fbpx

هل للعقوبات الاقتصادية تأثير سياسي حقيقيّ على البلدان المعاقَبة؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على أكثر من 20 دولة، من بينها روسيا وإيران وأفغانستان والصين وغيرها، ولديها أكثر من عشرين نظام عقوبات: بعضها يستهدف دول معينة مثل كوبا وإيران، والبعض الآخر يستهدف أشخاصاً وشركات محدّدة، وأنظمة أخرى هدفها مكافحة أنشطة معيّنة أبرزها تجارة المخدّرات والإرهاب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باتت العقوبات الاقتصادية أداةً أساسيّة تعتمدها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية في مواجهة تحديات جيوسياسيّة كثيرة، مع دول عدّة تعتبرها الولايات المتّحدة عدائية أو تشكل تهديدًا وتحديًّا للنظام العالمي القائم، أبرزها روسيا والصين وكوبا وإيران.

العقوبات الاقتصادية هي أسلوب عقابي اقتصادي رادع تفرضه دول عدة، من أبرزها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، بهدف تغيير السلوك السياسي أو العسكري للدول المعاقبة، إضعاف بعض الأنظمة، مواجهة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان متل عقوبات ماغنيتسكي، الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، مواجهة التطرّف العنيف، ومكافحة تجارة المخدرات.

تشمل العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول وحظر الأسلحة والقيود التجارية، عدا عن تأثيرها العملي والمعنوي في عالمي السياسة والأعمال. تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على أكثر من 20 دولة، من بينها روسيا وإيران وأفغانستان والصين وغيرها، ولديها أكثر من عشرين نظام عقوبات: بعضها يستهدف دول معينة مثل كوبا وإيران، والبعض الآخر يستهدف أشخاصاً وشركات محدّدة، وأنظمة أخرى هدفها مكافحة أنشطة معيّنة أبرزها تجارة المخدّرات والإرهاب.

العقوبات الاقتصادية ليست وسيلةً جديدة، بل يعود تاريخها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. 

إلّا أنّ الجدير ذكره هو الانقلاب الكبير في مقاربة السياسة الأميركية للعقوبات، فبعدما كانت الأخيرة من أكبر المتمنّعين عن استخدام هذه الأداة في بداية القرن العشرين، باتت في العقود الأخيرة أكبر مستخدميها، بحسب مجلّة Foreign Policy.

فالولايات المتّحدة الأميركية، وبعد دفعها ثمناً غالياً وخسائر في تدخلات عسكرية مباشرة في دول كثيرة، والتي جاءت بنتائج عكسية على المصالح الأميركية، لا سيّما من جهة الامتعاض الشعبي الأميركي ونفور الشعوب الأخرى من السياسة الأميركية، ابتعدت من التدخلات المباشرة، ولجأت إلى أداة العقوبات لأنّها حلّ معتدل بين بيانات الاستنكار شديدة اللهجة التي ليس لها أي أثر فعلي، وبين التدخّل العكسري المباشر والمخاطر التي ترافقه. فالعقوبات هي وسيلة ضغط اقتصادية للمعاقبة والردع. 

إلّا أنّ النقاش حول جدوى العقوبات وتأثيرها دائم وطويل، والتجارب مختلفة بين حالة وأخرى.

العقوبات الاقتصادية ليست وسيلةً جديدة، بل يعود تاريخها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. 

هل تستطيع العقوبات إحداث تغيير سياسي؟ 

الخبيرة أجاث ديماريس، مديرة قسم التوقّعات العالمية في وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) والتي كانت سابقًا مستشارة سياسية بارزة للخزانة الفرنسية في روسيا ولبنان، وعملت بشكل مباشر على العقوبات وغيرها من القضايا الاقتصادية والمالية، تناولت في كتابها “Backfire: How Sanctions Reshape the World Against U.S. Interests” (نتائج عكسية: كيف تعيد العقوبات تشكيل العالم ضد مصالح الولايات المتحدة)، عدم فاعلية العقوبات الاقتصادية في حالات كثيرة، وأنّه غالبًا ما تفشل هذه العقوبات في تحقيق أهدافها، لا بل قد تكون لها آثار جانبيّة تضرّ بالمصالح الأميركية. فتبيّن من خلال مراجعتها جميع العقوبات الأميركية منذ عام 1970، أنّ البلدان المستهدفة التي غيّرت سلوكها كما كانت تهدف الولايات المتحدة الأميركية لا تتجاوز الـ 13 في المئة.
إذًا، قدرة العقوبات محدودة، فهي وإن كان تضعف الأنظمة، لكنها لا تسقطها، وبشكل عام هي  سهلة التنفيذ، وتكلفتها قليلة جدًا، وخالية من المخاطر نسبيًّا، ما يسهّل على الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبيّة اللجوء إليها. 

