fbpx

العاملات المهاجرات في لبنان: كيف استغلّ قناصل فخريون مناصبهم لتجاهل مطالبهنّ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

للقناصل الفخريين دور مساهم في استمرارية نظام الكفالة، حيث يلعب البعض منهم دوراً، عبر التشبيك مع مكاتب استقدام العاملات وسلطات الأمن العام، في تنظيم دخول وخروج العاملات المنزليات من وإلى لبنان، ما يثير الشكوك حول تورط عدد منهم بالكثير من الانتهاكات. هذا التحقيق يسلط الضوء على هذا الأمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتكبد العاملات المهاجرات في لبنان، أثماناً باهظة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تركت أعداداً منهن من دون عمل ومال وحماية. كثيرات منهن وقعن تحت رحمة سوء معاملة المشغّلين، واستغلال مكاتب العمل وإجحاف القوانين. 
في هذا التحقيق الذي ننشره بالتعاون مع منظّمة حركة مناهضة العنصرية في لبنان (Anti-Racism Movement (ARM، نركز على بعد إضافي، هو معاناة عدد كبير من العاملات من فساد وسوء معاملة بعض القناصل الفخريين لدولهن.


“لا يمكننا حتى الحديث عن الأمر”، تقول عاملة بغضب بعد نجاتها وزميلات لها من حريق شب في شقة سكنية في منطقة سد البوشرية، خارج العاصمة بيروت. أودى الحريق بحياة سبع عاملات مهاجرات من الجنسية السيراليونية مطلع شهر نيسان/أبريل هذا العام.

شكت العاملة في فيديو نشرته صفحة “أخبار الساحة”، من تقاعس أمني عن إنقاذ حياة العاملات، إذ أكدت أن الحريق وقع منتصف الليل لكن لم يأت أحد لإنقاذ الضحايا حتى الصباح التالي. 

رغم مرور أسابيع على الحادثة، لا تزال جثامين عدد من الضحايا في البرادات من دون دفن، والتحقيقات بطيئة، ومن دون خلاصات واضحة حول أسباب الحريق والمسؤول عنه.

لا تزال الحادثة قيد التحقيق، ولا معطيات جديدة عمّا جرى، وقد امتنعت جهات رسمية في وزارة العمل والقوى الأمنية عن الإجابة عن أسئلة “درج” بشأن مصير التحقيق. أما قنصلية سيراليون الفخرية، المعنية بالضحايا من الجالية السيراليونية، فاكتفت بإصدار بيان تعرب فيه عن أسفها لما حصل، وأجابوا بعد تواصلنا معهم، عبر مديرة مكتب القنصلية سارة أبو يحيى بالتالي: “قنصلنا الفخري السيد هاشم يرفض الإدلاء بأي تصريح قبل ظهور نتيجة التحقيق الرسمي”. 

تشير الناشطة لوسي توراي، وهي تتابع القضية من سيراليون، وعاشت سابقاً في لبنان، إلى أنه لم يتم استلام جثث الضحايا من جانب ذويهم، على رغم محاولاتهم الحثيثة التواصل مع الحكومة اللبنانية لإعادة الجثث إلى بلدهم، معربة عن خيبتها من تقاعس التحقيقات، معتبرة أن المماطلة سيدة الموقف، إذ يحصل أهالي الضحايا على “وعود فارغة” من الحكومة. 

تجسد حادثة سد البوشرية بشكل نافر ومعبر، واقع العاملات المهاجرات في لبنان الخاضعات لنظام الكفالة، وتجاهل الحكومة اللبنانية لأوضاعهن الحرجة في ظل وجود القنصلية الفخرية بطريقة شكلية فقط، من دون اتخاذ تدابير تساهم في حمايتهن. 

تُعتبر العاملات الأجنبيات واحدة من أكثر الفئات المهمشة التي تعاني نتيجة الانهيار الكبير الذي يعيشه لبنان، إذ ضربت الأزمة الاقتصادية اللبنانيّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، وانهارت قيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي، حينها وجدت كثيرات من العاملات أنفسهن أمام قنصليّاتهنّ، بعدما ألقاهنّ بعض أصحاب العمل في الشوارع. 

تقول الأرقام إنه في العام 2020، غادر لبنان حوالى 30 ألف عامل(ة) مهاجر(ة)، ومع تخبط البلد بأزماته يصعب الحصول على أرقام ومعلومات دقيقة حول نسب العائدات بعد ذلك التاريخ. 

