fbpx

أوهام البكارة و”فحص العذرية” يُهدّدان فتيات مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فارقت العروس المصرية آية الشبيني الحياة بعدما طعنها زوجها بالسكين بعد مرور 48 ساعة فقط على زفافهما، والسبب وفق اعترافات الزوج، امتناعها عنه جنسياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فارقت العروس المصرية آية الشبيني الحياة بعدما طعنها زوجها بالسكين بعد مرور 48 ساعة  فقط على زفافهما، والسبب وفق اعترافات الزوج، امتناعها عنه جنسياً، لتظل عذراء. المصير السابق كاد أن يقع على عروس أخرى اسمها “إيمان” من محافظة كفر الشيخ المصرية، إذ طردها زوجها صبيحة يوم زفافها مدعياً عدم عذريتها، الاتهام الذي نفاه تقرير الطب الشرعي.

تعاني فتيات القرى والمحافظات المصرية من عبء ثقيل يسمى “ليلة الدخلة”، التقليد الذي ينتصر للفحولة، وتحاك حوله أساطير وحكايات، وأحياناً تمرينات، هدفها إرضاء الزوج وإثبات العذريّة، تلك التي تضمن شرف الفتاة، ضمن تقليد لا يمكن وصفه إلا بالوهم، والانتهاك الصريح والمعلن لحميميّة المخدع.

 تدخل الفتيات – بعضهن قاصرات – حياة الزوجية مُجبرات منذ اللحظة الأولى على ممارسة علاقة جنسية مع شريك لم يعرفنه، في الغالب، قبل الزواج. وينتظر الأهل “خارجاً” اللحظة التي يعلن فيها العريس فض غشاء بكارة العروس، في طقس قد يهدد حياة الزوجة المفترض أن تكون بِكراً. تنتشر في بعض القرى المصريّة  تقاليد، منها أن والد العروس لا يأكل ليلة زفاف ابنته حتى تُعلن عذريتها، وبعدها يستطيع تناول الطعام مطمئناً لـ”حسن تربيته ابنته”.

الخطير أن هناك كثراً من الأزواج، لا يعلمون أن هناك فتيات يولدن بأغشية مطاطية، لا تُفض سوى بالجراحة، وبعضهن تلدن من دون غشاء بكارة من الأساس، الحقيقة العلميّة هنا لا تمتلك صدى شعبياً، إذ لا بدّ من “دماء” ليلة الدخلة، وإلا دماء الفتاة نفسها تُسال، والمحظوظات من الفتيات يستطعن إقناع آبائهن بالذهاب الى الطب الشرعي، لحسم الموضوع قبل أن يغلب صوت الجهالة صوت العقل، وتضيع حياة الفتاة قتلاً، إما على يد الزوج أو الأب والأشقاء.

كادت الفتاة أن تقتل في واقعة “فتاة كفر الشيخ”، بعدما “شخّصها” أول طبيب بأنها ليست عذراء، ما كان سيعرّض حياتها لخطر الابتزاز الجنسي من الطبيب.  لكنها أصرت، حسب تصريحها، على عرضها على الطب الشرعي، الذي أثبت عذريتها في النهاية. أخذها والدها بعدها على ظهر حصان، ترافقها الطبول والزغاريد، ليعلن للقرية كلها أن ابنته “شريفة ورفعت رأسه”. نحن  أمام احتفاء رجوليّ علنيّ بـ”شرف” الفتاة المُصان، والمجهز للزوج، من دون أن يكون لها أي دور سوى الحفاظ على شرفها، الذي قد يخونه الطبّ نفسه، ويعرضها للخطر.

يتحول الزواج في مصر- حين يلخَّص في معركة غشاء البكارة – إلى مسلسل مهانة لا تنتهي حلقاته، حتى لو انتصر الطب الشرعي للعروس، وأعلن أهلها في زفة علنية أن ابنتهم “شريفة عفيفة”. تبدأ المهانة من اللحظة الأولى في بيت الزوجية، إذ على الفتاة مساعدة الزوج سريعاً على إنجاز “مهمة” فض غشاء البكارة،  في الوقت ذاته تحارب شكوكه التي لا تتلاشى إلا أمام دليل واضح، بضع قطرات من الدماء. 