 بحسب ديماريس، التكلفة البشرية للعقوبات غالبًا ما تكون عالية جدًا، الى درجة أنها تجعل سكان البلد الخاضع للعقوبات ينقلبون على المُعاقب. وهذا ما شهدناه في دول عدّة، من بينها روسيا حديثًا وفنزويلا وحتى إيران.

العقوبات الأميركية على دول الشرق الأوسط

تفرض الولايات المتّحدة الأميركية عقوبات على عدد من دول الشرق الأوسط، أبرزها العراق وسوريا وإيران. بالإضافة إلى عقوبات على شخصيّات ومؤسسات مرتبطة بجهات غير حكوميّة مثل “حزب الله”، الذي تضعه الولايات المتحدة الأميركية على لائحة الإرهاب.

لا يمكن إعطاء تقييم موحّد لتجربة العقوبات في الشرق الأوسط. ففي العراق مثلًا، بينما فشلت العقوبات في إجبار الرئيس العراقي السابق صدام حسين على الانسحاب من الكويت، وتطلّب الأمر تدخّلاً عسكرياً، في ما سُمّي بعمليات “عاصفة الصحراء” العسكرية، التي كانت أول حرب تلفزيونية عام 1990، إلّا أنّه بعد حرب الخليج، رفعت العقوبات امتثال العراق للقرارات المتعلّقة بأسلحة الدمار الشامل ولتقليص قدرة العراق على استيراد الأسلحة، بحسب مركز Brookings للأبحاث.

أمّا في إيران، فنجحت العقوبات التي فرضتها سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في الضغط لتوقيع الاتفاق النووي. إلّا أنّ تجرية العقوبات على إيران، تثبت نظريّة ديماريس ومحلّلين آخرين اعتبروا أنّ العقوبات أحيانًا قد تزيد من المشاعر المعادية لأميركا، وتشتّت الانتباه عن “السلوك الاستفزازي” للحكومات المستهدفة، بحسب Brookings.

في سوريا، لم يكن للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية أي تأثير تقريباً من ناحية دفع النظام الى تقديم تنازلات سياسية أو الدخول في تسوية سلمية للصراع، أو التوقّف عن انتهاكات حقوق الإنسان. إلّا أنّه لا شكّ في أنّ لهذه العقوبات أثراً اقتصادياً على رجال الأعمال المرتبطين بنظام بشار الأسد، وبالتالي بالوضع المالي للنظام بشكل عام.

فمثلًا، بعد حصول الزلزال المدمّر في تركيا في 6 شباط/ فبراير 2023، ومع ارتفاع عدد الضحايا الأتراك والسوريّين، سارع النظام والمنظّمات الدوليّة إلى رفع الصوت والمطالبة برفع هذه العقوبات تحت ذريعة أنّها تمنع المساعدات عن ضحايا وجرحى الزلزال في سوريا، وتمّ تسليط الضوء على أثر العقوبات على سكان الشعوب العاديين الذين يتحمّلون عبء هذه العقوبات، وعندها رفعت الولايات المتّحدة الأميركية جزءًا من هذه العقوبات المتعلّقة بالتحويلات بشكلٍ موقّت. 

الخطر الأكبر، أنّ العقوبات أحيانًا تدفع الدول المعاقبة الى دعم بعضها بشكل أكبر في مواجهة الضغط الأميركي أو الأوروبي، كما يحصل في العقود الأخيرة بين روسيا والصين، وكيف تعزّز روسيا أسواقها للتبادل التجاري وبيع النفط في دول مثل الهند وتركيا. 

في هذا السياق، كتب وزير الخزانة السابق جاكوب ج. لو والمسؤول السابق في وزارة الخارجية ريتشارد نيفيو، أنه اليوم، تتمكّن البلاد من استخدام هذه الأداة إلى حدّ كبير “لأنه لا يوجد بديل للدولار ولا سوق تصدير جاذب مثل الولايات المتحدة. ولكن، إذا استمرت واشنطن في إجبار دول أخرى على مواكبة السياسات التي تعتبرها الأخيرة غير قانونية وغير حكيمة، على مدار العشرين إلى الثلاثين عامًا المقبلة، فمن المرجح أن تبتعد هذه الدول من اقتصاد الولايات المتحدة ونظامها المالي”.