fbpx

سوق الدولار السوداء تضع مصر في خانة “اليك”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليست ظاهرة السوق السوداء للدولار جديدة على المشهد الاقتصادي المصري، بل قديمة قدم اعتماد اقتصاد البلاد على الاستيراد من جهة، وتحويلات العاملين في الخارج من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عادت السوق السوداء للدولار للانتعاش مجدداً في مصر، ووصل سعر الدولار إلى 36 جنيهاً، في ظل ترقب السوق لتخفيض جديدٍ للجنيه المصري رسمياً، بخاصة بعدما ارتفع سعر الفائدة 200 نقطة أساس، في 30 آذار/ مارس.

يأتي التخفيض المنتظر إثر الضغوط المتجددة على الجنيه المصري، بفعل انصراف المستثمرين الدوليين عن سندات وأذون الخزانة المصرية، في ظل تجاوز سعر الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهراً عتبة الـ40 جنيهاً للدولار، وبسبب تراكم السلع والمنتجات المستوردة في الموانئ، وحاجة المستوردين الملحة إلى الدولار.

وفي هذا السياق، حرَّك الطلب المستمر على الدولار بما يتجاوز الموجود في البنوك تداولاً للدولارات بكثافة في السوق السوداء، ما جعل الكثير من المصريين في الخارج يفضلون الاحتفاظ بدولاراتهم، أو تداولها في السوق السوداء، بعيداً من النظام المصرفي المصري.

من ينصب السوق؟

الباحث الاقتصادي المصري، محمد سلطان، يرى أن السوق السوداء تزدهر عندما يعجز الجهاز المصرفي عن تلبية الطلب المعتاد من المستوردين على الدولار وغيرهم من طالبي الدولار، أو يزيد من تعقيدات شراء الدولار لأغراض السفر والشراء في الخارج، وتتراجع السوق السوداء حين يحدث العكس.

وأضاف سلطان: “غالباً ما يكون توقف البنوك عن تلبية الطلب على الدولار قراراً مركزياً، تعود لأسباب طويلة المدى، مثل وجود اختلالات هيكلية في ميزان المدفوعات، أو لأسباب قصيرة ومتوسطة المدى، مثل دورة النشاط الاقتصادي العالمي، أو حدث قلل من تحويلات العاملين بالخارج، أو تراجع حصيلة الصادرات”. 

وبناءً على الوصف السابق لسلطان، في تلك اللحظات ينشط بعض المضاربين في العملة، خصوصاً المصريين في الخارج الذين ينصبون سوقاً لاستقطاب الدولارات التي يود زملاؤهم إرسالها إلى الأهل في الداخل، ويقوم أناس تابعون لهؤلاء التجار في مصر بتعويض من يود إرسال دولارات إلى الداخل بالعملة المحلية، من دون أن تمر الدولارات بالجهاز المصرفي.

وحين يتم إرسال الدولارات إلى الداخل لا يتم التنازل عنها للبنوك، بل يتم الاحتفاظ بها في المنازل بهدف بيعها بأعلى سعر، وهو أمر يقلق السلطات النقدية، التي طرحت صباح 2 نيسان/ أبريل 2023 شهادات إدخارية بعائد 19 في المئة ثابت و22 في المئة متناقص على 3 سنوات، بهدف إغراء حائزي الدولار لبيع العملة الصعبة ووضع أموالهم في البنوك.

عادت السوق السوداء للدولار للانتعاش مجدداً في مصر، ووصل سعر الدولار إلى 36 جنيهاً، في ظل ترقب السوق لتخفيض جديدٍ للجنيه المصري رسمياً، بخاصة بعدما ارتفع سعر الفائدة 200 نقطة أساس، في 30 آذار/ مارس.

ظاهرة قديمة

ليست ظاهرة السوق السوداء للدولار جديدة على المشهد الاقتصادي المصري، بل قديمة قدم اعتماد اقتصاد البلاد على الاستيراد من جهة، وتحويلات العاملين في الخارج (وهذا هو الأهم) من جهة أخرى، وقد عرفتها مصر بشكل الحالي منذ السبعينات، مع هجرة أول جيل مصري إلى الخليج ولاحقاً إلى بلدان أخرى.

وبسبب تلك الهجرات، هيمن الطابع الريعي على النظام الاقتصادي المصري، إذ تحتاج الدولة إلى تحويلات العاملين في الخارج بطريقة إدمانية، ويجب أن ندرك أن هذا القسم من المصريين يمثل عصارة فكرة الخلاص الفردي، فهؤلاء نجوا بأنفسهم من الأزمات السياسية والاجتماعية والمعيشية.

وهم يعتبرون أنفسهم أصحاب فضل لا يمكن رده على البلاد وأهلها، فهم من يوفر العملة الصعبة لشراء القمح ومختلف المستوردات وصولاً إلى السلاح، مقابل حفنة من الجنيهات التي لا تساوي شيئاً يذكر.

