fbpx

الموصل 2003 – 2023:
حروب كنت فيها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السقوط في حينها تقدم في أولوياتي على كل شيء، لأختبر بعده، أن البعث لم يكن ذلك التمثال الذي هوى بضربة واحدة من جندي أميركي، وأن الغزاة اصطحبوا معهم بعثهم، وأحلوا صدامات كثراً محل صدام حسين. بعد ذلك، عاينت سقوط تماثيل حافظ الأسد في إدلب السورية، وكان الدرس العراقي حاضراً. لم أسمح لهذا المشهد بأن يأخذني إلى أبعد منه. وبالفعل، حلت تماثيل “جبهة النصرة” ومجسماتها محل تماثيل الديكتاتور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أراني بعد عقدين على سقوط دولة البعث في العراق وقد راكمت من الخيبات ما يفوق تلك التي راكمتها في سنوات البعث. أنا نصف العراقي الذي أخذته الحماسة في حينها لإسقاط الديكتاتور.   

حين هوى التمثال في بغداد كنت على مشارف الموصل، هناك حيث كنا بمعية “الحزب الديموقراطي الكردستاني”، وفرق من الجيش الأميركي. هوى التمثال في بغداد وانهار نظام البعث في كل العراق!

مر عقدان على هذا الانهيار الكبير، عقدان لم يفضيا إلا إلى مزيد من الموت. ماذا عساني أقول لنفسي، أو لذلك الصحافي الذي كنته في 3 نيسان/ أبريل 2003؟ ذاك أن السقوط في حينها تقدم في أولوياتي على كل شيء، لأختبر بعده، أن البعث لم يكن ذلك التمثال الذي هوى بضربة واحدة من جندي أميركي، وأن الغزاة اصطحبوا معهم بعثهم، وأحلوا صدامات كثراً محل صدام حسين. بعد ذلك، عاينت سقوط تماثيل حافظ الأسد في إدلب السورية، وكان الدرس العراقي حاضراً. لم أسمح لهذا المشهد بأن يأخذني إلى أبعد منه. وبالفعل، حلت تماثيل “جبهة النصرة” ومجسماتها محل تماثيل الديكتاتور.

وثمة حادثة أؤرخ فيها لخيبتي على هذا الصعيد، اذ كان أن التقيت بالسياسي العراقي الراحل أحمد شلبي في أحد مطاعم بيروت، كان ذلك في أواخر العام 2011 وكانت الاحتجاجات في سوريا في بدايتها، وانحازت في حينها القوى العراقية الشيعية إلى النظام السوري. بادرت الشلبي بسؤال مستفز عن حق العراقيين بـ”استدعاء الأميركيين” لإسقاط الديكتاتور البعثي، ونكران حق السوريين بإسقاط ديكتاتورهم بأيديهم! جوابه كان شديد الغرابة في حينها. كلمتان: القضية الفلسطينية!  

 كنت في الموصل في 3 نيسان 2003، أو على مشارفها بانتظار أن تسقط بيد الأميركيين. وبعد ساعات قليلة من سقوط بغداد، دخل الأميركيون المدينة، وكنا صحافيين كثراً، وهناك اختبرنا وعاينا معنى أن يسقط نظام يمسك بمدينة منذ نحو أربعة عقود، حتى صارت الموصل بعثية. 

لكن الموصل في العشرين سنة المنصرمة تصلح أكثر من بغداد، ربما، لتحقيب الغزو، مثلما كانت تصلح لتحقيب البعث. في السنوات العشرين التي أمضتها المدينة بعد سقوط النظام، تعاقب على حكمها أكثر من 5 أنماط من السلطات التي تنافس البعث في سوئه، مع فارق لمصلحة الأخير، وهو أنه تمكن خلال حكمه من تأسيس ركيزة اجتماعية مارس من خلالها سلطته وعنفه وغطرسته، أما سلطات ما بعد البعث في الموصل، فكانت احتلالية ولم تطمح لأن تحجز مكاناً لها في سوسيولوجيا المدينة. 

 هوى التمثال في بغداد وانهار نظام البعث في كل العراق!

بعد السقوط مباشرة تدفقت الأحزاب الكردية على الموصل، وأنشأت سلطة موازية لسلطة الاحتلال، زرت المدينة في معظم حقباتها، وعلى رغم ذلك، لم أتمكن من تثبيت ملامح لها في ذاكرتي، ذاك أنني في كل مرة كنت أدخلها من باب مختلف. لحظة السقوط، عام 2003 دخلتها من البوابة الكردية، وبعدها وصلت إليها آتياً من بغداد، ثم عاودت الدخول من إربيل، وعام 2016 دخلتها مع “الحشد الشعبي” أثناء قتاله “داعش” إلى جانب الجيش الأميركي! في الحرب على “داعش” بتُ ليلة في متحف المدينة، على خط التماس بين شاطئ دجلة الأيسر حيث كان الجيش العراقي، وشاطئه الأيمن حيث “داعش”، كانت من أغرب الليالي، فالنوم بين التماثيل المدمرة، وعلى وقع اشتباكات غير كثيفة النيران، وبين جنود غرباء عن المدينة، كل هذا جعلني أشعر أنني في زمن آخر. زمن الموصل.   

