fbpx

“الحكاية والرواية”: بلال فضل يربح الرهان بعيداً من أصوات الأحزاب والقبيلة والصحيفة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أطلق الكاتب المصري بلال فضل خلال رمضان الماضي، من غرفة بيته في نيويورك، برنامجا على “يوتيوب”، يشتبك في كل “حلقة” منه مع إعلام “الحقيقة الموحدة” في مصر، أو ما نطلق عليه، ساخرين، “إعلام جهاز السامسونغ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تدحض الحلقات الكثير من أكاذيب الإعلام، أو على الأقل احتكاره المعلومة، بالإضافة الى حلقات أخرى فنية وثقافية يميزها باسم الحكاية والرواية مع بلال فضل، يثير فيها نقاشات على ساحة الرأي العام، آخرها بعنوان “التاريخ الشخصي للمطاعم أو كما قال الشاعر: لكِ يا مطاعمُ في القلوبِ منازلُ”، والتي وصلت إلى 24 ألف مشاهدة بعد 16 ساعة من نشرها.

أثر يتجاوز – ربما بسبب تغير الوسيط – حتى مقالاته التي تلقى رواجاً اعتدناه منذ أن بدأ حياته الصحافية، حيث عرفناه في البداية كواحد من ألمع الكتاب الساخرين، قبل أن يكشف بالتدريج عن وجوه عدة، صحافي وإعلامي ومثقف وسيناريست وروائي وقاص، وجوه كثيرة تعبر كلها عن فكرة واحدة: رجل لا يكف عن العمل اليومي الدؤوب، وخبرات تتراكم عبر القراءة النهمة وعبر احتكاكه في أيام الصعلكة بحياة الناس، وما تلقاه من نصائح يدين بها لأساتذة كبار، لا يكف عن استذكارها ونقلها للآخرين، ليجعل ذلك منه مثقفاً من طراز فريد معجون بخبرات الناس والثقافة.

عادة، يسبق ما يثيره بلال من اشتباكات مدح شديد أو ذمّ شديد، لا يتعلق بالمضمون، بل باسمه الذي ظل مرتبطاً بشبكة عملت بانتظام على مدار العشرين عاماً الماضية، على تشويه صورته الشخصية، ذات مرة ردد اسمه أحد دعاة الإخوان المسلمين في خطبة على منبر، واصفاً إياه بـ”مؤذن الشيطان”، أما الذين ينتقدونه بسبب مواقفه المعارضة لسياسات النظام الحالي، فيتهمونه بأنه “إخواني متنكر”.

ليس من المفيد أن نعيش أسرى 28 كانون الثاني/ يناير، هذا حدث وانتهى ولن يتكرر، وأرفض أن أدعو الى أي حراك أو تظاهرة لا أكون في أول صفوفها، طالما لن أدفع ثمن اختياري، لأن النتيجة ستكون تدمير حياة أناس آخرين يتعرضون للاعتقال والمحاكمات بسبب تلك الدعوات

بلال فضل

هرب  بلال من مصر خوفاً من بطش النظام الحالي به، وبعد تلقيه “تهديدات بالقتل”، تردّد كثيراً في التصريح بها كي لا يُتهم بالمبالغة، خصوصاً أن شبكة تشويه السمعة ضاعفت مجهودها، وأضيف إليها الحصار، فصار عدد كبير من الفنانين، الذين عمل معهم، يتهربون من ذكر اسمه في حواراتهم، عن أعمال كتبها لهم وكانت وراء نجوميتهم.

عندما صدرت روايته “أم ميمي” عن “دار المدى” العراقية، ووصلت الى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، العام الماضي، كانت أخبار الرواية تُمنع من النشر، بل حتى بعد ترشحه للقائمة الطويلة، كانت الأخبار تُسقط ذلك الترشيح، كما صودرت الراوية في معارض الكتاب، ومُنعت من دخول مصر، الأمر الذي لم يمنع في النهاية أن تباع بشكل واسع، بخاصة بعد اختراقها الحظر المفروض عبر الترشيح للجائزة.

