fbpx

عن آيات “القوامة” و”اضربوهن”… شيخ الأزهر ومانفيستو إدارة العنف المقدّس تجاه النساء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تغييب حقوق المرأة في المجتمعات المسلمة والتي كرستها المدونة الفقهية التي تغلب عليها المنفعة الذكورية، لها أبعادها الاجتماعية والثقافية والفكرية داخل كل بنية اجتماعية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مثّلت آراء شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في إحدى حلقات برنامجه الرمضاني “الإمام الطيب”، حول المرأة، تماهي رجل الدين بما يملك من امتيازات، وسلطة، مادية معنوية، داخل مؤسسته التقليدية، مع التراث الديني الذي لا يقبل التثوير أو المساءلة والنقد.

فالقبضة الخشنة للمؤسسات والمرجعيات الدينية، بل والسياسية المتحالفة معها التي تقبض على حقوق المرأة، تكاد تكون الجدار الأخير الذي يحتمي به هؤلاء المعممون، تحديداً، للحفاظ على أوضاعهم الاجتماعية والطبقية، وكذا نفوذهم المعنوي، في ظل هشاشة مواقفهم التي تتراجع أمام قضايا أخرى لها الأولوية وأكثر إلحاحاً في ظل الاحتياج اليومي والراهن لها. 

الفتوى الدينية تتوحش وتبرز عضلاتها لهضم حقوق النساء، إلا أنّها تكون مرنة وبراغماتية في السياسة ومسائل الحكم، وكذا الحقوق المدنية والمواطنة، كما في عوالم المال والسلطة، والثروة والسلاح. فيما تخفت حدّتها في وجه العدوان على حقوق المضطهدين والمهمشين. هم أنفسهم رجال الدين، أو بالأحرى “جمهور العلماء”، الذين ساد بينهم الإجماع على أنّ سرقة المال العام لا تستدعي تنفيذ الحد بقطع اليد إنّما عقوبتها “تعزيرية” يقرها الحاكم. 

فلا توجد فتوى في المجتمعات السلطوية العربية ضد إهدار المال العام، ونهب موارد الدولة، أو سرقة أموال المودعين، مثلاً، كما في حال الوضع الاقتصادي بلبنان. ولن تجد مؤسسة دينية تتحرك تجاه الأوليغارشية التي تستحوذ على الحكم لتراكم ثروات هائلة. حتى الفتاوى التي لها مزاج سياسي تقوم لأغراض أيديولوجية موقتة.

الفتوى الدينية تتوحش وتبرز عضلاتها لهضم حقوق النساء، إلا أنّها تكون مرنة وبراغماتية في السياسة ومسائل الحكم.

إذاً، لم يكن مباغتاً ما ذكره شيخ الأزهر عن “القوامة” بين الرجال والنساء، ثم تأويله الديني للآية القرآنية: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. وقال إنّ أول ما يتبادر للذهن أنّ الآية تعني “تقرير مبدأ قوامة الرجال على النساء بعامة، وبما يعني ضمناً قوامة الزوج على الأسرة: زوجة وأولاداً”.

لكن المقصود بـ”القوامة”، وفق تفسير الطيب للآية، هي “القوامة المحدودة بنطاق إدارة أمور الأسرة، وما تحتاجه من رعاية وحماية، بمعنى أنّها قوامة إدارة وتسيير أعمال”. ولا تعني “قوامة” تامة ونهائية على الزوجة من دون حدود، أو “قوامة رئاسة وسيطرة، بل قوامة شورى وشراكة وتوزيع أدوار وتبادل حقوق وواجبات”. لافتاً إلى أنّ أفضلية “القوامة” ليست أفضلية “تشريف”، لكنّها “أفضلية اختيار للأنسب، والأكثر احتمالاً لمشاق الأسرة، وصبراً على تكاليفها”.

تأبيد صورة أنثى بلا فاعلية

خطاب شيخ الأزهر يبدو، هنا، مرناً أو بالأحرى مطاطياً ودائرياً، لكنه يقع على تناقضات ومغالطات جمّة. فبرغم أنّه يسعى، ظاهرياً، إلى تأطير المرأة في حدود ونطاقات لا تبدو فيها مهمشة ومستبعدة ومنبوذة أو أقل درجة من الرجل، إلا أنّ الخفي في حديث الإمام الطيب، والذي يصبح بعد فترة وجيزة رؤية صارمة وعلانية، هو تأبيد التصور الذي يجعل الأنثى من دون فاعلية كما في مجتمع الصحراء في شبه الجزيرة العربية لحظة الدعوة المحمدية ونزول الوحي. 

