fbpx

“الهرشة السابعة” ودراما “الكومباوند”… أين المشكلة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حضرت أسباب كثيرة للاهتمام بالمُسلسل، مُشاهدته والاحتفاء به إلكترونياً، لأنه التزم جزئياً بتناول الشخصيات على استقطاب الواقع، من خلال تطعيم الحكاية بمواد اجتماعية وإشكالية لها حضور مُعاصر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كمحاولة لتقديم أعمال درامية تعرض تنويعات معاصرة للأزمات العاطفية والزوجية، عُرض مُسلسل “الهرشة السابعة” خلال شهر رمضان 2023، وللوهلة الأولى بدا أن المُسلسل يُحاول مُحاكاة أعمال درامية معنيّة بالفكرة نفسها، مثل مُسلسل scenes from a marriage، بطولة جيسيكا كاستيان وإيزاك أوسكار، الذي قدّم قراءة عصرية لفيلم بالإسم نفسه من إخراج إنجمار بيرجمان، صدر في السبعينات. 

باين “الهرشة السابعة” بين حالات عدة، خلال تقاطعات حكائية جيدة فنياً، وعبر شخصيات تتراوح بين الطابع المُحافظ، تمثّلت في نموذجين، زيجة نادين (أمينة خليل) وآدم (محمد شاهين)، وزيجة طويلة المدى بين والدي نادين، إضافة إلى الطابع الليبرالي المُتحرر في علاقة شريف (علي قاسم) وسلمى (أسماء جلال). 

منذ الحلقات الأولى، ومن بين سيل المُسلسلات الرديئة، فرض “الهرشة السابعة” حضوره خلال حالة التكامل بين آليات صناعة الدراما، ثمّة صورة دافئة واستفادة بديهية من مُختلف أدوات الحكي البصري والحواري، إضافةً إلى مُواكبة الشكل العالمي لصناعة الدراما الناطقة بالإنكليزية. لكن مع مرور الحلقات، يتبيّن أن تناول الشخصيات وما تُعانيه من مشكلات زوجية وشخصية، يُشير إلى أن الموضوع الرئيسي للعمل ليس تناول العلاقة بين الجنسين، في إطار الزواج أو غير ذلك، بل العطب النفسي الذي تُعاني منه العلاقات الزوجية، والشرقية بشكل خاصة. 

حضرت أسباب كثيرة للاهتمام بالمُسلسل، مُشاهدته والاحتفاء به إلكترونياً، لأنه التزم جزئياً بتناول الشخصيات على استقطاب الواقع، من خلال تطعيم الحكاية بمواد اجتماعية وإشكالية لها حضور مُعاصر، بعض هذه المواد حضر كأساس درامي، مثل الطبيعة الشرقية التي حكمت زواج نادين وآدم، أو تحررية شريف وانعزاله الواضح عن الأفكار الاجتماعية المُحيطة به، إضافةً إلى بعض المواد التي عُرضت على استحياء، ولو خلال جُملة عابرة، مثل “المُساكنة”. 

يُمكن تجاوز المادة الفنّية للمسلسل، لمصلحة أفكار تحوم حول المُنتج، علاقته مع المجتمع الذي يُخاطبه، وآليات هذه المُخاطبة في قدرتها على التعاطي بفاعلية مع الواقع، ثمّة أسئلة تتعلق بحصر الدراما ذات القضايا الاجتماعية في أماكن معزولة (كومباوندات)، لكن القطاع الأكثر تفاعلاً معها، يكون جمهور الشباب، الذي يُساعد في توسيع نطاق مُشاهدات هذه الأعمال خلال الفضاء الإلكتروني، وحول العلاقة بين الواقع وامتداده الفنّي، في الدراما، لأي مدى يُمكن الأخيرة أن تشتبك مع ثنائية التحرر والمحافظة في الواقع، هل تقوم بتفكيك آليات التحفّظ المجتمعية؟ أم تُقدّم مجرّد محاكاة، أو حتى تُعيد إنتاج الكود المُحافظ بتيمات تُوهم بالتحرر؟

طبقية “الكومباوند” 

