fbpx

قضية مطار الأنبار في العراق…
فساد بمليارات الدولارات والـ”واتساب” يفضح المؤامرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كشفت هيئة النزاهة في 4 نيسان/أبريل 2023 عن تنفيذها عملية وصفتها بالكبيرة والاستثنائية، ألقت القبض خلالها على مدير التسجيل العقاري في الأنبار، مع خمسة موظفين آخرين بتهمة التلاعب وتزوير الأوراق الخاصة بنحو 70 ألف عقار (قطعة أرض بمساحة 300 متر مربع)، من المفترض أن يقام عليها مطار دوليّ سيؤدي إنشاؤه إلى ارتفاع ثمن الأراضي التي حصل عليها عبر الفساد نافذون في السلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يسكن فاضل محمد (58 سنة-موظف حكومي) مع عائلته منزلاً مستأجراً في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، غرب العراق. يشتكي من عدم حصوله على أرض سكنية أسوة بموظفين آخرين، رغم خدمته الطويلة التي قاربت الـ30 سنة.

يعيل محمد عائلة من سبعة أفراد، تعتمد في تأمين متطلباتها على راتبه، الذي يذهب ثلثه لإيجار المنزل. يقول بأسى “الفساد وراء كل شيء”، ويشير عبر نافذة سيارته التي يقودها  الى أراضي منطقة الوفاء، التي شكلت مركز “صفقة فساد مليارية” جديدة أبطالها موظفون كبار. سهّل هؤلاء، وخلافاً للقانون، توزيع وتمليك عشرات الآلاف من الأراضي السكنية، في منطقة حيوية سيتم بناء مطار دولي فيها.

يباعد محمد بين أصابع يده اليمنى قائلاً: “ليس لدي شبر من الأرض في هذا البلد. خدمتي الوظيفية أكبر من أعمار كثيرين حصلوا على أراض وأموال بسبب علاقاتهم بالمسؤولين والأحزاب. هنا حصل نافذون في السلطة على مئات قطع الأراضي”.

أخبار عملية الفساد تلك ظلت تتردد لأشهر سراً على ألسنة موظفين وأصحاب مكاتب عقارات، خوفاً من الملاحقة في محافظة تحكمها جهة سياسية نجحت في فرض سطوتها الأمنية كما نفوذها السياسي على غالبية دوائرها. 

كشفت هيئة النزاهة يوم 4 نيسان/أبريل 2023، عن تنفيذها عملية وصفتها بالكبيرة والاستثنائية، ألقت القبض خلالها على مدير التسجيل العقاري في الأنبار، مع خمسة موظفين آخرين بتهمة التلاعب وتزوير الأوراق الخاصة بنحو 70 ألف عقار (قطعة أرض بمساحة 300 متر مربع). ضبطت الهيئة أيضاً مبالغ مالية تقدر بنحو مليوني دولار، وأساور ذهبية والكثير من الأختام المزوّرة. 

وفق بيان للهيئة، تمت العملية بالتنسيق مع وزارة العدل ومحكمة جنايات مكافحة الإرهاب، بعد تلقي معلومات أفادت بأن مدير التسجيل العقاري ومعه موظفون ضمن إدارته، قاموا بتمليك أراض في ناحية الوفاء، 35 كم جنوب غربي مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.

أشار البيان الى أن المتهمين “قاموا بفرز آلاف العقارات بنحو غير أصولي، وأنجز البعض منهم معاملات التسجيل العقاري في محال سكنهم، فضلاً عن تحويل ملكية العقارات وتثبيت التواقيع بأختام وليس تواقيع حية، وطباعة معاملات التسجيل والاستمرار بالتسجيل، رغم إيقافه حسب كتاب مديرية بلدية الأنبار”.

وطلبت مديرية تحقيق بغداد التابعة لهيئة النزاهة في 29/3/2023 من المدير العام للتسجيل العقاري، وضع إشارة عدم تصرف على العقار التابع لبلدية الوفاء، الذي يضم هذه الأراضي ورقمه(83)من التسلسل رقم(90000 لغاية التسلسل رقم 160000)، وذلك منعاً لاستمرار تحويل ملكية هذه الأراضي لحين إكمال التحقيقات اللازمة.

تقع ناحية الوفاء، التي تم تمليك هذا العدد الكبير من العقارات بنحو غير شرعي فيها، في المنطقة ذاتها التي تخطط إدارة المحافظة لبناء مطار دولي فيها. تكشف التحقيقات أن المتورطين كانوا يعرفون أن قيمة هذه الأراضي سترتفع بنحو كبير خلال الفترة المقبلة، ولهذا تم التركيز عليها تمليكاً وبيعاً.  