قناصل فخريون وعاملات أجنبيات بلا حقوق 

من الصعب تحديد عدد العاملات المهاجرات اللواتي يعشن في لبنان بدقة، فبحسب تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” نشر في 2020، يعيش ما يقارب الـ250 ألف عامل(ة) مهاجر(ة)، لكن وفقاً لتقرير تقييمي نشرته وكالة الأمم المتحدة للهجرة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، هناك تقديرياً حوالى 135 ألف عامل(ة) مهاجر(ة)، ويعمل جزءٌ كبيرٌ منهن من دون تمثيل دبلوماسي رسمي، الأمر الذي يجعل القنصليات الفخرية صلة الوصل بينهن وبين بلدهن. 

وفق سلسلة “دبلوماسيّو الظلّ”، الذي أنجزه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، بالتعاون مع “درج” ومؤسسات صحافية دولية، تم نشر سلسلة من التحقيقات عن القناصل الفخريين الكُثر بصورة لافتة في لبنان، أولئك الذين يُعيّنون عادة في الدول التي تفتقد إلى تمثيل ديبلوماسي رسمي، بهدف تمثيل الجالية ورعاية مصالحها وتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولة الأم والدولة المستضيفة. 

في الحالة اللبنانية، للقناصل الفخريين دور مساهم في استمرارية نظام الكفالة، حيث يلعب البعض منهم دوراً، عبر التشبيك مع مكاتب استقدام العاملات وسلطات الأمن العام، في تنظيم دخول وخروج العاملات المنزليات من وإلى لبنان، ما يثير الشكوك حول تورط عدد منهم بالكثير من الانتهاكات، من ضمنها اتهامات بالمتاجرة بالبشر.

تتحمل البعثات الدبلوماسية مسؤولية الجاليات التي تمثلها، وخصوصاً في حالات الطوارئ، إذ ألقت تبعات الأزمة الاقتصادية، وجائحة فيروس كورونا وتفجير مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الضوء على مسؤولية القناصل الفخريين وقدرتهم على رعاية مصالح الجاليات التي من المفترض أن يمثلوها.

لم تستطع بعض العاملات مغادرة لبنان لوحدهن لأسباب عدة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أسباب أمنية تتعلق بادعاءات سرقة مزورة من أصحاب العمل، أو انتهاكات لحقوقهنّ، كحجز جوازات السفر لأسباب لوجيستية.

هذه الحالات دفعت بعدد من العاملات للجوء الى قنصليات بلادهن الفخرية، التي من المفترض أن يدافع فيها القناصل الفخريّون عن مصالح مواطنيهم ومواطناتهم وتسهيل شؤونهم. 

يكشف تحقيق مشترك بين “درج” ومنظمة حركة مناهضة العنصرية Anti-Racism Movement ARM، عن مُساهمة الكثير من القناصل في مأساة العاملات المهاجرات في لبنان، وبدأت سلسلة من الانتهاكات تضمنت اتهامات بسلب الأموال والتحرّش، وانتهاكات تورط فيها القنصل الفخري السابق لدولة غانا في لبنان ميشال حدّاد، والقنصل الفخري لدولة الكاميرون في لبنان جان عبود.

واقع العاملات المزري

تتقاضى العاملات رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور، إذ تتراوح الرواتب في نصوص عقود العمل بين  150 و 300 دولار شهرياً على مدّة سنة أو سنتين، فيما الحد الأدنى لأجور اللبنانيين 675,000 ليرة لبنانية، أي ما يعادل 450 دولاراً قبل 2019. ولا يوجد في القانون “راتب” موحّد للعاملات المنزليات، لذا تتبنى مكاتب الاستخدام مبلغ 150 دولاراً كحد أدنى لرواتب معظم العاملات المنزليات عرفاً لا قانوناً.

فاقمت الأزمة الاقتصادية سوء أوضاع العاملات، إذ ازداد عدد التبليغات عن تقاعس  أصحاب العمل عن دفع أجور العاملات، إما عبر رفضهم دفع الرواتب المستحقة للعاملات، أو بسبب تلقي العاملات رواتب بالعملة المحلية، أي بقيمة أقل من السعر المتفق عليه مسبقاً بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.

تتزامن هذه الانتهاكات مع موقف الخطاب السائد للإعلام الرسمي من العاملات، الذي يُلقي اللوم عليهن، ويتهمهن “بتهريب الدولارات” خارج لبنان لتفادي إلقاء اللوم على النخبة السياسية، التي تتحمل مسؤولية هندسة الاقتصاد اللبناني وما تسببت به من انهيارات وأزمات. لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الإعلام التقليدي في لبنان، المسيطر عليه غالباً من طبقة نافذة أو جهات في السلطة، يركز في مقاربته لقضية العاملات المهاجرات، على أنهن ضحايا عنف أصحاب العمل المسيئين فقط، من دون ذكر أن هذا العنف ممنهج في ظل نظام الكفالة.

