fbpx

“كشوف العذرية”: العنف ضد المصريات من الأسرة إلى المجال العام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الهوس بالبكارة والعذرية، وهي مصطلحات لا أساس لها، خرج من الدائرة الصغيرة وهي الأسرة، وامتد إلى معظم شرائح المجتمع، ويترجم الى عنف وتمييز ضد المرأة، وكلما زادت مقاومة المرأة لتلك الأفعال، زادت محاولات السيطرة عليها من الذكور داخل الأسرة وخارجها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على ظهر حصان، طافت فتاة إحدى القرى المصرية، يسير خلفها عشرات من المواطنين، يرددون “العروسة الشريفة العفيفة بنت البنوت وصلت يا بلد”… لم يكن هذا المشهد جزءاً من عرس أو مناسبة، بل كان احتفالاً ببكارة فتاة عقب زواجها بساعات، بعد اتهام زوجها لها بأنها ليست عذراء.

هذا المشهد ليس الأول من نوعه، فقبل أقل من عام، تكرر المشهد مع فتاة أخرى في قرية أخرى، تختلف الأسماء لكن السيناريو واحد، يتهم الزوج زوجته بأنها ليست عذراء، فتتّجه أسرة الفتاة الى الكشف الطبي عليها، والخروج بورقة تثبت عذريتها، تتبعها زفّة.

ترى “منظمة الصحة العالمية”، أن كشوف العذرية أحد أنواع الانتهاك والتمييز ضد النساء، لكنه تقليد لا يزال رائجاً في مناطق كثيرة في مصر، بخاصة القرى البعيدة والأرياف التي تختزل الأخلاق بجسد الفتاة.

ترى لمياء لطفي، مديرة “مؤسسة المرأة الجديدة” المعنية بحقوق المرأة، أن تلك الجرائم تنتشر بكثرة في الريف، وهي لا تقتصر على كشوف العذرية فقط، بل تتعداها الى الزواج المبكر والختان وغيرهما من أشكال العنف المختلفة، نتيجة البعد من المدينة وصعوبة الوصول الى مراكز الشرطة، إضافة الى نسبة الأمية المرتفعة وعدم الانفتاح ومحاولة تغيير المفاهيم القديمة.

وتقوم المؤسسات النسوية برصد جرائم العنف ضد المرأة، والتي تزداد بكثرة في الريف، وفقاً لما نشرته مؤسسة “إدراك للتنمية والمساواة”، في رصدها الربع الثالث من جرائم العنف ضد المرأة لعام 2021، إذ وجدت أن تلك الفترة شهدت 66 حالة قتل لسيدات وفتيات، منهم 9 حالات في القاهرة، والباقي في المحافظات، منها 37 جريمة في وجه قبلي، و20 في وجه بحري. ومن خلال الرصد، لاحظت أن الجرائم غالباً ما ترتبط بخلافات أسرية تدفع الى القتل، تليها جرائم القتل بسبب “الشرف”. وفي الفترة نفسها، رصدت المؤسسة 22 حالة ضرب مبرح لسيدات نتجت منها إصابات جسيمة، منها حالة واحدة في القاهرة و21 حالة في المحافظات.

عام 2020، انطلقت مبادرة مصرية بعنوان “برا السور”، تم تعريفها بأنها مبادرة نسوية كويرية، تعمل على مناهضة التمييز والكراهية القائمين على النوع الاجتماعي والميل الجنسي، والعنف الممارس على النساء، بخاصة نساء الأقليات.

خلال عملها، نجحت المبادرة في تسليط الضوء على الانتهاكات الواقعة على النساء بمختلف ميولهن، وأطلقت حملات عدة، من بينها حملة “مهبلي مش دليل إدانة ولا أداة اتهام”، ركزت فيها على رصد انتهاكات كشوف العذرية والفحوص الشرجية الواقعة على جميع النساء، سواء كن مقيمات في المدن أو القرى النائية، أم سجينات سياسيات أو عاملات. ومع انتشار الحملة، تلقت المبادرة رسائل كثيرة من فتيات، غالبيتهن من القرى، يطلبن الدعم النفسي بعد تعرّضهن لفحوص مهبلية أو شرجية لإثبات عذريتهن.

تفيد لمياء “درج”، بأن عدد جرائم العنف ضد النساء يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وذلك للعمل على كبحها ومواجهتها، وعن البكارة والعذرية، تقول: “الظاهرة منتشرة جداً لا سيما في الأرياف لأنها مجتمعات مغلقة ومحافظة، وللأسف يرى الرجال في تلك المجتمعات أنفسهم أوصياء على أجساد النساء، ما يجعلهم يحوّلون النساء إلى تابعات لهم”.