ما يزيد تعقيد هذا الملف، أن أصل هذه الأراضي زراعي تملك عشائر المنطقة حق استثمارها، لكن تم تقطيعها وتوزيعها من دون التفاهم معها، ما يثير مشاكل معقدة قد تتحول الى نزاعات مسلحة تهدد الأمن في المحافظة، وفق متابعين للملف. 

وكانت حكومة الأنبار المحلية، قد أعلنت في 6 أيلول/سبتمبر 2021، توصّلها الى اتفاق مع شركة تركية اسمها (pelkom Turkis) لإنشاء مطار دولي في ناحية الوفاء، على مساحة 3 آلاف دونم، سيخصص للنقل والشحن الجويين، بطاقة استيعابية تقدر بـ500 ألف مسافر سنوياً. 

التلاعب بالأوراق الرسمية للعقارات، ظاهرة سادت في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” بين 2014 و 2017، لا سيما محافظتي نينوى والأنبار التي اعتقل فيهما العشرات من الموظفين بعد تحريرهما عقب حرب استمرت لأشهر.

استغلت ميليشيات وأحزاب سياسية وعصابات مرتبطة بها النفوذ المتاح لها، ومن خلال موظفين كبار وفي ظل الفراغ الأمني القائم إثر انتهاء الأعمال العسكرية، استولت على آلاف من العقارات العامة والخاصة بعد تزوير السجلات الخاصة بها.

صراعات واتهامات سياسية

تشير أصابع الاتهام في قضية أراضي ناحية الوفاء، إلى رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي. إذ تحدثت مصادر عدة في المحافظة، عن أشخاص مقربين من الحلبوسي الذي يتزعم تحالف(تقدم) بوصفهم المتورطين في القضية. يملك هؤلاء نفوذاً كبيراً في حكومة الأنبار، ومن بينهم محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي، رئيس حزب التعاون الوطني، المنضوي في تحالف تقدم، في حين أن هناك من يرى هذه الاتهامات جزءاً من صراع سياسي تشهده المحافظة. 

لم ينفِ الحلبوسي تلك الاتهامات بنحو قاطع، إذ قال خلال تجمع عشائري لأهالي الأنبار في 11نيسان 2023، أن هناك من استغلّ عدم متابعته ورقابته للشؤون العامة في الأنبار في الفترة الماضية للقيام بالتجاوز على تلك العقارات. 

قال أيضاً: “هؤلاء لن يؤثروا على إنجازات المحافظة، ويسيئون الى أنفسهم فقط، وهم أخطأوا وسيتحملون نتائج أخطائهم”. ووجّه الحلبوسي اتهامات الى شخص لم يسمّه بقوله: “هنالك من يريد تقزيم الإنجازات التي تحققت في محافظة الأنبار، لأنه لم يحقق شيئاً لمحافظته، وأهالي تلك المحافظة يقولون له لماذا لم تبنِ محافظتنا مثلما يحدث في الأنبار، لهذا فهو يحاول تضخيم ما حدث في الأنبار بخصوص العقارات لتقليل ما تحقق فيها من إعمار”.

جاءت تصريحات الحلبوسي بعد يوم واحد فقط من إصدار محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزيَّـة أمر استقدام بحق محافظ الأنبار، علي فرحان الدليمي. وفي تعليقها على الأمر ذكرت هيئة النزاهة الاتحادية، أن أمر الاستقدام جاء وفقاً للمادة 340 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 “جرَّاء الإضرار عمداً بأموال ومصالح محافظة الأنبار، بتوزيع قطع أراضٍ سكنيَّـةٍ في المناطق المحيطة بمطار الأنبار المزمع إنشاؤه، وذلك بالاتفاق مع عددٍ من المتنفذين في المحافظة”.

واعتقلت هيئة النزاهة رئيس اتحاد نقابات العمال  في فرع الأنبار، يوم 8 نيسان 2023، ونفّذ المهمة فريق من مديرية التحقيق التابعة لها في بغداد، بمشاركة فريق من الهيئة العليا لمكافحة الفساد. ووجهت لرئيس اتحاد نقابات العمل تهمة ارتكاب مخالفات في توزيع قطع الأراضي التابعة لبلدية ناحية الوفاء، إلا أن إعلاميين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي اتهموا الهيئة بالعمل على تشويه صورة رئيس مجلس النواب ضمن خطة تستهدفه.

