fbpx

“الريّسة” منى زكي تخوض بحر الأبوية في “تحت الوصاية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تجرّأ “تحت الوصاية” على إعلاء الصوت، وحاول كسر صمت الإعلام تجاه النظام الأبوي الظالم بكثير من السلاسة الممزوجة بقهر حنان، الأمّ التي تلعب دورها منى زكي، والتي وجدت نفسها مضطرة إلى العمل كـ”ريّس مركب”(بحّارة).

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنت أشاهد منى زكي في دور “حنان” وهي تكافح،  في مسلسل “تحت الوصاية”، جاهدةً لمواجهة مجتمع أبوي، ساعيةً الى الحفاظ على حضانة ولديها. تذكّرتُ حينها الحادثة التي تعود الى العام 2014، بعد ولادتي ابني نيل. آنذاك، قصدت مختاراً في لبنان للحصول على وثيقة ولادة لابني. الأوراق كانت جاهزة: وثيقة ولادة من المستشفى، وثيقة زواج، إخراج قيد لي وآخر لزوجي. بعد “الأهلا وسهلا”، سألني المختار عن زوجي وعن سبب عدم حضوره. أجبته بأنني أم الصبي، ألا يكفي وجودي؟، أجاب :”طبعاً لا. يجب أن يوقّع الوالد على وثيقة الولادة”. 

لكن لماذا؟ قلت له، إذا كنت تشكّ في أن هذا الرجل ليس زوجي، فهذه وثيقة الزواج. وإذا كنت تشكّ في أن الولد ليس ابنه، فهذه وثيقة الولادة موقّعة من المستشفى وممهورة باسم زوجي وتوقيع الطبيب.

أجابني المختار حينها: “لا أستطيع المضي في هذه المعاملة، إذ يحقّ للوالد في القانون اللبناني أن يرفع دعوى قضائية ضدّي لأن اسم الولد لا يعجبه”.

دعوى فقط لأن اسم الولد لا يعجبه!

هو ابني يا “رجل”! ابني الذي حملته تسعة أشهر في رحمي. ابني الذي شعرت بنبضه، وأوجعتني ركلاته، وأعياني حمله، ألا يحق لي أن أصدر له ورقة رسمية؟ خرجت باكية حينها، ورضخت لقانون الأحوال الشخصية اللبناني، الخاضع لقانون الطوائف والمذاهب الدينية.

لا تزال القوانين في مصر، كما لبنان، تحت الوصاية، وهذا ما نراه في “تحت الوصاية”، سيناريو خالد وشيرين دياب، وإخراج محمد شاكر خضير، وبطولة منى زكي، إذ يضع المسلسل الإصبع على جرح الأمهات ومعاناتهن في مواجهة هذا النظام الأبوي، الذي يعامل الأم على أنها منديل ورقي، يمسح به هذا النظام أوساخه، ومن ثم يرميه في سلّة المهملات.

في مصر كما في لبنان، لا يحق للأم الحصول على وثائق رسمية لأولادها، ولا تؤتمن على أموال أطفالها القصّر، حتى بعد وفاة الأب، إذ تنتقل الوصاية الى الجد أو الأعمام. أما الأم، فتقاتل للحصول على حق بسيط من حقوقها، مثل تسجيل أولادها في المدرسة أو الحصول على أوراق رسمية من الدولة، أو التحكّم بحساباتهم في البنك، ذلك كله يحصل بعيداً من عيون الإعلام. 

“لا أستطيع المضي في هذه المعاملة، إذ يحقّ للوالد في القانون اللبناني أن يرفع دعوى قضائية ضدّي لأن اسم الولد لا يعجبه”.

تذكر عواطف عبد الرحمن في كتابها “المرأة والإعلام في صعيد مصر”، الصادر عام 2016، أن “المرأة المصرية عموماً والصعيدية خصوصاً، تعاني من مواد قانونية متحيزة ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية، وقوانين أخرى مثل القانون الجنائي والمدني، تهدر حقوقها الأسرية وحقوقها كمواطنة كاملة الأهلية.”

 التحيّز والظلم في القوانين يقابلهما ظلم في الإعلام، إذ تعدّ هذه الحقوق، بحسب عبد الرحمن، “من المحظورات التي لا يقترب منها الإعلام المركزي والإقليمي، رغم التعديلات الطفيفة التي طرأت على قوانين الأسرة، والتي تمثلت في قانون الخلع للالتفاف حول الحق المطلق للزوج في الموافقة ورفع سن الحضانة للأطفال في حالة الطلاق، لكن تبقى معظم البنود الأساسية لقانون الأحوال الشخصية كما هي لم تتغيّر، خصوصاً ما يتعلّق بوضع الصلاحيات كافة في يد الرجل، مثل العصمة والطلاق وحضانة الأطفال”. وتشير عبد الرحمن الى وقوف المنظومة الثقافية والتراثية إلى جانب الرجل، بل تنحاز إليه لتشكّل عقبة ضد أي محاولات لتغيير هذه الأوضاع الجائرة. 

تجرّأ “تحت الوصاية” على إعلاء الصوت، وحاول كسر صمت الإعلام تجاه النظام الأبوي الظالم بكثير من السلاسة الممزوجة بقهر حنان، الأمّ التي تلعب دورها منى زكي، والتي وجدت نفسها مضطرة إلى العمل كـ”ريّس مركب”(بحّارة).

تحاول “حنان” (منى زكي) تأمين قوت ولديها كـ”ريّس مركب”، عمل مخصص بالمنظور الاجتماعي الذكوري للرجال. جسم “حنان” الصغير لم يمنعها من أن تقف بين الرجال، وتكون “ريّسة” عليهم في عمق البحر، وأن تحمل صواني السمك على كتفها وتنادي في سوق الجملة بين الذكور، ورائحة “رجولتهم” المخلوطة برائحة السمك النتنة، على من يشتري منها.

 يحاول المسلسل أن يؤكد فكرة أشارت إليها نوال السعداوي في كتابها “المرأة والجنس”، بأن “العلم البيولوجي الحديث أوضح أن المرأة أقوى بيولوجياً من الرجل، أما القوة العضلية التي ارتبطت بالحياة القبلية فما لا شك فيه أن الرجل كان يُعتبر متفوقاً، لكن ما اتضح أن هذا التفوق في القوة العضلية كان يرتبط بوظيفة الرجل في الحياة أكثر من ارتباطه بتكوين الرجل البيولوجي. الدليل أن الرجل المثقف في المدينة أقل قوة من ناحية القوة العضلية من العامل الزراعي في الريف، والفلاحة المصرية أقوى من الناحية العضلية من الموظّف القاهري”. 

استطاعت “حنان” أن  تكسب رهان البحارة الرجال على فشلها، وتمكنت من أن تقود المركب، وأن تتصدى لتحرش “الصياد”، ذاك الذي يعاملها كسمكة طريدة يريد أن يصطادها ويخرجها من الماء لتموت وحيدة. 

قبل عرض المسلسل بأسابيع، وعند طرح الصورة الترويجية له، تعرّضت منى زكي لهجوم حاد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبار أنها “تهين الحجاب وتُظهِر في الإعلام صورة مشوهة عن المرأة المحجبة”، لكن بوجهها المهمل وحاجبيها الثقيلين وسحنتها المتعبة، استطاعت منى زكي، بأدائها المبهر في المسلسل، أن تُسكت تلك الأصوات كلها.