fbpx

شبح الجفاف في تونس… هل نحن أمام أزمة غذاء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اليوم، يبدو الواقع مختلفاً تماماً، فـ”مطمور روما” باتت مهدّدة بشبح الجفاف، في ظل التغيّر المناخي وموجات الحر التي تضرب البلاد مقابل تراجع كمية المتساقطات ومنسوب السدود تالياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أطلق الرومان على مقاطعة “أفريكا” في ذاك الوقت، أي تونس، تسمية “مطمور روما”، لما كانت توفره لروما من إمدادات غذائية ومحاصيلَ زراعية. 

اليوم، يبدو الواقع مختلفاً تماماً، فـ”مطمور روما” باتت مهدّدة بشبح الجفاف، في ظل التغيّر المناخي وموجات الحر التي تضرب البلاد مقابل تراجع كمية المتساقطات ومنسوب السدود تالياً، لتعلن وزارة الفلاحة حالة “طوارئ مائية” قد تكون تبعاتها كارثية، ليس على الاقتصاد التونسي وحسب، إنما أيضاً على النسيج المجتمعي.

السلطات التونسية قررت قطع مياه الشرب كل ليلة لسبع ساعات، واعتماد نظام الحصص المائية، في محاولة لاحتواء أخطر أزمة مائية تواجه تونس، فالاستهلاك الفردي للمياه تدنى الى أقل من 400 متر مكعب سنوياً، وهو نصف المعدل العالمي، أي 900 متر مكعب سنوياً، وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم.

في جذور العطش

تاريخ العطش في تونس قديم، وقد أتى على البلاد في فترات مختلفة. ففي ثلاثينات القرن الماضي، ساهمت الأزمة الفلاحية التي سببها الجفاف، في تشكّل الأحياء الشعبية، بعدما نزحت آلاف العائلات من الدواخل والمناطق الريفية إلى تونس العاصمة، لتشكل أحياء شعبية وأحزمة عشوائية على تخوم المدينة. 

وفي الستينات، وبسبب سياسات دولة الاستقلال ومشاريع السدود وإجراءات مائية أخرى، بقيت تبعات الجفاف والعطش محدودة نسبياً من دون حلول جذرية حتى تفاقمت المشكلة. 

عاد الحديث عن شبح الجفاف والعطش يعلو في الآونة الأخيرة، بعد نشر وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية بياناً تبرز فيه الوضعية الكارثية للموارد المائية في تونس، واعتماد نظام الحصص في تقسيط المياه، وأعلنت الوزارة منع استعمال الماء الصالح للشرب في ريّ الأراضي الفلاحية، وسقي المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والمباني والسيارات. علاوة على المباشرة في اعتماد نظام حصص ظرفي للتزوّد بالمياه الصالحة للشرب الموزّعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال المياه وتوزيعها إلى حدود 30 أيلول/ سبتمبر 2023. وسبب هذه الإجراءات وفق وزارة الفلاحة، هو تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، ما انعكس سلباً على مخزونها المائي الذي تراجع إلى مستوى غير مسبوق.  

الجفاف ونقص الأمطار، ما الجديد؟

الجفاف الذي تواجهه تونس منذ أربع سنوات، يفسر جزءاً من أزمة الشح الراهنة، إلا أنه ليس المتسبب الوحيد بها، لا سيما أن المشكلة ملازمة للتاريخ المناخي في تونس، إذ تلعب عوامل كثيرة دوراً في نفاد المخزون المائي.

سياسات الدولة مثلاً لاعب رئيسي في هذا السياق. وهنا، يشرح علاء المرزوقي، منسّق المرصد التونسي للمياه، أسباب هذه الأزمة، مشكلة الماء في تونس قديمة وليست حديثة، “التغيرات المناخية ونقص التساقطات والجفاف أمر تعرفه تونس منذ عقود، فمناخها من جاف إلى شبه جاف، وتمكن ملاحظة هذا عبر تمظهرات المناخ التونسي التي تظهر في تاريخها الحديث، حيث برز هذا في الموروث المادي الذي تزخر به تونس منذ عشرات السنين، في محاولة التأقلم مع الجفاف وموجات العطش، إذاً ما يحدث الآن ليس بجديد”. 