تأتي فضيحة عقارات منطقة الوفاء، فيما برز صراع بين القادة السنة المنقسمين الى قوى متنافسة عدة (تقدم، سيادة، عزم)، بشأن من يمثل المكون سياسياً في مواقع اتخاذ القرار ببغداد، ومن يمثل رأس قيادته لتحقيق مطالب جمهوره، في ظل محاولات لإبعاد الحلبوسي عن رئاسة مجلس النواب.  

وأشار مصدر مقرب من أروقة الصراع في الأنبار، أن الصراع محتدم داخل تحالف “تقدم” ذاته، وتحديداً بين زعيمه محمد الحلبوسي، وعلي فرحان الدليمي محافظ الأنبار، بسبب رفض الأخير تحجيم دوره في الأنبار وتفرد الحلبوسي والمقربين منه بالقرار، وهو ما أدى إلى كشف قضية الأراضي. 

يوضح المصدر:”ينتمي علي فرحان الدليمي، الى عشيرة ألبو جليب التي تستغل أراضي زراعية في ناحية الوفاء، وقد ضحى بتلك الأراضي قبل سنتين لإرضاء الحلبوسي، وهو في وضع حرج جداً راهناً، خصوصاً بعد خضوعه للاستجواب لدى النزاهة، وقد يعمد الحلبوسي للتملص من المسؤولية على تحشيد النواب لطلب سحب الثقة منه ووضعه أمام المساءلة”.  

نفت هيئة النزاهة الاتهامات الموجهة إليها بالتورط في الصراع السياسي، جاء ذلك في بيان صدر عنها في 6 نيسان 2023، قالت فيه: “ما تحدث به بعض الإعلاميين، وما نشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، من ملابسات تربط العمليَّـة الكبرى والاستثنائيَّـة التي نفذتها الهيئة في مديريَّـة التسجيل العقاري في محافظة الأنبار بخلافات وسجالات سياسية مزعومه، هو حديث غير صحيح وعار عن الصحة ولا يمثل الحقيقة والهيئة بأي شكل من الأشكال”.

وأكدت الهيئة في بيانها، أنها تلتزم المهنية والحيادية التامة في أداء مهامها لمكافحة الفساد ومنع انتشاره واسترداد الأموال المسروقة بموجب أحكام قانونها النافذ رقم (٣٠ لسنة ٢٠١١) المعدل، وقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية. 

وقال الناشط المدني سلام محمد، إن حيثيات القضية تشير بالفعل إلى تورط هيئة النزاهة بطريقة أو بأخرى، وأضاف: “تم التلاعب بسبعين ألف أضبارة عقارية، وهذا الأمر احتاج إلى أشهر، فأين كانت النزاهة طوال ذلك الوقت؟”.

يشترك مع سلام محمد في الرأي الكثيرون ممن تواصلنا معهم في الأنبار، مع عدم نفيهم حصول صفقات فساد في ملف الأراضي. وأكدوا أن جهات سياسية تتنافس في ما بينها للسيطرة على السلطات التنفيذية في المحافظة، ويعتقدون بأن هيئة النزاهة دخلت في ذلك الصراع.

يؤكد محامٍ من غرفة محامي الأنبار طلب عدم ذكر اسمه، أن أراضي بلدية الوفاء ليست الوحيدة التي تم التجاوز عليها من الأحزاب السياسية، إذ إن هنالك مواقع أخرى كثيرة غيرها، مثل “القصور الرئاسية التي كان رئيس النظام العراقي السابق قد أنشأها في الأنبار، ومنطقة اللواء الثامن”.

هاتان المنطقتان تحديداً، يشكلان محور اهتمام فريق تحقيق من هيئة النزاهة، قدم من بغداد في 26 نيسان 2023، للتدقيق في أوراقها العقارية بعد تلقي الهيئة شكاوى بوجود مخالفات فيها. 

جهات نافذة وراء العملية

المتحدث باسم الحراك الشعبي في الأنبار ضاري الريشاوي، يقول إن أراضي ناحية الوفاء تم توزيعها خارج الضوابط لفئات غير مشمولة أصلاً باستحصال الأراضي، ويقدر عددها بـ150 ألف قطعة سكنية تم بيع البعض منها تجارياً لجهات غير معروفة. ويوضح: “هنالك 80 ألف قطعة سكنية أخرى وزعت، إضافة الى الـ70 ألفاً التي ضبطت معاملاتها لكونها رُوجت بشكل غير قانوني”. 

ولا يستبعد الريشاوي تواطؤ محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي بالقضية، مؤكداً أن ما أقدمت عليه دائرة التسجيل العقاري “تقف وراءه جهات تملك نفوذاً كبيراً، فلا يمكن لموظف بسيط أن يقدم على مثل أمر كهذا من دون جهة كبيرة تسنده”.