حاورت بلال فضل سائلاً إياه عن هذه الحربّ التي شُنّت ضده، فقال بدايةً: “لا يعنيني المدح أو الذم في شخصي، كل ما يعنيني هو أن يشتبك الجمهور مع مضمون ما أقدمه، فما يقوله الناس بمحبة شديدة لا يطورك، وما يقال بكراهية شديدة لا ينهيك، وحده التغيير والتجريب والتطوير والتعلم من الخطأ هو ما يفيد، الانتقاد جزء من عملي ككاتب، والكاتب – كما تعلمت من أساتذتي- لا يُعرَّف بمن يحبه فقط، بل يُعرَّف بمن يكرهونه أكثر.

يرى فضل أن دور الكاتب هو  الاشتباك والتحليل وبالتالي الصدام، وإن كان يكتب بغرض إرضاء جمهوره أو تجنّب عداوته، فقد تخلى عن دوره الأساسي، يعقب قائلاً “الفرح بالمدح أو الضيق من الذم أمر إنساني، لكنها مشاعر لا تدوم، تزول سريعاً أمام أسئلة المهنة الرئيسية، متى سأنتهي مما أكتبه؟ وكيف سأصيغه وأقدمه بأفضل شكل ممكن؟”.

يتبنى فضل جملة سمعها من الفنان عادل إمام، نقلاً عن عبدالرحمن الخميسي، مفادها التالي: “كيف أعزف على قيثارتي وأنا مشغول بالدفاع عنها”، نصيحة لا يبدو أنها فارقته، وجعلت تركيزه منصباً فقط على إنجاز مهمته، تحليل الواقع.

لا ينسى فضل الدرس الذي تعلمه من خيري شلبي في كتابه “مراهنات الصبا”، الذي تتبع مسيرة واعدين تحطمت مواهبهم بسبب “تعلقهم بما حولهم أكثر مما بداخلهم سواء بالاغترار بالمديح أو التأثر بالنقد”.

يلفت فضل النظر الى الشأن السياسي وعلاقته مع الكاتب قائلاً: “غياب الأحزاب السياسية والمؤسسات في مصر والوطن العربي، حملت الكاتب بأعباء، وأجبرته على لعب أدوار لا تخصه، فيكون من المتوقع منه أن يكون صوت الحزب والقبيلة والصحيفة، بينما عليه أن يمثل صوته الخاص والحر”.

“هذه المرة لا تشبه المرات السابقة”

تجمع حلقات البرنامج بين الحكي الشخصي والتوثيق والاستناد إلى القراءة والأرشيف، هناك عدد كبير من الحلقات أشبه بتحقيقات صحافية موسّعة، من بينها الحلقات الأربع “عن لقاء المثقفين بمبارك“، وهو لقاء سنوي اعتاد الرؤساء في مصر على عقده مع الكتاب منذ جمال عبد الناصر وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي.

يخبرنا فضل كيف تحولت هذه اللقاءات مع الوقت، إلى اجتماعات شكلية، وأصبحت في عهد مبارك إثباتاً لسذاجة المثقفين وحكمة الرئيس، إذ جمع بلال في الحلقات بين شهادته الشخصية وشهادات آخرين ومصادر تاريخية، راصداً كيف تعامل كل رئيس مر على مصر مع المثقفين في اللقاءات السنوية.

البرنامج ليس التجربة الأولى لفضل مع الكاميرا، ففي عام 2009 قدم برنامجاً على قناة “دريم” بعنوان عصير الكتب، وعقب الثورة عمل في قناة التحرير. وحين أُجبر بعد سنوات على مغادرة مصر مع آخرين، كان لهم صوت مؤثر على الساحة السياسية، قدم برنامجين من إنتاج قناة “التلفزيون العربي”، فأعاد تقديم فكرة برنامجه عصير الكتب، ثم برنامج ” الموهوبون في الأرض” الذي حقق نجاحاً لافتاً.

