fbpx

“هدنة” الخرطوم… تحت القصف!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يبدو أن طرفَي القتال مستعدان للالتزام بأي هدنة من دون ضغوط إقليمية ودولية قوية، بخاصة أن القتال يدور في المناطق الحضرية في العاصمة الخرطوم، ما يصعب على أي طرف حسم المعارك لمصلحته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن أمام وليد النور سوى النزوح من العاصمة الخرطوم إلى مدينة الحصاحيصا- ولاية الجزيرة المحاذية للخرطوم، بعدما أيقن أن الاشتباكات العنيفة بين الجيش والدعم السريع، لن تتوقف بهذه السهولة، فـ5 هُدن تم خرقها حتى الآن.

يُعد النور واحداً من آلاف الأشخاص الذين غامروا بمغادرة الخرطوم برغم الاشتباكات العنيفة، التي تُستخدم فيها، من جملة أسلحة أخرى، قذائف المدفعية وغارات الطيران الحربي ومضادات الطيران الأرضية، هرباً من القصف العشوائي وشحّ إمداد مياه الشُرب والغذاء وصعوبة الوصول إلى المستشفيات وانقطاع الكهرباء المتكرر.

ودفع هدوء الأوضاع، باستثناء اشتباكات متقطعة في الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان صباح يوم 25 نيسان/ أبريل الحالي، المئات الى مغادرة العاصمة نحو المدن الآمنة، برغم تكلفة النقل التي تضاعفت أربع مرات، إذ ارتفع سعر ليتر البنزين إلى 5 آلاف جنيه، وفي أماكن أخرى إلى أكثر من ذلك مقارنة بسعره قبل اندلاع الاشتباكات (الدولار الواحد كان يساوي 600 جنيه).

ولا تزال المحلات التجارية والشركات مغلقة، ليبدأ السودان في رحلة من الاحتكار والمضاربات، تجعل التجار يبيعون السلع بأسعار خاضعة لتقييمهم الشخصي، في ظل ارتفاع الطلب وانخفاض العرض، لا سيما في ظل غياب مؤسسات الرقابة الحكومية.

وتحت القصف، يضطر كثيرون إلى الهرب بحثاً عن مأوى أو متجر للغذاء، فيما يستمر انقطاع الكهرباء وشح مياه الشرب.

يُعد النور واحداً من آلاف الأشخاص الذين غامروا بمغادرة الخرطوم برغم الاشتباكات العنيفة، التي تُستخدم فيها، من جملة أسلحة أخرى، قذائف المدفعية وغارات الطيران الحربي ومضادات الطيران الأرضية.

مخاطر ماثلة وأخرى مقبلة

يشير وليد النور لـ”درج”، الذي اتجه إلى الحصاحيصا بحافلة نقل عام، الى أنه غادر الخرطوم مع والدته المُسنّة التي تحتاج الى رعاية طبية دائمة، لاستحالة الوصول إلى الخدمات الطبية في العاصمة التي ترك فيها كل ما يملك.

ويقول إنه لا يملك معارف في الحصاحيصا، إلا أن بإمكانه المكوث في منازل أو مدارس هيّأها ناشطون لاستقبال النازحين ريثما تنجلي الأزمة.

وتتحدث اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان عن توقف 71 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات، إذ خرجت 57 من أصل 80 مستشفى أساسياً في العاصمة الخرطوم والولايات من الخدمة، منها 13 مستشفى تعرضت للقصف و19 مستشفى تعرضت للإخلاء القسري.

وتشير اللجنة إلى أن الـ 23 مستشفى المتبقية، التي يُقدم بعضها خدمة الإسعافات الأولية فقط، مهدّدة بالإغلاق لنقص الكوادر والإمدادات الطبية والمياه والكهرباء.

يتداول السودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، أخباراً عن وجود مئات الجثث في الطرق، ما دفع وزارة الداخلية إلى وضع آلية لجمعها وحفظها في المشارح، لكن الاشتباكات منعتها من تنفيذ مهامها، ما يعني أن السودان مُقبل على كارثة بيئية وشيكة.

وتفيد نقابة الأطباء بمقتل 291 مدنياً وإصابة 1699 آخرين، بسبب الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، وتشير إلى أن هذا الإحصاء لا يشمل الإصابات والوفيات التي لم تتمكن من الوصول إلى المستشفيات لصعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد.

