fbpx

غزّة يسكنها بشر لا فصائل وقيادات وصواريخ فقط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

واقع غزة أكثر تعقيداً من مجرد الحديث عنه بالعواطف والخطابات الحماسية، وشعب غزة الصابر والصامد والشجاع والمقاوم، هو بحاجة إلى التفكير في أحواله بطريقة عقلانية وواقعية وإنسانية، مع خطاب التحرر، فذلك ما يمكّنه من مواصلة العيش والصمود والمقاومة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليست المواجهة، أو الحرب الجارية اليوم بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الأولى من نوعها، فثمة قبلها مواجهات عدة، صعبة ومدمّرة ودامية، منذ هيمنة حركة “حماس” على القطاع (2007)، وفرض إسرائيل الحصار عليه. مع ذلك، يصرّ الخطاب الفصائلي في غزة على تناسي تلك الوقائع كلها، والمآسي التي خلّفتها، والترويج لخطابات انتصارية، منتشية بحيازة قدر من القوة العسكرية، مع ادعاءات بفرض معادلات عسكرية وسياسية على إسرائيل، لم يثبت أي منها، أو لم تبالِ بأي منها.

ثمة مبالغات تكمن خطورتها في أنها تتحوّل إلى أوهام، من ضمنها التهويل بقوة غزة، في حين أن الواقع يتعلق بمجتمع فلسطيني مكوّن من مليوني نسمة، يعيش أفراده في بقعة ضيقة من الأرض (360 كيلومتراً مربعاً)، وهي أقل من 2 بالمئة من فلسطين التاريخية، ونحو 6 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. 

المعروف أن غزة تفتقر الى الموارد، وليست جاذبة للاستثمارات، ومعظم سكانها يعانون من الفقر والبطالة، إضافة إلى أن هذه المنطقة تعتمد على الموارد المتأتية من الخارج (المواد التموينية والطبية والكهرباء والطاقة)، وضمنها من إسرائيل، وحتى أن بضعة ألوف من سكانها يعملون في قطاعات الاقتصاد في إسرائيل، يفاقم من ذلك  كله، أن غزة هي بمثابة سجن كبير لسكانها، بعدما فُرض الحصار الإسرائيلي عليها منذ 16 عاما، مع الإبقاء على معابر تنفيس (رفح مع مصر، وايريتز وكرم أبو سالم مع إسرائيل). 

الفكرة هنا، أن معظم الذين يتحدثون عن غزة لا يرون فيها إلا قاعدة عسكرية للمقاومة، أو قاعدة حربية لإطلاق الصواريخ، وكأنه لا يوجد بشر، من أطفال ونساء وشباب وشيوخ، من لحم ودم وأعصاب، بحاجة إلى كل مقومات العيش والأمان لاستمرار والتطور كمجتمع، وذلك مع سعيهم الى المقاومة والتحرر من الاحتلال، الشأن الذي أشرت إليه في مقال “هذه ليست لوحة فنية… إنها غزّة!”، هذا السعي نحو الاستمرار والتطور كمجتمع، لا يعني استنزافهم وتهديد وجودهم. 

ثمة مبالغة أخرى تكمن في التضخيم من قوة وقدرة المقاومة وصواريخها، كأنه ليست لدينا تجارب من قبل، أو كأنها كانت تجارب ناجحة، ونجم عنها فرض تنازلات من إسرائيل، على غرار الانتصارات العربية. 

فوق ذلك، فإن مبالغة كهذه تروج لانطباع خاطئ مفاده أن الفلسطينيين، تحرروا من إسرائيل وباتت لديهم دولة، بدليل أنهم يملكون جيشاً يوازي قوة الجيش الإسرائيلي، وهذه فكرة تنمّ عن جهالة وانفصام عن الواقع، والأخطر من ذلك أنها تودي إلى المهالك، في إطلاق يد إسرائيل للبطش بالفلسطينيين وتدمير عمرانهم.

ليست المواجهة، أو الحرب الجارية اليوم بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الأولى من نوعها، فثمة قبلها مواجهات عدة، صعبة ومدمّرة ودامية، منذ هيمنة حركة “حماس” على القطاع (2007)، وفرض إسرائيل الحصار عليه.

