fbpx

أوكرانيا: كيف تُعرقِل تسوية سلمية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمة سببٌ وجيه يدفعنا إلى الاعتقاد بأن واشنطن، بعيداً من بذل قصارى جهدها للحيلولة دون نشوب الحرب، تصرفت كما لو أنها ترغب في اندلاعها وذلك لسبب بسيط هو أن الغزو الروسي كان محتوماً أن يكون بمثابة هبة إلهية لتحقيق مخططاتها للهيمنة، وقد كان كذلك بالفعل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يكشف رد فعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على عرض الصين بتيسير التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع في أوكرانيا عن أهداف واشنطن غير المعلنة من هذه الحرب. ومن اللافت للنظر في هذا الصدد التناقض القائم بين موقف الإدارة من العرض الصيني ومواقف بعض حلفاء الولايات المتحدة. فعندما نشرت بكين في 24 شباط/ فبراير الماضي وثيقة مكونة من 12 بنداً توضح موقفها من “التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية”، بالتزامن مع الذكرى الأولى لشنّ روسيا غزوها على أوكرانيا.

 رفضت واشنطن على الفور تلك المبادرة مع وصفها بأنها مجرد خدعة، وذلك بحجج لا تزيد عمقاً عن تلك التي تفوّه بها جو بايدن خلال مقابلة مع ديفيد موير، بثتها شبكة “إيه بي سي” الأميركية، عندما قال: “بوتين يصفق لها، فكيف يمكن أن تكون جيدة؟”، ثم أضاف: “لم أرَ شيئاً في الخطة الصينية يشير إلى أن فيها شيئاً مفيداً لأيّ طرف غير روسيا لو تم تبنيها”.

بيد أن قادة آخرين رأوا ما لم يستطع بايدن رؤيته– أو لم يُرد رؤيته – وهو أن أول بنود الوثيقة الصينية الاثني عشر، يؤكد مبدأ يتعارض مع مصلحة روسيا في الحرب الدائرة ويفيد أوكرانيا، وهو البند الذي ينص على ضرورة احترام “سيادة كافة البلدان واستقلالها وسلامة أراضيها”. ولهذا السبب تحديداً، لم “يصفق” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الواقع لموقف الصين، خلافاً لما زعمه بايدن. فخلال جلسة التصريحات الصحافية المشتركة التي أدلى بها بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ في 21 آذار/ مارس، خلال زيارة الأخير إلى موسكو، قال الرئيس الروسي: “نعتقد أن بنوداً عدة من خطة السلام التي طرحتها الصين تتوافق مع المقاربات الروسية ويمكن أن تشكل أساساً لتسوية سلمية”. بنود عدة وليس جميعها.

فبينما يستطيع بوتين أن يؤيد بالكامل بنوداً مثل “نبذ عقلية الحرب الباردة” (البند الثاني) و”التوقف عن فرض العقوبات الأحادية الجانب” (البند العاشر)، فهو لا يمكنه بالتأكيد أن يوافق على ضرورة احترام سيادة كافة البلدان وسلامة أراضيها، أو على البند الثامن الذي ينص على “معارضة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها” – مجرد التهديد باستخدامها (كما فعل بوتين مراراً)، وليس استخدامها فحسب. 

من جانبه، فهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذلك جيداً. ففي تناقض صارخ مع وجهة نظر بايدن، أعلن في اليوم الذي نشرت فيه الصين اقتراحها، أن “الصين تتحدث عنا. سلامة الأراضي. طيّب، أعتقد أن كلامهم يشبه احترام سلامة الأراضي. صحيح أن الوثيقة لم تسمِ دولة بعينها، لكن سلامة أراضينا هي التي انتُهِكت. تحدثت الوثيقة عن الأمن النووي أيضاً. أعتقد أن هذا يتوافق مع المصالح العالمية والأوكرانية”. هذا الموقف المغاير تماماً هو الذي أتاح المكالمة الهاتفية بين شي وزيلينسكي في 26 أبريل/نيسان التي علّق عليها رئيس أوكرانيا قائلاً:

“ثمة إمكانية للاستفادة من نفوذ الصين السياسي لإعادة إحياء قوة المبادئ والقواعد التي لا بدّ للسلام أن يقوم على أساسها. فمن مصلحة أوكرانيا والصين، وكذلك الغالبية العظمى من العالم، أن تكون سيادة الأمم وسلامة أراضيها متينة… بمراعاة القواعد الأمنية الرئيسية، وعلى الأخص عدم جواز التهديد بالأسلحة النووية وانتشار هذه الأسلحة عبر العالم.”

