fbpx

ما الذي يريد ياسر العظمة قوله؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدلاً من الحديث عن خيبة الحاضر والماضي القريب، فضّل العظمة التحدّث عن نجاحات الماضي القديم، ليعود بسلسلة من الحلقات خصصها لتكريم شركائه في “مرايا” كمها المصري وباسل خياط، تتخللها حلقات نقدية منفصلة يتناول في كل منها موضوعاً مختلفاً ومثيراً للجدل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا مسلسلات في رصيد الممثل السوري ياسر العظمة في هذا الموسم الرمضانيّ، إذاً لمَ الحديث عنه، صحيح أنه سارع الى التعليق على مأساة الزلزال الذي ضرب سوريا، لكن الواضح أن هناك ما يثير الجدل حوله، خصوصاً أنه يبث تسجيلات لنفسه وهو يلقي شعراً ويعطي محاضرات في الشعر والموسيقى. لكن المثير للاهتمام، أن العظمة، الذي حصل على الجنسية الإماراتية عام 2021، والذي يعرَف عن نفسه كـ”ممثل سوري من عائلة دمشقيّة” على قناته، يريد أن يقول شيئاً.

ما الذي يريد قوله العظمة؟ ببساطة يمكن النظر إلى آخر الفيديوات التي نشرها، والتي يطري فيها على الممثل السوري مكسيم خليل وزوجته سوسن أرشيد، هكذا من دون سبب، موجهاً لهما تحية من أسرة مسلسل “مرايا”، ليرد عليه الثنائي السلام بفيديو من سيارتهما.

لكن، لمَ الآن؟ العظمة الذي وقف على الحياد التامّ من الثورة في سوريا، ربما وصلته شهرة مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي يلعب كل من مكسيم و سوسن بطولته، لكن في فيديو الشكر والسلام، لا ذكر لهذا الموضوع أبداً، مجرد صور من حلقات مرايا تُظهر الممثلين في أدوار مختلفة. فكيف يرصد راداره من يستحق التكريم ومن يستحق الشتم، هو الذي تعرض لأشد الانتقادات بعد مسلسله “السنونو” الذي بث عام 2021؟

لا مسلسلات في رصيد الممثل السوري ياسر العظمة في هذا الموسم الرمضانيّ، إذاً لمَ الحديث عنه، ما الذي يريد قوله؟

العودة إلى الشاشة الصغيرة 

لجأ ياسر العظمة أو “الأسطورة” كما يلقبه البعض، إلى “يوتيوب” وافتتح قناته الخاصة عام 2021، قدم فيها سلسلة من الفيديوات أعادته إلى الساحة بعد سنوات طويلة من الغياب. لكن المفاجأة، أن المحتوى الذي ظهر فيه وصفه كثيرون بالكليشيه، يكثُر فيه التنظير ويعتمد على لغة شعرية ممجوجة، كأننا نشاهد فيديو عن “الإعلام والحمام الزاجل” ينتقد فيه المسلسلات التي تحكي عن “الخيانات والمعاصي والمسبات”.

 حقق العظمة المطلوب، وأشعل وسائل التواصل الاجتماعي، لتؤدي هذه المغامرة إلى عودة ياسر العظمة إلى الشاشة الصغيرة مجدداً بـ”السنونو” عام 2021، والذي ألّفه بنفسه، وجرّب فيه أن يخرج من عباءة “مرايا”، ويدخل عالم الدراما المشتركة، أي ممثلين متعددي الجنسيات. لكن التجربة التي بثتها قناة “أبو ظبي” سرعان ما ابتلعها النسيان، وتعرض المسلسل لانتقادات، حتى أن الممثل المثير للجدل بشار اسماعيل، والذي شارك في المسلسل، نعته بـ”العمل السخيف، أساء لياسر العظمة… ولم أكن أتوقع أن يفشل بهذا الشكل”.

الأسلوب المتأخر جداً

لا يريد ياسر العظمة أن يصبح يوتيوبر، بدليل أنه توقف مباشرةً عن صناعة الفيديوات بعدما حصل على فرصة للعودة إلى الدراما التلفزيونية، ولم يعد إلى قناته الخاصة على “يوتيوب” إلا بعدما سلّم بحقيقة مصير “السنونو”، الذي تجاهله تماماً ولم يُشر إليه إطلاقاً في الحلقات التي أنتجها.

 بدلاً من الحديث عن خيبة الحاضر والماضي القريب، فضّل العظمة التحدّث عن نجاحات الماضي القديم، ليعود بسلسلة من الحلقات خصصها لتكريم شركائه في “مرايا” كمها المصري وباسل خياط، تتخللها حلقات نقدية منفصلة يتناول في كل منها موضوعاً مختلفاً ومثيراً للجدل.

يتضح في الحلقات الخاصة بسلسلة “مرايا”، أن العظمة لا يتقن فن التكريم جيداً، فغالباً ما يتحدث عن ذكرياته مع شركائه في “مرايا” التي تجعله يبدو البطل الأوحد والنجم الأكبر في كل قصة؛ خير مثال على ذلك المقطع الذي خصصه لتكريم المخرج الراحل حاتم علي، الذي أخرج جزئين من سلسلة “مرايا”. 

اختصر الحديث عن حاتم علي  بالكلمات التالية: “حاتم علي بلا شك، مخرج مهم وعالمحك، أخرج مرايا سنتين، وكان مبسوط بهالتجربة، وما كان أخرجها مرتين لو كانت سئيلة أو مكربة. اتبع أسلوباً جديداً ودخل فواصل كرتون، مو بإيده بيحب التجديد، بالمناظر والمضمون. ما كان يتدخل بالنص ولا يحذف منه كلمة، ويقلي مالي مختص بآراء ياسر العظمة… نصك حلو وشايل حاله، ما بقدر منه قصقص، والحوار إله جماله، ما بقدر زيد عليه كلمة أو نقّص، وكان يقلي باستمرار: عملك عالورق منجز، بالمشاهد والحوار وما بقي إلا يتنفذ”. السؤال هنا، هل يمكن اعتبار ما سبق تكريماً لحاتم علي، أو تكريماً ذاتياً يقدمه ياسر العظمة لنفسه، نقلاً عن لسان حاتم علي؟.

نالت الفيديوات التي يخرج فيها ياسر العظمة من أجواء الذكريات نحو الواقع المعاصر لينتقده، القسط الأكبر من الجدل، لا سيما فيديو “مكانك في القلب”، الذي انتقده الشارع السوري المعارض بوصفه خطاباً هزيلاً حول العوامل البديهية التي دفعت الناس إلى السّفر، من دون التجرؤ على ذكر أي تلميح للمسبب الحقيقي لمعاناة السوريين داخل سوريا وخارجها.

 لم تتغير لغة ياسر العظمة ولم يرتفع سقف النقد لديه، والخطاب الذي ألقاه يشبه الخطابات المباشرة التي كان يلقيها في لوحات “مرايا”، والتي يعرف فيها كيف يلتقط الإحساس العام، وكيف يبدو ناقداً لاذعاً من دون أن يوجّه أصابع الاتهام إلى أي أحد.

صمتُ العظمة عما حدث في سوريا عام 2011 عرّضه للانتقادات الشديدة، خصوصاً أنه كان في مطلع السبعينات جزءاً من مسرحيات محمد الماغوط السياسية “ضيعة تشرين” و”غربة”، التي تعتبر “نقداً سياسياً” عرفته الساحة السوريّة في تلك المرحلة، ليتبين لاحقاً أنها ليست سوى جزء من استراتيجيّة “التنفيس” التي يتبناها النظام السوريّ، فمع اندلاع الثورة السوريّة اتضح موقف بطلها “دريد لحام” الذي قال حرفياً، “يخاف من المخابرات أكثر مما يخاف من الله”.

دراما يا دموع العين دراما

نشر العظمة قبل شهر رمضان، فيديو جديداً لا يقل إثارة بعنوان “دراما يا دموع العين دراما”، لينتقد فيه حال الدراما السورية والعربية راهناً؛ فيديو حمل من التناقضات ما يكفي لتدمير المكانة النوستالجية لسلسلة “مرايا”. 

في الفيديو، يتبنى العظمة -كعادته- دور المثقف الذي يقف بمكانة أعلى من باقي البشر ويشاهد كل شيء من زاوية أوضح، ينتقد الدراما العربية عموماً، والسورية بخاصة، في الوقت الحالي، بنبرة لا تخلو من النوستالجيا لزمن الدراما الجميل، الذي كان جزءاً منه، وربما يظن أنه كان الجزء الأبرز منه. لكن هل أتى العظمة بالفيديو بأي شيء جديد؟ لا.

لم ينتقد العظمة سوى المسلسلات التي انتُقدت بشدة في السنوات الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي “باب الحارة” و”الهيبة” و”صرخة روح” و”جوقة عزيزة”، وهو لم يفعل شيئاً سوى أن جمع الانتقادات الأكثر شيوعاً، وأعاد صياغتها بلغته الشعرية الممجوجة والمكسورة. 

المثير للضحك، أن الانتقادات التي تبناها العظمة في الفيديو متناقضة نوعاً ما؛ فعلى سبيل المثال، تبدو الانتقادات الموجهة الى “باب الحارة” كخطاب تقدمي ضد رواسب القيم المجتمعية الضلالية، بينما تبدو انتقادات “جوقة عزيزة” و”صرخة روح” من منظور محافظ مغاير تماماً. إذ لا يمكن أن نحدد بدقة موقفه الأخلاقي لا الجمالي، هل هو محافظ، ليبرالي، بعثي؟ لا يمكن أن نحسم.

أكثر ما يثير السخرية في هذا الفيديو، الذي ينال فيه “باب الحارة” النصيب الأكبر من النقد، أن كل الانتقادات التي صوبها العظمة نحو هذا المسلسل يمكن توجيهها الى”مرايا” أيضاً، وقد اعتبره افتراءً سافراً على حقبة زمنية في تاريخ سوريا، وأنه صورّ سوريا كبلد متخلف، اختُصرت صورة الرجال فيه على الشوارب والشبريات، وشوه صورة المرأة وهمّشها، مع إشارته إلى النساء السوريات المتعلمات واللواتي لعبن دوراً مهماً في المجالات الثقافية والاقتصادية في سوريا (جدير بالذكر أن العظمة وصفهن بالفيديو بالسافرات). 

هذه الانتقادات يمكن توجيهها بحرفيتها الى كل اللوحات التي قدمها العظمة عن تلك الحقبة؛ ففي “مرايا” لم نشاهد أي لوحة تتحدث عن النساء المثقفات والمناضلات في نهاية حقبة العثمانيين أو في حقبة الانتداب الفرنسي. كل الحكايات التي قدمها العظمة حصرت دور المرأة بكونها ربة منزل  فقط، تقع على عاتقها مهمة كل الأعمال المنزلية وتربية أطفالها، ليس في زمن الانتداب الفرنسي وما قبله فقط، وإنما في معظم اللوحات المعاصرة، التي ترد فيها حوارات تشدد على أهمية التزام المرأة بهذه الأدوار، حتى وإن كانت في بعضها تظهر كطبيبة أو ممثلة؛ بل إن بعض اللوحات تسخر من صورة الرجل الذي يشارك في الأعمال المنزلية.

كذلك، أظهر العظمة في الفيديو الصورة النوستالجية العاطفية لجده الأنيق الذي كان يرتدي طربوشاً، والموروثة من الأتراك في زمن الدولة العثمانية؛ وهي صورة يمكن اقتفاء أثرها في بعض لوحات “مرايا”، لكنها لم تكن بديلة للصورة النمطية التي ظهرت في “باب الحارة”، وإنما مجاورة لها، فعشرات اللوحات في”مرايا” تصور عنتريات الرجال ، وأصحاب الشبريات والخناجر، واستعراض الرجولة المبالغ فيها. وينتقد العظمة “باب الحارة” لكونه أغفل كل الشخصيات التاريخية المهمة في تاريخنا النضالي! فهل ذكر “مرايا” أياً منها؟

ينجرّ العظمة وراء النقد السوري السائد، الذي يخفي في طياته نزعة عنصرية، محملاً الشركاء العرب مسؤولية انحدار مستوى الدراما السورية، لا سيما الشركاء اللبنانيين! ليقدم تعليقاً عنصرياً لا يليق بمكانته كفنان. والمثير للضحك أنه يتناسى تجربته الأخيرة، “السنونو”، ولا يشير إليه إطلاقاً، رغم أنه تجربة عربية مشتركة أيضاً، وأكثر مسلسلات العظمة مجتمعةً تعرضاً للنقد.    

يتجنب العظمة في الفيديوات الجديدة، الى الآن، الحديث عن مسلسلات هذا العام، لكن ما يريد قوله واضح، هو بطل مطلق لكل الحكايات التي يسردها سواء عن تاريخه الفنيّ أو عن طفولته، إذ يقول: “بالمدرسة ما كان حدا عنده متلي طموح، ولا واحد.. كان في كم واحد يهرجوا ويضحكوا وينطوطوا على مسرح المدرسة، بس أنا مو هيك”.