fbpx

“اختفاء” الدولة في السودان… أبواب مشرّعة للنهب والإجرام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تعد الحرب قائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أو محصورة في سردية الطرفين عن الأسباب التي دفعتهما الى القتال وإعلان الحرب، وإنما تعداها إلى قدرة الدولة على البقاء مع استمرار مظاهر اختفاء السُّلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فقدت الدولة السودانية ما تبقى من سلطة منذ اليوم الأول لاندلاع الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل، فقد اختفت الشرطة تماماً وساد النهب واستغلال حاجة الناس الفارين من العنف الذي يجتاح الخرطوم.

أخبر سودانيون كثر ممن نزحوا من الخرطوم إلى المدن الآمنة، عن تعرضهم لتفتيش قوات الدعم السريع، التي نصبت ارتكازات في الطرق العامة، بعضهم عُومل بطريقة لطيفة فيما تعرض البعض الآخر لانتهاكات؛ وربما هذا ما دفع جماعات مدنية مسلحة إلى إقامة ارتكازات في الشوارع لجباية الضرائب.

يقول محمد آدم، الذي فرّ إلى مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم، إن جماعة مدنية يحمل أفرادها أسلحة بيضاء وأخرى نارية، أوقفته أثناء نزوحه وطلبت منه 50 ألف جنيه (نحو 85 دولاراً) مقابل مروره.

يروي آدم لـ”درج”، أنه وافق على دفع المبلغ حفاظاً على حياته وحياة أسرته. ويشير إلى أن الحظ حالفه لعدم وقوعه بيد جماعة أخرى نهبت جميع ممتلكات أقربائه، التي استطاعوا حملها خلال فرارهم، من أموال وذهب، وأجبروهم على تحويل أرصدتهم المالية عبر التطبيقات البنكية.

وقاد هذا إلى أن يُسدي البعض نصائح لتلافي تجربتهم القاسية، من بينها عدم حمل الهواتف الذكية، وفي حال حملها ينبغي حذف التطبيقات البنكية واستقلال المركبات العامة بدلاً من السيارات الخاصة وتبادل المعلومات بالطرق الآمنة. 

أين الشرطة؟

لم يقتصر النهب على المارة فقط، بل وصل إلى المنازل والمحال التجارية والمصانع والمصارف ومخازن المنظمات الإنسانية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة العاملة في تقديم المساعدات الإنسانية.

وتضجّ مواقع التواصل الاجتماعي بشكاوى عن نهب السيارات الخاصة والمنازل، وبصور ومقاطع فيديو عن عمليات النهب الواسعة التي طاولت حتى مصانع الأدوية.

يشعر السودانيون بغياب الشرطة عن حماية المدنيين وممتلكاتهم، فيما أظهرت شراستها ضد المتظاهرين السلميين قبل اندلاع القتال، ما دفعها إلى نشر فصيل قوات الاحتياطي المركزي في منطقة الخرطوم جنوب في 29 نيسان/ أبريل، وهذا الفصيل يُعتبر قوة قتالية شاركت في حملات الحرب التي شنّها النظام السابق على الحركات المسلحة في إقليم دارفور، غرب السودان.

وسارعت  قوات الدعم السريع إلى تحذير هذا الفصيل من الانتشار والقتال بجانب الجيش، حتى لا يعتبره عدواً،  مشيراً الى أنه أحد قوات الأمن الشعبي، والتنظيم الأمني الخاص بالنظام السابق، لكن الشرطة أكدت أنه قوة تابعة لها نُشرت لتأمين الممتلكات والأسواق. 

لم يقتصر النهب على المارة فقط، بل وصل إلى المنازل والمحال التجارية والمصانع والمصارف ومخازن المنظمات الإنسانية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة العاملة في تقديم المساعدات الإنسانية.

لكن فعلياً، لا وجود لقوات الشرطة بما في ذلك الفصيل القتالي في الشوارع والأسواق، حيث استمرّت عمليات نهب المصارف والمحال التجارية. كما تضاعفت أسعار السلع الغذائية والوقود وغاز الطبخ بسبب غياب الرقابة الحكومية، وتوقف الإمداد جراء وجود مصفاة تكرير النفط الرئيسي ومعظم المصانع في الخرطوم، التي لم تتوقف الاشتباكات فيها.

مجرمون بين السُّكان

تداول سودانيون خبراً يتحدث عن قتل رجل لزوجته طعناً، بعد أقل من 24 ساعة من فراره من السجن، حيث كان يقضي عقوبة ارتكابه جريمة طعن. ما يكشف بوضوح مخاطر إطلاق سراح آلاف النزلاء من سجون الخرطوم ودارفور وكردفان، وبعضهم صدرت بحقهم أحكام قضائية بالإعدام، الذي توقف تنفيذه في البلاد منذ عزل الرئيس عمر البشير في 11 نيسان 2019، بسبب انتهاء مدة ولاية قُضاة المحكمة الدستورية وعدم تعيين آخرين محلّهم. 

