fbpx

الانتخابات البلدية اللبنانية: تأجيل “المُستحيل” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأجيل الانتخابات البلدية يشكل خطراً حقيقياً على مسار الديمقراطية في لبنان، فهو يعني زيادة غياب الثقة بين المواطن من جهة والمؤسسات الرسمية أو الدولة من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد أسابيع من تقاذف الحكومة ومجلس النوّاب مسؤولية إجراء الانتخابات البلدية، تبيّن أخيراً عدم حماسة معظم الأحزاب والتيارات السياسية خوض هذا الاستحقاق، لما فيه من تهديد على سطوتهم في مناطق نفوذهم. الخفّة التي تعاطت بها الحكومة مع ملف الانتخابات البلدية على مسافة أقل من شهر من انطلاقتها المفترضة، لم تختلف عن تعامل السلطة مع ملفات أساسية عالقة… والخلاصة: تطيير الانتخابات. 

في التفاصيل، شكّلت جلسة اللجان النيابية المشتركة، الأربعاء 12 نيسان/ أبريل، والتي تغيّب عنها وزيرا الداخلية بسام مولوي والمالية يوسف خليل، الخطوة التمهيدية الأولى لتطيير الانتخابات البلدية. انتهت الجلسة بإعلان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب استحالة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، في ظل الصعوبات اللوجستية الكبيرة لا المالية فقط، وأنه لن يترأس مرة أخرى جلسة بهذا الخصوص. وتقدّم بو صعب باقتراح قانون لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لأربعة أشهر، على أن يطلب من رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل دعمه، وكذلك رئيس البرلمان نبيه بري وبقية الكتل النيابية.

المولوي رمى الكرة في ملعبٍ آخر واختفى

منذ بدء الحديث عن الانتخابات البلدية، أعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، في أكثر من مناسبة، أن الوزارة جاهزة لتنظيم الانتخابات البلدية والاختيارية، بانتظار تأمين الحكومة الاعتمادات اللازمة، التي تصل إلى 9 ملايين دولار، علماً أنها بلغت عام 2016 نحو 20 مليون دولار. 

يعلم مولوي ضمناً استحالة إجراء هذا الاستحقاق، إلا أنها خطوة لا يُمكن أن تُفسّر سوى كمحاولة لرمي الكرة إلى ملعب الكتل النيابية. فوفق معلومات “درج”، تواصل اثنان من رؤساء البلديات مع المولوي وأطلعاه على عدم جهوزية بلديتيهما للاستحقاق، إلا أنه أمر فاتن يونس، مديرة الشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية، باستبدال الرجلَين باثنين غيرهما! 

لاحقاً، تحوّل الاستحقاق الانتخابي إلى مادة للتجاذبات والسجالات بين مختلف القوى السياسية، من منطلق سياسي لا دستوري، علماً أن مسؤولية إجراء الانتخابات تترتّب على الحكومة والمجلس النيابي في تأمين الأموال اللازمة لها، خصوصاً أنها مؤجّلة أصلاً منذ أيار/ مايو 2022، ما يعني أنهما كانا على علم بضرورة رصد الاعتمادات لها في موازنة 2022، ولم يفعلا. إذ كان من المُقرّر إجراء الانتخابات البلدية آذار/ مارس 2022، إلا أن مجلس النواّب مدّد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى 31 أيار/ مايو 2023، بحجج عدة، أبرزها تزامن موعد انتهاء ولايتها مع موعد إجراء الانتخابات النيابية، واستحالة إجرائها في الوقت نفسه لعوامل لوجستية ومالية.

وفق المدير التنفيذي لـ”الجمعية اللبنانية من أجل ديمرقراطية الانتخابات – لادي” علي سليم، فإن “تأجيل الانتخابات البلدية يشكل خطراً حقيقياً على مسار الديمقراطية في لبنان. على الصعيد المحلي، تأجيل الانتخابات يعني زيادة غياب الثقة بين المواطن من جهة والمؤسسات الرسمية أو الدولة من جهة أخرى، وعلى الصعيد الدولي، فإن هذا التأجيل يعني غياب الثقة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الدولي أو المانحين”، الشأن الذي  يعتبره سليم “نهجاً تتبعه السلطة اللبنانية للتهرّب من أي عمل ديمقراطي أو استحقاق يضع لبنان على سكّة الإصلاح”. 

يُشدد سليم على أهمية إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده. فوفق متابعات الجمعية مع البلديات اللبنانية، اتّضح وجود 108 بلديات منحلّة، إضافة إلى 30 بلدية مستحدثة من دون انتخابات، وبالتالي إجراء الاستحقاق الانتخابي سيُسهّل أمور المواطنين في تلك البلديات. هذا عدا شروع رؤساء البلديات بتقديم الاستقالات، والذي يتوقّع سليم أن تزداد في الأيام المقبلة، إذ يعتبر معظم هؤلاء أن ولايتهم وفق القانون هي 6 سنوات، وهم ليسوا ملزمين بالتمديد سنة أو ربما أكثر، لا سيما في ظل الانهيار الاقتصادي الحاصل.  

إذاً، من المقرّر البتّ بقرار تأجيل الانتخابات 4 أشهر في الجلسة النيابية المقبلة، ولكن وفق معلومات “درج”، فإن المجلس على الأرجح سيُؤجّل هذا الاستحقاق عاماً كاملاً إلى أن يظهر أي عنصر جديد على الساحة السياسية في لبنان.  

السلطة تتلطّى خلف المعوّقات اللوجستية 

معظم القوى السياسية، كانت على قناعة باستحالة إجراء الانتخابات، ليسَ بسبب التمويل الذي يأتي في أسفل قائمة الأسباب التي تستدعي التأخير. بل في الإجراءات الإدارية، إذ لم تستطع وزارة الداخلية الاتفاق مع وزارتي الدفاع والتربية على تأمين الأساتذة المشرفين على العملية الانتخابية والعناصر الأمنيين الذين يتولون حمايتها. فضلاً عن المشكلة الأساسية المتمثلة بدوائر النفوس المقفلة منذ مدة، حيث يتم احتجاز آلاف من المعاملات الخاصة من هويات ووثائق إخراج القيد. علماً أن التأجيل في الأساس يأتي بسبب غياب النية السياسية. في هذا السياق، يقول النائب إبراهيم منيمنة لـ”درج” إن “القوى السياسية لا تعرف التعايش مع النظام الديمقراطي في لبنان”، إذ إنها تتهرّب وتسعى إلى تأجيل أي استحقاق ديمقراطي، وقد شهدنا ذلك في الانتخابات النيابية والرئاسية واليوم في الانتخابات البلدية. 

ويُشدّد منيمنة على الدور الذي تتحضّر القوى التغييرية للعبه في الاستحقاق المذكور، على اعتبار أن البلديات هي إحدى المساحات التي ينطلق منها التغيير. “تخوّف السلطة السياسية من الانتخابات يُفسّر بحقيقة تجهيز هذا الاستحقاق لأرضية خصبة لحركة سياسية وتغييرية جديدة”، يُضيف منيمنة لـ”درج”. 

هل العائق هو المال فعلاً؟

في أيلول/ سبتمبر 2021، حوّل صندوق النقد الدولي إلى لبنان ما قيمته 1.139 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة. لجأت الحكومة إليها باعتبارها أسهل السبل بدل وضع الخطط الإصلاحية والشروع بتنفيذها، وأنفقت نحو ثلثي هذه الأموال برغم تعهّدها بعدم المسّ بها. تلك الأموال ذهبت بالدرجة الأولى إلى استيراد القمح، والفيول من أجل الكهرباء، والدواء، وغيرها من النفقات، فيما لم تخصّص السلطة من هذا المبلغ 9 ملايين دولار للانتخابات البلدية، وهو ما يظهر غياب النية السياسية لاجراء الاستحقاق.

للبنان تجارب كثيرة مع تأجيل الانتخابات، والتمديد للمجالس البلدية بشكل خاص. وفق “الدولية للمعلومات”، صدر 21 قانوناً للتمديد خلال الفترة الممتدة من 1967 ولغاية 1998. علماً أن لبنان شهد منذ عام 1998، 3 انتخابات للمجالس البلدية، في سنوات 2004، و2010، و2016. 

التأجيل في هذا الظرف الذي يمرّ به لبنان يبدو متعمّداً وأساسياً بالنسبة إلى القوى السياسية، لا سيما “حزب الله” و”حركة أمل”. إذ لا يرغب الثنائي الشيعي بإشعال فتنة في مناطقه، خصوصاً بعد بدء تغيّر المزاج الشعبي في البيئة الشيعية. اعتادت الأحزاب السياسية في لبنان على الشحن الطائفي والمذهبي قبيل كل انتخابات، ولكن ذلك التكتيك لا ينطبق على الانتخابات البلدية، فلا مُبرّر طائفياً يتلطّى خلفه أصحاب السلطة لعدم تأمينهم أبسط حقوق المواطن في محلّته.