أعلن المعارض المصري ورئيس “حزب الكرامة” السابق أحمد الطنطاوي، في 22 آذار/ مارس الماضي، عبر منشور على صفحته الرسمية، موعد رجوعه من لبنان إلى مصر، في 6 أيار/ مايو 2023، في طائرة تصل في الثانية عشرة والنصف ظهراً إلى مطار القاهرة.
سبب عودة الطنطاوي كما كتب، هو المساهمة في تقديم بديل مدني ديمقراطي في مصر، مؤكداً عبر صفحته أنه عائد من أجل الاستعداد لخوض للانتخابات الرئاسية المُقرر عقدها في النصف الأول من عام 2024.
تَبعت هذا الإعلان ردود فعل متباينة من أوساط متنوعة، حول قدرة الطنطاوي على خوض الانتخابات الرئاسية في ظل القبضة الأمنية التي فرضها حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المشهد السياسي في السنوات العشر الأخيرة، لا سيما في الدورات الانتخابات الرئاسية السابقة (2014-2018)، كما بدأت الأسئلة عن المسارات القمعية المُتوقعة للتعامل مع المعارض الأبرز للسلطة، حين يأتي إلى مصر لخوض المعركة الرئاسية ضدها.
السُلطوية: “أنا هَلعب ضد الخسران”
خاضت السُلطوية ورئيسها السيسي معركتين انتخابيتين، أولهما عام 2014، حين كان المشهد السياسي والشعبي مرحباً بالسيسي، جمّل هذا المشهد وجود مرشح مدني ينتمي إلى المعارضة (جبهة الإنقاذ وقتها)، والذي خسر أمام القائد العسكري الذي أنقذ البلاد والعباد من الإرهاب المُحتمل ومن الشر. أما في انتخابات 2018، فقد حرصت السُلطة على ألّا تتهاون مع أي مرشح مُحتمل يمكن أن يضايقها حتى. فاعتقلت ومنعت شخصيات كثيرة من خوض الانتخابات الرئاسية، من بينهم، السياسي عبد المنعم أبو الفتوح، الفريق سامي عنان، العقيد أحمد قنصوة، الفريق أحمد شفيق، ليظهر بعد ذلك مرشح من العدم، اسمه موسى مصطفى موسى، هو نفسه يؤيد خصمه في الفوز عليه، لتكسب السُلطوية في الانتخابات ضمن مشهد قمعي غير آبهة لصورتها أمام المُجتمع المصري والإقليمي والدولي.
تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة (2024) في ظل فشل ذريع للسُلطوية في إدارة المشهد السياسي والاقتصادي، ما أفقدها رصيدا شبّه كلي لدى الشعب المصري عدا المُنتفعين من بقائها سواء أفراد أو مؤسسات غيّة مصالح براغماتية تَخصّها وحدها من سُلطة ونفوذ ومال. هذه المرة تواجه السلطوية معركة حقيقية، تُريد الفوز فيها دون خوض معارك سياسية تَستنزفها، السُلطوية تُريد انتخابات مثل التي مضت عام 2018، أي بمرشح رئاسي يجهله الناس، لا يملك رصيداً شعبياً، يتخطّاه الرئيس الحالي، من دون الحاجة إلى قمعه أو منعه من الترشح أو تزوير الانتخابات. تريد السُلطوية فوز الانتخابات دون الحاجة إلى القمع، بعكس ما حدث في الدورة الانتخابية الماضية، حتى لا تُشوش المشهد المزيف التي أخرجته، في ما يسمّى الحوار الوطني، الذي تُريده من أجل خدمتها وحسب.
