fbpx

إسرائيل”تلعب” في السماء السوريّة بلا ردٍّ أو رقيب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع الضربة الإسرائيلية الرابعة على سوريا خلال أقل من أسبوع، يمكن أن نسمي ما يحدث “حرباً صامتة” بين إسرائيل من جهة وسوريا وإيران و”حزب الله” من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم أنه ما من إعلان رسمي لهذه الحرب، لكن إسرائيل تسمي عملياتها “الحرب بين الحروب”، بينما تذهب مواقع إسرائيلية أخرى لتصف ما يحصل بـ”لعبة القط والفأر”.

ما معنى الحرب بين الحروب؟

لم تدفع أربع ضربات إسرائيلية، خلال أقل من أسبوع، الجانب السوري الى أي تحرك عسكري، وهو سلوك انتهجه نظام الأسد طوال سنوات من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت عقر داره، مع “الاحتفاظ بحق الرد”، وحتى حين حاول التصدي للضربات الإسرائيلية، لم تكن العمليات ناجحة على الدوام وتسببت أحياناً بسقوط مدنيين.

عمليات “الحرب بين الحروب” هي التكتيكات التي تستخدمها إسرائيل استعداداً للحرب المقبلة، وترتكز على منع العدو من تطوير قدراته وردعه إلى أكبر حدّ، والتشويش على خططه وفرض هيبة إسرائيل من دون السماح بتفجّر الأوضاع والانجرار إلى حرب حقيقية، بمعنى آخر تأجيل الاشتباك المباشر قدر المستطاع.

الحملة بين الحربين أو الحرب بين الحربين يديرها الجيش الإسرائيلي وهيئات أمنية أخرى منذ عقد من الزمن، لخدمة مصالح إسرائيل  الأمنية في الأوقات الروتينية. ترافقها سلسلة من الإجراءات العسكرية و الإلكترونية و المعرفية ، التي تتيح احتواء الجانب الآخر مع عدم تجاوز “عتبة الحرب”.

لم تدفع أربع ضربات إسرائيلية، خلال أقل من أسبوع، الجانب السوري الى أي تحرك عسكري، وهو سلوك انتهجه نظام الأسد طوال سنوات من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت عقر داره.

 لم تستهدف هذه الهجمات المواقع الإيرانية وحسب، بل أيضاً مواقع للجيش السوري لإيصال رسالة مفادها أن تكلفة التعاون مع إيران ستكون باهظة بحسب معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، ونتائج ذلك بدأت بالظهور، فعام 2022، طلبت سوريا من إيران وميليشياتها عدم تنفيذ هجمات على إسرائيل من أراضيها، لتقليل عدد الهجمات الجوية التي تعطل جهود إعادة إعمار النظام.

من جهة أخرى، تمثل عملية “الحرب بين الحروب” عنصر أمان لإسرائيل، فبحسب معهد واشنطن للدراسات الأمنية، مفهوم “الحملة بين الحروب” جمع المكونات السرية والحرب المعرفية الإسرائيلية مع الجهود الأمنية والاقتصادية والسياسية الدولية، بهدف خلق السطوة اللازمة للدفاع عن مصالح إسرائيل الأمنية من دون تصعيد الموقف والوصول إلى الحرب. 

غارات على “الهيمنة الإيرانية”

يمكن اختصار الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، بما قاله وزير الدفاع يوآف غالانت: “لن نسمح للإيرانيين وحزب الله بإلحاق الأذى بنا. لم نسمح بذلك في الماضي، ولا نسمح به في الوقت الحاضر، ولن نسمح به في المستقبل، مضيفاً: “سنطردهم من سوريا ليعودوا إلى حيث ينبغي أن يكونوا، أي إيران”.

ينفي الجانب السوري الرواية الإسرائيلية، ويؤكد في كل مرة أن الضربات هي خرق للسيادة الوطنية، ناكراً وجود أي نشاط عسكري إيراني على أراضيه. 

تبدو لعبة القط والفأر مكشوفة للمطّلع على الوضع السوري- الإسرائيلي، إلا أن النظام السوري يواصل إنكار الوجود العسكري لإيران و”حزب الله” على أراضيه، على رغم الزيارات المتكررة لكبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين إلى سوريا، والتي لا يخفيها إعلام النظام، مؤكداً أن التعاون العسكري وبرامج التسلح مع إيران جزء من علاقة إستراتيجية عمرها عقود لمقاومة التهديدات الإسرائيلية طويلة المدى. أمّا إيران فتقول إن ضباطها يقومون بدور استشاري في سوريا بدعوة من دمشق، من دون التطرق إلى الدور الاستشاري الذي يقوم به ضباطها، إذ قُتل العشرات من أعضاء الحرس الثوري، بمن فيهم ضباط كبار في سوريا خلال الحرب المستمرة منذ 12 عاماً، اثنان منهم خلال الهجمات الأخيرة.

لا تتحدث إيران بإسهاب عن وضعها العام في سوريا، إلا أن الأخبار التي تخرج بين الحين والآخر تكشف بعض أسرار الوجود الإيراني في سوريا. 