لذا لطالما مارسوا ضغوطاً من أجل تحرير سعر الصرف بحبس دولاراتهم في الخارج، حتى تضطر الدولة إلى تخفيض سعر الجنيه وتستقطب تلك الدولارات الشاردة.

كيف تعمل السوق السوداء؟

تكر بكرة الأزمة بمجرد أن يتملص الجهاز المصرفي من تلبية الطلب على الدولار، يقول سلطان لـ”درج” إذ يشرع بعض طالبي الدولار في البحث عن ملبين لطلباتهم، وهنا تظهر السوق السوداء، وتحاول منافسة السوق الرسمية، لجذب مزيد من الدولارات لتلبية الطلب المتزايد، فترفع أسعارها جنيهاً أو اثنين في السوق الرسمية، هنا يباشر عارضو الدولار وهم بشكل أساسي “العاملون بالخارج والمصدرون” في التوجه للسوق السوداء. 

وبذلك يتراجع الدولار المتداول في الجهاز المصرفي أكثر، كما يقول الباحث الاقتصادي، فيتملص الجهاز المصرفي من التزاماته بتلبية الدولار أكثر، فيذهب مزيد من الطلب إلى السوق الموازية، فترفع السوق الموازية سعر شرائها للدولار بشكل أكبر، ليزداد الفارق بين الرسمي والموازي، وتميل توقعات حاملي الدولار بزيادة سعره مستقبلاً، ويزداد تمسكهم به أكثر، فتضطر السوق الموازية إلى رفع أسعار شرائها للدولار أكثر فأكثر. تزداد الفجوة بين الرسمية والسوداء، فتخرج السوق الرسمية من كونها فاعلاً أصلاً في سعر الصرف، وتتحكم السوق السوداء في العرض والطلب”.

وبحسب تحليل سلطان فهنا يظهر نوع جديد من الطلب على الدولار، وهو الطلب لأغراض المضاربة وليس للاستهلاك، ومع كل زيادة سعرية له، تتأكد التوقعات بارتفاعات مستقبلية، فيزداد تمسك حامله به، فيرتفع سعره، وكذلك الطلب عليه.

هل يقدر المركزي على هزيمتها؟

ظهرت السوق السوداء في أزمتي 2016 و2022، حين انخفض الاحتياطي النقدي، وهو ما أفقد البنك المركزي القدرة على الدفاع عن الجنيه ضد هجمات المضاربين وأطماع المنخرطين في السوق السوداء وتوقعاتهم وهواجسهم، فالبنك لا يملك في مواجهة ذلك إلا ضخ دولارات في السوق.

وإذا لم يتمكن من توفير دولارات للمستوردين، للحفاظ على احتياطاته الهزيلة من الاستنزاف فإنه يلجأ إلى تعويم العملة (تخفيض الجنيه) على مضضٍ، وبالتزامن مع حرب إعلامية شعواء على السوق السوداء التي يتم تحميلها وزر تدهور سعر الجنيه.

تصليح الساعة بالشاكوش

الضغوط التي تخلقها السوق السوداء على سعر العملة أشعلت موجة عدائية تجاه السوق السوداء في دوائر الحكم، وأحياناً تتحرك الأجهزة الأمنية للحد من السوق السوداء بعمليات اعتقال عشوائية لتخويف المضاربين.

إلا أن الدولة لا تستطيع أن تلغي السوق السوداء، لأنه إذا زاد مستوى العنف ضد المضاربين في السوق السوداء فإنهم لن يذهبوا بدولاراتهم إلى البنوك من أجل استبدالها بالجنيه كما يحلم النظام، بل سيتوقفون عن المضاربة كلياً ليحتفظوا بهذه الدولارات حتى إشعار آخر، وهو ما يمثل خطورة مضاعفة على اقتصاد البلاد، لا سيما على المستوردين الذين يحتاجون إلى العملة الصعبة لإدخال الغذاء والدواء إلى البلاد.

لكن لا يمكن تحميل السوق السوداء مسؤولية التدهور الحالي، فسعر الجنيه مقابل الدولار يتحدد في الاقتصاد الحقيقي، وليس في مجموعات بيع وشراء الدولار على “تليغرام”. وذلك عبر احتساب الفرق بين ما يدخل إلى الدولة من دولارات وبين نفقاتها بالدولار، أي ما تستورده، ولأن مصر خلال السنوات الثمانية الماضي كانت تنفق كدولة بترولية (من دون بترول) فإنها خلقت فجوة من العجز لا يمكن ردمها بسهولة.

في زحام من المشاكل

مرّ اجتماع اللجنة النقدية بالبنك المركزي في 30 آذار/ مارس الماضي من دون تخفيض الجنيه، وربما يشير هذا إلى أن البنك لا يتوقع أن يجلب التخفيض تدفقات رأس المال الخليجي التي يحتاج إليها، أو أنه يخشى أن يثير التخفيض شهية السوق السوداء لرفع الأسعار أكثر، خصوصاً أن المضاربين يأملون بوصول الدولار إلى 38 جنيهاً، كما أن كل تخفيض متوقع يطيح بشرائح من المواطنين تحت خط الفقر.