يقول فضل إن برنامجه الحاليّ لا يشبه ما سبق، إذ لا تُنتجه الدولة ممثلة في رجل أعمال، ولا الثورة، ولا يخضع لإنتاج قطري له حساباته المعقدة مع النظام الحالي، هذا برنامج مستقل عن الأطياف الثلاثة، وفر له ما هو أكثر من حرية الرأي، بل التحرر أيضاً من سلطة البرنامج التلفزيوني، ذي الكلام “المنضبط” المحكوم” “بسكريبت محدد” بالدقيقة.

“لسان شعبيّ مُهين”

لا يفرض أحد على فضل ما ينبغي قوله، لكنه يقوله “ضمن السقف المتوقع من الجهة المنتجة”، ويتحرر عبر البرنامج من التقاليد التلفزيونية الراسخة التي لا تسمح له بالكلام “بلسان شعبي مهين” على حد تعبيره،  في تنويع مضاد لجملة “لسان عربي مبين”، في إشارة إلى ما يسميه الناس “الألفاظ البذيئة”.

يجد فضل في شكل البرنامج مكامن حريته، أي الكلام براحة ومسؤولية هو من يضع حدودها، كما أنه لا يتقيد بالقانون الأول للمحتوى المرئي على الإنترنت، أي “طول الحلقات”، إذ لم يستجب لإلحاح البعض في البداية على أن يقدم “محتوى أقصر لتسهيل المتابعة”، على رغم أن ذلك يهدد جزءاً من جمهوره، الذي قد  ينصرف عنه.

يتمسك فضل بطول الحلقة من منطلق “سأبدأ الحلقة، وأنهيها في الوقت الذي أفرغ فيه من كلامي”، إذ  يتخطى طول غالبية الحلقات الساعة، تخدمه في ذلك مهارته كحكّاء بارع لا يمل من سماعه، صحيح أن جزءاً من الجمهور يغادر في البداية، لكنه في المقابل كسب جمهوراً أكبر أرضاه شرط المشاهدة، الذي يلخص بطول الحلقة، و”تسمية الأشياء بمسمياتها”، والدليل مؤشرات “يوتيوب” التي تؤكد أنه “ربح الرهان”.

يخبرنا فضل أن هذه “الطريقة الرزلة” في العرض والطلب، مقتبسة من صاحب أحد المطاعم التي كان يتردد عليها في شبابه، إذ يقول “سيخبرك صاحب هذا المطعم في المرة الأولى حين تسأله عما يحتويه مطبخه، لكن إذا سألته عن شيء آخر خارج القائمة، ستلقى منه ما لا يسر”.

يقول فضل أنه كان يغضب من سلوك صاحب المطعم وسلوكه، لكن “عندما فكرت بطريقته، وجدت أن لديه بعض الحق، لقد أخبرك مسبقاً عما يوجد في قائمة مطعمه، ذلك اتفاق وعقد لك أن تقبله أو ترفضه، الفيصل بينك وبينه وما يحق لك مراجعته فيه هو جودة الطعام ونظافته والسعر، ما اكتشفته مع الممارسة أني طالما عملت بجد على تحضير الحلقة ولدي ما أقوله من دون لت وعجن، كما أني لا أكرر الكلام نفسه في الحلقة، وفي النهاية سأحظى بثقة المستمعين”.

سألت فضل عن الأخطاء التي قد يقع بها، فأجاب بوضوح: “سأرتكب أخطاء، سأقول كلاماً عبيطا أو غير منظم، لأنها طبيعة بشرية، لكني لا أخجل منها، وأقوم بتصحيحها في الحلقات التالية، تلك الحماقات هي ما تحررني من حمولات وأعباء تقيد الكتّاب الذين أُجبروا على لعب أدوار ليست أدوارهم، فعملية التصحيح المستمرة من خلال التعليقات والرسائل حولت الجمهور إلى شريك في تحرير الحلقات”.

لا يخجل فضل من عرض تجربته كاملة بأخطائها، إذ يحرص على نقل خبراته، وينقل تجربته في كتابة السيناريو، ويقرأ على الهواء من مذكراته الشخصية التي كتبها في شبابه، ولا يخجل من السخرية علانية من سذاجته في تلك المرحلة، وواحدة من أكثر الحلقات التي لاقت تفاعلاً كبيراً، كانت حلقة عن “التخسيس“، التي بحسب فضل “نالت تفاعلاً كبيراً، وحرصت فيها على أن أجمع بين تجربتي الشخصية وبين مصادر علمية”.

