fbpx

مؤسسة دولية لتحديد مصير المخفيين قسراً في سوريا… خطوة تاريخية هل تتحقق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم مرور أكثر من 12 عاماً على انطلاق الثورة السورية، التي اختفى خلالها آلاف السوريين، هناك حاجة ماسة اليوم الى مؤسسة دولية توحّد الجهود وتنسّقها، وتعمل على جمع المعلومات وتوفير الإجابات للعائلات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“خرج صباحاً ولم يعد”، العبارة التي تتكرر في الجلسات السوريّة، وأصبحت جزءاً من الفقدان الذي تختبره آلاف العائلات منذ سنوات، فعلى عائلات وأزواج وأبناء المفقودين والمختفين قسراً، أن يتعاملوا مع معضلةٍ لا حلَّ لها، تتلخّص بسؤال “أين أحباؤنا؟”.

 لا تمتلك أسر المختفين أي خيط يمكن تتبّعه للوصول إلى المفقود، ومن هذا الفقدان والأمل المهدد، بدأ عمل روابط تضم عائلات المفقودين والمختفين قسراً، وسعيهم الى إنشاء مؤسسة، قد تكون الخطوة الأولى لتحديد مصير آلاف المختفين قسراً!.

12 عاماً… ولا خبر عن المختفين

اختفى زوج السيدة فدوى محمود  وابنها في تاريخ 20 / 9 / 2012  من مطار دمشق الدولي، وإلى اليوم لم تسمع عنهما أي خبر. كان الدكتور عبد العزيز الخير وماهر الطحان عائدين من الصين، ضمن وفد  “هيئة التنسيق الوطنية”، بهدف الحوار وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ولم يصلا المنزل أبداً. السيدة فدوى واحدة من الآلاف الذين ينتظرون خبراً عن أبنائهم وأقاربهم، ورغم البحث الحثيث، لا خبر حتى الآن يثلج قلبها وقلوب الآلاف.

قصة فدوى واحدة من آلاف القصص الأخرى التي ناضل أصحابها طويلاً في سبيل الوصول إلى مجرد خبر عن الأحباء، وبعد نضال أكثر من عقد، قد تتمكن هذه العائلات أخيراً من تحقيق خطوة تاريخية في ملف المفقودين، ليس في سوريا فحسب إنما في العالم، إذ قد يفضي نضال روابط الناجين وعائلات المخفيين قسراً في سوريا إلى إنشاء مؤسسة دولية مستقلة للكشف عن مصير المختفين قسراً.

ورغم مرور أكثر من 12 عاماً على انطلاق الثورة السورية، التي اختفى خلالها آلاف السوريين، هناك حاجة ماسة اليوم الى مؤسسة دولية توحّد الجهود وتنسّقها، وتعمل على جمع المعلومات وتوفير الإجابات للعائلات.

أصوات مَن في المعتقلات

أحمد حلمي معتقل سابق لدى نظام الأسد ومدير ومؤسس “مبادرة تعافي”، إحدى روابط الضحايا التي تقود العمل نحو إنشاء المؤسسة، يقول لـ “درج”: “شخصياً كل ما نام بسأل حالي ليش أنا نجيت من بين العشرات يلي توفو ا قدام عيوني بالمعتقلات. وكل يوم بحس على كتافي في أصوات من الناس يلي تركتن بالسجون والمعتقلات عم تسألني شو عم تعمل مشانا؟ يمكن إنشاء هالمؤسسة رح يعطيني شعور إنو نجاتي كان إلها سبب”.

بذلتْ مجموعة “ميثاق العدالة والحقيقة”، وهي عبارة عن روابط تضم ناجين وعائلات المختفين قسراً في سوريا، جهداً هائلاً لتحقيق هذا الإنجاز، كانت البداية عام 2020 حين طالبت المجموعة المجتمع الدولي بإنشاء مؤسسة مستقلة تعمل على كشف مصير المخفيين قسراً في سوريا، بحسب حلمي.

حصل المطلب على زخم دولي كبير بالإضافة إلى دعم عدد كبير من الجهات السورية والدولية والأممية، على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان. لاحقاً، تمكنت المجموعة من التأثير في قرار الجمعية العامة، وإضافة نص قرار يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إجراء دراسة عن آليات توحيد الجهود في ملف المخفيين.

صدرت الدراسة بالفعل في آب/ أغسطس 2021، والتي توصي الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء المؤسسة، وبعد الحصول على التوصية الرسمية من الأمين العام بدأت الرابطة بحملات ضغط على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإقناعها بضرورة إنشاء المؤسسة، تم الانتقال بعدها الى الضغط على الدول لتشكيل مجموعة عمل أساسية عابرة للأقاليم ذات قرار مستقل.

يشير حلمي الى أن روابط العائلات استطاعت خلال الأسابيع الماضية، تحقيق هذا الهدف، وحشد عدد من الدول التي وعدت بالانضمام إلى مجموعة العمل، وهي: لوكسمبورغ، بلجيكا، كوستاريكا، مقدونيا، ألبانيا، جمهورية الدومينيكان، وربما ساحل العاج أيضاً. وبهذا، تمكنت مجموعة العمل من تحقيق  تمثيل إقليمي لغرب أوروبا وشرقها، بالإضافة إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية، ويسعى الميثاق حالياً الى تعزيز التمثيل الإفريقي وجلب تمثيل آسيوي، ما سيزيد الثقل العالمي ويثبت الحاجة الملحة الى تأسيس هذه المؤسسة.