خلال مُشاهدة حلقة واحدة من المُسلسل، يُمكن بسهولة التعرّف إلى الشريحة الطبقية التي تعيش الشخصيات في إطارها، يتزوج آدم ونادين في شقّة يسهل مُلاحظة أنها مُصممة لإحدى “الكومباوندات”، وحتى مع تقديم والدي نادين في إطار مُحافظ، فإن والدها، رغم أنه صاحب محل لبيع “الدباديب”، لا يتأثر بشكل كبير حينما تنفصلُ عنه زوجته، يترك لها شقتهما الواسعة ويعيش في شقّة أخرى، يأتي وباء “كورونا” ضمن الزمن الدرامي، ولا يتأثّر أي من هذه البيوت، هناك فقط بعض الإشارات لأزمات مالية وفشل مشروع رفاهي، ويتم تعويض ذلك لاحقاً. حتى شريف، الذي يعيش من صنعة يدوية، فهي تُقدّم كممارسة فنّية. يعملُ شريف “نجّاراً”، لكن مهنة النجارة تُقدّم خلال سياق مُستقطع من بُعدها الوظيفي القاسي، ويتبين ذلك من بيت شريف، الذي يشغلُ طبقتين، الأزمة الكُبرى فيه أن ماء المطر يتسرّب من النوافذ في فصل الشتاء، ويُمكن التعبير عن ذلك خلال مشاهد ودودة بين شريف وسلمى، وهما يقومان بلصق فراغات النوافذ. 

في الموسم الدرامي 2021، عُرض مُسلسل “خلي بالك من زيزي”، وتناول المُشكلات الأسرية وآثار ذلك على الأبناء، بعيداً من السردية المُقدّسة والمحفوفة بالقاعدة الدينية المُتعلّقة ببرّ الآباء. خلال تتبّع تطورات شخصية (زيزي- أمينة خليل)، في رحلة طلاقها، وعلاجها من بعض الآثار النفسية بسبب سوء علاقتها بوالدها كأب، ومع والدتها كزوجة، تنتهي زيزي بعلاقة جديدة ناجحة مع مُحاميها. بآليات التقديم الدرامي ذاتها، عُرض مُسلسل “مين قال ؟” خلال الموسم الرمضاني الماضي، قُدمت فيه مُعالجة لأزمة العلاقة الجيلية، بين قطاع الشباب الحالي وطموحاتهم، وكيف يُعطّل ذلك من الآباء. 

تشارك النموذجان السابقان مع “الهرشة السابعة” في تسييل القضية المُجتمعية ثقافياً، وإحالتها من التقاطعات المركزية مع البُعد المؤسسي والخطاب المُجتمعي، إلى مسألة فردية، مجموعة صعوبات يُمكن تجاوزها، وبشكل ما، استحال تتابع ظهور التجمعات السكنية الخاصة، والمشاريع الخاصة الجديدة (start up ) إلى حل جذري ممُكن وفعّال. ثمّة استقطاع للصورة “التقليدية” التي تعيش عليها شرائح كثيرة من الطبقة الوُسطى وما يحكمها من تطور تعليمي ينتهي عند وظيفة روتينية، لتظهر مُشكلات في هذه المُسلسلات، على مستوى “التعريف الأولي” تعاني منها مُختلف الشرائح المُتوسطة نفسها، لتصطدم بالمُغايرة مع الواقع.

يُشير عماد عبد الحي، الباحث في وزارة الثقافة والأستاذ المساعد بمعهد البحوث والدراسات العربية، الى أن “التحديد الطبقي” في الدراما أعيد تشكيله منذ 2014، إذ إن الطبقة الوُسطى تعرف من فضاءات مكانية مُحددة، ومن خلال القدرة على الاشتباك الكُلّي مع المحيط، لكن الشريحة الأدنى المُقدمة في الدراما حالياً، هي طبقة “مُعولمة”، وما دون ذلك فهو مُجهّل تقريباً. 

لدى الطبقة المُعولمة معايير مُسيّلة، هي دائماً في نهم تجاه مُواكبة اللحظة الراهنة، تتبنّى مشاريع “مُعاصرة” لها طابع رفاهي، لهذه الطبقة المُستحدثة أمان وظيفي يقع بين الهروب من الطبقة الوسطى والتودد للحيّز البرجوازي، الذي هو مُحافظ أيضاً، لكن بصورة أكثر “شياكة”. مثلما أصبح طبيعياً في المُسلسلات المذكورة، تنزع الشخصيات عادةً إلى الاستهلاك، بداية من الهواتف الحديثة، مُواكبة البُعد القيمي للموضة والأزياء، وحتى الانتهاء بتفضيل الحياة في “الكومباوندات” المعزولة. 