إنه “غزو” ذاك الذي حسبته تحريراً عام 2003. كان درساً قاسياً ومؤلماً ودموياً، ما لقننا إياه الاحتلال، لا بل الاحتلالات التي تعاقبت على الموصل. والمرء اذ يواصل زياراته إلى المدينة يعاين بنفسه ذلك الحمق الذي دفعه إلى الاعتقاد بأن سقوط التمثال هو انعطافة نحو التعافي من البعث العميق والعميم الذي يقيم في كل العراق والذي يفتك بأهله.

البعثُ بعثٌ، والحشد الشعبي بعثٌ، و”القاعدة” بعثٌ، و”داعش” إبنة البعث، والشيء الوحيد الذي ليس بعثاً، هو الحزب، ذاك أنه في لحظة تعميمه وتفشيه لم يكن أكثر من قناع للطاغية ولعائلته وعشيرته.

ما هذا الذي كان يخفيه صدام في الموصل؟ وأي وقائع هذه التي شهدتها المدينة بعد سقوطه؟ حكايات أقرب إلى الخيال حفلت بها المدينة في العقدين الفائتين. الحزب وقد تحول إلى جماعة نقشبندية، والعشائر وقد صارت “قاعدة”، والجيش بعد صار ضباطه قادة “داعش”. 

هذا الدوران ينسحب على المحتلين الجدد، ذاك أن انتقالاً لم يحدثه الغزو من حقبة إلى أخرى، فالملامح المراوغة للديكتاتور انتقلت إلى ورثته، ونوري المالكي حين قرر سحب الجيش من الموصل عام 2014 مفسحاً الطريق لعناصر “داعش” القادمين من ريف المدينة ومن تلعفر، فعل ذلك لأنه يدرك أنه لا يخون أحداً إذا ما فعل ذلك. والتنظيم الذي استثمر في الخيانة، كان قد أقدم على خيانة في قلب الخيانة، فهو انقلب على البعثيين النقشبنديين، بعدما استعان بهم في تدفقه على المدينة، وما أن وصل إليها حتى نصب المشانق وعلق عليها كل من يمت بصلة لعزت إبراهيم الدوري (نائب صدام).

ومن عجائب الغزو، أننا عرفنا أن الموصل تضم أحد أهم المتاحف في المشرق، عرفنا ذلك في لحظة نهب المتحف، وعرفنا عن مكتبتها التي تضم مخطوطات نادرة أثناء إحراقها. الغزو لم يكشف لنا عن كنوز الموصل، “داعش” فعلت ذلك عندما باشرت بنهب هذه الكنوز والإتجار بها وتدمير ما لا يمكن نقله. أما موقع النمرود الذي يضم تماثيل عملاقة، فقد شاهدناه للمرة الأولى في لحظة تحطيم التماثيل، وزرناه بعدما تحول إلى أثر بعد عين. 

الفاجعة الكبرى على صعيد فناء الكنوز الأثرية الذي أعقب الغزو، تمثلت بتدمير المدينة القديمة في أثناء ما أطلق عليه “الحرب على داعش”، التي كانت حرباً لفناء المدينة. خلال تلك الحرب كنت هناك أيضاً، وعاينت تكتيكات حصار مقاتلي “داعش” في الأحياء القديمة للمدينة. كانوا قناصين في مواجهة الطائرات. لم يُترك لهم خط انسحاب على نحو ما يقتضيه هذا النوع من الحروب، فيما إذا كانت النية هي النصر مع تفادي تدمير المدينة. الموصل لم تكن طرفاً في تلك الحرب. مقاتلو “داعش” من غير أهلها، والجيوش التي تحاصرهم براً جلها من أهل الجنوب، فيما السماء كانت للطائرات الأميركية. اقتضت هزيمة “داعش” سحق المدينة، وهكذا كان.

لا تقتصر نكبة الموصل على سقوطها الأول في يد الأميركيين و الأحزاب الكردية. أعقب هذا السقوط عودة البعثيين، ثم جيش نوري المالكي وبعده وخلاله “القاعدة” ثم “دولة الخلافة” لتنتهي المدينة اليوم في يد “الحشد الشعبي”، يعبث بأهلها، ويغير طابو الملكيات، فيما آلاف من أهلها ومن أهل ريفها موزعون في مخيمات اللاجئين وصولاً إلى مخيم الهول في سوريا الذي يضم بين ما يضم أكثر من 30 ألف طفل وامرأة عراقية، جزء كبير من بينهم من أهل الموصل ومن ريفها.

كل ما أتذكره من زياراتي إلى الموصل أنه علينا أن نعبر مسرعين في الكثير من مناطقها. أن نعبر مسرعين من الشاطئ الأيسر إلى الشاطئ الأيمن، ومن قلب المدينة إلى شارع المعلمين، ذاك أن انتحاريي “داعش” يخرجون من الجدران ليفجروا أنفسهم بالمارة، وكان علينا أن ننام مسرعين قبل أن يحل الصباح الذي سنغادر فيه إلى فندق آخر أكثر أماناً.

وحين حل “سلام” على المدينة في أعقاب دحر “داعش”، حل أيضاً احتلال جديد. هذا ما شعرت به في الزيارة الخاطفة الأخيرة للمدينة المهزومة.   

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.