fbpx

الحرب اللبنانيّة والتبنّي القسري… حكاية منسيّة عن مخطوفين ومفقودين غير مرئيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من المؤكد أن عمليات التبني القسري في لبنان والدول التي عاشت حروباً وفساداً، خلّفت وراءها أطفالاً مفقودين لأهلهم وأهلاً مفقودين بالنسبة الى الأطفال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شهدت الحرب الأهليّة  في لبنان بين عامي (1975-1990)، عمليات خطف أطفال منظّمة بهدف بيعهم، هذه الممارسات غير القانونية تمّ تبييضها من خلال تبنّي الأطفال من مواطني دول ما يُسمى بـ(العالم الأول). 

بدأ الأمر يتكشّف مع عودة مئات الشبان والشابات إلى لبنان بحثاً عن أصولهم، وانتشرت حكايات عن حقيقة العمل الإجرامي المنظّم، تثبتها شهادات تؤكد حدوث عمليات اختطاف من المستشفيات عند ولادة الأطفال بحجة مضاعفات صحية. 

قدّرت جمعية “بدائل” عدد الأطفال الذين تم تبنيهم بشكل قسري خلال الحرب اللبنانية بحوالى عشرة آلاف طفل،  هذا الرقم ليس إلا  رأس جبل الجليد الذي يخفي حقائق عن جرائم الحرب المستمرة ضد الأطفال والنساء في لبنان، إذ اختبر هؤلاء خلال سنين الحرب، عنفاً ممنهجاً تضمّن انتهاكات وحشية، مثل الاغتصاب والتعذيب والقتل بطرق وحشية.

ووظّفت أطراف متصارعة العنف الجنسي والتعذيب لإرهاب النساء وترويعهن، إذ اختُطفت بعض النساء واغتُصبن من الفصائل المسلّحة، وهذا ما اتضح في التقرير الصادر عام 2022، الذي يحمل عنوان “اغتصبونا بكل الطرق الممكنة وبطرق لا يمكنك تخيلها: جرائم النوع الاجتماعي خلال الحروب الأهلية اللبنانية”.

كشف التقرير عن تاريخ خفيّ من الحرب في لبنان، فبالإضافة إلى أكثر من 100 ألف قتيل، و100 ألف مصاب حرب، و17,000 مفقود، أكد التقرير الصادر عن Legal Action Worldwide، أن الحرب شهدت عنفاً جنسياً واغتصاباً وتعذيباً وسوء معاملة بشكلٍ ممنهج ضد النساء، بهدف تشتيت المجتمعات أو إلحاق العار بالعائلات.

التبني القسري المرافق لهذه الأعمال العنفية بقي خفياً، رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها الأفراد الذين تم تبنيهم للبحث عن هوياتهم المسلوبة، وهنا يبرز دور جمعية “بدائل”، التي عملت على توثيق الحالات والكشف عن هذا الجانب المخفيّ من الحرب كقضية عامة.

شهدت الحرب الأهليّة  في لبنان بين عامي (1975-1990)، عمليات خطف أطفال منظّمة بهدف بيعهم، هذه الممارسات غير القانونية تمّ تبييضها من خلال تبنّي الأطفال من مواطني دول ما يُسمى بـ(العالم الأول). 

الأرجنتين: آثار الديكتاتوريّة

ارتباط الحروب بالعنف الجنسي ضد النساء والإخفاء والتبني القسريين، ليس حكراً على لبنان، فتاريخ الأرجنتين مع قضية التبني القسري طويل. إذ خلال ديكتاتوريّة خورخيه فيديلا (1976- 1983)، تم إخفاء آلاف الأشخاص، بمن فيهم نساء حوامل تم اختطافهن واحتجازهن في مراكز الاعتقال حتى ولادتهن. وبعد الولادة، قُتلت النساء في كثير من الأحيان، وسُلّم الأطفال إلى عائلات عسكرية أو عائلات أخرى قريبة من النظام الحاكم.  هكذا تم تبني الكثير من هؤلاء الأطفال بشكل غير قانوني، ولم يتم إخبار عائلاتهم البيولوجية مطلقاً بالحقيقة أو مكان وجودهم.

شهدت السنوات التي تلت الديكتاتورية، قيام الكثير من العائلات في الأرجنتين بالبحث عن أطفالها وأحفادها المفقودين الذين سُرقوا منها. ناضلت هذه العائلات من أجل العدالة لسنوات عدة، وأدت جهودها إلى إنشاء مجموعة Grandmothers of the Plaza de Mayo، التي تعمل على لمّ شمل العائلات بأطفالها المفقودين.

تؤكد الدراسات في الأرجنتين، فداحة أثر التبني القسريّ، فبالنسبة الى الأطفال، للصدمة الناتجة من أخذهم من أمهاتهم عند الولادة وحياتهم مع “غرباء”، أثر دائم في شعورهم بالهوية والانتماء. أما بالنسبة الى عائلاتهم البيولوجية، ففقدان طفل أمر مدمر، وقد أمضى الكثيرون عقوداً في البحث عن أطفالهم.