هذه المبالغة تدعم رواية إسرائيل عن الخطر الذي يتهددها، وأنها تدافع عن نفسها، وتزجّ الفلسطينيين في غزة في معركة تفوق قدرتهم على التحمل، وتستنزفهم، بدل أن تستنزف المقاومة عدوها، ويأتي ضمن ذلك الحديث عن وجود مضادات جوية لدى الفصائل تتصدى للطائرات الإسرائيلية، وعن امتلاكها صواريخ تهدد تل أبيب، علماً أن كل تلك الصواريخ بالكاد حققت خسائر بشرية أو عمرانية لإسرائيل، وأن بضع عمليات فدائية لشباب أفراد، غير منتمين الى أي فصيل، كبدت إسرائيل، في العام الماضي، خسائر بشرية أكثر من كل إطلاقات الصواريخ خلال الحروب كافة التي خاضتها الفصائل في غزة.

لا علاقة هنا لمسألتين، أولاهما، السؤال عمن الذي بدأ الحرب، أو المواجهة، فسؤال كهذا لا معنى له، لأن إسرائيل هي سبب نكبة الفلسطينيين، وهي التي تحتل أراضيهم، وتصادر ممتلكاتهم، وتمعن في وأد حقوقهم، وتعتقلهم وتدمر بيوتهم في أراضيهم، ومسؤولية فصائل المقاومة هنا هي وقوعها في فخ إسرائيل التي تستدرجها دوماً الى مربع الصراع العسكري، الذي تتفوق فيه، والذي يمكنها من الإمعان في القتل والتدمير في غزة، لإضعاف الفلسطينيين فيها وإخضاعهم لإملاءاتها، وهذا يدخل ضمن النهج الإسرائيلي العام.

المسألة الثانية، تتعلق بسؤال المقاومة، فمع كل الاحترام والتقدير للبطولات والتضحيات، فإن فعل المقاومة لا يمكن اختصاره بالعمل المسلّح، ولا بالحرب الصاروخية، كما لا يمكن احتكاره من مجموعات عسكرية، فهي قبل كل شيء، وأي شيء، فعل شعبي، أو مجتمعي، ومن دون ذلك تغدو المقاومة مجرد ميليشيا، وسلطة أخرى، بخاصة إذا كانت تعتمد في مواردها على الخارج، فكيف إذا باتت سلطة حقاً في إقليمها على شعبها؟! 

الفكرة الأساسية هنا، أنه يجب إخراج المقاومة، كفعل سياسي لبشر معينين، مع أهواء محددة وتجارب ومعارف متفاوتة وانحيازات أيديولوجية وسياسية، من دائرة القداسة، وإخضاعها للفحص والنقد والمساءلة، لا سيما أننا نتحدث عن تجربة فلسطينية عمرها 58 عاماً، ولا تزال تلك التجربة تفتقد استراتيجية عسكرية واضحة.

هكذا فإن البعض، في سياق حماسته وأوهامه ورغباته وعواطفه، يحمّل شعبنا في غزة، فوق ما يحتمله، بظنه أن بإمكان غزة تحرير فلسطين، أو بإمكانها دحر الاحتلال من الضفة والقطاع، فيما الأمر يقتصر على مجرد مناوشات، أو تبادل قصف صاروخي، فلا إسرائيل تريد دخول غزة، ولا فصائل المقاومة تستطيع تحرير شبر بعد غزة.

الأهم من ذلك  كله، أن كل الفصائل في كل الحروب السابقة، كانت تضع شروطاً على الهدنة مع إسرائيل، وتتحدث بصوت عال عن انتصاراتها، لكن في النتيجة، وبعد توقّف الحرب، وانجلاء الأخبار عن عدد الضحايا، وعن الخسائر البشرية والمادية، يبقى الواقع كما هو، من دون أي جديد، رغم كل الأحاديث عن وحدة الساحات، وتوازن الردع أو الرعب، وقواعد الاشتباك الجديدة، لكنه حديث في واد والواقع في واد آخر، خصوصاً واقع الفلسطينيين البائس في قطاع غزة، فهم يفقدون في كل عام عشرات من شبابهم في البحر في محاولاتهم اليائسة للهجرة، أو ينشدون العمل في إسرائيل لتأمين قوت عيالهم. 

واقع غزة أكثر تعقيداً من مجرد الحديث عنه بالعواطف والخطابات الحماسية، وشعب غزة الصابر والصامد والشجاع والمقاوم، هو بحاجة إلى التفكير في أحواله بطريقة عقلانية وواقعية وإنسانية، مع خطاب التحرر، فذلك ما يمكّنه من مواصلة العيش والصمود والمقاومة.  

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!