تخضع العاملات المهاجرات في لبنان لنظام الكفالة الذي يفقدهن صيغة العامل أو الموظف بأجر، ليتحولن إلى ما يشبه الرقّ، فيفرض عليهن العمل لساعات طويلة من دون إجازات واضحة، ويحرمهن من حقوقهن الطبيعية، ما يضعهنّ تحت رحمة صاحب العمل الذي يصادر جواز سفرهِن، وفي بعض الأحيان يمنع عنهن الإجازات ويحوّل المنزل إلى سجن يمنع عليهن الخروج منه، حسب تقارير متكررة لمنظّمات حقوقيّة محلية ودولية.

قنصل غانا الفخري السابق: تجاهل اعتداءات جنسيّة وتلف أدلّة!

أُجبرت برليندا، التي عملت لدى عائلة في لبنان بين عامي 2018 و2019، على العودة إلى منزل مُشغلها الذي كان يتحرّش بها، لأن القنصل الفخري السابق لبلدها غانا، ميشال حدّاد، رفض الأخذ بشهادتها، رغم أنّها وثّقت التحرّش المتكرّر الذي تعرضت له بالفيديوات. 

لا تذكر برليندا المنطقة التي كانت تعيش فيها، ولكنها تذكر جيداً العائلة التي عملت لديها (رفضت ذكر اسمها)، والتي باشرت باستغلال برليندا مباشرةً، فحرمتها من الطعام لساعات طويلة، وأجبرتها على العمل لساعات متأخرة من الليل. ومع مرور الوقت،  بدأ صاحب العمل بالتحرّش بها، فحاولت صدّه لكنه لم يرتدع، ووصل الأمر حد تعرضها للاغتصاب حسب شهادتها. 

استنجدت برليندا بعد تعرضها للاعتداء، بقنصليتها في لبنان عبر حدّاد، وعرضت الأدلّة التي بحوزتها، وأصرّت قائلةً: “خذوني الى المستشفى لتتأكدوا أنني اغتصبت!”، إلاّ أنّ القنصل الفخري أجبرها على مسح كل الأدلّة، ورفض بالاتفاق مع صاحب المكتب عرضها على طبيب وفقاً لشهادة برليندا لـ “درج”، وانتهى الأمر بأن تعود مرغمة إلى منزل صاحب العمل. 

قالت برليندا في حديثها لـ “درج”، أنّ صاحب العمل كرر اعتداءاته وتحرشاته، لكنها أخفت الأمر عن زوجته خوفاً من ردّات الفعل، خصوصاً أنها تعرّضت سابقاً لعنف جسدي في المنزل على يد الزوجين، لكنها لم تخبر أحداً من مكتب استقدام العاملات المهاجرات حيث ضُربت وعنّفت أيضاً.

بقي الأمر كذلك إلى أن ضاقت ذرعاً بما تختبره، فتواصلت مع جمعية “هذا لبنان”، المتخصصة بكشف الانتهاكات بحق العاملات في لبنان، التي ساعدتها في إنجاز معاملاتها والعودة إلى بلدها. 

تقول الأرقام أن في لبنان حوالى 11,645 عاملة من الجنسية الغانية عام 2019، وعام 2020 تمكّنت أكثر من 2200 منهنّ من العودة إلى بلادهن بمساعي وزارة الخارجية الغانيّة، التي تدخلت بسبب عدم تجاوب الجهات اللبنانية المعنية، وفقاً لموقع الاتحاد الأطلسي لوكالات الأنباء الأفريقية

فاقت تكلفة العودة حينها، أي 2019، المليون دولار أميركي، تحمّلت الحكومة الغانية أكثر من نصفها، حسب تشارلز أوريدو، نائب وزير الخارجية والتكامل الإقليمي في غينيا، فالقنصلية في لبنان لم تدرج الموضوع على قائمة أولوياتها. وبعد معاناة ومماطلة طويلة، قرّرت جمعية “هنا لبنان” التواصل مع سفير غانا في لبنان وينفرنيد أوكاي هاموند المقيم في القاهرة. 