أصدر الكونغرس الأرجنتيني عام 2010، قانوناً يجرّم سرقة الأطفال خلال فترة الديكتاتورية، وأدين كثر بعدها لمشاركتهم في هذه الجرائم، مع ذلك تواصل العائلات البحث عن أحبائها المفقودين، ولا يزال الكثيرون ينتظرون العدالة. 

كولومبيا: التبني القسري بالقوة أو الخداع

شهدت كولومبيا منذ ستينات القرن الماضي، وبسبب النزاعات المسلّحة والفقر والتمييز، تعرُّض الأطفال للتبني القسري والاختطاف والإتجار بالبشر، ما شكل خطراً كبيراً على سلامتهم وحقوقهم.

تشير الأرقام إلى أنّ حوالى 100,000 طفل تمّ تبنيهم قسرياً في كولومبيا منذ الخمسينات، إذ قامت الجماعات المسلحة، على مدى عقود، باختطاف الأهل أو إكراههم أو التلاعب بهم، لا سيما أولئك الذين يعيشون في فقر أو مجتمعات مهمشة، ودفعهم الى التخلّي عن أطفالهم من أجل التبني. إذ خُدع الكثير من الآباء للتوقيع على أوراق الموافقة على التبني، وغالباً من دون فهم كامل للآثار المترتبة على قرارهم، في حين أُخذ بعض الأطفال من أهلهم باستخدام ذرائع كاذبة أو من خلال التهديد بالعنف.

يعكس الرقم السابق حجم المشكلة التي ما زالت آثارها ممتدة إلى الآن، إذ يعاني الأطفال المتبنون قسراً من إشكاليات في الهوية، وصعوبة التعرف على أصلهم وتاريخهم العائلي، ما يؤثر على صحتهم النفسيّة وحياتهم المستقبلية.

تم اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية لمعالجة التبني القسري في كولومبيا، ففي عام 2018، أقر الكونغرس في كولومبيا قانونًا يجرم التبني غير القانوني، ويفرض عقوبات شديدة على المتورطين في ممارسات كهذه. ينص القانون أيضاً على إنشاء سجل وطني للأطفال والمراهقين، يهدف إلى المساعدة في لمّ شمل العائلات مع أطفالها المفقودين.

وعلى رغم الجهود المبذولة لمعالجة التبني القسري في كولومبيا، إلا أنه ما زال مستمراً حتى يومنا هذا. ولا تزال عائلات كثيرة تبحث عن أطفالها المفقودين، ولا يزال أمام البلاد طريق طويل لتقطعه في ما يتعلق بمحاسبة المسؤولين عن أفعالهم.

كندا: سياسات الاستيطان

خلال القرن الماضي، طُبق التبني القسري على الآلاف من أطفال السكان الأصليين في كندا، في امتداد لسياسة الاستيطان التي اتبعتها الحكومة الكندية في ذلك الوقت، والهدف منها جعل أطفال السكان الأصليين جزءاً من المجتمع الكندي، والتخلص من تاريخهم الأصلي وثقافتهم، للسيطرة على أراضيهم الغنية بالموارد الطبيعية. 

تم حينها فصل الأطفال عن أسرهم وإيواؤهم في دور الأيتام أو تبنيهم من عائلات كندية، من دون الحصول على موافقة والديهم. ومع تكشّف الحقائق ونضالات السكان الأصليين، قدمت الحكومة الكندية اعتذارات رسمية للأطفال الذين تم تبنيهم قسراً. وتعهّدت الحكومة الكنديّة بتقديم تعويضات مالية لهم ولعائلاتهم، إلا أن آثار التبني القسريّ كجريمة حرب لا تقل أهمية عن جرائم الحرب الأخرى.

الحق بمعرفة الأصل والمصير

يصعب أن نقيّم بدقة حجم جرائم التبني خلال الحروب، لأن الكثير من الأطفال المعنيين لم يتم الكشف عنهم أو تسجيلهم، لكن من المؤكد أن عمليات التبني القسري في لبنان والدول التي عاشت حروباً وفساداً، خلّفت وراءها أطفالاً مفقودين لأهلهم وأهلاً مفقودين بالنسبة الى الأطفال.

 نحن في لبنان، أمام التقاء حقّين بالمعرفة: الحقّ بمعرفة الأصل، المكرس في المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل، وحق ذوي المفقودين في معرفة مصائر أولادهم، الذي كُرّس في قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 4-3-2014. 

الأهم من ذلك، نحن أمام فئة جديدة من مفقودي الحرب غير المرئيين. وهم أكثر بكثير من 17 ألف مفقود ومخفي قسراً.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.