fbpx

إدلب: عمالة القاصرين تتفاقم وثلث الأطفال متسربون مدرسياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يسير رامي وفي يده كيس أسود لم أستطع معرفة ما في داخله، طفل في العاشرة يرتدي ملابس متسخة ويسير في عكس طريق أصدقائه الذاهبين إلى صفوفهم، وبخطوات متسارعة وصلت إليه، توقعت أن يتمالكه الخوف إن تحدثت إليه، ولكن بكل ثقة رد التحية وسرد معي قصته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ها هنّ هناك، فتيات صغيرات، في طريقهنّ إلى المدرسة، ربما أثقلتهن تلك الحقائب المملوءة كتباً، إنما وعلى رغم هدوء الصباح، لا تبرح أصوات ضحكاتهن تعانق السماء. ومن دون تركيز كامل تنظر إلى الطرف الآخر من الطريق فتجد عدداً كبيراً من الأطفال الذاهبين إلى مدرستهم، فرادى أو مجموعات. إنما في زاوية الطريق ومن دون أي همس، يسير رامي وفي يده كيس أسود لم أستطع معرفة ما في داخله، طفل في العاشرة يرتدي ملابس متسخة ويسير في عكس طريق أصدقائه الذاهبين إلى صفوفهم، وبخطوات متسارعة وصلت إليه، توقعت أن يتمالكه الخوف إن تحدثت إليه، ولكن بكل ثقة رد التحية وسرد معي قصته.
يعمل رامي في دكان لصيانة عوادم السيارات في المنطقة الصناعية بمدينة أريحا، لإعانة عائلته كما يقول. لم يكن مهتماً بذهابه للمدرسة من عدمه، فهو يعتبر نفسه كبيراً بما يكفي، ولم يعد طفلاً ومن واجبه العمل وتحصيل المال، يقول: “المدرسة للأولاد الذين لا يعرفون كيف يعملون ويحصّلون المال، أنا أعلم كيف أعمل ومنذ سنتين أمارس هذه المهنة وقد أتقنتها”.
عندما عرف رامي أنني أنوي الذهاب معه إلى مكان عمله، تغيرت ملامحه بسرعة وقال: “عمو مشان الله ما تروح معي يمكن معلمي يعمل مشكلة ويحاسبني”، ولكنه أفادني بأن هناك ثلاثة أطفال من عمره يعملون معه في المحل ذاته، إضافة إلى وجود عشرات الأطفال العاملين في المنطقة الصناعية بمدينة أريحا.

ثلث أطفال إدلب متسربون من المدرسة

تفشت ظاهرة عمالة الأطفال في محافظة إدلب بشكل كبير وملحوظ، ما جعلها مشكلة حقيقية تواجه المجتمع وتهدد الجيل الآتي، فمن بين ثلاثة أطفال هناك طفل يعمل في إدلب، وتتعدد الأسباب التي تدفع بالصغار أو أهاليهم للعمل وكسب الأموال لمواجهة صعوبات الحياة وتكاليفها.

بحسب مديرية التربية والتعليم في إدلب، فإن نسبة المتسربين من المدارس بلغت 21 في المئة من طلاب الحلقة الأولى، و37 في المئة من الحلقة الثانية، بينما وصلت النسبة إلى 54 في المئة بين طلاب الحلقة الثانوية.

أعمال شاقة وحالات وفاة

تتنوع الأعمال التي يمارسها الأطفال في إدلب ولكن 80 في المئة منها هي أعمال شاقة وصعبة على أجسادهم الطرية، فهي تتركز في المجال الصناعي كصيانة السيارات، والحدادة والنجارة، إضافة إلى أعمال البناء وغيرها، ويعرف اسم الطفل العامل في سوريا باسم “صانع” ويقصد به العامل الصغير الذي لا يملك الخبرة، فهو يعمل لخدمة العاملين في المهنة ومساعدتهم وتلبية مطالبهم من تحضير المشروبات والتنظيف.

تفشت ظاهرة عمالة الأطفال في محافظة إدلب بشكل كبير وملحوظ، ما جعلها مشكلة حقيقية تواجه المجتمع وتهدد الجيل الآتي، فمن بين ثلاثة أطفال هناك طفل يعمل في إدلب

ويتعرض الأطفال العاملين لمخاطر جسدية ونفسية وسوء معاملة أثناء عملهم، فينسون مع مرور الزمن أنهم أطفال ويعتادون حياة الكبار تلك، ومرحلة العمل والإنتاج، وغالباً ما يتجهون إلى التدخين ويتحدثون بكلام نابٍ وتتسم تصرفاتهم بالصرامة والعصبية، بسبب ما يعيشونه من سوء تعاطٍ بالغالب من أرباب العمل.
محطات تكرير النفط البدائية الأشد فتكاً بالأطفال

أوقفت سنوات الحرب الـ8 التي عاشتها سوريا وإدلب خصوصاً، المرافق الخدمية والصناعية ولعل أهمها كان تكرير المحروقات في المصافي المخصصة، الأمر الذي اضطر الأهالي إلى اللجوء إلى الطرق البدائية في تكرير النفط عبر حرقه في خزانات كبيرة واستخراج مشتقاته مخلفين غازات سامة بشكل مستمر.