يشغل علي جعفر حاليأً منصب القنصل الفخري لغانا في لبنان، وقبله كان رجل الأعمال اللبناني ميشال حدّاد، الذي تقلد هذا المنصب حتى عام 2021، ثم حُيّد عن المشهد الدبلوماسي بعد تسريبات عن استغلاله منصبه لمكاسب ماديّة، وتطويره شبكة متشعّبة من العلاقات عبر مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات، أحدها مكتب تشغيل العاملات “كويك ستيب سيرفسز” الذي يديره حسين مروّة، بحسب موقع “هذا لبنان“، وهي الجمعية المتخصّصة بتتبّع حالات العمالة المهاجرة في لبنان ومحاربة نظام الكفالة.

تواصلنا مع قنصلية غانا الفخرية في لبنان للحصول على تعليق، لكننا لم نحصل على رد. 

قنصل الكاميرون الفخري: 800 دولار مقابل الترحيل!

ساندت فيكتوريا خلال عامها الثالث في لبنان زميلاتها حين قرّرن الاعتصام أمام مبنى القنصلية الكاميرونيّة أواخر تمّوز/ يوليو 2020، قبل أيام من انفجار مرفأ بيروت. وشدّدت فيكتوريا التي كانت تمارس عملاً حراً قبل مغادرتها لبنان، على أنّ هذا الاعتصام كان المرّة الأولى التي تسوء فيها حال العاملات إلى حد قررن بعده الاعتصام وتَصعيد احتجاجهنّ على ما يعشنه.

تجاهل جان عبّود، القنصل الفخري لدولة الكاميرون في لبنان لأكثر من 20 عاماً، ورئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان، أصوات العاملات المرتفعة أمام مكتبه، بعدما انتظرنَ إمّا أمام القنصلية أو في مكان سكنهن لأكثر من ستة أشهر، رافقتها محاولاتٌ حثيثة لإنجاز الأوراق الثبوتية المطلوبة لمغادرة البلد. 

تقول فيكتوريا في شهادتها لـ”درج”: “عندما تصلين الى مقرّ القنصلية، تكونين لوحدك رغم التزعّمات بالمساعدة والاهتمام”، وتابعت قائلةً إنّ سكريتيرة القنصل الفخري، جورجيت، تجاهلت التظاهرات في البداية، وحين استنجدت بها بعض العاملات، صرفتهن إلى موعد لاحق. 

رفض التجاوب مع العاملات المحتجات برز خصوصاً حين يتعلّق الأمر بإذن السفر  laissez–passer الذي يسمح بعبور الحدود مرّة واحدة بشكل استثنائي في حال عدم امتلاك جواز سفر، الإجراء الذي اضطرت العاملات المنزليات لاتباعه كون مكاتب التشغيل قد صادرت جوازات سفرهن. 

هذا الإجراء – أي حجز جوازات السفر، الذي لا يوجد له نص قانوني أساساً، يعتبر أداة للتحكم بحياة العاملات، اللاتي وجدن أنفسهن مضطرات للتعامل مع مساعدة القنصل، كون عبود كان بمثابة الحاضر الغائب دوماً، إذ لم يروْنه أبداً ولم يتجاوب أو يعلق على احتجاجاتهن الطويلة ومعاناتهن المضنية.

اعتصمت العاملات أمام القنصلية مدّة أسبوع، وصلن فيها الليل بالنهار لتحقيق مطلبهنّ بالعودة إلى الكاميرون سالمات، خلالها تعرضن للضغط النفسي والمادي، فتارة عليهن أن يدفعن مئة دولار، وتارة أخرى مئتي دولار، بحجّة تغطية الغرامات التي دفعها أصحاب المكاتب بسبب بقاء العاملات في لبنان. 

أُجبِرت القنصلية على إعادة العاملات إلى بلدهنّ بعد تدخّل المنظمات غير الحكومية، كما أنّ القنصليات لم تدفع ثمن تذاكر السفر، التي تكفلت المنظمات بها وسط تجاهل وزارة العمل لشأنهنّ، علماً أن الأخيرة ليست مجبرة قانونياً بالتكفل بالعاملات، لكنها مسؤولة عن تيسير أمورهن. 

أخذت المعاناة مساراً مختلفاً في قصة كيسي، التي سافرت من الكاميرون نحو لبنان عبر مكتب استخدام العاملات الأجنبيات، آملة بحياة أفضل بسبب تدنّي مستوى المعيشة في بلدها الأم، ورغم أنها تمكّنت لاحقاً من العودة إلى بلدها في شباط/ فبراير 2015، إلاّ أنّ العذاب الذي شهدته لا يختلف عما اختبرته زميلاتها. إذ لم تستطع كيسي الصمود في لبنان لعام كامل، ما اضطرّها للعودة إلى الكاميرون في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه.