يكشف رد فعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على عرض الصين بتيسير التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع في أوكرانيا عن أهداف واشنطن غير المعلنة من هذه الحرب.

في الواقع، ذكرت الصين أوكرانيا تحديداً أكثر من مرة عند الحديث عن سلامة الأراضي. ففي 26 شباط/ فبراير 2022 وفي معرض تعليقه على الموقف الرسمي الصيني من الحرب بعد يومين من الغزو الروسي، صرّح وانغ يي، وزير الخارجية آنذاك، بوضوحٍ أن “الصين تقف مع احترام سيادة البلدان وسلامة أراضيها وحمايتهما والالتزام الجاد بأهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. فإن موقف الصين منسجم وواضح، وينطبق أيضاً على قضية أوكرانيا”. وبعد بضعة أيام، في 5 مارس/آذار، كرّر الكلام نفسه لنظيره الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وبعد عشرة أيام، نشر تشين غانغ، وكان آنذاك سفيراً للصين لدى الولايات المتحدة وهو وزير خارجيتها الحالي، نشر مقال رأي في صحيفة “واشنطن بوست” نصّ بوضوح على ضرورة “احترام سيادة كافة البلدان وسلامة أراضيها، بما فيها أوكرانيا”. لكنّ أشدّ الصمم هو رفض الإنصات. 

أحد الأسباب الرئيسية وراء رفض واشنطن الإنصات لشجب بيجين الضمني للغزو الروسي، هو بالطبع أنها لا ترغب في الإنصات لما يرافقه في الموقف الصيني، بخاصة البنود المذكورة آنفاً التي يستطيع بوتين أن يؤيدها بكل سرور، لكن أيضاً تتمة البند الأول، التي تنص على أنه “لا بدّ من الالتزام الصارم بالقانون الدولي المعترف به من الجميع، بما يشمل أهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه… كما ينبغي تعزيز التطبيق المتكافئ والمنسجم للقانون الدولي، مع رفض المعايير المزدوجة”.

 الحقيقة، أن فكرة احترام سيادة البلدان واستقلالها وسلامة أراضيها هي فكرة غريبة عن واشنطن بقدر ما هي غريبة عن موسكو. فبينما تدافع واشنطن عن المبادئ الثلاثة إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، انتهكتها على مرّ السنين أكثر من أي دولة أخرى، بل وتواصل انتهاكها– من خلال شن ضربات بالطائرات المسيرة والصواريخ، حتى لو لم تنشر قوات على الأرض منذ الانسحاب المتقهقر من أفغانستان عام 2021.

هذا وقد سارت ردود الفعل المتباينة على زيارة شي جينبينغ إلى موسكو في آذار/ مارس الماضي على المنوال ذاته: إدانة من جانب واشنطن، مصحوبة بإصرار على نبوءات بأن بكين على وشك تسليم أسلحة لروسيا، بينما قال جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية، إن زيارة شي “تقلل من مخاطر نشوب حرب نووية” لأن الرئيس الصيني “أوضح تماماً لبوتين” أنه يرغب في “الحد من خطر ربط الصين بالتدخل العسكري الروسي”، وهو تعليق كاد لا يظهر في وسائل الإعلام. وقد أضاف بوريل، معرباً عن وجهة نظر معاكسة لنبوءات واشنطن، أن الصينيين “ليسوا مشاركين عسكرياً ولا يوجد أي دليل على أنهم يرغبون في المشاركة عسكرياً”.

هذه هي المرة الثانية، منذ بدء الأزمة الأوكرانية الراهنة في عام 2021، التي تتولّى فيها إدارة بايدن مهنة التكهّن، بطريقة تبدو إلى حد كبير وكأنها تتمنى في الواقع أن تتحول نبوءاتها إلى حقيقة. فبالمثل، عندما قدمت موسكو في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2021 مشروع اتفاق لتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، رفضته واشنطن. وبدلاً من عقد مفاوضات مع روسيا من أجل التوصل إلى اتفاق عام للحيلولة دون نشوب الحرب التي كانت محدقة، أصدرت الإدارة تصريحات متكررة ومشحونة على مدى عدة أيام ذكرت فيها أن روسيا ستشن غزوها في اليوم التالي، إلى أن تحققت النبوءة في نهاية المطاف. 

