fbpx

السودانيون في مصر… العنصرية تتجدّد مع كل أزمة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المعارك المستمرة في السودان وغياب الثقة بإعلان الهدنة بين الطرفين، دفعا الكثير من السودانيين للنزوح إلى مصر هرباً من الحرب، بحثاً عن ملاذ آمن، ترافق ذلك مع موجات كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنشورات ترفض وجود السودانيين على الأراضي المصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأت وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي بنقل أخبار الأوضاع في السودان إثر اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، فأمسكت رشا عبد الفتاح هاتفها المحمول للاطمئنان على أسرتها. تعذّر الاتصال، فاتجهت نحو “فيسبوك” لمحاولة الوصول الى أحد منهم عبر منشورات على واحدة من المجموعات المغلقة التي تجمع سودانيين ومصريين. لم تصل إلى نتيجة، بل تم تجاهل سؤالها، وتعرضت لانتقادات وتعليقات ترفض وجودها في مصر كلاجئة سودانية.

ما اختبرته رشا عبد الفتاح، حسب وصفها لـ”درج”، شأن اعتادت عليه منذ قدومها الى مصر قبل سنوات، تصف ما تتعرض له قائلةً: “الأمر ببدأ بتعليقات كأنها هزار زي شيكولاتة وشيكابالا وكلام من ده علشان لون البشرة، وشوية شوية بيوصل إنه لا مش عاوزين لاجئين إحنا فينا اللي مكفينا، احنا عندنا أزمات، وده بيتجدد مع كل أزمة بتحصل”.

المعارك المستمرة في السودان وغياب الثقة بإعلان الهدنة بين الطرفين، دفعا الكثير من السودانيين للنزوح إلى مصر هرباً من الحرب، بحثاً عن ملاذ آمن، ترافق ذلك مع موجات كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنشورات ترفض وجود السودانيين على الأراضي المصرية، أو السماح بفتح الحدود لهم. الأسباب متنوعة، منها الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر أو ما وصفه البعض بعدم وقوف الشعب السوداني بجانب مصر في قضية سد النهضة والانحياز الى إثيوبيا، والأهم، العنصريّة.

تطبيع “التنمّر” والعنصريّة

استقرت رشا  في مصر منذ سنوات، وأسست مجموعة نسوية باسم “راديو بنات أوفلاين”، تتحدث فيها عن أوضاع النساء وتحديداً اللاجئات منهن. تقول رشا إن أسرتها لم تتمكن حتى الآن من دخول مصر، كما أن الأخبار لا تنقل الوضع الحقيقي في الأراضي السودانية، إذ تُهدم المنازل وتُشرّد الأسر والأطفال، تقول واصفة ما يحدث: “في قصص كتيرة جدا حاصلة، بس كمان على الناحية التانية بلاقي في الوضع ده ناس بترفض وجودنا في ظل الظروف القاسية دي، احنا دايما منتقابل بالرفض بسبب لون البشرة، يعني من التعليقات اللي بقابلها ليه سودانيات إحنا عاوزين سوريات ولبنانيات، والناس بتّفه جداً من مشاكل السودان بالرغم من أنها بتأثر على مصر”.

تتابع رشا، “الأزمة إنه بقى في تطبيع مع التنمر ده حتى في عز الأزمات، والناس بتاخدها على أنها هزار وده مش هزار، حتى في الأفلام أصحاب البشرة السودا دايماً بيطلعوا في أدوار كوميدية أو أقلية، فده بيخلي الموضوع وكأنه عادي”.

ترى رشا أن السبب وراء ذلك يرجع الى لون البشرة، التمييز الذي يقابله المهاجرون الأفارقة بشكل عام، لكن إلقاء نظرة على أسلوب تعامل الأفراد والدولة مع ملف اللاجئين، يكشف أن هذا “التمييز” يخضع له الجميع. ففي بداية الأزمة السورية، انتشرت عبارات ترفض وجود سوريين وسوريات في مصر بزعم المشاكل الاقتصادية، بالرغم من نزوحهم حينها مع مدخراتهم وأموالهم لبدء نشاطات اقتصاديّة في مصر.

يشير نور خليل، المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، الى أن تلك التعليقات موجودة ومستمرة، تتعالى مع وجود أزمات أو دعوات لاستقبال لاجئين، ويضيف: “بعض التعليقات أو معظمها منقولة، مع ترويج كم معلومات رهيب بالأخطاء عن الأرقام لأعداد اللاجئين أو الخدمات التي تقدَّم لهم، كل ده بيتم سواء بدعوات قومية، أو أنهم سيتسببوا في مشكلة اقتصادية”.

يتابع خليل رداً على التكلفة الاقتصادية التي يروّج البعض بأنها سبب رفض وجود السودانيين في مصر، قائلاً إن كل المهاجرين في مصر من كل الجنسيات عددهم 6 ملايين، المسجلون منهم كلاجئين وطالبي لجوء أقل من 250 ألفاً، كما أن المهاجرين تتم معاملتهم معاملة الأجانب في كل الأمور، مثل الدراسة التي تتم بالعملة الصعبة.

يجدر بالذكر أن طالبي اللجوء في مصر لا يحصلون على أي خدمات من الدولة سوى الكشف الطبي في المستشفيات العامة بأسعار المصريين نفسها، أما خدمات دعم اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر فتتم من خلال منظمات دولية، كما أن المشروعات الحكومية التي يروَّج لها على أنها لدعم اللاجئين تتم هي الأخرى بتمويل خارجي.

