fbpx

خطاب “الإسلاموية”… رهان إردوغان الخاسر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يدفع إردوغان اليوم ثمن خطابه الإسلاموي المحافِظ، وعدم قدرته على إقناع سكان المُدن والجيل الشاب بآرائه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان مرشح المعارضة التركية كمال كيليجدار، يضع وردة على ضريح “أتاتورك”، بينما رئيس البلاد، رجب طيب إردوغان، يصلي أمام عشرات الآلاف في مسجد آيا صوفيا. أمضى كل من المرشحين الساعات الأخيرة قبل انطلاق الجولة الانتخابية الأولى، عند المنبع والمشرب الفكريين والعقائديين الخاصين بهما. 

يحمل كيليجدار أوغلو العلمانية مرجعاً فكرياً له، ويمثل التيار العلماني التركي الذي يرى أن الدين في القلوب والمنازل. أما خصمه، إردوغان، فيضع الدين في المجتمع كذلك، ويسعى دوماً إلى تعزيز مكانته في بلاده وفي الفضاء العام.

درّة إسلاموية إردوغان الحقيقية  هي مسجد آيا صوفيا. هذه العمارة الاسطنبولية الفارهة والضخمة، التي حوّلها الرئيس التركي من متحف إلى مسجد، بعدما كان “أتاتورك” بذاته قد حوّلها من مسجد إلى متحف عام 1934 وأهداها “إلى الإنسانية جمعاء”. 

قبل زيارته لـيصلي ويخطب في آيا صوفيا، زار إردوغان رؤساء الطرق الصوفية في أحياء اسطنبول. لهؤلاء مكانة مهمة في المجتمع، ويملكون سلسلة من المدارس والجمعيات والمؤسسات الخيرية ودور الطلبة، هم قوة انتخابية لا يُستهان بها. حطّ إردوغان رحاله عند أحد أهمهم، الشيخ حسن أفندي زعيم جماعة “إسماعيل آغا” الدينية، قبل دقائق من وصوله إلى مسجد آيا صوفيا لأداء صلاة العشاء وتلاوة آيات قرآنية وسط حشد من المصلين.

في اللقاء الحار مع حسن أفندي، اتفق الرجلان على أهمية الحفاظ على القيم الدينية في المجتمع، ومنع العلمانيين من تغيير هوية البلاد. هذا ويعتمد إردوغان، كما دائماً، على عشرات الطرق الصوفية والجماعات الدينية وقدراتها الكبيرة لرفده بالأصوات، إلا أنها لم تكن كافية هذه المرة لتعطيه الأصوات اللازمة للفوز في ولاية رئاسية جديدة.

طوال الحملة الانتخابية الخاصة به، عمل إردوغان على إظهار مواقفه بشكل واضح في الشؤون الدينية وشؤون المرأة والعائلة والمثلية الجنسية، وكلها مواقف تجد في الإسلاموية منبعاً فكرياً لها. كما ركّز على الفروقات بين موقفه “القيمي” النابع من المُثل الدينية، وموقف خصمه كيليجدار أوغلو “المنافي للقيم” في هذه المسائل. هذا وظهر الرئيس التركي، في أكثر من خطاب جماهيري، حاملاً القرآن عالياً، ومردداً آياتاً منه أمام الجمهور، وجلّها آيات تحث على الزُهد والخدمة العامة ورفض “الهدف الغربي الذي يراد للمرأة التركية” حسب قوله.

من الجائز القول إن أقوال إردوغان ومواقفه “الهستيرية” والإسلاموية التي أطلقها بين عامي 2014 و 2016 حول المرأة، قد خف وهجها. قال حينها إن المرأة “غير قادرة على أن تكون صنواً للرجل في العمل والحياة”، وإنها “إن رفضت الأمومة لصالح العمل فقد خانت أنوثتها”، وإنه “من المستحيل أن تكون هناك مساواة بين الرجل والمرأة لأن هذا الأمر مخالف للخلق والطبيعة والدين”، وإن “حبوب منع الحمل يجب أن تكون مرفوضة عند العائلة المسلمة، لأن ذلك مخالف لإرادة الله والقرآن”. 

 اليوم، هدأت “الهستيريا الإردوغانية” على المرأة قليلاً، لكن ليس إلى حد الاختفاء، إذ لا يزال الرئيس التركي يولي أولوية لدور المرأة كأم من دون أي أمر آخر، وهو الموقف الذي ذكّر فيه وردده عشرات المرّات خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، والذي يعود مشربه إلى خلفية إردوغان الإسلاموية.

 على جميع الأحوال، لا يكتفي إردوغان بالأقوال من دون الأفعال، بل أعاد التذكير بـ”إنجازه المهم” بانسحاب تركيا عام 2021 من “اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي”، وهي الصك القانوني الدولي الأكثر شمولاً لمحاربة العنف ضد المرأة ومكافحته.

تمتلك المثلية الجنسية حصة الأسد في خطابات إردوغان، ومحاولته التفريق بينه وبين خصومه. خلال زيارته المدن المطلّة على البحر الأسود، قال بصراحة: “نحن ضد الحركة المثلية والمثليين… لأن العائلة مقدسة لدينا، والعائلة القوية تعني أمة قوية”. 

راح  بعدها يزبد مُتهماً خصمه الانتخابي في محاباة المثليين، واعتبار ذلك إهانة للأمة التركية وخطراً على هوية الشعب. في خطاب آخر في مدينة مرسين، راح إردوغان يصرخ ويسأل الجمهور: “هل كيليجدار أوغلو يناصر المثلية؟” فيرد الجمهور المحافِظ بالإيجاب، “وهل حزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري يناصرون المثلية؟”، فيرد الجمهور  بالإجابة السابقة نفسها، لينهي إردوغان كلامه قائلاً: ” كل هؤلاء ضد المثل العائلية والإسلامية، بينما حزبنا وحدة ضد هؤلاء”. 

المواقف “الإردوغانية” الجدّ محافِظة هذه لم تنفعه في حصد أكثرية أصوات الأتراك. خسر في المدن الكبرى، في إسطنبول وأنقرة وإزمير، كما حاز أرقاماً متواضعة جداً في الولايات الغربية المطلّة على البحر. المدن الكبرى والولايات الغربية في تركيا هي أكثر ليبرالية، وتلفظ مجمل أفكار إردوغان المحافِظة، على عكس الريف الأناضولي وشرق البلاد وشمالها الأكثر تشدداً حيث تصدر إردوغان نتائجها. 

يدفع إردوغان اليوم ثمن خطابه الإسلاموي المحافِظ، وعدم قدرته على إقناع سكان المُدن والجيل الشاب بآرائه.  “الإردوغانية” حسب تجلياتها من عام 2003 وحتى اليوم، هي دفع الناس الى التوجه صوب رجل واحد وتبني أفكاره الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهي، في النهاية، ظاهرة تريد تغيير الناس أولاً ثم النظام فالدولة التركية.

 الوهن الظاهر في شعبية إردوغان سيقلب الآية هذه المرة، وسيدفع الرئيس التركي إلى مجارات شعبه لا دفعهم الى اللحاق به. هذا ثمن على إردوغان دفعه إن أراد الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات والبقاء في السدّة الرئاسية لسنوات خمس جديدة.