 يتابع حلمي: “هدفنا من التمثيل العابر للأقاليم، عكس إرادة دولية لدعم التقدم في ملف البحث عن المخفيين قسراً في سوريا”، وقد تمكنت الرابطة من الحصول على دعم غالبية منظمات حقوق الإنسان الدولية وعدد كبير من روابط عائلات المفقودين في دول عدة، منها رابطة “أمهات ساحة دي مايو” في الأرجنتين، وأكثر من 80 عائلة من المكسيك وآخرين”.

أزمة عدم معرفة الحقيقة

يعاني أهالي المفقودين والمختفين قسراً من أوضاع نفسية واجتماعية مرعبة، إذ يُترك أفراد الأسرة في آلة ألم مستمر، ويعلق الحداد، ناهيك بتعرضهم للابتزاز للحصول على معلومات، أو خطر الاعتقال عند البحث عن أحبائهم المفقودين، ما يعني أن فرصة السؤال لدى الجهات المختصة غير متاحة هي أيضاً في سوريا، ما يجعل من اختفاء شخص أزمة عائلية حقيقية، وفي حال كان المختفون بالآلاف، فالمشكلة تصيب “الجميع”.

وفق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تؤدّي العقبات والانتهاكات التي تواجهها الأُسر عند البحث عن إجابات بشأن أقاربها، إلى تفاقم “صدمة عدم معرفة الحقيقة”، بالإضافة إلى الخوف من الانتقام عند الإبلاغ عن حالات اختفاء، أو الابتزاز الذي يمارسه مَن يستغلّ يأس الأسر بطلب المال مقابل الحصول على خبر عن المفقود، ما أدى إلى ظهور سوق سوداء “تبيع” تقارير مزورة ومزيفة عن الاحتجاز والاستجواب، ويدّعى من ينشط فيها امتلاك صلات مع السلطة تمكّنه من تحديد “مصير” المختفي .

تواجه العائلات أيضاً عقبات قانونية تمسُّ جوانب أساسية من حياتهم اليومية،  كالعجز عن الوصول إلى الممتلكات أو الوثائق المدنية أو الحسابات المصرفية أو إلى الميراث  أو الوصاية على الأطفال، بسبب غياب المختفي وعدم “توفيته” رسمياً، ما يترك ممتلكاته وما يتعلق به كـ”مواطن” من معاملات، معلقاً.

يقول حلمي: “إنشاء مؤسسة تُعنى بالمفقودين قسراً، سيكون سابقة في تاريخ الأمم المتحدة من ناحيتين، أولاً استجابة المجتمع الدولي وإنشاء مؤسسة بناءً على طلب من روابط الناجين وعائلات المفقودين، ثانياً ستكون مؤسسة أممية تعمل على البحث عن المفقودين والمخفيين، لذلك أعتقد أنها خطوة تاريخية”.

يرى أحمد أن المؤسسة ستحدث فرقاً على أرض الواقع، لكن ليس على المدى القريب، لأن عمليات البحث من أكثر العمليات تعقيداً وتحتاج وقتاً لتظهر نتائجها، بالإضافة إلى أن هناك كماً هائلاً من المعلومات والبيانات والشهادات التي تخدم عمل البحث وكشف مصير المختفين قسراً لم تُجمع أو يتم التعامل معها الى الآن.

تاريخ الاختفاء القسري منذ الثورة في سوريا

وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك قرابة الـ111 ألف مواطن / ة مختفٍ ومختفية قسرياً منذ آذار/ مارس 2011، غالبيتهم العظمى لدى النظام السوري، ويرتبط الاختفاء القسري في سوريا بشكل أساسي بظاهرة الاعتقال التعسفي.

 اعتقل نظام الأسد المتظاهرين خلال عمليات واسعة النطاق منذ الأيام الأولى للحراك في آذار 2011. وهو يستخدم الإخفاء القسري كأداة لقمع المتظاهرين وترهيبهم، بهدف التخلص من كل أشكال المعارضة.

 شهدت السنوات الأولى من الثورة أعلى نسبة من المختفين قسرياً، لأن التظاهرات كانت تنتشر بكثافة، ضمن مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري. ووفقاً للشبكة السورية، فقد مارست جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة عمليات واسعة من الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري للمواطنين السوريين، ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، بهدف ترهيب الخصوم السياسيين وإخضاع السكان.

ووفقاً لمنظمتي “هيومان رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، فإن النظام السوري بقيادة بشار الأسد، يتحمل المسؤولية عن الغالبية العظمى من حالات الاختفاء، والتي غالباً ما تسفر عن وفيات في الحجز وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء. 

تشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود 5161 طفلاً و10159 سيدة لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب/ أغسطس 2022، وهناك 135253 مُختفياً قسرياً لدى النظام السوري (3684 طفلاً، و8469 سيدة)، بالإضافة إلى الموجودين لدى “داعش” والمعارضة المسلحة ووحدات الحماية الكردية وهيئة تحرير الشام.