كيف بدأ البرنامج ؟

الأمر الذي بدأ كله كصدفة لم يتحول في لحظة إلى قيد، أما الصدفة فكانت عبر وعد قطعه فضل للصديق والباحث محمد نعيم، بأن يصور معه حلقة في برنامجه “عصير الكتب”، الذي تنتجه قناة العربي الجديد، إلا أن نعيم أصدر كتابه “تاريخ العصامية والجربعة” بعد توقف البرنامج.

لم يخلف فضل بوعده، وباستخدام أداة تصوير وإضاءة بدائية، صوّر مع نعيم حلقة وعرضها مباشرة على “يوتيوب”، حينها كان سيسعد فضل لو تخطت الحلقة الـ 1000 مشاهدة، لكن رد الفعل وعدد المشاهدات الكبير شجعانه على تقديم حلقات منتظمة.

القيد الذي أشرنا إليه هو النجاح، يقول فضل “للحلقات هدفين، تقديم رأيي في ما يحدث على الساحة السياسية، ونقل شهادتي على ما عشته ورأيته، وعندما أشعر أن الهدفين الأساسيين قد تحققا، ستنتهي التجربة”.

يقدم فضل حلقات برنامجه من الولايات المتحدة الأميركية، ولم تشعره تجربة النفي بالمرارة أو الخسارة، يقول “كنت أعرف أني قد أخرج بلا عودة، لذا كنت مشغولاً أكثر بترتيب حياتي المقبلة”.

الإعلام الخارجي و”التفكير المركب”

تلاحق الإعلام العربي المضاد لسياسات النظام الحالي، الذي يبث من خارج مصر، اتهامات بأنه مسيطَر عليه من الإخوان المسلمين، لن نشير هنا إلى من، لكن يمكن القول إنه أشبه بإعلام حرب، غاضب على الدوام، يخلط بين الإشاعة والحقيقة، فلم يعد يميز بين عدائه للنظام الحالي في مصر وعدائه للناس، ما تسبب بتشويه كبير لصوت المعارضين في الخارج.

السياق السابق ضروري لأسأل فضل، في ظل تحرره شبه المطلق من قيود الجهات المنتجة والرقابة في مصر وتقاليد البرامج التلفزيونية، عن حدود المسؤولية التي يضعها لنفسه إزاء ما يقدمه، فأجاب: “أحرص على أن أقدم محتوى يعتمد على التفكير المركب، وهو أمر لم يعتده الكثيرون، لذا كنت حريصاً مثلاً في نقدي سياسات النظام، على أن أنفي عنه كونه جزءاً من مؤامرة، بل أعترف بالفعل أنه حقق عدداً من الإنجازات، لكني أطرح في المقابل أسئلة عن الكلفة الحقيقية لما يعتبره النظام الحالي إنجازاً، تأتيني ردود أفعال غاضبة تتهمني حينها بأنني مع الدولة، أو عندما أقول من واقع خبرتي ككاتب سيناريو إن أجزاء مسلسل “الاختيار”، حتى لو كان الغرض منها دعائياً، كان من المفترض أن تقدَّم بطريقة أكثر فنية لتحقيق الأثر المطلوب، فتأتيني اتهامات بأنني أعطي النظام أفكاراً”.

يقول فضل إننا لسنا في حالة حرب مع عدو، وكل ما يحاول فعله هو ممارسة دوره في التحليل وتأمل المشهد، إذ يحرص على الاهتمام بتوثيق معلوماته، ونسبتها إلى مصادرها، وعندما يخطئ لا يخجل من الاعتراف، مضيفاً “لا يعني ما سبق أني موضوعي، الموضوعية خرافة، التحيز هو الأصل في الأشياء، لكن التحيز لا ينفي النزاهة والعدالة والمبادئ المهنية، كالتدقيق في المعلومة، التأكد من وجود مصدر ثانٍ وثالث، أن أضع في اعتباري وجهة نظر الطرف الآخر”.