واقتحم مسلحون في 21 نيسان، السجون الأربعة الموجودة في الخرطوم، وأطلقوا سراح السجناء، ما تسبب بموجة جدل واسعة، بخاصة أن سجن كوبر يضم قادة النظام السابق الذين كانت تُجرى محاكمتهم بجُرم الانقلاب الذي أوصل البشير إلى سدة الحكم في 30 حزيران/ يونيو 1989.

واتهمت الشرطة قوات الدعم السريع باقتحام هذه السجون، فيما اتهم الجيش الشرطة بإطلاق سراح السجناء من كوبر بسبب انقطاع خدمات المياه والكهرباء والإعاشة. وتم إطلاق سراح المعتقلين الموجودين في سجون ولايات دارفور المختلفة. 

إذاً، تمددت مظاهر “اختفاء” الدولة والقانون إلى مناطق كثيرة في السودان، ووصل الأمر في ولاية غرب دارفور حدّ تحوُّل القتال بين الجيش والدعم السريع إلى نزاع على أساس عرقي استمر أياماً عدة، استبيحت خلاله مدينة الجنينة بالكامل.

وتقول تقارير صحافية إن مواطنين سطوا، في اليوم الأول للنزاع العرقي في 24 نيسان، على مخازن السلاح الموجودة في رئاسة شرطة الولاية ومقر جهاز المخابرات العامة في الولاية ومركز شرطة المدينة، حيث يُخزن ما يزيد عن 6 آلاف قطعة سلاح، بينها مدافع متطورة وأسلحة مضادة للطيران “الدوشكا”.

تحليل الاختفاء

في 11 نيسان 2019، أعلن نائب البشير في رئاسة الجمهورية ووزير الدفاع الجنرال عوض ابن عوف، عزل الأول استجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية السلمية، وشكّل مجلساً عسكرياً، لكنه استقال بعد أقل من 24 ساعة، تحت ضغط الاحتجاجات، ليُعيّن الجنرال عبد الفتاح البرهان بدلاً منه.

واختار البرهان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” نائباً له، ليدخلا في تفاوض مع قوى الحرية والتغيير، أسفرت بعد مماطلة عن اتفاق لتقاسم السلطة، فأصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة وحميدتي نائباً، فيما تم تشكيل تنفيذية مدنية بقيادة عبد الله حمدوك، وذلك قبل أن ينقلبا عليها بالقوة.

وبرغم الرفض الشعبي الواسع آنذاك، فقد سمح البرهان لحميدتي بالتمدّد في مفاصل الدولة وتوسيع قواته وتسليحها بأسلحة نوعية، بما فيها مضادات الطيران الأرضية وتكوين علاقات خارجية موازية.

وبعدما فشلا في قمع الاحتجاجات والمعارضة السياسية، انخرطا مع قوى الحرية والتغيير في عملية سياسية تتعلق بنقل السلطة إلى المدنيين، وقررا تشكيل حكومية مدنية بحلول 11 نيسان المنصرم، لكن خلافات الجيش والدعم السريع في مسائل القيادة والسيطرة، قادت إلى تأجيل إعلان الحكومة، ليندلع القتال بينهما بعدها.

يقول الصحافي أحمد حمدان، لـ “درج”، إن سبب اختفاء مظاهر الدولة، هو أن الحرب المندلعة ليست بين الحكومة وجهة خارجية أو متمردة، وإنما بين مجموعتين كانتا في السُّلطة الموجودة بحكم الأمر الواقع، بعد الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

ويوضح أنه نتيجة لذلك، انقسمت أجهزة الدولة، فأيدت وزارة الخارجية الجيش، بينما لزمت أخرى الحياد وتوقفت عن القيام بواجبها كما كان معتاداً قبل الحرب.

ويضيف حمدان: “حتى جهاز الشرطة، الذي كان من المفروض أن يكون مستقلاً ليمارس مهامه في حفظ الأمن وحماية المواطنين من المجموعات المتفلّتة، اختفى عن القيام بواجبه، قبل أن يأتي قرار الجيش الأخير بإدخال شرطة الاحتياطي كطرف في القتال”.

ويشير إلى أن معظم أجهزة الدولة على علم بأن هذه الحرب لا تخص السودانيين في شيء، وإنما هي متصلة بأطماع السلطة لدى طرفيها. إضافة الى أنها اندلعت في العاصمة الخرطوم، وهي مركز القرار ومركز الخدمات الأخرى التي تقدمها الدولة للمواطن، ويعتبر شللها سبباً مباشراً لتراجع دور الدولة وهيبتها.

لم تعد الحرب قائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أو محصورة في سردية الطرفين عن الأسباب التي دفعتهما الى القتال وإعلان الحرب، وإنما تعداها إلى قدرة الدولة على البقاء مع استمرار مظاهر اختفاء السُّلطة.

كريم شفيق - صحفي مصري | 29.03.2024

محمد جواد ظريف… حبال السلطة الصوتية في إيران بين المنع والتسريب!

ظريف، وبحسب التسريب الأخير، قام بعدّة أدوار وظيفية، ربما جعلته يتفادى هجوم الأصوليين، وجاهزيتهم للعنف والاتهامات سواء كانت بـ"الخيانة" أو "العمالة" أو "الجهل".