تشير رشا إلى أن العنصرية الموجّهة الى أصحاب البشرة السوداء، أصبحت عنصرية مزدوجة، إذ تقول: “طول الوقت لما هتقابلي عنصرية وهزار على لونك أو شكلك هتضطري إنك تردي بنفس الطريقة، وده اللي حاصل دلوقتي، إنه السودانيين بقوا بيردوا بنفس الطريقة على المصريين وبقوا يدوروا على خطط يدافعوا بيها عن نفسهم ولونهم، واتحول الأمر لخناقة، مع إن الظرف لا يسمح، فعلاً الوضع صعب جداً ومش مستحمل ده”.

“الأزمة إنه بقى في تطبيع مع التنمر ده حتى في عز الأزمات، والناس بتاخدها على أنها هزار وده مش هزار”.

لا رأي لـ”لاجئ”

تكرر الأمر مع فاطيما الأمين، السودانية المقيمة في مصر منذ عامها الأول، كون جدتها لوالدتها مصرية. تلقت فاطيما مع بداية الاشتباكات في السودان ووصولها الى الذروة، رسائل تهديد من مصريين عبر “فيسبوك”، لأنها بحسب وصفهم لاجئة، لا يمكنها إبداء رأيها بأسلوب تعامل مصر مع الأزمة.

تقول فاطيما، “أكيد في مصريين كتير وكتير جداً بيحبوا السودانيين، بس الجزء اللي بنتكلم عليه هو دايماً شايف نفسه إنه ملوش علاقة بإفريقيا كقارة، وبيتنصلوا منها، لقربهم من العرق الأبيض وتبني نظريات التحقير من الشخص الأسود”. 

ترى فاطيما أن السوريين أيضاً تعرضوا لهجمات مشابهة لكن بطريقة مختلفة، إذ تقول: “أنا مش عارفة ليه، لأن مصر بؤرة مهمة للعلم والنور من زمان، فأنا مش عارفة الاندماج والتعايش السلمي ده راح فين وهل كان أصلاً موجود ولا دي كانت أمنيات”.

من يُسمح له بالعبور إلى مصر؟

نقرأ في منشور لمنصة اللاجئين في مصر، المنصة الرقميّة المستقلة، عن تضارب المعلومات بخصوص القادمين من السودان في الفترة ما بين 22 وحتى 26  نيسان/ أبريل الحالي. إذ أكد المنشور غياب التصريحات الرسمية، مع حركة نزوح واسعة للمدنيين، وتكدسهم عند المعابر الحدودية المصرية، ونقص حاد في المياه والخدمات، وغياب المنظمات الدولية والأممية وتأخُّر التغطية الإعلامية.

شهد صباح 23 من نيسان تزايد أعداد النازحين/ات من السودانيين وغير السودانيين تجاه الحدود المصرية. سمحت سلطات الحدود بعبور النساء والأطفال والرجال دون الـ16 وفوق الخمسين عاماً، بشرط وجود جواز سفر سارٍ لأكثر من ستة أشهر وبطاقات تطعيم الحمى الصفراء. يتم العبور بالحصول على ختم دخول عند الوصول الى الجانب المصري من المعبر بعد دفع مبلغ 25 دولاراً أميركياً.

سمحت السلطات أيضاً بعبور حاملي الجوازات البريطانية والأميركية والدول الخليجية ومن لديهم/ن إقامات في أي من هذه البلدان من دون الحاجة الى طلب تأشيرة دخول مسبقة. وأفادت شهادات العابرين الى الأراضي المصرية، وفقاً لبيان منصة اللاجئين، بأن انتظارهم على المعابر طال لفترات طويلة تتراوح بين 10 ساعات ويوم كامل، وذكر البيان أن السلطات المصرية لم تصدر أي تصريحات رسمية حول إمكان ومدى السماح للحالات المختلفة من السودانيين وغيرهم بالدخول إلى مصر وإجراءات ذلك.

وقالت وزارة النقل المصرية في بيان لها، إن إجمالي القادمين من السودان من جميع الجنسيات عبر المعابر البرية المصرية خلال الفترة من 12- 25 نيسان 2023، بلغ 1297 من خلال معبر قسطل، و8897 من معبر أرقين، بإجمالي 10 آلاف و 194 شخصاً، من دون توضيح للإجراءات وأنواع الحالات التي سُمح لها بالعبور، أو مدى توفير الخدمات في أوقات الانتظار على المعابر الحدودية، كما لم يشر البيان الى أي من الإجراءات المتبعة حاليا أو خطط التعامل المستقبلية.

جاء وسم “إلغاء تأشيرة دخول السودانيين في مصر” للرد على الهجمات التي قابلت السودانيين في مصر، وضم منشورات عدة للترحيب بالسودانيين في مصر وفتح المنازل لهم، وبدء جمع التبرعات العينية من ملابس وأدوية وحلي للأطفال، ومحاولات توفير المسكن، مع تدشين عدد من المبادرات لمساعدة القادمين من السودان.

يبدو أن التصريحات الرسمية لا تنقل الواقع الكامل للاجئين في مصر، فالمشكلة تمتد أيضاً الى السوريين واليمنيين الذين وصفهم عبد الفتاح السيسي عام 2022، بأنهم “ضيوفنا وشبابنا”، متنصلاً من عبارة لاجئين التي تنطبق على 6 ملايين شخص في مصر، ما اعتُبر تنصلاً يعزز العنصرية ضدهم، بالرغم من أن المصطلح معترف به وفقاً لاتفاقيات وقوانين دولية.

في ظل استمرار الأزمة وغياب المعلومات الكاملة، وتزايد العراقيل بوجه من يريد دخول مصر، لا تزال رشا تنتظر دخول أسرتها الى الأراضي المصرية للاطمئنان عليها، مع عزمها المشاركة في دورات تأهيلية ودعم نفسي للسودانيين، بعد رحلة النزوح الصعبة، بينما تتجه فاطميا الى مباحث الإنترنت لتحرير محضر ضد رسائل التهديد التي تلقتها.