابرات (الحربية)، واللواء حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، الذي سأله، المذيع عمرو أديب، في اتصال هاتفي المزيد من التوضيح حول كلام السيسي، فأوضح عبد الرحمن أن الثلاثي “الأمني” كان رباعياً، فقد كانت المخابرات العامة حاضرة في الاجتماعات وقتها، ومن غير المفهوم لماذا نسيهم السيسي؟ وحرص عبد الرحمن على ذكرهم، وأكد أن الأسلحة جاءت من غزة عبر حماس (وذكر أنها الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين)، موضحا “أن القوات الشرطية الموجودة حينها لم تكن قادرة على مواجهة الموقف”، مذكراً “بأن تواجد القوات المسلحة في المنطقة (ج) بسيناء كان شبه معدوم”.

بثقة تامة أكد، عبد الرحمن، لمشاهدي عمرو أديب أن “ما حدث في 2011 لم يكن من قبيل الصدفة أو العشوائية، وإنما وفق مخطط معد سلفاً يُنفذ في المنطقة بعد غزو العراق… مخطط الشرق الأوسط الجديد ضخم جداً، وكانوا يعملون عليه جاهدين، بالاستعانة بالذراع التنفيذية، حركة (حماس) التي تمثل الجناح العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين… المخطط حينها كان يستهدف إنشاء دولة فلسطين داخل سيناء، عبر استبدال جزء من الأرض بصحراء في النقب؛ لإنهاء التواجد الفلسطيني في إسرائيل”.

إذاً بحسب زميل السيسي الأمني، فإن “المؤامرة” التي تحدث عنها السيسي شاركت فيها أميركا (لم يطرح فكرة الشرق الأوسط الكبير إلا المسؤولين في إدارة جورج بوش الابن)، وإسرائيل وحماس، وتعاون معهم من شارك في الثورة على نظام مبارك من المصريين.

هل يمكن تلخيص الصياغة الجديدة لسردية السيسي كما يفهم من مشاعره وأحاسيسه التي بثها في يوم الشهيد، وضمها إلى تلك التي عبر عنها قبلها بأيام في المنيا وفي دبي؟

هذه محاولة: في المنيا كشف لنا السيسي أن “الله موجود وقادر“، وإذا كان من غير المستحب التساؤل عن سبب تفضيل “الله” لمصر عن غيرها من بلاد الله وعباده، فإنه يمكن تصور أن الله جند أفئدة حكام الإمارات، والسعودية، والكويت، وإسرائيل للوقوف مع مصر وشعبها، أما عن الإمارات فأفاض السيسي في دبي: فـ “لولا وقوف الأشقاء في الإمارات والسعودية والكويت ماكانتش مصر وقفت تاني“، أما عن إسرائيل فإن السيسي ذكر في يوم الشهيد أنه للتاريخ يسجل إن الإسرائيليين كانوا “متفهمن..قالوا بس أدونا خبر بالقوات قد إيه.. ونسقوا معانا.. واستمرينا من الوقت ده لغاية دلوقتي.. يمكن حجم القوات اللى كان موجود خلال الـ 8-9 سنوات دول زادت علشان نتعامل مع التحديات اللى موجودة هناك”، ولم يجد حاجة لتفصيل أكثر من هذا.

وهذه محاولة، ثانية: في اليوم التالي لاحتفال “الشهيد” أدى السيسي صلاة الجمعة في مسجد المشير طنطاوي، وعقب أداء الصلاة اجتمع بقادة القوات المسلحة، وقال: “أننا عازمون بكل الصدق والإخلاص على استكمال مسيرة العطاء والتضحية من أجل الحفاظ على مجد الوطن وعزته وكرامته”.

تمكن قراءة “العزم على استكمال المسيرة” باعتباره، “مفاتحة” للترشح للرئاسة، وهذه القراءة لا يوجد ما يبررها إلا توافق التوقيت، فالمشير السيسي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية للمرة في 26 آذار 2014، وهو تبرير يمكن أن يدعمه مشهد “مدني” شارك فيه عشرات الآلاف من المصريين، يوازن المشهد “العسكري” المحدود العدد، ففي احتفالية “كتف بكتف” التي أعلن فيها عن توزيع 6 ملايين كرتونة لـ20 مليون مصري قبل شهر رمضان، قال السيسي: “شعب مصر العظيم منذ تسع سنوات واستجابة لندائكم شرفت بتحمل مسؤولية هذا الوطن. شعب مصر الكريم، الأخوة والأخوات، مجدداً عهدي معكم، وصادقاً في وعدي لكم بأن نمضي قدماً نحو المزيد من العمل والبناء”.

فإذا صحت قراءة “العزم على الاستكمال”، و”تجديد العهد والوعد” بعد ذكر “النداء”، فإن السيسي أظهر، أو ألمح إلى نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (بعد نحو 10 أشهر)، وبذلك يكون تكرار مقولة “الله موجود وقادر”، بمثابة شعار للحملة المرتقبة، المحمولة على 6 ملايين كرتونة.

كريم شفيق - صحفي مصري | 29.03.2024

محمد جواد ظريف… حبال السلطة الصوتية في إيران بين المنع والتسريب!

ظريف، وبحسب التسريب الأخير، قام بعدّة أدوار وظيفية، ربما جعلته يتفادى هجوم الأصوليين، وجاهزيتهم للعنف والاتهامات سواء كانت بـ"الخيانة" أو "العمالة" أو "الجهل".