هي ذاتها اللحظة التي انعكست في التصور القرآني وخطابه الديني عن المرأة، ثم تسيدت آراء النخبة الدينية على امتداد التاريخ. هذا الوضع للأنثى جعل حداً مثل الردة لا ينطبق عليها. إذ إنّ المراة ليست جزءاً من الجماعة، وخروجها، أو تمردها، على الأخيرة لا يشكل خطراً أو تهديداً.

لم يتعافَ رجل الدين من الثنائيات التي فرضت مسارها وحكمت ذهنية المجتمع الصحراوي (بالولاء والبراء) على مدار قرون. وتشظى العالم، في هذه البيئة القبلية بأعرافها وأنماطها وطبيعتها الجغرافية الصعبة، إلى ذكر وأنثى، وحرائر/ وإماء، غزو/ سبي. فيما ظلت مركزية الرجل القضيبية تحتل في القبيلة مساحات النفوذ والهيمنة، بينما الأنثى هي مجرد “فضاء بارد قابل للتلقي” كما أنّها “وعاء فارغ يجلب المتعة الجنسية”، على حد توصيف الباحثة اللبنانية ريتا فرج في كتابها: “امرأة الفقهاء وامرأة الحداثة… خطاب اللامساواة في المدونة الفقهية”.

بقي الرجل، الذي يحتكر السلطة كما يستحوذ على الحقيقة والمعرفة، يقمع أيّ فضاء يمكن أن تتحقق فيه المرأة. حتى جسدها الأنثوي تم خفض مستويات نشاطه وإمكانياته عبر تغطيته وأدلجته وتعبئته في حيز قابل للاسترداد والخضوع وتفريغ أي طاقة زائدة منه. 

ومثلما خضعت عملية “وأد” الفتيات قبل الإسلام لاعتبارات ميثولوجية، تمثلت في التضحية بالأنثى قرباناً، وهي ابنة الآلهة لدى الجاهليين، لتحقيق فكرة الأنثى المقدسة، فإنّ هذا العنف ظل مسيطراً، لاحقاً، وبتصورات لم يخل فيها الأسطوري والديني بالمجال القبلي وعمليات الهندسة الاجتماعية. فختان الأنثى في الإسلام إنّما يهدف إلى الحدّ من شهوتها، وفق الآراء الفقهية. 

لا توجد فتوى في المجتمعات السلطوية العربية ضد إهدار المال العام، ونهب موارد الدولة، أو سرقة أموال المودعين، مثلاً.

تغييب حقوق المرأة في المجتمعات المسلمة والتي كرستها المدونة الفقهية التي تغلب عليها المنفعة الذكورية، لها أبعادها الاجتماعية والثقافية والفكرية داخل كل بنية اجتماعية، وفق المفكر المصري نصر حامد أبو زيد. وقد ذكر في كتابه: “دوائر الخوف” أنّ هناك أبعاداً ذات طبيعة إنسانية تتجاوز حدود البنية المجتمعية الخاصة. يضاف إلى هذا التشابك والذي له بعد خاص في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، بعد الدين الذي ما زال يمثل مرجعية شرعية وقانونية مستمدة من مرجعيته الأخلاقية والروحية. 

ويتابع: “منذ بداية ما يسمى عصر النهضة العربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقضية تعليم المرأة (أولاً) ثم تحريرها من التقاليد البالية الراكدة التي تعوق حركة المجتمع بأسره (ثانياً) تحتل أولوية في سلم المهام النهضوية العاجلة”. غير أنّ هناك “البعد المفقود للمرأة في الخطاب الديني الذي يعالجه النص القرآني بمعزل عن سياق الواقع الاجتماعي العام، فيجري الحديث عن المرأة بوصفها أنثى ونداً للرجل، مركزاً على الفروق العقلية والذهنية والعصبية”. يقول أبو زيد.

كما ذكر في الفصل المعنون بـ”حقوق المرأة في الإسلام”، أنّ الآية التي ورد فيها مسألة “القوامة” لا يمكن التعاطي معها سوى من ناحية دورها الوظيفي في وصف واقع المرأة في عصر تكوين الخطاب والنص القرآني. بالتالي ليست حكماً دينياً مطلقاً. ومن ثم، لا بد من تعديل المسار التقليدي بما يتلاءم مع الشروط الجديدة والراهنة. فتولي المسؤولية الاجتماعية لا يخضع لأفضلية جندرية وتباين على أساس جنسي وبيولوجي إنّما على أساس الكفاءة والقدرة.

