fbpx

سجن راشد الغنوشي: هل بدأت “سنوات الجمر” الإخوانية في تونس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في هذه الأثناء، سيستتبّ الأمر لقيس سعيد، الذي سيمضي قدماً في استكمال مشروعه السياسي بعدما وضع جميع معارضيه، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، في السجن، ليخلق تصحراً سياسياً شبيهاً بما كان موجوداً قبل الثورة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نزل خبر إيقاف راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإخوانية والرئيس السابق للبرلمان، كصاعقة على التونسيين. في البداية، سرى اعتقاد بأنه مجرد إجراء روتيني سينتهي (كالعادة) بإطلاق سراح الغنوشي بعد جلسة استنطاق طويلة، كما حصل مرات قبل ذلك في مختلف القضايا التي تم استدعاؤه للتحقيق فيها، ولكن هذه المرة اختلف الأمر.

 لقد فعلها الرئيس قيس سعيد! وضع الزعيم التاريخي لإخوان تونس في السجن! الغريب في هذه القصة، أن حبس الغنوشي لم يكن على خلفية قضايا تتعلق بتسفير التونسيين نحو جبهات القتال في سوريا أو قضايا فساد، وإنما بسبب تصريحات أدلى بها خلال مسامرة رمضانية نظّمتها جبهة الخلاص الوطني، المعارضة لقيس سعيد، قال فيها إن “تونس من دون نهضة، من دون إسلام سياسي، ومن دون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية”. فاعتبرت السلطة هذا التصريح تحريضاً على الاقتتال وتأجيج حرب داخلية.

حدث الأمر في حركة استعراضية بحتة، إذ حاصرت مجموعة من سيارات الشرطة منزل الغنوشي بعيد أذان المغرب بقليل، في ليلة القدر، مساء 17 أبريل/ نيسان، وتم تفتيش منزله ثم اقتياده إلى ثكنة العوينة للتحقيق معه. واعتبرت حركة النهضة ذلك “محاولة لإذلاله والتنكيل به”.

رفض الرجل ذو الواحد والثمانين عاماً، الإدلاء بأية معلومات للتحقيق، والتزم الصمت، ليتم إيقافه تحفظياً في مرحلة أولى لمدة 48 ساعة، حُرم خلالها من رؤية محاميه، حسب ما ينص عليه قانون الإرهاب، ثم تم في 20 نيسان إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه. 

 لقد فعلها الرئيس قيس سعيد! وضع الزعيم التاريخي لإخوان تونس في السجن!

خلال فترة حبسه، لم يحصل شيء. لم يتحرك مناصروه ولا أعضاء الحركة للتظاهر لإطلاق سراحه، ولم ُيسمع صوت مسانديه من جبهة الخلاص، سوى صوت نجيب الشابي، رئيس الجبهة الذي اعتبر أن ما قاله الغنوشي لا يعدو سوى تصريحات ليس فيها ما يعكر صفو الأمن العام، وأن إيقافه يُعدّ تعدياً على حرية التعبير المكفولة بالدستور.

صحيح أن السلطة أغلقت في اليوم التالي لإيقاف الغنوشي، كل مقرات حركة النهضة، ومنعت ندوة صحافية كان مقرراً أن تقوم بها جبهة الخلاص الوطني، لكن هذا ما كان ليمنع أنصار الحركة من التحرك للتنديد بما اعتبرته النهضة “ممارسات قمعية منتهكة للحقوق والحريات ولأعراض السياسيين المعارضين”، كما جاء في بيانها. ما الذي كان يمنع أعضاء الحركة من النزول بأعداد غفيرة إلى الشارع للمطالبة بإطلاق سراح زعيمها الأسطوري؟ ما الذي كان يمنعهم من الانتفاضة ضد قرار السلطات الأمنية بغلق مقراتهم؟

يمكن تفسير ذلك بأسباب عدة، أولها الخوف من أن يلقى أي مناصر لحركة النهضة مصير قياداتها من الصف الأول، الذين يقبعون حالياً في السجن بتهم ثقيلة، من ضمنها التحريض على الإرهاب كعلي العريض، رئيس الحكومة السابق،  ونور الدين البحيري، وزير العدل الأسبق،  وحمادي الجبالي، أول رئيس حكومة إخواني في تونس وغيرهم.

تضاف أيضاً حالة الارتباك العام التي تسود في البلاد منذ إيقاف نحو 20 شخصية معارضة مهمة منذ منتصف شهر فبرابر/ شباط الماضي، بتهم تخص “التآمر على أمن الدولة”، من دون أن يتضح إلى الآن مصيرهم، رغم إجماع محاميهم على غياب أدلة تُدينهم. في حين يخشى القضاة إطلاق سراحهم خوفاً من ردة فعل رئيس الدولة قيس سعيد، الذي هددهم في تصريحاته بأن مصيرهم سيكون السجن بدورهم لو قاموا بذلك.

 هناك أيضاً إحساس عام لدى إخوان تونس بأنه تم التخلي عنهم من القوى الإقليمية التي كانت تساندهم في إطار مشروع الربيع العربي، والذي أُغلق قوسه مع إعلان الرئيس التونسي الإجراءات الاستثنائية في تموز/ يوليو 2021 وإغلاق البرلمان، لتعود تونس إلى حضن الأنظمة الدكتاتورية المضادة للثورة.  فما عدا المحاولات اليائسة للرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، للاتصال بالرئاسة التونسية لمساعدة “صديقه الغنوشي” من دون أن يحظى بأي رد، لم نرَ أية دولة تحركت لنجدة الزعيم التاريخي لإخوان تونس. 

الجزائر أيضاً التي كانت مساندة للغنوشي في عهد بوتفليقة، نفت علمها بقرار السلطات التونسية إيقافه، ولم تحرك ساكناً لدعمه في محنته، حسب ما جاء في تقرير ُنشر على موقع “مغرب إنتيليجنس” الفرنسي. في حين أعرب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عن قلقهما مما حصل من دون أن يكون ذلك متبوعا بأية تحركات لإقناع السلطات التونسية بالإفراج عن رئيس حركة النهضة. 

لا تزال “سنوات الجمر” عالقة في أذهان الكثير من أنصار حركة النهضة، والتي أمضوها في سجون زين العابدين بن علي بعد حملة الإيقافات الواسعة التي شملتهم في مطلع تسعينات القرن الماضي، فتعرضوا لأنواع التعذيب كافة، وتشردت عائلاتهم وقُطعت أرزاقهم. بالتالي، لم تعد لديهم الرغبة في تكرار التجربة، بخاصة أن كثراً منهم ظلوا حاقدين على الغنوشي وبعض القيادات التي فرّت إلى خارج تونس إبان حملات الاعتقالات من بوليس بن علي، لينعموا باللجوء السياسي في بلدان كبريطانيا وألمانيا و فرنسا، في حين دفعت قواعد الحركة ثمن التصادم مع السلطة.

 تأجُّج الخلافات الداخلية ضمن حركة النهضة حتى قبل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد في تموز  2021، لعب دوراً في التباطؤ. خلافات نتجت من تذمّر شقّ واسع من أعضاء الحركة من استحواذ قلة قليلة من قياداتها على سلطة القرار وعلى الموارد المالية للحزب. المقصود هنا بهذه القلة، هم راشد الغنوشي وابنه وصهره عبد السلام بوشلاكة، وبعض الوجوه المقربة جداً من رئيس الحركة. 

نتجت من هذه الانقسامات موجة استقالات واسعة، تعززت أكثر بعد طرد الغنوشي من البرلمان وإغلاقه، وعلت بعد ذلك أصوات الكثير من قيادات الصف الأول، في صيف 2021، مطالبةً بمراجعات داخلية داخل الحزب وإزاحة الغنوشي من قيادته.  

الأسباب السابقة، تجعل تحرّك أنصار حركة النهضة صعباً لنجدة قائدها، هم الذين تركوه وحيداً أمام باب البرلمان المغلق في وجهه في 25 تموز 2021. وعلى الأرجح أيضاً، أنهم سيواصلون سياسة الترقب الحذر تجاه قرارات السلطة، بخاصة أن الخطوة المقبلة، حسب ما يتوقعه الملاحظون، ستكون حل حركة النهضة ليعود مُناصروها إلى العمل السري كما كانوا قبل 2011.

 في هذه الأثناء، سيستتبّ الأمر لقيس سعيد، الذي سيمضي قدماً في استكمال مشروعه السياسي بعدما وضع جميع معارضيه، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، في السجن، ليخلق تصحراً سياسياً شبيهاً بما كان موجوداً قبل الثورة. لكن ذلك لن يحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الشائكة التي تعيشها البلاد، خصوصاً في ظل غياب حلول لسد العجز الكبير في الميزانية، وارتفاع معدلات التضخم، وعدم الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.