في العلاقة مع تقديم الأزمات، يلفت عماد الى أن آليات الدخل المادي في المُسلسلات الحالية مُجهّلة، في ما يتعلّق بصعوبة التحقق الوظيفي نفسه، إذ تحدث وتنتفي في الدراما ببساطة، وخلال أحداث مبتورة من المجال العام.

عصام زكريا وهو ناقد فنّي ورئيس مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، يقدم رأياً مُختلفاً حول مسألة تأطير الدراما طبقياً، إذ يتناولها بعين التفضيل الإنتاجي، فيقول “ليس الجمهور هو المعيار الكلّي لنجاح العمل، لكنه معيار أساسي، ولا يوجد عمل فنّي واحد يُمكن أن يتفق عليه الجميع مثل الحال سابقاً، لأن الجمهور نفسه تغيّرت آليات تفضيله من خلال اتساع فضاءات الاشتباك العامة”. 

من خلال مركزية الجمهور، يقول زكريا إن العملية الإنتاجية حالياً تقوم على الانتقاء، تُحدد الجهة المنتجة في البداية توجيه مشروعها، وذلك يكون من خلال جمهوره، ولذلك فإن “الحصر” في القضية الاجتماعية يكون مُوجّهاً إلى شريحة ما، سواء كانت لسُكّان الكومباوند أو لشريحة شعبية، إذ لا يوجد هنا همّ اجتماعي، فالهم الأول هو تشكيل حالة ناجحة تُواكب مُتطلبات جمهور مُعيّن. 

مراوغات لمنع الصِدام

منذ فترةٍ قريبة، ظهر تصريح للممثل والمطرب المصري محمد عطيّة، يُؤيد فيه “المساكنة” بدلًا من الزواج، أو كمقدمة للمعايشة قبل الدخول في التزام رسمي. قامت الدنيا على عطية، لأن تصريحه وُجّه عموماً، وبالتالي ضُمّنت أخلاقية الطبقة الوُسطى ضمن حالة التوجيه هذه. 

تتجلى فكرة منطقية حول “الهرشة السابعة”، وهي أنّه حاول مُعالجة مُشكلات مُعاصرة، معنيّة بالزواج والأبوّة والتوازن المُجتمعي بين الذكور والإناث، من خلال مساحة آمنة طبقياً، أو يُمكنها الاشتباك مع هذه الأفكار من دون خلق صدام أو عداوة مع الجوانب الأخلاقية للمجتمع. لم تعد الطبقة الوسطى الآن مثل حالها السابقة، لأن وسيط التأثير الذي يُشكّلها، دخل الفضاء الإلكتروني مُراوغاً مُجمل الخطاب الثقافي المُحافظ والمُتسلّط. لم يعد البيت مُحتكر الأفكار، ففرصة نقد ذلك يُمكن أن تصطدم بأحدهم/ إحداهن مصادفة على “فيسبوك”. وبالتالي تعرّض جيل الشباب، الذي تربّى مُحافظاً، لأفكار مُضادة، وسواء اتفقنا او اختلفنا عليها، فإن الاشتباك معها أحال هذا الجيل إلى مساحة جديدة، اشتباكات على مدى أوسع.

فئة الجمهور التي حدّدها الناقد عصام زكريا، خلال حواره مع “درج”، لم تكن فئة طبقية بشكل كليّ، إذ حددها في جيل الشباب المُهتمين بالدراما العالمية، والمُسلسل كان مُحاولة لمُواكبة هذه الثيمة من الأعمال، ولذلك فإننا حينما نُشاهد شريف، وهو يصطدم بأنّه أب بسبب علاقة عابرة خلال مُراهقته، وعليه أن يلتزم تجاه ابنته التي تواصلت معه وهي في سن السادسة عشرة، فإن عامل الاشتباك هنا لا يتوقف على مُشاهدي المُسلسل من حيّزه الرفاهي اجتماعياً نفسه، بل يتصاعد الاشتباك إلى حالة عمومية، لأن الفضاء الحواري، وإن كان افتراضياً، يتضمن مثل هذه الأفكار. 