“لذلك، لا يجب وضعه كشمّاعة نعلّق عليها فشلنا في إدارة الأزمة. الجديد في الأمر هو التطرف المناخي، الذي لا يقتصر على تونس بل يشمل العالم كله”، يؤكد المرزوقي.

تعيش تونس منذ عشر سنوات، ندرة في تساقط الأمطار، حتى في مناطق الشمال الغربي، وهي السنة الرابعة التي لم تنزل فيها الأمطار تقريباً، علماً أن عام 2022 كان قاسياً جداً، تشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر/ وكانون الأول/ ديسمبر. كانت النسبة أقل بـ70 في المئة عن المعدل السنوي خلال المدة ذاتها من العام الماضي، مقابل درجة حرارة قياسية في حزيران/ يونيو (50 درجة) منذ سبعة عقود. أثّر ذلك في المخزون المائي لعام 2023، فدرجات الحرارة المرتفعة أثرت على الموائد المائية، ما أدى إلى تراجع الاحتياطي من المياه الجوفية بسبب الجفاف والاستهلاك المفرط، وندرة تساقط المياه التي قلّصت منتوج السدود، التي تُعتبر متنفساً لا سيما في فترات الجفاف، للمناطق المجاورة لها، مثل تونس العاصمة والشريط الساحلي ومدن الجنوب التي كانت تتزوّد من سدود الشمال الغربي. 

بحسب المرزوقي، فإن المشكل لا يتعلّق بنقص التساقطات أو التغيرات المناخية وحسب، إنما أيضاً بسياسات الدولة العمومية في قطاع المياه.

بنية تحتية متهالكة

تُعتبر البنية التحتية لتوزيع المياه في تونس متهالكة للغاية، إضافة إلى أنها تتمركز في جهات بعينها، ما يخلق تفاوتاً بين الجهات، بعض السدود يعود تاريخ تشييدها إلى الفترة الاستعمارية، فيما يبلغ عمر بعض شبكات توزيع المياه أكثر من 50 سنة، لتتجاوز عمرها الافتراضي، ما يتسبب بمشكلات في شبكات التوزيع وتسرّب المياه. ووفقاً لدراسة أعدها قسم البيئة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن تونس تمتلك نحو 37 سداً أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية، ومعظمها في شمال البلاد، لذلك يشهد توزيع الثروة المائية بين الجهات تفاوتاً شديداً، إذ يحتكر إقليم الشمال وحده 60 في المئة من المياه السطحية والجوفية، إضافة إلى غياب الرقابة، بسبب ضعف الإمكانات، وغياب سياسات التدقيق المائي.

يتابع المرزوقي، لدينا ضياع كبير للموارد المائية في ظل غياب الرقابة، سواء لدى الشركات الصناعية مثل الشركات البترولية أو شركة فسفاط قفصة، التي تستهلك كميات كبيرة من المياه أو كبار الفلاحين الذين يحتكرون زراعات بأسرها، غالبيتها موجّهة للتصدير، غياب موازنة مائية تحدد أولوية الزراعات التي يجب التركيز عليها أو الابتعاد منها والتقليص من حجمها، ذلك كله أدى إلى نتائج سلبية على المائدة المائية. إضافة الى ذلك، فإن الموائد المائية لا يرتبط تقلّص حجمها بالجفاف وحسب، إنما أيضاً بالاستنزاف والحفر العشوائي للآبار، عدد الآبار العشوائية غير المرخّص لها يتجاوز العشرين ألفاً حسب الأرقام الرسمية، ولكن من المرجّح أن الرقم مرتفع أكثر. خلق ذلك نزيفاً كبيراً للمائدة المائية. على سبيل المثال، فإن الشركة التونسية لتوزيع المياه “الشركة العمومية المسؤولة عن توزيع المياه في تونس”، 32.5 في المئة من مخزونها المائي مهدور بسبب التسرّبات في شبكات توزيع المياه وعدم الصيانة وضعف آليات الرقابة على الشبكات المتآكلة التي انتهى عمرها الافتراضي. 40 في المئة من شبكاتها انتهى عمرها الافتراضي، إذ تجاوزت الـ4 عقود في الخدمة، فيما يفترض ألا تُستخدم لأكثر من 20 سنة. 