لكن هل يكفي تخفيض الجنيه لحل مشكلة السوق السوداء ونتائجها كزيادة الطلب على الذهب والبضائع تخوفاً من تحركات سعرية قادمة خصوصاً أن التجار بدأوا في تسعير المنتجات بالدولار؟

وهل يمكن أن يكون ضخ دولارات من الاحتياطي النقدي حلاً جرئياً يقدم عليه المركزي على أمل تعويض ما ضخه من دولارات بمجرد أن يستقر سعر الصرف عبر التنازل الرضائي للعاملين في الخارج عن الدولارات؟

عن السؤال الثاني يجيب سلطان بأنه منحاز لاستخدام احتياطي النقد الأجنبي للسيطرة على سعر الصرف عن طريق ضخه في السوق، فالسيطرة على سعر الصرف أولوية ليس فقط لدواعي اجتماعية لها علاقة بالتضخم ومستويات المعيشة، ولكن أيضا لها علاقة بالدلائل التاريخية التي تفيد بإنه يستحيل زيادة او حتى الحفاظ على مستوى ثابت لاحتياطي نقدي في ظل أزمة عملة، مشيراً إلى أنه لا يرى أن الضخ من الاحتياطي النقدي يعتبر حلا كافيا للأزمة الحالية. 

فالاحتياطي النقد الأجنبي في النهاية رقم صغير نسبياً، حتى في أقصى فترات ارتفاعه، كما يقول سلطان، وذلك بالمقارنة مع الطلب والغرض الدوريين على الدولار في الجهاز المصرفي ككل، فعام 2020 كانت قيمة تحويلات العملة الأجنبية بين البنوك المصرية  “الإنتربنك الدولاري” تتجاوز 55 مليار دولار.

وبالتالي لا تمكن السيطرة على سعر العملة اعتماداً على احتياطي النقد الأجنبي فقط، بحسب تحليل الباحث، بل يجب اتباع سياسات نقدية تضمن بقاء عرض الدولار داخل الجهاز المصرفي ككل حتى يستطيع الجهاز المصرفي (ويحتمل بدون الحاجة إلى الاحتياطي) تلبية طلبات الدولار الدورية، فتلبية الطلب هي الضمانة الأساسية لبقاء عرض الدولار داخل الجهاز المصرفي.

ويستنتج الباحث من ذلك أنه يمكن أن يُهدئ البنك المركزي والجهاز المصرفي المصري عموماً، وتيرة الأزمة الحالية، من خلال اتباع سياسات تركز على عدم السماح باتساع الفجوة بين الأسعار الرسمية والموازية للدولار حتى ولو كان بالتعويم الموقت، إضافة إلى توفير الدولار لطالبيه باعتباره أولوية قصوى. 

وبعد تدفق الدولار ثانية إلى الجهاز المصرفي ستكون في يد البنك المركزي قوة لتخفيض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه إلى المستويات التي يريدها، كما يأمل سلطان، وهو ما حدث بعد تعويم 2016، إذ خفض المركزي سعر الصرف من 18 جنيهاً للدولار إلى 15.70. لكن ذلك لن يستطيع إقناع حاملي الدولار بتداول دولاراتهم داخل الجهاز المصرفي وليس خارجه، كما يقول سلطان. 

على الحبال بين الأمل واليأس

لم يقتنع مستثمرو السندات بسعر الفائدة الحالي (18.25 في المئة للإيداع و9.25 في المئة للإقراض)، إذ لا يزالون يرونه سعراً سلبياً قياساً بنسبة التضخم التي وصلت إلى 31.9 في المئة، ويضغطون على السلطات النقدية من أجل تخفيض جديد للجنيه، فيما يحتاج النظام إلى التدفقات الأجنبية سواء عبر أدوات الدين أو بيع الأصول، لكن الحكومة المصرية عالقة في فخ لا يبدو الخروج منه سهلاً.

فالضغط على المكابح النقدية (رفع سعر الفائدة وتخفيض الجنيه) يمكن أن يدخل البلاد إلى نفقِ ركودٍ عميق، وربما يطلق تخفيض الجنيه شرارة اضطراب اجتماعي لا تمكن السيطرة عليه.

لكن المشي على حبال التوازن الدقيقة لن يستمر طويلاً، وسيكون على السلطات النقدية الاختيار بين المجازفة بتخفيض قاسٍ للجنيه يطلق موجة تضخمية جامحة، مقابل الحصول على تدفقات مالية يمكن استخدامها في تحجيم التضخم لاحقاً، وهي مجازفة ليست مأمونة العواقب دائماً، أو اختيار تثبيت العملة وهو أمر فائق الصعوبة في ظل الضغوط الراهنة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.