هذه الخدمة تتمثّل في اختيار الحركة المدنية لمرشح رئاسي من بينها، لمنافسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. سواء اختارته الحركة بشكل مُستقل، أو حتى بالتنسيق مع جهات سيادية، كما سُرّب في إحدى الصحف العربية حيال عقد اجتماع بين قيادات من الحركة المدنية مع قيادات مخابراتية على رأسها اللواء عباس كامل لبحث اختيار مُرشّح رئاسي أمام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
ما تُريده السُلطوية هو مرشح لا يملك رصيداً شعبياً، يتمكن السيسي من المرور عليه، دون الحاجة إلى القمع أو التزوير. ما يُعطي مثالاً حياً على مشهد الانفتاح السياسي هو “الحوار الوطني“، التي رسمّته السُلطوية وترعى وجوده واستمراره. حتى إننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة استدعاء واعتقال بعض الشخصيات المحسوبة على الحركة المدنية، كالمهندس يحيى حسين عبد الهادي والدكتور هاني سليمان، بسبب منشورات ومقالات، تُعارض السلطة القائمة وتُشكك في نيتها في إدارة الانتخابات الرئاسية بشكل شفاف ونزيه.
أحمد الطنطاوي وعلى عكس ما يُروّج له البعض، ليس منسّقاً مع السلطوية أو هو من صنيعتها السياسية كمعارض مزيّف، تستطيع وقتما شاءت استخدامه لخدمتها. هو معارض بارز، عارض السُلطوية منذ تأسيسها، بداية حين ترشّح رئيس الحزب المنتمي إليه حمدين صباحي للانتخابات الرئاسية عام 2014، مروراً بمعارضته كل الاتفاقيات والقوانين القمعية في البرلمان المصري، من اتفاقية تيران وصنافير إلى تعديل المواد الدستورية (2019)، ووصولا إلى رفض مشهد الحوار الوطني المزيّف التي ترعاه السُلطوية إلى سفره خارج مصر بسبب التضيقات الأمنية التي تعرّض لها. إضافة إلى إصرار الطنطاوي على ضرورة تغيير هذه السُلطة التي حمّلها المأساة السياسية والاقتصادية التي وصلت إليها مصر، في كل بياناته على “فيسبوك” وحواراته التليفزيونية.
السُلطوية: معركة مفتوحة مع الطنطاوي
ثلاثة مسارات مُحتملة بنسبٍ مُختلفة، ستتخذها السُلطوية وفقا لمنهجيّتها القمعية للتعامل مع أحمد الطنطاوي حين وصوله إلى مطار القاهرة ظهر يوم 6 أيار. المسار الأول وهو الأقل احتمال، يتمثل في اعتقال الطنطاوي حين وصوله المطار، أو حتى مروره ومن ثم اعتقاله بعدها بفترة وجيزة. لتبدأ رحلة عقابية له على معارضته منذ عام 2013 حتى وقتنا الحالي، عبر إلصاق تُهم معدودة ومحفوظة له. هذا المسار مُستبعد حدوثه. السُلطوية لا تُريد صناعة بطل من أحمد الطنطاوي. إذ من قبل، تركته يُعارض وغضّت البصر عن اعتقاله، واكتفت بإخراجه من البرلمان المصري، واعتقال مُقرّبين منه، وتحديدا في هذا الوقت، لا تريد السُلطوية صناعة أحمد طنطاوي كبطل مصري شعبي، جاء من المنفى الاختياري ليخلّص الناس من كابوس السُلطوية (الرئيس) التي قمعتهم وأفقَرتهم وحرمتهم حقّهم في اختيار من يدير شؤونهم.
المسار الثاني، هو أن تترك السُلطوية مساحة الترشح للطنطاوي، وتحاول جاهدة حشد أذرعها الإعلامية والانتخابية للفوز عليه من دون تزوير، وفي حال لم تنجح، يكون التزوير هو البديل الوحيد للفوز بالانتخابات. هذا المسار مستبعد إلى حدٍ كبير، فالسُلطوية لا تُجازف بترك مُرشح حظوظه في الفوز عالية حتى لا تعرّض نفسها لمَسار التزوير الذي يجعل من الانتخابات الرئاسية، مسرحية هزلية محلياً ودولياً.