يقول فضل إن هناك بعض المتابعين – وبعضهم أصدقاء يعرفهم أو يعملون في أماكن في الدولة – ممن “قد ينصبون لي فخاخاً، بحسن نية أو بسوء نية، فيسربوا لي معلومة معينة سواء لمساعدتي أو لحرصهم على تسريب المعلومة من خلالي، لكن لا أستخدم مما يجيئني منها أكثر من 10 في المئة، لحرصي على أن يكون هناك أكثر من مصدر للمعلومة، فلا أقول سوى ما بوسعي التأكد منه، وإذا ما حدث وقلته من دون أن يتاح لي التأكد بشكل كامل، فأقول إني سمعت والعهدة على الراوي، وأطلب التصحيح أو التأكيد من المستمعين”.

الكلام  والكتابة”من الخارج”

يقول فضل إن ما يقوله في البرنامج الآن سبق أن قاله عشرات المرات في مقالات وبرامج سابقة، لكن ما تغير شيئان: “نظرة الناس إلى استقلالية البرنامج عن أي جهة منتجة، وتغير نظرتهم الى الواقع، وانكشاف حقيقة الوعود التي قدمها النظام في بدايات حكمه، لذا صار لكلامي الآن تأثير أكبر، وصارت لديهم القدرة على استقبال ما أقوله بشكل مختلف، لم تعد الناس مخدوعة بفكرة الشخص الفرد المخلص”.

ساعد وجود فضل خارج مصر على التحرر من الرقابة، سواء رقابة السلطات أو الرقابة المجتمعية،  إذ يقول إنه إذ لم يكن ليكتب رواية “أم ميمي” بالجرأة التي كتبها بها إن كان في مصر، ولو صور فيديو في مصر مماثلاً لما ينشره خارجها، ربما كان سيُعتقل لا بسبب المضمون السياسي فقط، بل بتهمة أنه ضد الأخلاق.

ما العمل إن كان “المثقف” داخل مصر

سألت فضل عن دور المثقف الحالي الذي يعيش داخل مصر، محكوماً بالرقابة، فأجاب أنه لا يجب عليه أن يفعل أكثر من المتاح، “فالأشياء الصغيرة قد تكون نتائجها كبيرة للغاية، وليس من المفيد أن نعيش أسرى 28 كانون الثاني/ يناير، هذا حدث وانتهى ولن يتكرر، وأرفض أن أدعو الى أي حراك أو تظاهرة لا أكون في أول صفوفها، طالما لن أدفع ثمن اختياري، لأن النتيجة ستكون تدمير حياة أناس آخرين يتعرضون للاعتقال والمحاكمات بسبب تلك الدعوات، لكني كنت حريصاً على عرض كتب تكلمت عن أنظمة سلطوية، تجارب لحركات شعبية، تحليل الواقع واستضافة أشخاص يعرضونه من زوايا مختلفة”.

يرى بلال أنه في ظل تصحر الواقع المليء بانفجار في المعلومات وتضاؤل منافذ المعرفة، التحدث عن الفلسفة والاقتصاد والأدب أو أي إنتاج للمعرفة يتميز بالعقل النقدي، هو ثورة، الكلام عن تذوق الفنون ثورة، كلام بناء ونقدي عن أوضاع الكرة في مصر، ثورة، إتقان ما نفعل هو ثورة.

يضيف قائلاً، “عندما يحاول شخص توافرت له فرصة عمل في دار نشر، وتطوير سبل النشر داخل مؤسسته، قد لا تكون في باله أفكار ثورية، بل الكفاح من أجل ” أكل العيش” بشرف، ذلك أيضاً ثورة، لأنه يرد الاعتبار الى واحد من أهم شعارات 25 يناير قرباً إلى نفسي: عيشوا بشرف جتكوا بقرف… محاولات العيش بشرف ثورة”.

