fbpx

السودان يدخل مرحلة الندرة… احتكار السلع الأساسية وارتفاع الأسعار 60%

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بالنسبة إلى بلد مثل السودان يعتمد في تأمين احتياجاته على الاستيراد، فإن أيّ نكبة تُعيق انسياب السلع ستضع الملايين من سكانه أمام ندرة حرجة، كما يحدث الآن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمضى مصطفى العباس، ثلاث ساعات يبحث في المحال التجارية في مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة المجاورة للعاصمة الخرطوم، عن حفاضات لطفله (3 أشهر)، قبل أن يعثر على ضالته بعد شق الأنفس في محل بعيد نسيباً من السوق، ومع ذلك رفض صاحب المحل أن يبيعه إلا علبة واحدة.

قيّدت معظم المحال التجارية في المدن الكبرى بيع السلع الأكثر استهلاكاً مثل السكر وزيوت الطبخ والأجبان والحفاضات والحليب، بذريعة الحفاظ عليها باعتبارها أصنافاً تُغري الزبون لشراء سلع أخرى، بعد توقف الإمداد من الخرطوم التي تُعتبر نقطة التوزيع الرئيسية في السودان لتمركز الصناعات التحويلية والدوائية والشركات الكبرى.

وأدى توقف الإمداد، بفعل القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع المستمر منذ 15 نيسان/ أبريل، إلى ارتفاع أسعار السلع نحو 60 في المئة، في ظل انخفاض العرض وارتفاع الطلب، ما يضاعف الأزمات على السودانيين الذين يعيش أعداد كبيرة تحت خط الفقر.

لا إحصاء رسمياً عن الفقر في السودان، لكن بلوغ نسبة الفقر في ولاية سنار وسط البلاد 76 في المئة وحديث الأمم المتحدة عن احتياج ثلث السُّكان لمساعدات إنسانية هذا العام، من مؤشرات استشراء الفقر على نطاق واسع.

خلو أرفف المحال من السلع

يقول العباس لـ”درج”، إن دخول الاقتصاد مرحلة الندرة أمر لا خلاف عليه، فهو ظاهر بوضوح في أرفف المحال التجارية التي تتقلص البضائع فيها يوماً بعد يوم، وإن استمر هذا الحال فقريباً لن نجد ما نشتريه، إلا ما تنتجه الولايات مثل المحاصيل الزراعية. 

ويشير إلى أن نهب مصانع المواد الغذائية والدوائية وتعرض بعضها للقصف، يضع احتياجات السكان الاستهلاكية أمام محك حقيقي، فإعادة تشغيلها تحتاج إلى وقت؛ فيما لا مؤشرات واعدة لنهاية الحرب تشجع التجار على استيراد البضائع.

ويؤكد العباس، الذي وصل الحصاحيصا حديثاً فاراً من العنف في الخرطوم، أن المناطق الحدودية ستكون أفضل، بخاصة تلك المتاخمة لمصر وتشاد، لكن الدول ربما تشدد في الفترة المقبلة إجراءاتها إذا ظهرت ملامح تشي بعدم توقف القتال.

في المقابل، هناك ملايين الأشخاص الذي فقدوا وظائفهم موقتاً سواء كانوا عاملاً في تجارة التجزئة أو في القطاع الخاص أو الحكومة، ونتيجة للحرب توقفت أعمالهم، ما قلص قدرتهم على شراء السلع الضرورية، ومن بين هؤلاء ناجي محمد.

يقول محمد وهو موظف في مؤسسة حكومية، لـ”درج”، إنه لم يتلقِ راتبه عن شهر نيسان، وبسبب ذلك لا يستطيع الفرار من الخرطوم مع ارتفاع كلفة النقل، “حتى حاجات أسرتي الأساسية أعجز عن تأمينها، بعد نفاد المال الذي كان معي. نحن في وضع قاس”.

وهذا ما تعيشه المعلمة حليمة الطاهر، التي تُعيل ثلاثة أطفال بعد وفاة والدهم قبل عام. تقول لـ”درج”: “حاولنا التقشف منذ اندلاع النزاع، والآن لا نملك شيئاً سوى انتظار فرج الله”.

كان السودانيون قبل الحرب يشكون من ارتفاع أسعار السلع. وهذا الغلاء، من جملة دوافع أخرى، جعلت الآلاف ينتظمون في احتجاجات 2018، أجبرت قادة الجيش على عزل الرئيس عمر البشير في 11 نيسان 2019. 

ونفذت حكومة الانتقال المدنية، إصلاحات اقتصادية قاسية بحق السودانيين، تمثلت في تخفيض قيمة العملة الوطنية 7 أضعاف ورفع الدعم السلعي عن الوقود والخبز والكهرباء والاستعاضة عنه بدعم مالي مباشر، توقف بعد انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

يعتمد السودان في تأمين معظم احتياجاته من النفط والقمح والدواء والسلع المصنعة على الخارج، وهو ما يظهر بوضوح في استمرار عجز الميزان التجاري الذي سجل في 2022 عجزاً بلغ أكثر من 6.7 مليار دولار.

في هذا الإطار، يوضح المحلل الاقتصادي هيثم فتحي، أن أزمة بعض المواد الغذائية ليست وليدة اليوم، برغم أنها تعمقت في السنوات الأخيرة بشكل فج، وذلك لكون الاقتصاد السوداني ضعيفاً وهشاً وغير تنافسي، تسيطر عليه فئة نافذة ومحتكرة.

ويشير، خلال حديثه لـ”درج”، إلى أن الحرب أدت إلى دمار بعض المرافق الحيوية الخدمية، ما أثر في أسعار الوقود والغذاء. وتوقفت عمليات الإمداد للأسواق بالسلع المختلفة بعد إغلاق المصانع والشركات الكبرى أبوابها وغياب وسائل النقل، بسبب عدم وجود ممرات آمنة، ما أعاق حركة السلع وأدى إلى غلاء مبالغ فيه فاقم الفجوة الغذائية للسكان.

ويضيف: “وتيرة الغلاء المتصاعدة، تقابلها معدلات عالية من الفقر في السودان تصل إلى 65 في المئة، كما أن أكثر من 90 في المئة من سكان الخرطوم، يعتمدون في تغطية احتياجاتهم المعيشية على الأعمال اليومية والتي توقفت تماماً بسبب المواجهات المسلحة، إلى جانب غياب المساعدات الإنسانية الدولية”.

ويتابع: “مصادر المواطنين للكسب المادي أغلقت في وجوههم، فإلى جانب تعطل الأعمال والأنشطة التجارية، فقد توقفت التحويلات المصرفية من الخارج إذ عجز السودانيون المغتربون عن مساعدة عائلاتهم في الداخل، نتيجة إغلاق البنوك، كما توقف صرف الرواتب للعاملين في الدولة، وهم فئة غير قليلة من المواطنين تقدر بنحو 5 في المئة من مجموع السكان، وهم يعتمدون بشكل أساسي في معيشتهم على الأجور”.

ويشدد هيثم فتحي على ضرورة استئناف العمل المصرفي ولو في حيز ضيق، وتفعيل المعاملات الإلكترونية، حتى لا يتوقف العمل التجاري نهائياً. وهذا الوضع يتطلب استمرار عمل الموانئ البحرية لمنع انقطاع حركة التجارة الدولية، لا سيما أن السودان يعتمد في كثير من منتجاته على الخارج.

لا شك في أن رأس المال جبان، لا يعمل في بيئة تفتقر إلى الأمن، وفي ظل انعدامه حالياً في السودان الذي تلاشت مظاهر سلطة الدولة فيه وبات قانون الغاب سائداً، لن يجازف أصحاب الأعمال بضخ أموالهم فيه ربما باستثناء الطبقة المقربة من طرفي النزاع المستفيدة من هذا الوضع.

بالنسبة إلى بلد مثل السودان يعتمد في تأمين احتياجاته على الاستيراد، فإن أيّ نكبة تُعيق انسياب السلع ستضع الملايين من سكانه أمام ندرة حرجة، كما يحدث الآن.