عضو مجلس النواب السابق عن محافظة الأنبار فارس الفارس، يشاطر الريشاوي رأيه بعدم استبعاد وقوف جهات كبيرة نافذة خلف الموضوع، مؤكداً وجود فساد كبير في ملف العقارات، وأن هنالك الكثير من الأراضي في مختلف المدن التابعة لمحافظة الأنبار تم التجاوز عليها، إلا أن أراضي ناحية الوفاء بمساحاتها المختلفة وأعدادها الكبيرة فضلاً عن طريقة بيعها، “شكلت صدمة للمواطنين في المحافظة، بخاصة ممن لديهم استحقاق بالحصول على قطعة أرض”.

يتهم القيادي في تحالف الأنبار الموحد محمد دحام، من وصفهم بأتباع الحلبوسي، بالاستحواذ على أراضٍ زراعية في محيط موقع المطار المزمع إنشاؤه،  أراض تعود ملكيتها الى عشائر تقطن المنطقة، حوّلوها إلى أراض تابعة للبلدية ومن ثم بيعها لصالحهم.  وقال إن “ما يزيد عن 3000 قطعة أرض منها تم بيعها عن طريق مكاتب غير معروفة”. وحذر من أن ذلك قد يشعل فتنة تهدد أمن المحافظة مستقبلاً، على حد تعبيره. 

ولتحديد دور هيئة النزاهة في الأنبار بقضية أراضي ناحية الوفاء، وبمتابعة الملف من النقطة التي بدأ معها كل شيء، لم نجد أي مؤشر يوحي بدور الهيئة في كشف القضيّة. فيما أكد وزير العدل خالد شواني، أن الملف انكشف من خلال رسالة وصلته، وأن من قام بالإبلاغ عن التجاوزات العقارية كان مواطناً لا يملك أي صفة رسمية. 

وقال الوزير شواني خلال استضافته في برنامج لصالح قناة الفضائية العراقية، إن مواطناً أبلغه بالتجاوزات العقارية برسالة عبر تطبيق “واتساب”، وإنه تجاوب مع الإبلاغ وطلب من مرسله ما يثبت قوله، لأن الأمر قد يكون مجرد اتهام، وفقاً لما ذكر. وأضاف: “أرسل لي الأدلة، وتأكدت من أنها صحيحة، ثم أرسلتها إلى هيئة النزاهة، وقد تفاعل رئيس الهيئة بشكل كبير، وكان حاسماً في الموضوع لأنه قرر اتخاذ الإجراءات خلال أقل من 24 ساعة من تبليغنا، وتم الكشف عن عملية الفساد الكبيرة”.

نفى وزير العدل خلال المقابلة، أن تكون للموضوع أية جوانب سياسية، وقال: “القضية مهنية إدارية صرفة تتعلق بمكافحة الفساد، ولم يتدخل فيها أي طرف سياسي”.

يؤكد عضو مجلس النواب حسين مؤنس، الذي يرأس حركة “حقوق”، ما ذهب إليه وزير العدل، بقوله إن الملف غير سياسي وغير خاضع للمساومات والابتزاز والتسويات السياسية. لكنه في الوقت ذاته، يناقض ما ذكره في أنه أول من علم بقضية الأراضي.

وذكر النائب في تصريح مصوّر وزعه مكتبه الإعلامي في 11 نيسان 2023، أنه عمل على ملف أراضي ناحية الوفاء على مدى ثلاثة أشهر، وأنه وزملاءه تعرضوا لمساومات وتحديات طوال تلك الفترة (من دون أن يحددها). وأضاف: “سلمت الملف إلى رئيس الوزراء، الذي بادر فوراً بالإيعاز للجهات الأمنية لمداهمة الأماكن المشبوهة واعتقال المتهمين”.

وذكر مؤنس، أن لديه ملفاً آخر يتعلق بالقضية ذاته، سيسلّمه للقضاء العراقي، وقال أيضاً: “قيمة هذا الملف بأكمله تعادل 10 في المئة من العجز في موازنة 2023”.

قيمة الأموال المرتبطة بالملف وفقاً لما يقوله النائب تبلغ 4.85 مليار دولار، في الوقت ذاته صادق مجلس الوزراء العراقي في شهر آذار/ مارس المنصرم على الميزانية العامة لسنة 2023، بعجز يبلغ 48.5 مليار دولار، أي 63 تريليون دينار عراقي. 