وتتحدث “منظمة الصحة العالمية” عن مقتل 459 شخصاً وإصابة 4072 آخرين، وذلك قبل أن تُحذر من وجود خطر بيولوجي كبير بعد سيطرة أحد طرفي القتال على مختبر.

يقول الكاتب السياسي طه مصطفى، لـ”درج”، إن الوضع الإنساني المزري وعدم توافر الحاجات الحياتية الأساسية، قد يقودان إلى توسيع نطاق الصراع بعد الانتهاء من عمليات نهب المحلات التجارية التي يتهم الجيش قوات الدعم السريع بفعلها، بينما تقول الأخيرة إنها تُجرى بترتيب من النظام السابق.

ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً ومقاطع فيديو، تُظهر عمليات نهب واسعة لمخازن الشركات والمحلات التجارية، في الأحياء السكنية والمنطقة الصناعية في الخرطوم بحري. وهي عمليات لا يُتوقع توقّفها في ظل انعدام الأمن وسعي السُّكان إلى الفرار من المسلّحين.

ويلفت مصطفى إلى أن مستقبل السودان السياسي القريب يصعب التكهن به، بخاصة إذا تدخلت أطراف محلية تملك السلاح مثل القبائل والحركات المسلحة أو دول إقليمية في الانحياز الى أي طرف، ما يفاقم الوضع الإنساني والصحي.

وكانت الأمم المتحدة تتوقّع حاجة 15.5 مليون سوداني أي ثلث السكان، إلى مساعدات إنسانية عام 2023، قبل اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع، ويمكن تخيل تزايد حجم الحاجة والمأساة في ظل الصراع القائم.

هدنة هشّة

أعلن طرفا القتال في 24 نيسان، عن موافقتهما على هدنة لفتح ممرات إنسانية لمدة 72 بوساطة من الولايات المتحدة الأميركية وبتنسيق مع القوى السياسية المحلية الداعمة للديمقراطية، على أن تشمل فتح نقاش حول المواضيع الخلافية ومعالجتها سياسياً.

وتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بخرق الهدنة، وهي الخامسة من نوعها منذ تفجّر الأوضاع في 15 نيسان. إذ قالت قوات الدعم السريع “إن الجيش لم يلتزم بشروط الهدنة، بدليل تحليق الطيران الحربي في مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، واستمرار عمليات القصف بالمدافع على مواقع تمركز قواتنا، بما في ذلك (ارتكاز) في القصر الرئاسي”. 

فيما أعلن الجيش عن رصده خروقات نفّذتها قوات الدعم السريع، تمثلت في استمرار التحركات العسكرية ومحاولة احتلال مواقع وتقييد حركة المواطنين والتعرض للمارة ونهبهم، وعدم توقف نشاط القناصة على أسطح المباني، إضافة إلى التعديات على مقرات البعثات الدبلوماسية. 

وقال إن قوات الدعم السريع أطلقت أعيرة نارية على سفارة الهند، واعتدت على سفارات كوريا وسويسرا وروسيا وإثيوبيا واليمن وسوريا والمغرب وإسبانيا، عبر تمركزها قرب هذه المقار وتهشيم كاميرات المراقبة الخارجية، كما استولت على مقر سفارة سلطنة عمان بالكامل. 

ولا يبدو أن الجيش وقوات الدعم السريع على استعداد لوقف إطلاق النار ولو موقتاً، في ظل عدم تحقيق أي طرف أهدافه، التي يدعي أنه يخوض الحرب من أجلها، رغم محاولة الجيش خفض سقف طموحه.

وفي البداية، حلّ قائد الجيش قوات الدعم السريع وأعلنها قوات متمردة على الدولة، وقال إنه سيتعامل معها على هذا الأساس، لكنه تراجع وأغرى عناصرها بالعفو والاستيعاب في صفوفه في حال تخلّوا عن القتال. فيما تقول “الدعم السريع” إنها تُقاتل الإسلاميين المتطرفين الذين ينخرط الجيش في الحرب بالوكالة عنهم لدعم الانتقال المدني.

ولهذا، لا يبدو أن طرفَي القتال مستعدان للالتزام بأي هدنة من دون ضغوط إقليمية ودولية قوية، بخاصة أن القتال يدور في المناطق الحضرية في العاصمة الخرطوم، ما يصعب على أي طرف حسم المعارك لمصلحته.