السدود في خطر

ليست السدود التي تغذي مناطق متنوّعة في مأمن الآن، فحتى نهاية كانون الثاني/ يناير 2023، لم يتجاوز المخزون العام للسدود الـ708 ملايين متر مكعب مقابل 1147 مليون متر مكعب خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، أي بانخفاض يقدر بـ38 في المئة. وهو ما يحذّر منه عبدالله الرابحي، كاتب الدولة السابق للموارد المائية والصيد البحري، فهو أدنى مستوى تم تسجيله خلال العشرية الماضية، وذلك ما ينذر بخطورة الوضع، أما في ما يخص إمدادات المياه التي توفرها السدود فلم تبلغ سوى 217 مليون متر مكعب، في حين أن معدل هذه الإمدادات خلال هذه الفترة من السنة يقدّر ب875 مليون متر مكعب، أي بانخفاض 75 في المئة. 

من أجل سياسة دولة جديدة

غياب خارطة إنتاج فلاحي وسياسة عمومية لحوكمة قطاع المياه، يهدد مصير تونس، وإن كانت الجهات الرسمية تحمّل المسؤولية كاملة للتغير المناخ، فغياب قوانين تحمي الموارد المائية والملك العمومي للماء، يمثل جزءاً كبيراً من المشكل، يتابع المرزوقي في حديثه مع “درج” أنه إلى الآن ما زلنا نتعامل مع مجلة الماء الصادرة عام 1975 التي تتعامل مع الماء بمفهوم الوفرة، من دون التفكير في المدى الطويل. لا نملك خارطة إنتاج فلاحي تحدد أولوية استهلاك الماء في مجال الزراعات، الأولوية هي الماء الموجّه للشرب والاستهلاك الشخصي، لاحقاً الزراعات ومن ثمّ للإنتاج الصناعي والسياحة. 80 في المئة من المياه الموجودة في تونس موجّهة للفلاحة المعدّة للتصدير من دون أي قيمة مضافة تذكر، ما أدى إلى استنزاف مواردنا المائية، وحتى بعد إعلان حالة الطوارئ لم تغيّر وزارة الفلاحة طريقة تعاطيها مع الأزمة، علماً أنها وحدها الجهة التي تتعامل مع قطاع الماء، وتتخذ قراراتها بشكل منفرد ولا تأخذ في الاعتبار الأبعاد الأخرى، الاجتماعية والإنسانية والتاريخية.

سيادة غذائية على المحكّ

تواجه تونس أزمة اقتصادية محتدمة، فالمواد الأساسية المستوردة كالسكر والقهوة تواجه مشكلة محدودية العملة الصعبة، فيما تتراجع كمية الحليب بسبب تقلص عدد المواشي في تونس مع ارتفاع سعر الأعلاف، ما أدى إلى بيع جزء مهم من المواشي والأبقار إلى الجزائر وليبيا بسبب عجز الفلاحين عن توفير الأعلاف. ولكن يبدو أنّ مصاعب أخرى ستواجه السوق الغذائي في تونس بسبب أزمة المياه، لا سيما بالنسبة إلى الزراعات الموجّهة للتصدير، فانخفاض حجمها  سيؤدي إلى اختلال اقتصادي وعجز تجاري. وداخلياً، ستتعمق الأزمة مع صعوبة تأمين الحبوب وغيرها من المواد الأساسية كالخضر والفاكهة، إضافة إلى تراجع سوق الماشية.

المطلوب بحسب الخبراء، وأكثر من أي وقت مضى، هو إعادة النظر في مسألة الخارطة الفلاحية، ماذا ننتج؟ أين؟ وما هي كلفتها المائية؟ ولمن توجّه هذه الزراعات؟… وذلك من خلال معطيات بيئية وغذائية، والتركيز على أساليب إنتاج حديثة لا تؤدي إلى استنزاف المياه، مع التركيز على أولويات الإنتاج، مثل القمح والشعير واللحوم والخضراوات غير المعدة للتصدير، ودعم منظومة القمح والشعير، وتغيير الأسعار، وهذا ما يتطلب التركيز على سياسة عمرانية جديدة صديقة للبيئة وتمويلاً للقطاع الفلاحي والفلاحة المعاشية…

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.