تتفاقم المهانة حين لا يرى الزوج قطرات الدماء، لتبدأ بعدها عمليات الفحص المهينة للعذرية، تلك التي تتم عادة بإدخال إصبع في مهبل الفتاة، لقياس مدى ارتخائه. ممارسة ترى في العذرية شأناً لا بد من ضبطه وتأكيده، وإلا العار والدم. جسد الفتاة في هذه الحالة، محطّ التحديق الرجولي والطبيّ والثقافيّ، بضعة سنتيمترات، ستحدد مصير الفتاة، إما زوجة أو جثة.

 لم تساعد آية الشبيني، عروس طنطا، زوجها -الذي قتلها بعد 48 ساعة من الزواج- على إنجاز مهمته في فض غشاء البكارة، كانت تحتاج لمزيد من الوقت، هي إنسان بالنهاية، التأكيد الذي لا بدّ منه ولو كان قاسياً، كونها ليست دمية تؤدي مهامها “الجنسيّة” بطريقة أوتوماتيكية. الساعات التي انقضت من دون “فض البكارة” زادت شكوك الزوج وحقده. وجد في التأخير إهانة لـ”فحولته” وقدرته على إنجاز مهامه الجنسية.

مُلخصاً تاريخ القمع الذكوري، والعنف الأعمى المرتبط بوهم الشرف الذي يلعق أدمغة بعض الرجال،  طعن الزوج آية بالسكين وهي تجلس على سرير الزوجية. لكن الأمر لا ينتهي هنا، “العار” يمسّ الجميع، الزوج والأسرة والقريّة، إذ خضعت جثة آية لفحص كشف عذرية، بعدما طالب شقيقها بالتشريح ليتأكد من بكارتها، الشأن الذي لم ينفه الطبّ. هي عذراء، يقين قائم على أوهام البكارة، التي قُتلت لأجلها فتاة، وارتاح “الرجال” الذين أحسنوا التربية.

ترى المدونة الفقهية الإسلامية المرأة الرافضة العلاقة الجنسية “نشازاً”، تلعنها الملائكة وتستحق الضرب.  ما يفتح المجال أمام العنف الجسدي الذي يطبق على المرأة. تشمل السيطرة  ضمن الموروث الشعبيّ أيضاً العملية الجنسية، التي لا بد ون يدير دفتها الرجل وحده، ليفرض أوامره وعضلاته حتى لو اضطر ليزيد مساحة الضرب حد الطعن بالسكين والقتل في حال شكّ في “عذرية” زوجته.

أوهام غشاء البكارة

يشكّل غشاء البكارة موروثاً ثقيلاً على الفتيات في مصر  وفي المنطقة العربيّة بشكل عام، يعشن قبل الزواج حذرات من ممارسة الرياضة (مثل رفع الأثقال والجمباز) خوفاً من انفضاضه بالخطأ، ويضيّق الأهل على الفتيات قبل الزواج في مسألة خروجهن المتكرر من المنزل، خوفاً من أن “تتورط” الفتاة في ما لا تحمد عقباه، أن يُفض الغشاء إثر “نزوة” قد تهدد حياتها إن كُشفت.

 ماتت منذ أشهر الطبيبة المصرية الشابة سارة خالد، إثر سقوطها من شرفة مسكنها في الطابق الخامس بعد تعرضها للعض والضرب في ذراعيها وساقيها.  أثناء التحقيقات، أدعت الأم أنها كانت تصحح سلوك ابنتها، وطالبت الأم بالكشف عن عذرية ابنتها بعد وفاتها، فأثبت تقرير الطب الشرعي عذرية الطبيبة، وهنا المفارقة، وهم البكارة لا يطارد “الرجال” فقط، الهيمنة الذكورية تنسحب على بعض “النساء” أيضاً، الخوف والرعب من العار والفضيحة يمسّان “الجميع” في هذه الحالة، فبكارة فتاة واحدة، تمسّ شرف الأسرة بأكملها رجالاً ونساءً .

“فحص العذريّة” بلا قيمة

أدانت المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية، فحوص العذرية باعتبارها تمييزية ومهينة بحق النساء والفتيات، معتبرة إياها شكلاً من أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية للنساء. تقول ليسل غيرنتهولتز، مديرة قسم حقوق المرأة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن “وجهة النظر الطبية المقبولة على نطاق واسع تقرّ بأن اختبارات العذرية لا قيمة لها”، كما أن فحص العذرية في غير حالات الاعتداءات الجنسية والاغتصاب أو الحوادث والعمليات الجراحية في منطقة الأعضاء التناسلية، أمر مخالف لأخلاقيات مهنة الطب، كون أي إجراء طبي يستوجب وجود داعٍ صحي يبرّره، فطلب الخاطب إثبات عفّة خطيبته، أو طلب الأنثى إثبات عدم خوضها تجارب جنسية من خلال هذا الفحص، ليس له داعٍ من الناحية الطبية.

الكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي، عملت على مدار سنوات كطبيبة في صعيد مصر وعدد من القرى خارج القاهرة، وناقشت في كتابها “المرأة والصراع النفسي”، كيف تتعرض الفتيات في الصعيد للقتل بسبب “العذرية”.

طلبت السعداوى في كتابها من الفتيات التمتع بحريتهن، وممارسة ألعاب القوى كرفع الأثقال والجمباز، التى قد تؤثر على غشاء البكارة، وعدم الانصياع وراء التقاليد العمياء حول حفاظ البنت على هدوئها ورزانتها حتى لا تفقد عذريتها.

كشفت  نوال السعداوي في إحدى لقاءاتها قبل رحيلها، أن كتابها ساعد في إنقاذ فتاة صعيدية من القتل، وقالت: “أذكر أن فتاة جامعية كاد أن يقتلها أبوها الصعيدي لأنها لم تنزف دماءً ليلة الزفاف، لتشككه في سلوكها، فتوسلت الفتاة لأبيها أن يقرأ كتاب “المرأة والجنس” الذي يوضح بناءً على دراسات علمية استقصائية، أن هناك 30 في المئة من الفتيات وُلدن من دون غشاء بكارة، وأن نسبة أخري فقدن غشاءهن بسبب ألعاب القوى”، تستطرد السعداوي : “جاءها الأب الصعيدي وشرحت له التحليل العلمي لغشاء البكارة، فقبّل يدها لأنها أنقذت ابنته من القتل على يده”.

التوظيف السياسي لـ”العذريّة”

لم تساهم السلطات المصرية بالشكل الكافي في الحدّ من هذه الظاهرة، إذ توثق المؤسسات الطبيّة كشوف العذريّة، ناهيك بتوظيف السلطة نفسها هذه الفحوص لاتهام المواطنات المصريات وتشويه سمعتهنّ، إذ قامت السلطات بإجراء فحوص كشف العذريّة لـ 18 فتاة، في أحداث فض اعتصام التحرير في 9 آذار/ مارس عام 2011،  إذ كُشف على المعتقلات في السجن الحربي قبل أن يتم إطلاق سراحهن بعد أربعة أيام. أصدرت المحكمة أمراً بإيقاف هذه الفحوصات المُشينة، وعلى رغم الدعوة التي رُفعت ضد الضابط الذي أمر بهذه الفحوص، إلا أن المحكمة العسكريّة برّأته.

يحضر الأمر أيضاً في مجلس النواب المصري،  ففي عام 2016، طالب النائب إلهامي عجينة بأن توقع طالبات الجامعة على فحوص طبية لكشف العذريّة، بحجة مكافحة ظاهرة “الزواج العرفي”. هذه الإهانة لم تسكت عنها نساء مصرّ، لكن مجرد ترديدها في البرلمان يكشف  أن فحوص العذرية لا تتعلق فقط بالشأن الثقافي والاجتماعي، بل يمكن توظيفها كممارسة عنيفة ضد جسد المرأة المصريّة. وعلى رغم انتشار حالات كشوف عذرية المتزوجات حديثاً وما ينجم عنها من مهانة للنساء المصريات، لم تظهر حملات في مصر لمناهضة هذا النوع من العنف الممارس على النساء.

في المغرب مثلاً، دعت الناشطات في حركة “مالي”، المناصِرة للحرية الفردية، إلى حملة بعنوان “فرجي ملك لي”، والتي ترى أن إرغام الفتاة على الخضوع للفحص الطبي لإثبات العذرية، أمر يحط من كرامتها وشكل من أشكال الاغتصاب، وجعلت إسقاط البكارة من شروط الزواج هدفاً أساسياً لهذه الحملة.

أكدت  الناشطات في “مالي”  أن هذه الحملة حققت نجاحاً كبيراً، لأن عدد النساء اللواتي لجأن إلى الجمعية ارتفع بشكل ملحوظ، لأن المرأة تعاني الاضطهاد والتعنيف من طرف الأسرة بسبب البكارة التي يتم اعتبارها من المقدسات، معتبرة أن البكارة مجرد مفهوم وهمي.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…