يرى المحلل السياسي عادل عبد الوهاب، أن نفي الوزير والنائب الجانب السياسي في قضية أراضي ناحية الوفاء، دبلوماسي، لا سيما أن القضاء أو أياً من الجهات الرسمية لم تشر إلى تورط ساسة أو جهة سياسية في الأمر. ويقول: “هذا لا يعني أن الأمر صحيح، فالوزير والنائب وأبسط مسؤول أو حتى أي مواطن عادي، يعرف أن 70 ألف قطعة أرض لا يمكن توزيعها خلافاً للقانون، من دون أن تكون هناك جهة سياسية تملك أدواتها داخل التسجيل العقاري والبلدية وغيرهما من المؤسسات المعنية”. 

هل المطار وهمي!

يعتقد البعض في الأنبار، ومن بينهم ضاري الريشاوي، أن إعلان الحكومة المحلية في 2021 عن الاتفاق مع شركة تركية لإنشاء مطار دولي في منطقة الكيلو 35 غرب المحافظة، كان عبارة عن خدعة، لكي يقبل المواطنون على شراء الأراضي هناك، وبالتالي ترتفع أسعارها، ويحصل المستفيدون، وهم موظفون حكوميون مرتبطون بحزب رئيس مجلس النواب(تحالف تقدم)، على مكاسب كبيرة. 

يتفق هذا الاتهام في جزء منه مع ما أشار إليه بيان هيئة النزاهة في 4 نيسان 2023، في أن المتورطين بالقضية كانوا يعرفون بأن قيمة هذه الأراضي سترتفع بنحو كبير خلال الفترة المقبلة بسبب مشروع بناء المطار.

هذا المطار وفقاً للريشاوي، لم ينشأ منه سوى سياج خارجي تم التعاقد عليه بمبلغ 43 مليار دينار، وهو لا يكلف سوى 20 مليار دينار”. في حين أن إدارة محافظة الأنبار كانت قد أعلنت في آذار 2022، تسليمها الأرض المخصصة لإنشاء المطار إلى ممثلي شركة (polikon ) التركية، لتنفيذ المرحلة الأولى المتمثلة بتشييد المحيط الخارجي وأبراج المراقبة الخاصة بالمطار.

وعلى الأرض، في الموقع المحدد لإنشاء المطار الدولي، هناك أعمال جارية بالفعل لإنشاء السياج الخارجي، لكن بوتيرة بطيئة، وهو ما تعزوه مصادر في ديوان محافظة الأنبار إلى ضعف التخصيصات المالية، وأن التصميمات لوحدها كانت قد كلفت 74 مليار دينار في 2021، وكانت تعادل حينها أكثر من 50 مليون دولار. 

وذكر علي حسين خضير، من دائرة المهندس المقيم، أن المرحلة الأولى لإنشاء مشروع المطار المحالة لشركتي (ميتاج وبوليكوم)، قد بدأ تنفيذها في 31/5/2022، على مساحة تقدر بأكثر من 6 ألاف دونم. وقال إن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء “السياج الأمني بطول 17 كيلومتراً، وطريق أمني محاذ له، وأبراج حماية، وقناة كوكنكريتية للأعمال الكهربائية بطول 17 كيلومتراً”.

ولفت خضير الانتباه  إلى أن الوقت المحدد لإنجاز المرحلة الأولى هو سنتان، لكنه عاد ليقول إنها قد تكتمل خلال سنة، وأن المراحل اللاحقة سيبدأ العمل بها تباعاً بعد إكمال كل مرحلة. 

لم نحصل على إجابة من إدارة محافظة الأنبار، بشأن طبيعة المراحل التالية، ومدد تنفيذها، والمبالغ التي رُصدت لها، لا سيما أنها كانت قد أعلنت في 2021 بأن المطار سيكون الأكبر والأحدث على مستوى العراق، ما يبقي باب التوجس مفتوحاً على احتمال أن يكون “مشروع المطار المزعوم”، كما تعتقد بعض مصادرنا، “مجرد طعم لإغراء المواطنين بشراء الأراضي في تلك المنطقة”.

يستند أصحاب فرضية المطار الوهمي في تحليلهم، إلى قضية التوزيع غير المشروعة، وإلى أسعار قطع الأراضي قبل إعلان مشروع المطار، والتي لم تكن تتجاوز في أحسن الأحوال المليون وخمسمائة ألف دينار (أكثر من ألف دولار) لقطعة بمساحة 300 مترمربع، لكنها ارتفعت لتبلغ كحد أدنى نحو 6 ملايين دينار (نحو 4100 دولار)، فيما بلغت أراض أخرى وحسب موقعها نحو ثلاثة أضعاف ذلك المبلغ، حتى قبل بدء عمليات البناء في المنطقة. ما يعني أن الأسعار سترتفع أضعافاً عدة في حال المضي ببناء المطار ومد الطرق وشبكات الخدمات اليها.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!