عن رغبة واشنطن في الحرب

ثمة سببٌ وجيه يدفعنا إلى الاعتقاد بأن واشنطن، بعيداً من بذل قصارى جهدها للحيلولة دون نشوب الحرب، تصرفت كما لو أنها ترغب في اندلاعها وذلك لسبب بسيط هو أن الغزو الروسي كان محتوماً أن يكون بمثابة هبة إلهية لتحقيق مخططاتها للهيمنة، وقد كان كذلك بالفعل. وبالمثل، يحق لنا الاعتقاد أن واشنطن لم تقدم الكثير من أجل ردع صدام حسين عن غزو الكويت في عام 1990 (بل يؤكد بعض المراقبين أن أبريل غلاسبي، سفيرة الولايات المتحدة إلى العراق آنذاك، جعلت صدام يظن أن واشنطن لن تكترث لذلك) لأن هذا الغزو كان أيضاً بمثابة هبة إلهية لمخططات الهيمنة الأميركية. في الحالتين، تعززت هيمنة واشنطن العالمية وولاء حلفائها الأقدمين في الحرب الباردة لسيادتها المتجددة، بعد سنوات من الأفول.

وفي هذه الحالة، ما هو إذاً هدف واشنطن من رفض التعاون مع بكين، الذي يعد السبيل الوحيد الممكن فعلياً من أجل التوصل لتسوية سياسية تقر بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها؟ يأتي هذا في اللحظة ذاتها التي تشير فيها عدة دلائل، من بينها تسريبات البنتاغون الأخيرة، إلى عدم إيمان واشنطن بقدرة أوكرانيا على إخراج القوات الروسية من المناطق التي احتلتها منذ العام الماضي، فضلاً عن إلحاق هزيمة كبرى بها. وكيف يمكن تفسير الفارق الكبير بين موقف واشنطن والمساعي الأوروبية لتفعيل عرض الوساطة الصيني، الذي مثّلتها الزيارات الأخيرة التي قام بها لبكين رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك؟ وقد أعلنت الأخيرة في بكين أنه “مثلما توسطت الصين بين إيران والسعودية، نريد أن تستخدم الصين نفوذها لحث روسيا على إنهاء حربها في أوكرانيا”.

يرجع السبب الرئيسي في هذا التناقض إلى حقيقة أن دول غرب أوروبا حريصة على انتهاء الحرب في أوكرانيا للسبب البدهي الذي لخصه أنتوني كوردسمان، المحلل والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث استراتيجية أميركي يتعامل مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على النحو التالي: “يعاني شركاؤنا وحلفاؤنا في أوروبا أكثر من الأميركيين من العواقب الاقتصادية المترتبة على دعمهم أوكرانيا وارتفاع تكاليف الطاقة العالمية”، بينما تجني الولايات المتحدة “فوائد استراتيجية كبيرة “من تحريض أوكرانيا على مواصلة الحرب، وهو “استثمارٌ أرباحه أكثر بكثير من تكلفته”. 

أدرك زيلينسكي هذا الفارق جيداً بعد مرور شهر على الحرب، عندما أقرّ بصراحة شديدة لمجلة ذي إيكونوميست في 25 آذار 2022، بما يلي: 

“في الغرب هناك من لا يعبأ باستمرار الحرب لأن هذا قد يؤدي إلى إنهاك روسيا، حتى وإن عنى محو أوكرانيا وجاء على حساب أرواح الأوكرانيين. يعود هذا قطعاً بالفائدة على بعض الدول. لكن بالنسبة إلى دولٍ أخرى، سيكون من الأفضل إنهاء الحرب بسرعة، لأن السوق الروسية كبيرة [ولأن] اقتصاداتها تعاني بسبب الحرب”.

كلامٌ صائب للغاية، وكما تجب مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن أراضيها وسكانها ضد العدوان الروسي وعدم إجبارها على الاستسلام، فإنه من مصلحة الشعب الأوكراني أيضاً بذل المستطاع لإنهاء الحرب على أساس مساومة مقبولة بدلاً من عرقلة كل فرصة للتفاوض من أجل التوصل لمثل هذه المساومة، كما فعلت واشنطن وتفعل باستمرار منذ ما قبل بداية الحرب.  

جلبير الأشقر هو مؤلف كتاب الحرب الباردة الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين من كوسوفو إلى أوكرانيا الذي صدر بالإنكليزية وسوف يصدر هذا العام عن دار الساقي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.