المسار الثالث، أكثر المسارات ترجيحاً، هو دخول أحمد الطنطاوي سالماً من مطار القاهرة، لتبرهن السلطة القائمة، مدى صدقها في الانفتاح السياسي، وعدم تعرضها للمعارضين. وبهذا تكون خطة السُلطوية هي منع أحمد الطنطاوي من خوض الانتخابات الرئاسية، من خلال التضييق عليه في استيفاء الشروط الواجبة للترشح، كما التضييق عليه في جمع التوكيلات، إذ يحتاج المرشح الرئاسي إلى جمع 25 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية كحدٍ أدنى. وهذا شيء تستطيع السُلطة إيقافه، من خلال التخويف والترهيب أو حتى اعتقال الناس حين الذهاب للاستحصال على التوكيلات للطنطاوي.
الجدير بالذكر هو صعوبة حصول الطنطاوي على تزكية 20 برلمانياً مصرياً، وهو الشرط الثاني لاستيفاء المواطن المصري للترشّح للانتخابات، فمعظم أعضاء البرلمان هم من مؤيدي السُلطية الحالية، على عكس البرلمان في دورته السابقة (2015 -2020)، إذ وُجد تكتّل ما يعرف بـ25-30، حيث ضم عشرات معارضي السُلطوية التي أُخرج مُعظمهم من هذه الدورة البرلمانية ومن بينهم الطنطاوي.
ألّا يترشح الطنطاوي، لأنه لم يستطع الحصول على ثقة الناس والبرلمانيين، يمثل مساراً جيد للسُلطوية، تتخطى من خلاله الانتخابات الرئاسية، بصحبة شخصية هشّة شعبيا وسياسيا من الحركة المدنية الديمقراطية أو غيرها. وبعد ذلك، من الممكن أن تبدأ في عقاب الطنطاوي، بمنعه من السفر وحتى اعتقاله. وقتها لن يكون الطنطاوي بطلاً شعبياً، بل سيكون في صورة المعارض الذي لم يتمكن من خوض المعركة الانتخابية. وقتها خبر اعتقال الطنطاوي سيكون أقل صدى، ما يمكّن السُلطة من احتوائه.
الطنطاوي لن يكون المرشح التي سَتتوافق الحركة المدنية على تقديمه، فهو على خلافٍ معها، منذ رفضه المشاركة في الحوار الوطني واستقَالته من رئاسة “حزب الكرامة”، كما أن الطنطاوي لا يُنسق مع السُلطة في خدعتها السياسية بإهدار حق المصريين في انتخاب من يُدير شؤونهم. في الأشهر القليلة المقبلة، سيكون الطنطاوي أمام معركة سياسية مفتوحة، مُعتمداً على الشعبية الجماهيرية التي كوّنها خلال السنوات الماضية، بمُمفرده دون تنظيم حزبي، مُتحدّياً السلطة.
في آخر 10 سنوات وقعت مصر تحت قبضة سلطة قمعية لم تشهدها البلاد في تاريخها الحديث. الطنطاوي يُريد أن يُقاوم خطة السُلطة في استغفال الشعب ويُريد إحياء الموات السياسي الذي تملّك يأسه من فئات شعبية وثقافية متنوعة. في المقابل، تحرص السُلطة على التعامل مع الطنطاوي بمنهجية تُبعده من خوض الانتخابات الرئاسية، وعلى الأرجح ستنجح في فعل ذلك، من خلال مساراتها المتنوعة في القمع. لكن في كُل حال، نجح الطنطاوي في تخويف السُلطة، بما أن وجوده يشكّل معارضة حقيقية لوجودها، وهذه هي محاولة سياسية منه، قوية وعقلانية للخلاص، حتى لو كان الفسل هو الاحتمال الغالب.
إقرأوا أيضاً: