fbpx

رمسيس في باريس!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاهتمام الفرنسي بالمصريات ليس مجرد قرار سياسي ولا ينحصر بالنشاط الأكاديمي. فما القصة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“سيصل إلى فرنسا زعيم دولة مختلف عن أقرانه. زيارته تحمل طابعاً خاصاً، إذ سيتفرغ لتلقي العلاج. لكن لن نتمكن من مقابلته، لأنه عبارة عن مومياء”. بهذه الكلمات أعلنت إذاعة RTL، عام 1976، عن وصول مومياء الفرعون رمسيس الثاني إلى فرنسا لمعالجتها من الفطريات التي غزتها. أخذت هذه الرحلة العلاجية طابع زيارة الدولة: فرش السجاد الأحمر للمومياء واستقبلها الحرس الجمهوري، ما عكس متانة العلاقة بين البلدين على صعيد علم المصريات كما حجم الاهتمام الفرنسي بالحضارة الفرعونية إلى جانب كونها تتويجاً للدور الفرنسي في إنشاء هذا الحقل العلمي وتطويره.

الاهتمام الفرنسي بالمصريات ليس مجرد قرار سياسي ولا ينحصر بالنشاط الأكاديمي. في أكثر من مناسبة، نقلت إلى فرنسا قطع أثرية مصرية تعود إلى زمن الفراعنة لعرضها أمام الملأ في معارض موقتة: “توت عنخ آمون وزمنه” عام 1967، “رمسيس الكبير” عام 1976، “توت عنخ آمون، كنز فرعون” عام 2019. 

الإقبال الكبير على هذه المعارض، وتخطيه أحياناً المليون ونصف المليون زائر، دل على شغف الفرنسيين بحضارة مصر القديمة، ليطرح الإعلام الفرنسي نقاشاً حول إذا ما إذا كان معرض “رمسيس وذهب الفراعنة” في قاعة لافيليت في باريس حالياً، سيسجل رقماً قياسياً جديداً  في ما يخص عدد الزوار. 

والمعرض انطلق في 7 نيسان/ أبريل ويستمر لغاية 23 أيلول/ سبتمبر، ويضم 180 قطعة أثرية أبرزها تابوت رمسيس الثاني الخشبي الملون.

Statuettes depicting the Egyptian goddesses (L to R) Isis (Iset) and Nephthys (

كثيرة هي الأسباب التي تدفع أي شخص للتعلق بالحضارة الفرعونية وهو ما يصطلح على تسميته بالـ Egyptomania (الهوس بالمصريات): ألغازها التي لا تزال تبعث على الحيرة، هيبة معالمها، تطور علومها… من دون إغفال الاهتمام الخاص الذي أولاه المصريون القدامى بالموت وفلسفتهم حول الخلود، ما تجلى في المقابر الملكية ومومياءاتها وكنوزها.  

لكن للفرنسيين أسباباً خاصة تدفعهم إلى إبداء اهتمام مضاعف بمصر القديمة، ففي أكثر من محطة ارتبط تاريخ فرنسا بحضارة مصر القديمة. 

صحيحٌ أن الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر انتهت بهزيمة عسكرية، لكن التاريخ يذكرها “بمجد” لإنجازاتها العلمية، إذ اصطحب نابليون بونابرت معه مئات العلماء والفنانين من شتى المجالات كما أسس المجمع العلمي المصري. أبرز الشخصيات العلمية في ذاك الوقت، كان من دون شك جان فرنسوا شامبليون الذي فك رموز الكتابة الهيروغليفية واضعاً أسس حقل أكاديمي جديد ساهم في استيعاب التاريخ على نحو مغاير ليلقب بـ”أبو علم المصريات”. لا يساوي الفرنسيون أنفسهم بأي شخص عادي مهما بلغت درجة هوسه بالمصريات، بل يعتبرون أنهم ينتمون إلى “أمة” كانت الركيزة الأبرز في إرساء علم المصريات وبثت الروح في حضارة طواها النسيان 2000 عام.  

الرأي العام الفرنسي مسكون بالتاريخ ولا يتردد الإعلام والأكاديميون في التذكير بالتاريخ المشرقي لفرنسا وزمنها الجميل. من يغوص في هذا الطريق، لن يصعب عليه العثور على نابليون بونابرت، الامبراطور والقائد العسكري صاحب البصمة اللافتة في تاريخ البلاد. وهو شخصية تحتمل تأويلات متعددة، لكن بات ينظر إليها، بعد قرنين على رحيلها، بإيجابية طغت على الجوانب السلبية. 

استذكار الفرنسيين لحملة نابليون على مصر وما نتج عنها من تأسيس لعلم المصريات، لا يخلو من بعض “الشوفينية”، أولاً لتسليطه الضوء على حقبة “مجيدة” كانت تعد فيها البلاد قوة عظمى وحسب، فمنذ سنوات، لا يخف الشارع الفرنسي تعطشه إلى شخصية استثنائية تنتشله من تخبطاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، شخصية من وزن نابليون بونابرت ولويس الرابع عشر وشارل ديغول. ثانياً، إن استذكار حملة نابليون بونابرت والحنين إليها يعكسان رغبة في إعادة استنساخ ذاك السياسي.   

انكفاء حملة نابليون عن مصر لم يلجم الاندفاعة الفرنسية نحو علم المصريات: عند تأسيس المجلس العلمي للآثار في مصر عام 1859 ظل علماء فرنسيون يتولون رئاسته تباعاً حتى عام 1952. شخصيات علمية لم يكن مرورها على مصر مرور الكرام.

فإلى جانب كونه صاحب مبادرة تأسيس المجلس المذكور، لعب اوغوست مارييت دوراً بارزاً في مكافحة تهريب الآثار ليمنح لقب الباشوية تقديراً لجهوده. وساهم بيار لاكو (كان مدير هيئة الآثار المصرية من عام 1914 حتى عام 1936) في الحفاظ على كنوز مصر من خلال قانون نص على إبقاء الآثار المكتشفة داخل البلاد، ما منع إخراج مقتنيات توت عنخ آمون من البلاد، من دون نسيان جاستون ماسبيرو (عالم آثار مصري) ودوره في إنشاء المتحف المصري وإزالة الرمال عن تمثال أبي الهول (أشهر التماثيل القديمة، نحت من الحجارة ورأسه تمثل الملك خفرع الذي عاش في القرن 26 ق. م. طوله 24 قدماً وارتفاعه 66 قدماً).  

جولة سياحية تقليدية في أرجاء “باريس كافية” للدلالة على ارتباط فرنسا بمصر القديمة: مسلة الأقصر التي تتوسط ساحة الكونكورد، قبالة متحف اللوفر، هي النموذج الأوضح على هذا التأثير. المسلة المذكورة أهداها محمد علي (يُعتبر مؤسس مصر الحديثة) لفرنسا لتصبح اليوم أقدم معلم تحتضنه باريس. رحلتها من مصر إلى فرنسا زادت من شهرتها: عملية نقلها من معبد الأقصر إلى ساحة الكونكرد استغرقت خمس سنوات ونيف (1830 – 1836)، كما صنعت سفينة خصيصاً لها قادرة على الإبحار في البحر المتوسط ونهري النيل والسين، على حد سواء. 

كما حازت المسلة على رمزية وأهمية مضاعفة بعدما  ارتبطت بالصراعات الداخلية الفرنسية: الاسم الأصلي لساحة الكونكورد هو ساحة لويس الخامس عشر ليتغير اسمها عقب الثورة الفرنسية إلى ساحة الثورة (1792) ثم إلى ساحة الكونكورد (1795) وفيها أُعدم الملك لويس السادس عشر بالمقصلة عام 1793. 

مع عودة آل البوربون إلى حكم فرنسا عام 1815 أراد الملك لويس الثامن عشر تخليد ذكرى شقيقه عبر تشييد تمثال “الملك الشهيد”. لم يكتف خليفته وشقيقه الأصغر، شارل العاشر، في إطلاق العمل بهذا المشروع عام 1826، بل حول ساحة الكونكورد إلى ساحة لويس السادس عشر في العام ذاته. “تمثال الملك الشهيد” لم ير النور بسبب ثورة يوليو 1830 التي أطاحت بحكم شارل العاشر. خلالها، شهدت الساحة المذكورة مواجهات مسلحة بين المتنازعين ثم استعادت اسمها السابق “ساحة الكونكورد”. 

مع اعتلاء لويس فيليب عرش فرنسا، باتت ساحة الكونكورد معضلة سياسية كبيرة. لسحب هذا الفتيل قرر الملك الفرنسي وضع “معلم محايد” وسط الساحة لتحييدها عن تلك الصراعات، ليقع الخيار على  المسلة الفرعونية ويقدر لها الاضطلاع بمهمة سياسية لم يُخطط لها.   

يرفض المصريون التسليم بأحقية فرنسا، وسواها من الدول، في الاحتفاظ بالمقتنيات المصرية. لا يريدون استعادة كل شيء بخاصة ما نُقل بصورة شرعية مثل مسلة الأقصر، كما أنهم لا يمانعون في إبقاء مقتنيات متفرقة في الخارج كنوع من الترويج للسياحة في مصر، حالها حال معرض “رمسيس وذهب الفراعنة” وسواها من المعارض المتجولة. 

بالمقابل، يسعى المصريون لاستعادة آثار فرعونية بعينها تحمل رمزية خاصة من خلال حملات شعبية يقودها علماء مصريون. على رأس القائمة يتربع تمثال نفرتيتي النصفي الموجود في متحف برلين الجديد، إلى جانب حجر رشيد من المتحف البريطاني ونقش برج دندرة من متحف اللوفر. وفيما يتمسك الجانب المصري برواية أن نقش برج دندرة تمت سرقته من مجمع معابد دندرة لنقله إلى فرنسا على نحو غير قانوني، تقدم إدارة متحف اللوفر رواية مضادة لتبرير امتلاكها هذه القطعة الاثرية: وفقاً لمدير الجناح المصري، فانسون رودون، قام لويس الثامن عشر بشراء نقش برج دندرة من محمد علي وعلى هذا الأساس تم نقله إلى فرنسا. لكن الثابت أنه ما من طلب رسمي تم تقديمه بهذا الخصوص ليبنى على الشيء مقتضاه. 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…