ففي أيلول/ سبتمبر 2022، نفذت إسرائيل غارات جوية على مطار دمشق الدولي ومواقع أخرى جنوب العاصمة، ولم يعلن الإعلام الإيراني آنذاك عن ماهية المواقع المستهدفة، لكن قناة “Iran International” الإيرانية قالت إن الغارات استهدفت ما يسمى بـ”الوحدة 2250″، وهي مؤسسة لوجستية إيرانية خاصة يديرها “الحرس الثوري الإيراني”، ومقرها الرئيسي في دمشق، مع عدد من المكاتب في جميع أنحاء سوريا، وتعد مسؤولة عن استقبال المعدات والأسلحة والأفراد الوافدين من إيران، لدعم الأطراف اللبنانية المدعومة من إيران في البلاد.

خارطة الغارات

عدم ذكر روسيا في كل ما يحدث لا يعني غيابها، فهي حليف النظام السوري الأقوى، ولم يسبق أن أبدت أي نية في إيقاف الغارات الإسرائيلية، فبحسب تقرير صادر عن موقع make التابع للقناة الإسرائيلية 12، فإن الضربات تحصل بعلم الجانب الروسي، وبينما تتمركز روسيا في قواعد عسكرية واضحة في الساحل السوري، يتمركز كل من إيران و”حزب الله” في الجنوب الغربي في قواعد ومناطق غير معلن عنها.

ومن خلال تتبُّع هذه الغارات، نستطيع رسم خارطة لتمدُّد إيران و”حزب الله” في سوريا، وقد تحدث مركز “ألما” الإسرائيلي عن هذا التمدد، مشيراً إلى أن منطقتي دمشق وحمص تعتبران مركزين جغرافيين رئيسيين في إطار النشاط الإيراني وممره إلى لبنان، لناحية تخزين الأسلحة المعدة للاستخدام لاحقاً. 

الحرب على المنشآت العسكرية

بالعودة إلى وزير الدفاع غالانت، فهو لم يخفِ التخوُّف من الوضع العام لإسرائيل، إذ قال إن الوضع الأمني ​​الإسرائيلي متوتر حالياً على جميع الجبهات، ويبدو أن الهجمات شبه اليومية مرتبطة بشكل أساسي بإدارة إسرائيل لوضعها الأمني الداخلي والإقليمي، وهكذا تبدو الضربات أشبه بحرمان إيران و”حزب الله” من فرصة تطوير خططهما العسكرية في سوريا، وبخاصة في ظل الوضع السياسي الدقيق لإسرائيل. بمعنى آخر، حتى لو كانت إسرائيل منشغلة بالتظاهرات الداخلية ومشاكلها السياسية، فإن ذلك لن ينسيها مواجهة إيران.

وبحسب موقع ألما الإسرائيلي للأبحاث، نفذت إسرائيل، ولمدة أربعة أيام (30 آذار/ مارس – 2 نيسان/ أبريل 2023)، ثلاث غارات جوية على أهداف عدة في دمشق وحمص، وكانت الأهداف في غالبيتها عسكرية، عدا هدف واحد على الأقل كان في محيط مدني، والأهداف الرئيسية مرتبطة بنشاط الإيراني و”حزب الله” (أسلحة/ مكونات أسلحة متطورة/ بنية تحتية)، وتعتبر هذه المناطق ممرات مهمة للنشاط العسكري الإيراني إلى لبنان. 

وبحسب نفس الموقع كان هجوم يوم 30 آذار على حي الميدان بدمشق، دقيقاً، واستهدف هدفاً متنكّراً على شكل بنية تحتية “مدنية”، أما هجوم يوم 31 في منطقة الكسوة جنوب دمشق، بدا أنه هجوم واسع النطاق على أهداف عسكرية عدة. وذكر  تقرير بعنوان “لماذا قصفونا”، أنه قُتِل ما لا يقل عن 631 من أفراد الأطراف المتحاربة في سوريا، نتيجة الضربات الإسرائيلية منذ كانون الثاني/ يناير 2013 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

عوامل ساهمت في زيادة الضربات

هناك عوامل عدة يبدو أنها ساهمت في زيادة الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ بداية العام، من بينها دخول مسيرة إلى “إسرائيل” من الأراضي السوري، فبحسب بيان الجيش الإسرائيلي يوم الأحد 2 نيسان، فإن طائرات هليكوبتر وطائرات مقاتلة إسرائيلية أسقطت طائرة مسيرة دخلت الأراضي الإسرائيلية من سوريا، مضيفاً أنه يحقق في ما إذا كانت إيران وراء الحادثة. 

وتأتي الضربات الأخيرة تزامناً مع الحركة الجوية الكثيفة في الأجواء السورية، لاستقبال المساعدات الإنسانية في أعقاب زلزال شباط/ فبراير، وبحسب تصريحات مصادر عسكرية غربية لـ”رويترز“، فإن إيران تستغل الطائرات المدنية التي تُستخدم لنقل المساعدات في نقل الأسلحة، وبالربط بين الزلزال وزيادة حركة الطيران المدني في سوريا وتزايد الضربات الإسرائيلية، يبدو أن الفأر الإيراني يثير غضب القط الإسرائيلي.

حقق زلزال شباط مكاسب لنظام الأسد وحلفائه، فهو إضافة إلى تخفيف العزلة المفروضة عليه، فقد منحه فرصة ذهبية للملمة نفسه من خلال الانقضاض على المساعدات واستنسابية توزيعها، وإعادة تعويمه عربياً، إلى جانب إيجاد غطاء مدني لنقل الأسلحة الإيرانية وتخزينها.