انتقال العنف من الخاص إلى العام

تتابع لمياء، أنه عند النظر الى المشهد الأكبر، نجد أن العنف انتقل من الخاص الى العام، أي أنه أصبح يمارس داخل الأسرة وخارجها، فالواقعة التي شهدتها مصر راهناً عندما قتل رجل زوجته بعد 48 ساعة من الزواج، وبرر جريمته بامتناعها عن ممارسة العلاقة الزوجية معه، فأمرت النيابة بالكشف على الزوجة، ليؤكد تقرير الطب الشرعي بأن المتوفية ما زالت عذراء، وتقول: “هنا العيب على الطب الشرعي إنه يطلع تقرير زي ده، المفروض يتم معاينة الجثة كلها والكشف عليها وعلى الأعضاء التناسلية، علشان تقدر تحدد الساعات الأخيرة في الجريمة، وده بيتم للذكور والإناث، لكن اللي بيحصل في جرائم قتل الستات، إنه مصطلح عذراء اللي هو مش مصطلح علمي ولا طبي من الأساس بيتصدر الموضوع، وكأنه أمر ممكن يحول الفتاة من مذنبة لمتهمة والعكس”.

كشف العذرية أصبح مصطلحاً ملازماً لقضايا العنف ضد النساء، ليس في نطاق الأسرة فقط، ولكن في المجال العام، مثل ما حدث مع فتاة الـ”تيك توك” مودة الأدهم، التي وجهت لها النيابة تهم هدم القيم الأسرية، وطلبت إجراء الكشف على عذريتها، وهو ما يتم أيضاً مع سجينات، إذ روت سجينة سياسية سابقة، لم ترغب في الإفصاح عن اسمها، أنها تعرضت لكشف عذرية  في السجن، والذي يتم كنوع من أنواع العقاب من دون سند قانوني، بخاصة أنه تم القبض عليها على خلفية تظاهرات معارضة، لا على أساس اتهامات تتطلب فحص عذرية.

وقبلها، أمرت جهات التحقيق في محافظة بورسعيد، بإجراء كشف العذرية على نورهان المتهمة بقتل والدتها، لتبين ما إذا كانت على علاقة بشريكها في الجريمة أم لا، وكذلك على بسنت خالد، التي تعرضت لابتزاز إلكتروني فانتحرت بحبة الغلة السامة، وغيرها من الجرائم المتكررة، فيما لا يفيد التقرير الصادر من الطب الشرعي في سير التحقيقات بشيء.

عقب ثورة يناير، أُلقي القبض على 17 ناشطة خلال اعتصام في ميدان التحرير، 7 منهن قلن إنهن تعرضن لكشف العذرية. وبعد تعرضهن للضرب، خضعت المتظاهرات لاختبارات “كشف عذرية” اعتبرتها المنظمات المصرية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان من قبيل التعذيب والعنف الجنسي. ودعت “منظمة العفو الدولية” إلى فتح تحقيقات “محايدة ومستقلة” بشأن الشكاوى المقدمة من نساء خضعن لأعمال عنف من قبل الجيش وقوات الأمن. وعام 2012، برأت المحكمة الطبيب الذي اتُّهم بالكشف على المتظاهرات. تلك الوقائع تؤكد أن السلطة الأبوية خرجت لتسيطر على السيدات في المجال العام.

اعتبرت “مؤسسة نظرة للدراسات النسوية” أن الفحص المهبلي الذي يقوم به أطباء وطبيبات في مجال النساء والتوليد يُجرى لأسباب مختلفة، من بينها متابعة مسار الحمل لدى النساء، أو للكشف عن أمراض تناسلية معينة. وفي العادة، تلجأ السجَّانات إلى توقيع الفحص ليس لغرض طبي أو بطريقة طبية سليمة، وإنما بغرض الكشف عن أيّ مخدرات أو أسلحة قد تخفيها النساء داخل فتحات المهبل أو الشرج، وذلك بدعوى الحفاظ على أمن باقي السجينات. وذكرت المؤسسة أن هذا الفحص يتم عن طريق استخدام كيس بلاستيكي واحد لجميع النساء، وهو إجراء خطير جداً، يسهّل تناقل الأمراض بين السجينات، ويتم تطبيقه كإجراء اعتيادي على جميع السجينات الوافدات، سواء كنَّ متزوجات أم لا.

المحامية هالة دومة، ترى أن تلك الحوادث موجودة ومتكررة، “اللي حصل إنه بقى فيه نشر أكبر على الفضاء الإلكتروني، فبقت الجرائم بتوصل لجمهور أكبر، لكنها ممارسات موجودة”، وتضيف: “النيابة طول الوقت بتكشف على الجثث بعد الوفاة، وبيكون كشف كامل، لكن اللي بيحصل إنه لما بيكون في حالة فيها ست اتقتلت مثلا في جريمة شرف، أو بعد اغتصاب زوجي وهو ما لا يعترف به القانون المصري، يخرج الأمر ويتم التركيز على مصطلح عذراء، مع أنه لن يغير مسار القضية أو يفيدها، الكشف هدفه تحديد سبب الوفاة، وتحديد إنه كان فيه عنف أو انتهاك قبل الوفاة أو لأ”.

وتتفق كل من هالة ولمياء على أن الهوس بالبكارة والعذرية، وهي مصطلحات لا أساس لها، خرج من الدائرة الصغيرة وهي الأسرة، وامتد إلى معظم شرائح المجتمع، ويترجم الى عنف وتمييز ضد المرأة، وكلما زادت مقاومة المرأة لتلك الأفعال، زادت محاولات السيطرة عليها من الذكور داخل الأسرة وخارجها.