يدخلُ في السياق نفسه، العطب النفسي والتواصلي الذي حدث في زواج نادين وآدم، فزواجهما خلال المُسلسل كان حالة من التداعي، ثم مُحاولات الوقوف معاً، ثم التداعي مرة أخرى، ولأسباب رغم عصريتها تتداخل مع الطابع الشرقي، والذكوري على مستوى فج أحياناً، الذي انطلقت منه شخصية شريف كزوج. 

تجلّت في المسلسل أفكار أخرى، مثل التعمّد في إظهار جوانب “الحساسية” لدى رجال، الحيرة الكاملة، العجز، والبكاء بضعف ومن دون هم كتيم خوفاً من جرح الكود الذكوري. كانت هذه أفكار وتلميحات جميلة، لها ظاهر موضوعي، لكن النظر إلى هذه الأفكار في سياق الحكاية ككل، ونهايتها – بخاصة في الحلقة الأخيرة – التي آلت إلى خطاب تنمية بشرية يُوجب التوافق والصُلح والتناغم مرة أخرى، يدفع إلى التفكير في هذه المآلات، وعكسها على صورها الواقعية في المُجتمع. 

يُشاركنا الباحث عماد عبد الحي في هذا السياق قائلًا، “الجيل الحالي (generation z) يُمارس التمرّد بالضرورة على معاييره الطبقية المُحافظة، وهذه مسألة عالمية، وعرضة للنقد أيضاً. لدى الجيل الحالي مزاج للهروب إلى فضاءات التحرر قدر الإمكان، لكن القول بأن الدراما تعكس ذلك، فهذه مسألة ظاهرية فقط، فالمرور على تنويعات الأفكار التحررية يأتي درامياً بشكل عابر، ويؤول بالضرورة إلى مواكبة الأمان المُجتمعي والحدود العُرفية”.

يُحيل عبد الحي الأصل في الانتهاء عند إعادة إنتاج “المود” “المُحافظ” نفسه إلى “أجندة” المؤسسة، موضحاً أنها ليست أجندة سياسية فقط، بل لها امتداد ثقافي واجتماعي جذري، فآفاق التعرض لمثل هذه الأفكار التي تخلق جدلًا حوارياً، محكومة بالحدود الأخلاقية التي تُحددها الدولة. يُضيف عبد الحي، “رغم أن الرقابة على الدراما ليست مُحددة ضمن إطار مؤسسي مثل السينما، إلا أن الوسط الفنّي يعيش على تقليد سنوي، وهو فوق رقابي، حيث يتم تسليم قائمة تُحدد اتجاهات المُسلسلات قبل صدورها، ويتم تحديد ما هو مُبارك وما هو ممنوع. لسنا حتى بصدد أفكار مُقدّمة يُمكن رفضها أو قبولها، هناك إملاءات مُسبقة”. 

يُحيل الناقد عصام زكريا هذه المسألة إلى أصل الفضائيات والمنصّات التي تعرض الأفلام، فهي ناتجة من مؤسسات تحكمها مُحافظتها الثقافية، فالوسيط المرئي، على حد قوله، مُحافظ بالكليّة، لأنه يتم إنتاجه خلال إملاءات عُليا حول طبيعة المادة المعروضة، لذلك فإن الواقع تشغله فضاءات تحررية أكثر من إيهامات التحرّر التي تُقدّمها الدراما. 

تبدو ثنائية التحرري والمُحافظ بين الواقع والدراما، وعجزُ الثاني عن مُواكبة الأول أو التعبير عنه، فكرة لها حضور قوي، فحينما ننظرُ إلى نهاية “الهرشة السابعة” نجدُ أن كل الأفكار المُغايرة للطبيعة المُحافظة، قد انعكست في الأخير إلى نقطة بدئها، كأنها خاضت رحلة من التجربة حتى تدرك أن الخروج عن الجماعة، هو درس أخلاقي للعودة إليها مرّة أخرى. 

يتصالحُ شريف مع وجود ابنته، رغم صعوبة ذلك، ويتحقق وجوده كأب، ثم يمتد تصالحه إلى الموافقة على الإنجاب من زوجته سلمى بعد رفض وتخوّف طويلين. يُمكن القول إن مسألة الأبوّة مسألة كونية، فرفضها أو قبولها لا يُمكن عكسه ضمن المُحافظة والتحرر طوال الوقت. لكن تجليّات العودة إلى الجماعة ظهرت بشكل كبير في علاقة نادين وآدم، فبعد مُشكلات بالجملة انتهت بالطلاق، تحوّل ارتباك شريف بعد الطلاق إلى رحلة مُفعمة بالحكمة، يقترب خلالها من صديقته في العمل، يُخيّل إليه أنه يُحبها، ثم يُدرك أنها علاقة تعويضية (rebound)، وفي الحلقة الأخيرة يعود احتمال رجوعه إلى طليقته حاضراً بشكل كبير، ليس كاحتمال وارد، وإنما كتتمة للحكاية حتى تكون “صالحة” للظهور. 

همس حول المساكنة

يظل “الهرشة السابعة” محاولة جيّدة تقنياً على مُستوى الفنّيات، لكنه يُشير إلى أن مساحة الاشتباك مع الأفكار المطروحة حديثاً، خارج الإطار المُحافظ، هي مساحة مُلغّمة، بينها وبين الدراما فراغ كبير، لأن الحيثيات العامة، من ثقافة عُرفية وحوكمة مؤسسية، لها القدرة على الإملاء، والحذر في المواجهة، لذا فإن الاشتباك يأتي، مثلما حدث في المُسلسل، في صورة “تحرر” وهمي، مثلما حدث في أحد المشاهد السريعة، حينما طلب شريف من حبيبته أن يعيشا معاً من دون زواج، فكان ردّها أنّ في عرضه وصماً لها، وهل كان سيفعل ذلك لو كان أهلها أحياء؟، ولا بد لنا أن ننظر إلى الناس الذين نعيش حولهم، بينما شريف اكتفى بالتعبير عن أن علاقتهم مُختلفة عن الناس وعن المجتمع. 

لدى الواقع تركيبات أكبر من الاختزال المشهدي المُقدّم في المُسلسل، فالمسألة لا تنحصر في أن المساكنة مُمارسة تقدمية مسبقة، وليست أيضاً أداة للوصم، فهي حالة اجتماعية لها حضور في المُجتمع العربي، حتى قبل الانفتاح الإلكتروني واعتبار العالم غُرفاً تطلُ نوافذها على بعضها. ظهرت المُساكنة في سوريا قبل الحرب، لجأ إليها الشباب والبنات، هروباً من العائلة أو تمرداً على القيود، أو لقناعة شخصية مُغايرة، وفي هذه المرحلة كانت المُساكنة فعلاً يُمارس اختباءً، بينما خلال الحرب، بدى الأمر أكثر قبولاً، لأنه تم في إطار صعوبة الزواج وتكلفته العالية في بلدٍ يُعاني، بينما المُجتمع المصري -القاهري بخاصة- يتحددُ فيه إمكان قبول المساكنة حسب القدرة المالية، فحينما تستطيع استئجار شقة بمبلغ كبير في منطقة آمنة، حينها تتراجع سُلطة البوّاب عن سؤال من يصعد للعقار أو يخرج منه، وكذلك الناس السائرة في الشوارع. الوصم مسألة يتوقف منعها على قدرتك المادية.

مهما حافظت سياقات الإنتاج والإملاءات المؤسسية على إعادة إنتاج الحكايات خلال الوسائط المرئية، في قالب “مُحافظ”، أو حتى أحالت الأفكار التحررية إلى محاولات “خاطئة بالضرورة” حتى يُستعاد أمان الجماعة مرة أخرى، فلا يُمكن إيقاف دائرة استهلاك هذه الأفكار في صور تفرض مدى تركيبها و خروجها عن ثنائية المُباركة والوصم، لأن حيثيات وجود وتفعيل الفكرة وضدها، لا تقوم على الانتهاء عند أحد الثنائيات بصورة مُباشرة، فإحدى آليات فهمها على مستوى أعمق، هي التناول الفنّي، لكن المُنتج الحالي، وما يحكمه، يدور حول نفسه في حذرٍ محفوف بالخوف من الوصم أو الهجوم، فهي عملية تُعيد إنتاج الأفكار نفسها، خلال مُنتج فنّي رديء أو جيد. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.