لا يرى فضل أننا “محكومون بالأمل” بحسب تعبير سعد الله ونوس، بل نحن محكومون بالعمل، فسواء بمنطق ديني أو أخلاقي أو فلسفي أو إنساني، الواحد منا ليس مسؤولاً عن النتائج، بل عن الفعل والمحاولة، يقول “أغمض عينيك مثلاً وتذكر الواقع في بداية 2013 و2014، وتذكر كيف كان وقتها، كيف كانت الدولة تخاطبنا بشراسة، وكيف تغيرت لغة خطابها بشكل لا يُخفى على أحد، وإن كانت قد حافظت على شراستها، لكن ذلك لم يعد من منطق الهجوم، بل من منطق الدفاع عن نفسها”.

يرى بلال أن المبادرات الاجتماعية التي نجحت أخيراً، هي التي يعمل فيها الناس بشكل جماعي كما حدث في نقابة الصحافيين بعد فوز خالد البلشي بمنصب النقيب، وما يحدث الآن في نقابة المهندسين أو قبلها في نقابتي الأطباء والمحامين، ما يربط نجاحاتهم هو تجمعهم حول أهداف مهنية، هذا شيء يمكن أن يتعلمه الناس كطريقة عمل، ليس بالضرورة أن تفضي إلى 25 يناير أخرى كما يدعو البعض، وفي الانتخابات المقبلة فرصة واختبار، هل يحاول الناس مثلاً المشاركة فيها بهدف التغيير أم ينظرون إلى المشاركة بنظرة عدمية؟.

جدل تكريم هاني شنودة

رغم الحصار المفروض على اسم بلال فضل داخل مصر، إلا أنه – ربما عبر الوسيط المناسب – وبخلاف تأثيره في الوعي، نجح من خلال برنامجه في تحقيق أمر ملموس على الأرض من خلال دعوته إلى تكريم الفنان هاني شنودة لمناسبة بلوغه عيد ميلاده الثمانين.

الدعوة السابقة تبنتها هيئة الترفيه في السعودية، التي دعت شنودة، وهو أكبر المطربين في الوطن العربي، لأداء أغانيه، الأمر الذي أثار في مصر جدلاً حول دور الدولة في تكريم أبنائها.  هذا الجدل يراه بلال فضل شأناً غير مبرر،  فتكريم السعودية الموسيقار الكبير أمرٌ يدعو الى الفخر، والجمهور الحاضر كان جمهوراً لفنانين مصريين، كعمرو دياب ومحمد منير وأحمد عدوية وأنغام وعادل إمام الذي كتب شنودة له عدداً كبيراً من الموسيقى التصويرية لأفلامه.

يعلق على الجدل مضيفاً، أن “المسألة بالنسبة إليه ليست هل هاني شنودة سعيد أم لا، تكريمه لا يتم بأن يصافح رئيس الدولة، أو أن يحصل على شهادة ولا حتى تسمية شارع باسمه، التكريم الحقيقي للملحن عندما يكون فناناً حقيقياً، وأزعم أن هاني شنودة كذلك، هو أن تعزف موسيقاه وتغني أغانيه”.

ينسحب رأي فضل السابق على الكاتب، فـ” تكريم الكاتب الحقيقي هو أن تُقرأ كتبه، الجدل الذي حدث هو غالباً نتيجة للاحتقان السياسي، وأظن أن الجرح الحقيقي لهاني شنودة حدث عندما مُنع من العزف في الكنيسة، وتم تجاهل مبادراته التي ينادي بها منذ فترة طويلة للعزف وإقامة حفلات في المدارس والجامعات”.

يختم فضل قائلاً، إن “الحكومة لم تكن لتمنع إقامة احتفالات شعبية بهاني شنودة في الجامعات أو النوادي، ولم تكن لتقف ضد مبادرات تكريم من الناس، لكن سيطرة الاستبداد جعلتنا شاطرين في نقده، لكن أقل شطارة في صنع مبادرات فردية، مجتمع الفرجة والاستعراض يفكر في عدد مشاركات منشور ناقد على وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر مما يفكر في الذي أنجزه في الواقع وأثره”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.