وقد رصد “درج” عدداً من الحراقات المنتشرة بالقرب من بلدة معارة النعسان التي تشتهر بتكرير النفط، حيث هناك على الأقل طفل عامل في كل محطة، يُستخدم لتنظيف الخزان بعد الانتهاء من مرحلة التكرير وذلك لصغر حجمه وإمكان دخوله بسهولة في الخزان.

وبحسب المركز الصحي في بلدة معارة النعسان فإن 90 في المئة من الأطفال العاملين في الحراقات مصابون بأمراض في الجهاز التنفسي، إضافة إلى حالات تسمم متوترة وقد حصلت حالتا وفاة، بسبب عمل هؤلاء الأطفال في الحراقات.

تراجع المستوى التعليمي من أهم الأسباب

التقى “درج” منير حج بكري أحد أهالي بلدة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي وهو من مؤيدي فكرة عمل الطفل، ويبرر ذلك بأن هناك تخبطاً كبيراً في القطاع التعليمي في إدلب، “إذ هناك مناهج دراسية عدة تدرّس، منها من يتبع للنظام ومنها من يتبع للحكومة الموقتة ومنها من يضع منهاجاً خاصاً به، ناهيك عن عدم توفر الكوادر من المدرسين، فأغلبهم اليوم ممن ليست لهم خبرة وتخصصاً، نظريا أنا لا أعارض تعلم الطفل بل بالعكس العلم ضروري جداً للطفل، لكن التخبط الموجود سيؤثر سلباً في تفكير الطفل وفي الأفكار التي تتغير كل عام أو حتى في منتصف العام الدراسي، وفي هذه الحالة أرى أن يعمل الطفل في صنعة تفيده ويتعلمها لكي تكون في يده عندما يكبر وتعينه على الحياة إضافة إلى عدم إهماله الجانب العلمي وأساسيات الحياة من قراءة وكتابة وعلوم الرياضيات وعلى أهله أن يعلموه إياها بأي طريقة كانت”.

تجنيد الأطفال كان له نصيب أيضاً
تسيطر فصائل عسكرية على محافظة إدلب، ومع انتشار الأطفال المتسربين من الدراسة والحاجة المادية، اتجه بعض الأهالي إلى تجنيد أطفالهم للعمل العسكري داخل الفصائل المعارضة، وعلى رغم حديث تلك الفصائل عن محاربة هذا الأمر ومنعه في صفوفها، إلا أن “درج” رصد حالات تجنيد أطفال. علي ابن الثلاثة عشر ربيعاً يعمل في أحد الفصائل العسكرية (رفض والده ذكر اسمه)، حارساً لأحد المقار العسكرية في بلدته، ويرى أن عمله هو خدمة للثورة والجهاد، “دخلت منذ عام عبر دورة عسكرية عرفت باسم دورة القبول، ولصغر سني رفض الأمير أن يدخلني إلى الخطوط الأولى مع نظام الأسد، وأوكل إلي مهمة حراسة أحد المقار الذي يستخدم مصحاً طبياً للفصيل وأتقاضى 70 دولاراً، كراتب شهري وعملي هو مناوبات أسبوعية”.

لجنة لحماية الطفل في أريحا

للوقوف على هذه الظاهرة وتفاصيلها، يوضح علاء أحمدو المسؤول التعليمي في مجلس مدينة أريحا المحلي لـ “درج”، أنهم قاموا بتشكيل لجنة لحماية الطفل بالتعاون مع منظمة حراس، والعمل على الحد من ظاهرة عمالة الأطفال وتسولهم في المدينة، وذلك بمساعدة الأهالي بحسب الحالة، من الناحية النفسية أو المادية، وقد عولجت حالات عدة.

يقول علاء “نقدم مساعدات متنوعة للحد من هذه المشكلة، عبر رصد الحالات ودراستها، فهناك أطفال امتنعوا من الذهاب إلى المدرسة بسبب حالتهم الصحية وقمنا بمساعدتهم، ولكن غالباً ما تكون الأسباب مادية، فالفقر الذي يعيشه معظم السوريين بسبب الحرب يسيطر على الموقف، ولكننا نسعى إلى تأمين المستلزمات المدرسية للأطفال المتسربين والعاملين لنكون عوناً لهم ولأهاليهم في طريق العلم. لقد فقدنا الكثير من الكفاءات بسبب الحرب ولن نستطيع بناء الوطن إلا بسواعد أبنائه، والأطفال هم جيل المستقبل وهم من سيبنون هذا الوطن ورسالتي للأهالي بألا تحرموا أولادكم حق العلم والتعلم، فقوة الوطن بقوة أبنائه”.

وبحسب علاء، انخفضت نسبة الأطفال المتسربين في مدينة أريحا لتصل إلى 6 في المئة فقط هذا العام الدراسي، ويسعون إلى الوصول للأفضل بالسبل والطرق المتاحة.
على رغم المحاولات الخجولة لمحاربة هذه الظاهرة، إلا أنها لا تزال موجودة وتتضاعف مع مرور الوقت، بخاصة بعد توافد المهجرين بسبب اتفاقات بين الأطراف المتنازعة من مناطق الجنوب السوري باتجاه مدينة إدلب والتضخم السكاني الذي تعيشه المدينة، إضافة إلى الحرب المستمرة.

إقرأ أيضاً:

النظام يتأهّب للانقضاض على إدلب والحدود مقفلة في وجه أهلها

إدلب من جحيم النظام الى جحيم الاسلاميين 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!