لكن شيخ الأزهر، على خلاف ذلك، يؤبد التراتبية على أساس ماهوي، والتفاوت نتيجة الطبيعة البيولوجية. فيقول: “تلك الفروق بين الرجال والنساء في القدرات، والتي ترشح الزوج للفوز بهذا المنصب، ليس لأنّه أفضل من زوجته جنساً أو نوعاً أو ديناً أو خلقاً أو منزلة عند الله أو قدراً عند الناس، ولكن لأصلحيته لأعباء هذه القيادة. والسبب الثاني هو ما يوجبه الشرع على الزوج تجاه زوجته من مهر وإنفاق عليها وعلى أبنائها، وواجبات مالية أخرى تستحقها الزوجة شرعاً حال حياته وبعد وفاته، على ما هو مفصل في كتب التشريع…”. 

وعرج الطيب على مسألة ضرب الزوجة (سبق أن أيد الأمر ذاته)، بل إنّه، تلك المرة، اعتبر أنّ هذه القضية ضمن حيل “الكارهين” أو “المتربصين” بالإسلام بغية “إثارة الغبار في وجه هذا الدين الحنيف.. وكلما دخل مخطط الغرب لتدمير الأسرة مرحلة جديدة من مراحل مشواره الذي دبر بعناية فائقة وتخطيط محسوب”. 

وأردف: “برغم أنّ هذا الاعتراض قتل بحثاً وتفنيداً، إلا أنّه يثار عمداً بين الحين والحين من قبل هؤلاء المسفسطين على الدين بل من بعض المنتسبين للإسلام ممن يقلدون هؤلاء الكارهين ويقتفون أثارهم”. وتابع: “إنّ أول ما يجب أن نتوقف عنده في تفسير هذه الآية هو أنّها حين تفسر على ضوء آيات أخرى ترتبط بها، لا تقرر حكماً عاماً للرجال يبيح لهم ضرب النساء، ولا تعطي حقاً مطلقاً للأزواج في ضرب زوجاتهم، يستعملونه وقت ما يريدون ويتركونه وقت ما يشاؤون أو يقترفونه كلما شعروا بحنق أو غيظ في حوار مع زوجاتهم أو نقاش أو جدال أو سبب آخر غير  سبب النشوز”.

المثير للسخرية والامتعاض، أنّ شيخ الأزهر قال إنّ الحكم الشرعي العام في جريمة الضرب هو “حرمة الضرب حين يكون بقصد الإهانة أو الإيذاء لأيّ إنسان”. 

وهنا يعمد شيخ الأزهر بلغة شعبوية وانتهازية، في آن، إلى منح الرجل في تفوقه على الأنثى دوراً متعالياً في التأديب والتقويم، الذي يماثل الدفع الإلهي لتصحيح المسار والعدول عن الانحراف. وخلاف ذلك الدور المقدس يكون الضرب عدواناً وإهانة بحق النساء. لكن الضرب لتحقيق الطاعة المقدسة والحفاظ على تابو الأسرة مشروع. 

وختم الطيب حديثه قائلاً: “فهذا الحكم الذي لا يقبل جدالاً ولا مماحكة هو حجر الزاوية في فهم آية سورة النساء، وهذا الحكم العام أمر بالغ الأهمية في فهم آية النساء فهماً صحيحاً بعيداً عن هذا الخلط السيئ الذي وقع فيه كثيرون عن جهل أو سوء نية للتشويش على القرآن الكريم، ففرق كبير جداً بين القول بأنّ القرآن في هذا الآية يبيح للزوج حق ضرب زوجته كلما رأى ذلك أو أرداه وبين القول بأنّه يبيح للزوج قدراً معيناً محدوداً من هذا التصرف يلجأ إليه التجاء المضطر لعلاج أخير ينقذ به أسرته وأطفاله من التدمير والتشريد”.

إشارات شيخ الأزهر التي ذكرها في ما يخص ضرب الزوجة، كذلك، والذي اعتبره أمراً غير مطلق إنما هو استثناء (كما في حالة القوامة)، وفي نطاق محدود للحفاظ على كيان الأسرة أمام نشوز المرأة، لا يختلف عن مقولاته وتأويلاته لجهة تثبيت مبدأ الطاعة بصفة عامة. فهذا الخطاب الديني يولد لغة عنف فقهي يحقق السمو الذكري. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.