تواصلنا في “درج” مع كيسي عبر الهاتف، و أخبرتنا أنّ الشروط لم تكن ملائمة لاستمرارها في العمل، موضحةّ أنّ العميل كذب عليها ولم يقل لها إنّها ستعيش في ما يشبه “سجن” بلا ساعات راحة أو عطلة. 

أمضت كيسي يومياً ساعات طويلة بمفردها مع ابن صاحب المنزل، الذي استغلّ الموقف وحاول اغتصابها، ثمّ هدّدها مراراً الى حد أنه رفع سكيناً في وجهها كما تقول. التزمت كيسي الصمت بدايةً خوفاً من ردّ فعل صاحبة المنزل، حتى واجهتها واكتفت الأخيرة بتكذيبها وإرسالها إلى مكتب استقدام العاملات “لتأديبها”. 

حاولت كيسي التواصل بإلحاح مع القنصلية في لبنان، ثم تمكّنت من الوصول الى الخارجية الكاميرونيّة التي ساعدتها على إنجاز أوراقها. تحمّلت الخارجية الكاميرونية المسؤولية كاملة إضافة إلى التكلفة المادية المتعلقة بالأوراق الثبوتية، فيما تجاهلت القنصلية الفخرية في لبنان طلبها ووضعته في عهدة الخارجية الكاميرونية، التي تمكّنت من مساعدتها، لكن أجرة تذكرة السفر كانت على حساب كيسي بسبب مخالفة عقد العمل الموقّع على عاميْن، بسبب مطالبتها الرحيل. 

أوضح موقع “This Is Lebanon” أنّ عبود تقاضى ما يقارب الـ 800 دولار أميركي من كل عاملة مقابل الحصول على شهادة سفر طارئة، بسبب مصادرة أصحاب العمل جوازات السفر بحجّة نظام الكفالة. 

تابعت سيندي، وهي متحدثة باسم العاملات الكاميرونيات، قائلةً إنّ عبّود لم يكترث، ولم يُساعدهن على إنجاز الأوراق المطلوبة لخروجهنّ القانوني والسلمي من البلد. تعقيباً على ذلك، قالت المحامية مهانة إسحاق من جمعيّة كفى، التي تابعت حالات العاملات، إنهن اختبرن في هذه الفترة معاملة غير إنسانيّة، لكن المسائل القانونية (جواز سفر على سبيل المثال)، كانت تستغرق وقتاً بسبب عدم وجود قنصلية رسمية في لبنان. 

القنصل الفخري، كما تشرح إسحاق، محدود الصلاحيات وبالتالي لا يحقّ له إصدار جوازات سفر أو أوراق رسمية ثبوتية، لكن باستطاعته إصدار مذكّرة سفر اضطرارية، لا سيّما أنّ جوازات سفر العاملات كانت بحوزة أصحاب العمل. لذا وجُب عليهنّ التواصل مع سفارات في دول عربية أخرى أو أجنبية، ما ساهم في تضييع الوقت واستمرار مكوثهنّ في الشارع نتيجة التأخير اللوجيستي. 

أوضحت إسحاق في ما يخصّ الأموال التي دفعتها العاملات، أنّ القنصلية الكاميرونية في لبنان طلبت هذه المبالغ لتيسير الأمور في الأمن العام، الذي كان متجاوباً ومتعاوناً حينها. وفي عزّ الأزمة المالية بعد 2019، أجبرت شركات الطيران المسافرين على دفع ثمن التذاكر بالدولار بدلاً من الليرة اللبنانية، التي خسرت أكثر من 40 في المئة من قيمتها، فتحمّلت العاملات الأعباء المالية، والنتيجة كانت مخيبة لآمالهنّ. 

تواصلنا مع القنصلية الكاميرونية عبر البريد الاإكتروني للتعليق، إلاّ أن الأخيرة لم ترد. 

رغم كل جهود المنظّمات الحقوقيّة في لبنان، ما زالت العاملات المهاجرات تقعن تحت رحمة نظام الكفالة وأصحاب العمل وأصحاب المكاتب وأيضاً قناصل دولهنّ، فهم يتحملون المسؤولية في الكثير من الحالات التي لم يقفوا فيها إلى جانب العاملات لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي تواجههنّ، بل وقفوا في وجههن. ورغم محدودية صلاحيات القناصل الفخريين، إلا أنهم مسؤولون عن عرقلة مصالح جالياتهم عبر استغلالهم مواقعهم في السلطة وارتكابهم الكثير من الانتهاكات.